رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(٥٠)

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ) [يعني : ظلال](١) الشجر وأكنان القصور ، (وَعُيُونٍ* وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ).

(كُلُوا) على إضمار القول ، تقديره : يقال لهم : كلوا ، (وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا بطاعة الله.

(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) مفسّر فيما مضى (٢).

ثم قال لكفار مكة مهدّدا لهم : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً) زمنا قليلا ، أو تمتعا قليلا مدة بقائكم في الدنيا (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ).

قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) قال مقاتل (٣) : نزلت في ثقيف ، امتنعوا من الصلاة وقالوا : لا ننحني ، [فإنها](٤) مسبّة علينا ، فنزل ذلك فيهم.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا خير [في دين](٥) ليس [فيه](٦) ركوع ولا سجود» (٧). وإلى نحو هذا ذهب مجاهد.

وقال ابن عباس في رواية العوفي : إنما يقال لهم هذا يوم القيامة حين يدعون إلى

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في سورة الصافات ، عند الآية رقم : ٨٠.

(٣) لم أقف عليه في تفسير مقاتل. وانظر قول مقاتل في : الماوردي (٦ / ١٨١) ، وزاد المسير (٨ / ٤٥٢).

(٤) في الأصل : فإنه. والمثبت من ب.

(٥) زيادة من ب.

(٦) زيادة من ب.

(٧) أخرجه أبو داود (٣ / ١٦٣ ح ٣٠٢٦).

٤٤١

السجود فلا يستطيعون (١). فيكون أمرهم بالركوع ؛ تقريعا لهم.

قوله تعالى : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) أي : بعد القرآن المفصل بالمواعظ والحكم (يُؤْمِنُونَ).

قال أهل المعاني : ليس [ترديد قوله](٢) في هذه السورة : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بتكرار ؛ لأن كل واحد جاء عقيب جملة مخالفة لصاحبتها ، فأثبت الويل لمن كذّب بها.

وقد أشرنا إلى معنى ذلك في مواضع ، منها سورة الرحمن.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٤٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٨٨) وعزاه لابن جرير.

(٢) في الأصل : يريد بقوله. والتصويب من ب.

٤٤٢

سورة النبأ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي أربعون آية ، مكية (١).

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً)(١٦)

قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) أصله : عن ما ، على أنه حرف جر دخل على" ما" الاستفهامية. والمراد : تفخيم القصة بهذا الاستفهام ، كأنه قيل : عن أي شيء يتساءلون. وأدغمت النون في الميم ، وحذفت ألف" ما" ، كقولهم : فيم وبم.

قرأ عكرمة وعيسى بن عمر : " عمّا يتساءلون" بإثبات الألف (٢) ، وأنشدوا لحسان :

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٦٢).

(٢) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٤٠٢) ، والدر المصون (٦ / ٤٦١).

٤٤٣

على ما قام يشتمني لئيم

كخنزير تمرّغ في رماد (١)

وقد سبق ذلك فيما مضى.

قال المفسرون : لما بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل كفار قريش بمكة يتساءلون بينهم : ما الذي أتى به محمد؟ ويختصمون فيه ، فنزلت هذه الآية (٢).

ثم ذكر تساءلهم عمّ هو فقال : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) أي : الخبر العظيم الشأن.

وهو القرآن ، في قول مجاهد ومقاتل (٣).

والبعث ، في قول قتادة (٤).

وقيل : هو أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥).

(الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) إن قلنا : هو القرآن ، فاختلافهم فيه ظاهر ، فمنهم من قال : شعر ، ومنهم من قال : كهانة ، ومنهم من قال : أساطير الأولين.

وإن قلنا : هو البعث ، فاختلافهم فيه تصديق بعضهم به ، وتكذيب بعض حين أخبروا به.

__________________

(١) تقدم.

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ١) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٤) كلاهما عن الحسن. وذكره الماوردي (٦ / ١٨٢) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٤١١) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٩٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن.

(٣) أخرجه مجاهد (ص : ٧١٩) ، والطبري (٣٠ / ٢). وانظر : تفسير مقاتل (٣ / ٤٣٩). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٠) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ١٨٢).

٤٤٤

وقيل : تصديق المؤمنين وتكذيب الكافرين.

وإن قلنا : هو أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاختلافهم فيه ظاهر.

قوله تعالى : (كَلَّا) ردع للمتسائلين على وجه الاستهزاء والتكذيب.

ثم توعدهم بقوله : (سَيَعْلَمُونَ) والمعنى : سوف يعلمون عاقبة استهزائهم وتكذيبهم ، أو سوف يعلمون أن ما يتساءلون عنه [ويضحكون](١) منه حق لا محالة.

ثم كرّر ذلك توكيدا فقال : (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ).

وقرأت على الشيخين أبي البقاء اللغوي وأبي عمرو الياسري : " ستعلمون" بالتاء فيهما (٢) ، [من طريق التغلبي](٣) عن ابن ذكوان.

ثم دلهم على كمال قدرته على إيجاد ما أراد من البعث وغيره بقوله : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) أي : فراشا ، (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) للأرض ؛ لئلا تميد بهم ، (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) ذكرانا وإناثا.

(وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) قال ابن قتيبة (٤) : راحة لأبدانكم. وقد فسرناه في الفرقان (٥).

(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) ساترا بظلمته ، كما يستر الثوب لابسه.

__________________

(١) في الأصل : فيضحكون. والتصويب من ب.

(٢) انظر : الحجة للفارسي (٤ / ٩٢) ، والسبعة (ص : ٦٦٨).

(٣) في الأصل : عن طريق الثعلبي. والتصويب من ب.

(٤) تفسير غريب القرآن (ص : ٥٠٨).

(٥) عند الآية رقم : ٤٧.

٤٤٥

(وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) أي : وقت معاش تتقلبون فيه لحوائجكم ومكاسبكم.

(وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) يريد : السموات السبع. ويعني بشدتها : إتقانها وإحكامها ، وأن مرور الدهور لا يؤثر فيها كما يؤثر في الأبنية المتعارفة.

(وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) أي : وقّادا ، يجمع النور والحرارة. يعني : الشمس.

(وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) وهي السموات ، في قول أبي بن كعب ، والحسن ، وسعيد بن جبير (١).

والرياح ، في قول ابن عباس وعكرمة (٢).

قال زيد بن أسلم : هي الجنوب (٣).

قال الأزهري (٤) : هي الرياح ذوات الأعاصير.

و" من" بمعنى الباء ، تقديره : بالمعصرات ، سمّيت بذلك ؛ لأن الرياح تستدرّ المطر.

والسحاب ، في قول أبي العالية ، والضحاك ، والربيع ، وابن عباس في رواية الوالبي ، قالوا : هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولمّا تمطر ، كالمرأة المعصر ، وهي

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٥) عن الحسن. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٤). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٨ / ٣٩٢) وعزاه لعبد بن حميد وأبي يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والخرائطي من طرق عن ابن عباس.

(٣) ذكره الماوردي (٦ / ١٨٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦).

(٤) تهذيب اللغة (٢ / ١٥).

٤٤٦

التي دنا حيضها (١).

قال أبو النجم :

 ............

قد أعصرت أو قد دنا إعصارها (٢)

وقد ذكرنا في سورة الحجر عند قوله : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ)(٣) ماله ارتباط بهذه الآية ، فاعلم ذلك.

وقوله : (ماءً ثَجَّاجاً) قال مقاتل (٤) : يريد : مطرا كثيرا منصبّا يتبع بعضه بعضا. يقال : ثجّه وثجّ بنفسه.

(لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا) مما يأكله الناس ، (وَنَباتاً) يأكله الناس والأنعام.

وقال الزجاج (٥) : كل ما حصد فهو حب ، وكل ما أكلته الماشية من الكلأ فهو نبات.

وقيل : الحب : اللؤلؤ ، والنبات : العشب.

قال عكرمة : ما أنزل الله من السماء قطرا إلا أنبت به في البحر لؤلؤا ، وفي البرّ عشبا (٦).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٥). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٦) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٩١) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.

(٢) عجز بيت لأبي النجم العجلي ، وصدره : (تمشي الهوينا مائلا خمارها). وهو في : اللسان (مادة : عصر ، سفا) ، والقرطبي (١٩ / ١٧٢) ، والبحر (٨ / ٤٠٢) ، والدر المصون (٦ / ٤٦٢).

(٣) عند الآية رقم : ٢٢.

(٤) تفسير مقاتل (٣ / ٤٤٠).

(٥) معاني الزجاج (٥ / ٢٧٢).

(٦) ذكره الماوردي (٦ / ١٨٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٧). وفي ب : الأرض عشبا.

٤٤٧

(وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) ملتفّة.

قال صاحب الكشاف (١) : لا واحد له ، [كالأوزاع](٢) والأخياف. وقيل : الواحد : لف. وقال صاحب الإقليد : أنشدني الحسن [بن](٣) علي الطوسي :

جنّة لفّ وعيش مغدق

وندامى كلّهم بيض زهر

وزعم ابن قتيبة (٤) أنه لفّاء ولفّ ، ثم ألفاف ، وما أظنه واجدا له نظيرا من نحو : خضر وأخضار ، وحمر وأحمار ، ولو قيل : هو جمع ملتفّة ، بتقدير حذف الزوائد ، لكان قولا وجيها. هذا آخر قول صاحب الكشاف.

والذي حكاه عن ابن قتيبة قد ذكره جماعة ، منهم : أبو عبيدة (٥) ، وأبو العباس.

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً)(٣٠)

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٨٧).

(٢) في الأصل : كأوزاع. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٣) زيادة من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٤) تفسير غريب القرآن (ص : ٥٠٩).

(٥) مجاز القرآن (٢ / ٢٨٢).

٤٤٨

قوله تعالى : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) يريد : يوم القيامة (كانَ مِيقاتاً) لما وعد الله من الثواب وأوعد من العقاب.

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) بدل من" يوم الفصل" ، أو عطف بيان (١) ، (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) زمرا زمرا للحساب.

(وَفُتِحَتِ السَّماءُ) وقرأ أهل الكوفة : " وفتحت" بالتخفيف (٢) ، (فَكانَتْ أَبْواباً) ذوات أبواب لنزول الملائكة.

(وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) عن أماكنها (فَكانَتْ) بعد اشتدادها وتصلب أجزائها (سَراباً) هباء منبثا ، أي : تصير شيئا كلا شيء ؛ لتفرّق أجزائها.

قوله تعالى : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ) وقرأ ابن يعمر : " أنّ جهنم" بفتح الهمزة (٣) ؛ على تعليل قيام الساعة بأن جهنم كانت (مِرْصاداً* لِلطَّاغِينَ).

قال الأزهري (٤) : المرصاد : هو المكان الذي يرصد فيه الراصد العدوّ.

ثم بيّن لمن هي مرصاد فقال : (لِلطَّاغِينَ).

قال ابن عباس : للمشركين (٥).

(مَآباً) مرجعا يرجعون إليه.

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٩) ، والدر المصون (٦ / ٤٦٣).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ٩٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٥) ، والكشف (١ / ٤٣٢ و ٤٦٢) ، والنشر (٢ / ٣٦٤) ، والإتحاف (ص : ٣٧٧ ، ٤٣١) ، والسبعة (ص : ٦٦٨).

(٣) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٤٠٥) ، والدر المصون (٦ / ٤٦٤).

(٤) تهذيب اللغة (١٢ / ١٣٧).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤١٣).

٤٤٩

قوله تعالى : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) قرأ حمزة : " لبثين" بغير ألف (١).

قال أبو علي (٢) : من قرأ : " لابثين" جاء باسم الفاعل من لبث على فاعل ، نحو : شرب فهو شارب ، ومن قرأ بغير ألف جاء به على فعل ، نحو : حذر فهو حذر. وقد جاء غير حرف من هذا النحو على فاعل وفعل.

وقال الزمخشري (٣) : اللبث أقوى ؛ لأن اللابث من وجد منه اللبث ، ولا يقال" لبث" إلا لمن شأنه اللبث ، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفك عنه.

(فِيها أَحْقاباً) قال الحسن : لم يجعل الله لأهل النار مدة ، بل قال : أحقابا ، فو الله ما هو إلا أنه إذا مضى [حقب](٤) دخل آخر ثم آخر ثم آخر كذلك إلى الأبد (٥).

قال ابن قتيبة (٦) : هذا لا يدل على غاية ؛ لأنه كلما مضى حقب تبعه حقب. ولو أنه قال : لابثين فيها عشرة أحقاب أو خمسة دل على غاية.

وقال الزجاج (٧) : والأحقاب واحدها : حقب ، والحقب : ثمانون سنة ، كل سنة اثنا عشر شهرا ، كل شهر ثلاثون يوما ، كل يوم منها مقدار ألف سنة من سنيّ الدنيا.

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٩٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٥) ، والكشف (٢ / ٣٥٩) ، والنشر (٢ / ٣٩٧) ، والإتحاف (ص : ٤٣١) ، والسبعة (ص : ٦٦٨).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ٩٣).

(٣) الكشاف (٤ / ٦٨٨).

(٤) زيادة من ب.

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤١٤).

(٦) تفسير غريب القرآن (ص : ٥٠٩).

(٧) معاني الزجاج (٥ / ٢٧٣).

٤٥٠

قال (١) : والمعنى : أنهم يلبثون أحقابا ، لا يذوقون في الأحقاب بردا ولا شرابا ، وهم خالدون في النار أبدا ، كما قال الله عزوجل : [(خالِدِينَ فِيها أَبَداً)](٢) [الجن : ٢٣].

قال صاحب الكشاف (٣) : يجوز أن يراد : لابثين فيها أحقابا غير ذائقين بردا ولا شرابا ، إلا حميما وغساقا ، ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم والغسّاق من جنس آخر من العذاب.

قوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) قال ابن عباس : لا يذوقون فيها برد الشراب ولا الشراب (٤).

وقال الحسن وعطاء : لا يذوقون فيها بردا ، [أي](٥) : روحا وراحة (٦).

وقال مقاتل (٧) : لا يذوقون فيها بردا ينفعهم من حرها ، ولا شرابا ينفعهم من عطش.

وقال مجاهد والسدي والكسائي والفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة (٨) : البرد :

__________________

(١) أي : الزجاج.

(٢) زيادة من معاني الزجاج (٥ / ٢٧٣).

(٣) الكشاف (٤ / ٦٨٨ ـ ٦٨٩).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٨).

(٥) زيادة من ب.

(٦) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٨).

(٧) تفسير مقاتل (٣ / ٤٤٢).

(٨) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة (ص : ٥٠٩) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (٢ / ٢٨٢) ، وزاد المسير (٩ / ٨).

٤٥١

النوم. والعرب تقول : منع البرد البرد.

قال الفراء (١) : إن النوم ليبرد صاحبه ، وإن العطشان لينام فيبرد غليله ، فلذلك سمي النوم بردا. قال الشاعر :

فإن شئت حرّمت النّساء سواكم

وإن شئت لم أطعم [نقاخا](٢) ولا بردا (٣)

قال ابن قتيبة (٤) : [والنّقاخ](٥) : الماء ، والبرد : النوم.

وأنشد أبو عبيدة (٦) قول الكندي :

بردت مراشفها عليّ فصدّني

عنها وعن قبلاتها البرد (٧)

قوله تعالى : (إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) سبق تفسيره.

وقد ذكرنا في أواخر صاد (٨) اختلاف القراء في" غساق" ، وتوجيه القراءتين.

قوله تعالى : (جَزاءً وِفاقاً) قال الزجاج (٩) : جوزوا [جزاء](١٠) وفق أعمالهم.

قال مقاتل (١١) : وافق عذاب النار الشرك ؛ لأنهما عظيمان ، فلا ذنب أعظم من

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ٢٢٨).

(٢) في الأصل : نفاخا. والتصويب من ب.

(٣) تقدم.

(٤) تفسير غريب القرآن (ص : ٥٠٩).

(٥) في الأصل : والنفاخ. والتصويب من ب.

(٦) مجاز القرآن (٢ / ٢٨٢).

(٧) البيت للكندي ، وهو في : القرطبي (١٩ / ١٨٠) ، والطبري (٣٠ / ١٢) ، والماوردي (٦ / ١٨٧).

(٨) عند الآية رقم : ٥٧.

(٩) معاني الزجاج (٥ / ٢٧٤).

(١٠) زيادة من ب.

(١١) تفسير مقاتل (٣ / ٤٤٢).

٤٥٢

الشرك ، ولا عذاب أعظم من النار.

قال الزمخشري (١) : " وفاقا" وصف بالمصدر ، أو ذا وفاق.

قوله تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) أي : لا يخافون أن يحاسبوا. يريد : كانوا لا يؤمنون بالبعث.

وقال الزجاج (٢) : لا يرجون ثواب حسابهم ؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث.

(وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) أي : تكذيبا.

قال الفراء (٣) : هي لغة يمانية فصيحة ، يقولون : كذّبت كذّابا ، وخرّقت القميص خرّاقا ، وكلّ" فعلت" مصدرها : فعّال في لغتهم ـ مشدّد ـ.

قال (٤) : وقال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني : الحلق أحبّ إليك أم القصّار؟.

وقال صاحب الكشاف (٥) : وسمعني بعضهم أفسّر آية فقال : لقد فسّرتها فسّارا ما سمع بمثله.

وقرأ علي عليه‌السلام : " كذابا" بالتخفيف (٦) ، في الموضعين من هذه السورة.

قال الزمخشري (٧) : وهو مصدر كذب ، بدليل قوله :

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٨٩).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٢٧٤).

(٣) معاني الفراء (٣ / ٢٢٩).

(٤) أي : الفراء.

(٥) الكشاف (٤ / ٦٨٩).

(٦) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٤٠٦) ، والدر المصون (٦ / ٤٦٧).

(٧) الكشاف (٤ / ٦٨٩).

٤٥٣

فصدقتها وكذبتها

والمرء [ينفعه](١) كذابه (٢)

قلت : والبيت للأعشى.

قوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) قال الزجاج (٣) : " كلّ" منصوب بفعل مضمر يفسره : " أحصيناه". والمعنى : وأحصينا كل شيء ، و" كتابا" توكيد ل" أحصيناه" ؛ لأن معنى أحصيناه وكتبناه فيما يحصل ويثبت واحد ، فالمعنى : كتبناه كتابا.

وقال غيره (٤) : يجوز أن يكون" كتابا" حالا في معنى : مكتوبا في اللوح ، وفي [صحف](٥) الحفظة.

قال المفسرون : وكل شيء من الأعمال أثبتناه في اللوح المحفوظ.

قوله تعالى : (فَذُوقُوا) على إضمار القول ، أي : فيقال لهم : ذوقوا جزاء أعمالكم ، (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً).

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً)(٣٧)

__________________

(١) في الأصل : وينفعه. والتصويب من ب.

(٢) البيت للأعشى. وهو ليس في ديوانه. وهو في : الدر المصون (٦ / ٤٦٦) ، وابن يعيش (٦ / ٤٤) ، والطبري (٣٠ / ٢٠) ، والقرطبي (١٩ / ١٨١) ، وزاد المسير (٩ / ١٠) ، وروح المعاني (٣٠ / ١٦).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢٧٤).

(٤) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٨٩ ـ ٦٩٠).

(٥) في الأصل : مصحف. والتصويب من ب ، والكشاف (٤ / ٦٩٠).

٤٥٤

قوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) أي : موضع فوز ، أو فوزا وظفرا بإدراك البغية.

قال ابن عباس : مفازا : متنزها (١).

وقال قتادة : فازوا بأن نجوا من النار بالجنة ، ومن العذاب بالرحمة (٢).

ثم فسّر ذلك الفوز فقال : (حَدائِقَ وَأَعْناباً) قال ابن قتيبة (٣) : الحدائق : بساتين النخل ، واحدها : حديقة.

وقال غيره : البساتين فيها أنواع الشجر المثمر.

(وَكَواعِبَ أَتْراباً) قال ابن عباس : الكواعب : النّواهد (٤).

وقال الضحاك : العذارى (٥).

قال ابن فارس (٦) : يقال : كعبت المرأة كعابة ، وهي كاعب ؛ إذا نتأثديها.

والأتراب : اللّدات (٧). وقد سبق ذلك.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٧) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٨) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث.

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٨) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(٣) تفسير غريب القرآن (ص : ٥١٠).

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٨) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث.

(٥) الماوردي (٦ / ١٨٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٨) وعزاه لابن المنذر.

(٦) معجم مقاييس اللغة (٥ / ١٨٦).

(٧) انظر : تاج العروس (مادة : ترب).

٤٥٥

(وَكَأْساً دِهاقاً) قال الحسن وقتادة وابن زيد : " دهاقا" : مملوءة (١).

وقال سعيد بن جبير : متتابعة (٢) ، ومنه قول الشاعر :

دونكها مترعة دهاقا

 ...................(٣)

وعن ابن عباس ومجاهد كالقولين (٤).

قال ابن عباس : سمعت أبي في الجاهلية يقول : أسقنا كأسا دهاقا (٥).

وقال عكرمة : صافية (٦). وعليه أنشدوا :

لأنت إلى الفؤاد أحبّ قوتا

من الصّادي إلى كأس [دهاق](٧)

قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها) أي : في الجنة (لَغْواً) باطلا من الكلام (وَلا كِذَّاباً) تكذيبا ، أي : لا يكذّب بعضهم بعضا ، على ما هو المتعارف من شاربي خمر

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٩). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٨) وعزاه لعبد بن حميد عن سعيد بن جبير وقتادة ومجاهد والضحاك والحسن.

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٩). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٩) وعزاه لعبد بن حميد عن سعيد بن جبير والضحاك.

(٣) صدر بيت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وعجزه : (كأسا زعافا مزجت زعاقا). وهو في : اللسان (مادة : زعق) ، وتاج العروس (مادة : زعق ، ودق) ، والعين (١ / ١٣٣).

(٤) أخرجه مجاهد (ص : ٧٢٢) ، والطبري (٣٠ / ١٩ ـ ٢٠) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٥).

(٥) أخرجه الحاكم (٢ / ٥٥٦ ح ٣٨٩١) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٦). وذكر نحوه السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٨) وعزاه لابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث.

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٩) أو ذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٩) وعزاه لابن جرير.

(٧) انظر البيت في : القرطبي (١٩ / ١٦٣) ، والبحر (٨ / ٤٠٢) ، والدر المصون (٦ / ٤٦٧) ، والماوردي (٦ / ١٨٩) ، وفيهم : " قربا" بدل : " قوتا". وما بين المعكوفين في الأصل : دهاقا. والتصويب من ب ، ومصادر البيت.

٤٥٦

الدنيا.

وقرأ الكسائي : " كذابا" بالتخفيف (١) ، مصدر : كذب ، كما أن الكتاب مصدر : كتب ، وإنما شدّد الموضع الأول ؛ لقوله : (وَكَذَّبُوا).

قوله تعالى : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) قال الزجاج (٢) : "(جَزاءً)" منصوب بمعنى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) [النبأ : ٣١] ؛ لأن معنى أعطاهم وجازاهم واحد.

قال الزمخشري (٣) : و" عطاء" نصب ب" جزاء" نصب المفعول به. أي : جزاهم عطاء. و" حسابا" صفة بمعنى : كافيا ، من أحسبه الشيء ؛ إذا كفاه حتى قال : حسبي. وقيل : على حسب أعمالهم.

قال الكلبي : حاسبهم فأعطاهم بالحسنة عشرا (٤).

قرأ الحرميان وأبو عمرو : (رَبِّ السَّماواتِ) برفع الباء. وقرأ الباقون بالخفض. وقرأ عاصم وابن عامر : بالخفض (٥) ، ورفعه الباقون (٦).

فمن رفع الاسمين قطع الكلام مما قبله ، ف" ربّ" مبتدأ و" الرحمن" خبره ، ثم استأنف (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٩٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٦) ، والكشف (٢ / ٣٥٩) ، والنشر (٢ / ٣٩٧) ، والإتحاف (ص : ٤٣١) ، والسبعة (ص : ٦٦٩).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٢٧٥).

(٣) الكشاف (٤ / ٦٩٠).

(٤) ذكره القرطبي (١٩ / ١٨٥).

(٥) أي : بخفض كلمة : " الرحمن".

(٦) الحجة للفارسي (٤ / ٩٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٤٧) ، والكشف (٢ / ٣٥٩) ، والنشر (٢ / ٣٩٧) ، والإتحاف (ص : ٤٣١ ـ ٤٣٢) ، والسبعة (ص : ٦٦٩).

٤٥٧

ومن خفض الاسمين أتبعهما المخفوض قبلهما ، وهو قوله : " من ربك" على البدل.

ومن رفع" الرحمن" جعله مبتدأ ، والخبر ما بعده ، أو على معنى : هو الرحمن.

والضمير في قوله : " لا يملكون" : لأهل السموات والأرض.

قال مقاتل (١) : لا يقدر الخلق أن يكلموا الربّ إلا بإذنه.

(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً)(٤٠)

قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) الظرف متعلق بقوله : " لا يملكون" أو بقوله : " لا يتكلمون" ، أو بمضمر تقديره : اذكر.

وفي الروح خمسة أقوال :

أحدها : أنهم خلق من خلق الله ، على صورة بني آدم يأكلون ويشربون ، وليسوا بملائكة. قاله مجاهد (٢). وروي معناه مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ٤٤٤) بمعناه.

(٢) أخرجه مجاهد (ص : ٧٢٢ ـ ٧٢٣) ، والطبري (٣٠ / ٢٢ ـ ٢٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٩) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ.

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٦) ، وأبو الشيخ في العظمة (٣ / ٨٧٠ ح ٤١٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٩) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة وابن مردويه عن ابن عباس ، رفعه.

٤٥٨

الثاني : أنه ملك ما خلق الله ملكا أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا ، وقامت الملائكة كلهم صفا واحدا ، فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم (١).

قال ابن مسعود : هو أعظم من خلق السموات والجبال والملائكة (٢).

الثالث : أنها أرواح الناس تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين ، قبل أن تردّ إلى الأجساد (٣). وهذه الأقول الثلاثة مروية عن ابن عباس.

الرابع : أنه جبريل عليه‌السلام. قاله الشعبي وسعيد بن جبير والضحاك (٤).

الخامس : أنهم بنو آدم. قاله الحسن وقتادة (٥). على معنى : يقوم ذووا الروح.

قال الشعبي : هما سماطان ، سماط من الروح ، وسماط من الملائكة (٦). فيكون المعنى على هذا : يقوم الروح صفا والملائكة صفا.

وقال ابن قتيبة (٧) : معنى قوله : " صفا" : صفوفا.

وقوله : (لا يَتَكَلَّمُونَ) جائز أن يكون في محل الحال ، وجائز أن يكون جملة

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٦) كلاهما عن ابن عباس.

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠٠) وعزاه لابن جرير.

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠٠ ـ ٤٠١) وعزاه للبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس.

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٢) عن الضحاك والشعبي ، وأبو الشيخ في العظمة (٢ / ٧٧٨ ح ١٥ ، ٣ / ٨٧٣ ح ٤١٣) عن الضحاك. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠٠) وعزاه لعبد بن حميد وأبي الشيخ عن الضحاك.

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٣).

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٤) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٦) ، وأبو الشيخ في العظمة (٣ / ٨٧٤ ح ٤١٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٩٩) وعزاه لابن المنذر وأبي الشيخ في العظمة.

(٧) تفسير غريب القرآن (ص : ٥١١).

٤٥٩

مستأنفة. (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) في الكلام ، (وَقالَ صَواباً) حقا في الدنيا وعمل به.

وقال أبو صالح : قال : لا إله إلا الله (١).

وقال صاحب الكشاف (٢) : هما شريطتان : أن يكون المتكلم منهم مأذونا له في الكلام ، وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى.

قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) أي : مرجعا بالطاعة.

ثم خوّف كفار مكة فقال : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) وهو عذاب الآخرة.

(يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) قال الزمخشري (٣) : " المرء" : هو الكافر ؛ [لقوله](٤) : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) ، والكافر : ظاهر وضع موضع الضمير لزيادة الذم.

وقال أكثر المفسرين : المرء : اسم جنس يشمل الصالح والطالح ، أخبر الله أنهم يرون يوم القيامة ما قدّموا في الدنيا من الأعمال السيئة والحسنة مثبتا في صحائف أعمالهم.

وقال قتادة : هو المؤمن (٥).

و" ما" موصولة ، والراجع إلى الصلة محذوف.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٤). وذكره الماوردي (٦ / ١٩٠).

(٢) الكشاف (٤ / ٦٩١).

(٣) الكشاف (٤ / ٦٩١).

(٤) في الأصل : كقوله. والمثبت من ب ، والكشاف (٤ / ٦٩١).

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ٢٥) عن الحسن. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠١) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن.

٤٦٠