رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

المبطلين ، وطاحت [شبه](١) المكذبين.

والمعنى : والله يشهد إنهم لكاذبون في قولهم : " نشهد".

والآية التي بعدها مفسرة في المجادلة (٢).

قوله تعالى : (ذلِكَ) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، أي : ذلك القول الشاهد عليهم (بِأَنَّهُمْ) أسوأ الناس أعمالا ، بسبب أنهم (آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) وذلك الكذب بأنهم آمنوا بألسنتهم ، ثم كفروا بقلوبهم ، [أو بما](٣) ظهر من كفرهم.

(فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) ختم عليها بالكفر ، (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) الحق من الباطل.

قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ) خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لكل سامع (تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) قال ابن عباس : كان عبد الله بن أبيّ جسيما فصيحا ، ذلق اللسان ، فإذا قال سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله (٤).

وقال زيد بن أرقم : كانوا رجالا أجمل شيء (٥).

وقال غيره (٦) : وكانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولهم جهارة المنظر ، وفصاحة الألسن ، فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنون يعجبون منهم ويسمعون كلامهم.

(كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) قرأ أبو عمرو والكسائي وقنبل : " خشب" بسكون

__________________

(١) في الأصل : بشبه. والتصويب من ب.

(٢) عند الآية رقم : ١٦.

(٣) في الأصل : أبما. والتصويب من ب.

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥).

(٥) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٦٠ ح ٤٦٢٠) ضمن حديث زيد بن أرقم السابق ذكره.

(٦) هذا قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٥٤٢).

١٤١

الشين ، وقرأ الباقون بضمّها (١) ، وهو جمع خشبة ؛ كبدنة وبدن ، وثمرة وثمر.

والمعنى : كأنهم في عظم أجسامهم ، وخفّة أحلامهم ، وعدم انتفاعهم والنفع بهم ؛ خشب.

وفي قوله : (مُسَنَّدَةٌ) تحقيق لمعنى عدم النفع بهم ؛ لأن الخشب لا ينتفع به ما دام متروكا [مسنّدا](٢).

وقيل : شبّههم [بالخشب](٣) المسنّدة ؛ لأنها لا تثمر ولا تنمي.

وقيل : شبّههم بالخشب النخرة ؛ لسوء مخبرهم.

وجوّز بعضهم أن يراد : الأوثان المنحوتة من الخشب المسنّدة إلى الحيطان ، فهي جميلة في المنظر ، خالية عن المخبر.

وقال اليزيدي : الخشب : جمع خشباء ، وهي الخشبة التي دعر جوفها ، أي : فسد ، شبّهوا بها في نفاقهم وفساد بواطنهم (٤).

(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) أي : يحسبون لما عندهم من الرّعب كل صيحة عليهم. [وثاني](٥) مفعولي" يحسبون" محذوف ، تقديره : يحسبون كل صيحة واقعة (٦) عليهم.

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٤٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٠٩) ، والكشف (٢ / ٣٢٢) ، والنشر (٢ / ٢١٦ ـ ٢١٧) ، والإتحاف (ص : ١٤٢ ، ٤١٦) ، والسبعة (ص : ٦٣٦).

(٢) في الأصل : مستندا. والمثبت من ب.

(٣) في الأصل : باخشب. والتصويب من ب.

(٤) انظر : الكشاف (٤ / ٥٤٢).

(٥) في الأصل : ويأتي. والتصويب من ب.

(٦) قوله : " واقعة" سقط من ب. وانظر : الدر المصون (٦ / ٣٢١).

١٤٢

وقد سرق الأخطل النصراني هذا المعنى ، وأنّى له ذلك لو لا الكتاب العزيز فقال :

ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم

خيلا تكرّ عليهم ورجالا (١)

قال المفسرون : لا يسمعون صوتا إلا ظنوا أنهم قد أتوا ، وإن نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة ، أو نشدت ضالة ، ظنوا أنهم يرادون ؛ لما في قلوبهم من الخوف ، وكانوا كالمتوقعين أمرا من عند الله ، يستأصل به شأفتهم على لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبأيدي المؤمنين.

(هُمُ الْعَدُوُّ) أي : هم الكاملون في العداوة ؛ لكفرهم ونفاقهم وما جثم على صدورهم من الغل والحسد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين ، [ولن](٢) تجد أجلب للعداوة من هذه الأسباب ، لا سيما وقد حربوا وسلبوا وبدّلوا من بعد عزّهم ذلّا ، ومن بعد أمنهم خوفا.

وإلى هذا المعنى نظر سديف في قوله :

لا يغرّنك ما ترى من رجال

إنّ تحت الضّلوع [داء](٣) دويّا

فضع السيف وارفع السّوط حتى

لا ترى فوق ظهرها أمويّا (٤)

__________________

(١) البيت لجرير ضمن قصيدة طويلة له ، انظر : شرح ديوان جرير (ص : ٣٣٩).

(٢) في الأصل : ولم. والتصويب من ب.

(٣) زيادة من ب.

(٤) البيتان لسديف ، وهما في : الأغاني (٤ / ٣٤٣) وفيه : " جرّد السيف وارفع العفو" بدل : " فضع السيف وارفع السوط" ، والكامل في التاريخ (٥ / ٢٦ ، ٧٧) ، والبدء والتاريخ (٦ / ٩٠) ، والنجوم الزاهرة (١ / ٣٣١).

١٤٣

وباقي الآية مفسر في براءة (١).

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٨)

قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) أخرجا في الصحيحين : «أن زيد بن أرقم قال : ثم دعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليستغفر لهم ، قال : فلوّوا رؤوسهم» (٢).

قال المفسرون : لما نزلت في ابن أبيّ هذه السورة وبان كذبه ، قال له عبادة بن الصامت وغيره من أهله : يا أبا الحباب! قد نزلت فيك آيات شداد ، فاذهب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليستغفر لك ، فلوى رأسه (٣).

__________________

(١) عند الآية رقم : ٣٠.

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٦٠ ح ٤٦٢٠) ، ومسلم (٤ / ٢١٤٠ ح ٢٧٧٢).

(٣) أخرجه الطبري (٢٨ / ١١٠). وانظر : أسباب النزول للواحدي (ص : ٤٥٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٧٥) من حديث بشير بن مسلم.

١٤٤

قرأ نافع : " لووا" بالتخفيف ، وشدّده الباقون (١). والمعنى واحد ، إلا أن التشديد للتكثير.

قال مقاتل (٢) : عطفوا رؤوسهم رغبة عن الاستغفار.

وقال الفراء (٣) : حرّكوها استهزاء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبدعائه.

ويروى أنه قال لهم : أمرتموني أن أؤمن فآمنت ، وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت ، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد (٤)!. ولم يلبث بعدها إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات.

ثم أخبر أن الاستغفار لا ينفعهم فقال : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) وقرئ شاذا : " استغفرت" على حذف حرف الاستفهام ؛ لدلالة" أم" المعادلة عليه (٥).

وقرأت لأبي جعفر : " آستغفرت" بالمد على الإشباع لهمزة الاستفهام (٦) ؛ إظهارا لها وبيانا.

والآية التي بعدها قول ابن أبيّ المنافق ؛ على ما ذكرناه في سياقة قصته.

ومعنى : "(يَنْفَضُّوا)" : يتفرّقوا (٧).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٤٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٠٩ ـ ٧١٠) ، والكشف (٢ / ٣٢٢) ، والنشر (٢ / ٣٨٨) ، والإتحاف (ص : ٤١٦) ، والسبعة (ص : ٦٣٦).

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٣٦٤).

(٣) معاني الفراء (٣ / ١٥٩).

(٤) أخرجه الطبري (٢٨ / ١١٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٧٥) من حديث بشير بن مسلم.

(٥) انظر هذه القراءة في : الكشاف (٤ / ٥٤٥) ، والدر المصون (٦ / ٣٢١).

(٦) انظر : النشر (٢ / ٣٨٨) ، والإتحاف (ص : ٤١٦ ـ ٤١٧).

(٧) في ب : تنفضوا ، تتفرقوا.

١٤٥

[وقرئ](١) شاذا : " [ينفضوا](٢) " ، من [أنفض](٣) القوم ؛ إذا فنيت أزوادهم (٤).

وفي قوله : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إشعار بأنه هو الذي بيده أرزاق العباد ، فهو الذي رزق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه لا أهل المدينة.

قال المفسرون : خزائن السموات : المطر ، وخزائن الأرض : النبات (٥).

(وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) ذلك.

والآية التي بعدها قول المنافق ، وقد ذكرناه في قصته.

وفي قراءة الحسن البصري وابن أبي عبلة : " لنخرجنّ" ونصب" الأعزّ" و" الأذلّ" (٦).

قال الزمخشري (٧) : معناه : خروج الأذل ، أو إخراج الأذل ، أو مثل الأذل.

ويحتمل عندي : أن يكون مراد المنافق ـ قاتله الله ـ على هذه القراءة : إجراء الصفتين على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على معنى : لنخرجن الأعز على أصحابه ، الأذل عندنا ، فسلب الله عن المنافق ما انتحله لنفسه المهينة من العزّة فقال : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) الغلبة والقوة ، (وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).

__________________

(١) في الأصل : قرئ. والتصويب من ب.

(٢) في الأصل وب : تنفضوا. والتصويب من : الكشاف (٤ / ٥٤٥) ، والدر المصون (٦ / ٣٢٢).

(٣) في الأصل : انتفض. والتصويب من ب.

(٤) انظر : اللسان (مادة : نفض).

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ١٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٧٦).

(٦) انظر : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٤١٧).

(٧) الكشاف (٤ / ٥٤٥).

١٤٦

ومن استقرأ ذلك عرف صحته عيانا ، فإنك ترى الواحد من المحقّين في الدّين المخلصين فيه ، تخضع له أعناق الجبابرة والفراعنة ، وتخشع لهيبته ذووا الأنفة والحميّة ، ما ذاك إلا لما ألبسه الله من عزّ سلطانه ، وكساه من هيبته.

قال رجل للحسن بن علي رضي الله عنهما : إن الناس يزعمون أن فيك [تيها](١)؟ قال : ليس بتيه ، ولكنه عزّة ، وتلا هذه الآية (٢).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(١١)

قوله تعالى : (لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) أي : لا يشغلكم طلب استثمار الأموال ، والقيام على الأولاد (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) قال ابن عباس : طاعته في الجهاد (٣).

وقال عطاء : الصلاة المكتوبة (٤).

وقيل : جميع الفرائض.

__________________

(١) في الأصل : نهيا. والتصويب من ب.

(٢) ذكره الزمخشري في : الكشاف (٤ / ٥٤٥).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٧٧).

(٤) أخرجه البيهقي في الشعب (٣ / ٧٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٨٠) وعزاه لابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان.

١٤٧

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) في تجارتهم ، لما فاتهم من ثواب الآخرة.

قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) قال ابن عباس : يريد : زكاة الأموال (١).

وقال الضحاك : يريد : الحقوق الواجبة في المال (٢).

وقيل : صدقة التطوع (٣). فيكون الأمر للندب.

قال الضحاك : لا ينزل بأحد الموت لم يحج ولم يؤد زكاة المال إلا سأل الرجعة ، وتلا هذه الآية (٤).

(لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ) أي : هلّا أخرت موتي إلى أجل (قَرِيبٍ) زمان قليل ، (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) قرأ أبو عمرو : " وأكون" بالواو والنصب ، عطفا على لفظ"(فَأَصَّدَّقَ)" ؛ لأنه منصوب بإضمار" أن" ، على جواب التمني.

وقرأ الباقون : "(وَأَكُنْ)" بغير واو مع الجزم (٥) ، عطفا على موضع"(فَأَصَّدَّقَ)" ؛ لأن موضعه قبل دخول الفاء : الجزم.

وقرأ عبيد بن عمير : " وأكون" بالرفع (٦) ، [على معنى](٧) : وأنا أكون.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٨ / ١١٨). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٧٧).

(٢) ذكره الماوردي (٦ / ١٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٧٧).

(٣) ذكره الماوردي (٦ / ١٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٧٨).

(٤) أخرجه الطبري (٢٨ / ١١٨).

(٥) الحجة للفارسي (٤ / ٤٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧١٠) ، والكشف (٢ / ٣٢٢) ، والنشر (٢ / ٣٨٨) ، والإتحاف (ص : ٤١٧) ، والسبعة (ص : ٦٣٧).

(٦) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٢٧١) ، والدر المصون (٦ / ٣٢٤).

(٧) زيادة من ب.

١٤٨

قرأ أبو بكر عن عاصم : " يعملون" ، خاتمتها بالياء على المغايبة ، حملا على قوله : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً).

وقرأ الباقون : بالتاء ، على المخاطبة لجميع الخلق (١). والله تعالى أعلم.

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٤٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧١١) ، والكشف (٢ / ٣٢٣) ، والنشر (٢ / ٣٨٨) ، والإتحاف (ص : ٤١٧) ، والسبعة (ص : ٦٣٧).

١٤٩

سورة التغابن

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ثماني عشرة آية (١).

وهي مدنية ، في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين (٢).

وقال الضحاك : مكية (٣). ومثله عطاء بن يسار ، واستثنى منها ثلاث آيات ، وهي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ) واللتان بعدها (٤).

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٤٨).

(٢) انظر : زاد المسير (٨ / ٢٧٩) ، والدر المنثور (٨ / ١٨١).

(٣) انظر : الماوردي (٦ / ٢٠) ، وزاد المسير (٨ / ٢٧٩).

(٤) أخرجه الطبري (٢٨ / ١٢٥). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٧٩) ، والسيوطي في الدر (٨ / ١٨١) وعزاه لابن إسحاق وابن جرير.

١٥٠

رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(٨)

قوله تعالى : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) قال ابن عباس : إن الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا ، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم (١).

قال الزجاج (٢) : جاء في التفسير : أن يحيى بن زكريا خلق في بطن أمه مؤمنا ، وخلق فرعون في بطن أمه كافرا.

قلت : وعلى هذا جاءت الأحاديث الصحيحة ، وليس هذا موضع استقصائها :

منها : «السعيد من سعد في بطن أمه ، والشقيّ من شقي في بطن أمه» (٣).

ومنها : «ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات ، فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد» (٤).

ومنها : «الغلام الذي قتله الخضر» (٥).

وقيل : تمّ الكلام عند قوله : (خَلَقَكُمْ) ، ثم ابتدأ فقال : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٠٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٧٩).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ١٧٩).

(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط (٣ / ١٠٧ ح ٢٦٣١) من حديث ابن مسعود.

(٤) أخرجه البخاري (٣ / ١١٧٤ ح ٣٠٣٦) ، ومسلم (٤ / ٢٠٣٦ ح ٢٦٤٣).

(٥) أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٥٠ ح ٢٦٦١).

١٥١

مُؤْمِنٌ) قال ابن عباس في رواية أبي الجوزاء : فمنكم كافر يؤمن ، ومنكم مؤمن يكفر (١).

[وقال](٢) الزجاج (٣) : أحسن ما قيل فيه : هو الذي خلقكم فمنكم كافر بأن الله خلقه ، وهو مذهب أهل الدهر والطبائع ، ومنكم مؤمن بأن الله خلقه.

وما بعده ظاهر أو مفسّر إلى قوله مخاطبا لأهل مكة : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) والمراد : تهديدهم. (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) وهو العذاب في الدنيا (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.

(ذلِكَ) إشارة إلى الوبال الذي ذاقوه في الدنيا والعذاب في الآخرة (بِأَنَّهُ) أي : بأن الشأن والحديث.

وقولهم : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) [إنكار](٤) أن يكون الرسول [بشرا](٥) ، كما أخبر الله عن كفار قريش وغيرهم من كفار الأمم الماضية.

والبشر : اسم جنس ، معناه الجمع. (وَاسْتَغْنَى اللهُ) عن إيمانهم.

وقد ذكرنا فيما مضى أن" زعم" كناية عن الكذب.

(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٨٠).

(٢) في الأصل : قال. والمثبت من ب.

(٣) معاني الزجاج (٥ / ١٧٩).

(٤) في الأصل : إن كمان. والتصويب من ب.

(٥) في الأصل : بشر. والتصويب من ب.

١٥٢

خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(١٠)

قوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) منصوب بقوله : (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ).

وقيل : ب" خبير" ؛ لتضمنه معنى الوعيد ، أو بإضمار : اذكر (١).

والتّغابن : تفاعل من الغبن ، وهو فوت الحظ والمراد.

وأسباب الغبن في ذلك اليوم كثيرة : منها ما روي عن ابن عباس وغيره ، [وهو حديث](٢) مرفوع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه ليس من كافر إلا وله منزل وأهل في الجنة لو أسلم ، فيرث المؤمن ذلك منه بعد أن يوقف عليه ويقال له : هذا لك لو كنت أحسنت ، فيغبن حينئذ غبنا شديدا» (٣).

وقال مجاهد : هو غبن أهل الجنة أهل النار (٤).

قوله تعالى : (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) قرأ نافع وابن عامر : " نكفر" و" ندخله" بالنون فيهما. وقرأهما الباقون : بالياء (٥). ووجههما ظاهر.

(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٦٣) ، والدر المصون (٦ / ٣٢٦).

(٢) في الأصل : وحديث. والتصويب من ب.

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٨٢).

(٤) أخرجه مجاهد (ص : ٦٧٩) ، والطبري (٢٨ / ١٢٢) ، وابن أبي شيبة (٧ / ١٩١ ح ٣٥٢٣١). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٨٣) وعزاه للفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٥) الحجة للفارسي (٤ / ٤٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧١١) ، والكشف (١ / ٣٨٠) ، والنشر (٢ / ٢٤٨) ، والإتحاف (ص : ١٨٧ ، ٤١٧) ، والسبعة (ص : ٦٣٨).

١٥٣

شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(١٣)

قوله تعالى : (يَهْدِ قَلْبَهُ) قال ابن عباس : يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه (١).

وقال ابن السائب : إذا ابتلي صبر ، وإذا أنعم عليه شكر ، وإذا ظلم غفر (٢).

وقال أبو ظبيان (٣) : كنا نعرض المصاحف عند علقمة (٤) ، فمرّ بهذه الآية : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) فسألناه فقال : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلّم (٥).

وفي قراءة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعاصم الجحدري : " يهد" بفتح الياء

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٨ / ١٢٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٨٤) وعزاه لابن جرير وابن المنذر.

(٢) ذكره الماوردي (٦ / ٢٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٨٣).

(٣) حصين بن جندب بن الحارث بن وحشي بن مالك الجنبي ، أبو ظبيان الكوفي ، ثقة ، مات سنة تسعين (تهذيب التهذيب ٢ / ٣٢٧ ، والتقريب ص : ١٦٩).

(٤) علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان بن كهل ، ويقال : بن كهيل بن بكر بن عوف ، ويقال : بن المنتشر بن النخع ، أبو شبيل النخعي الكوفي ، ولد في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان ثقة من أهل الخير ، مات سنة إحدى وستين (تهذيب التهذيب ٧ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، والتقريب ص : ٣٩٧).

(٥) أخرجه الطبري (٢٨ / ١٢٣) ، والبيهقي في الكبرى (٤ / ٦٦ ح ٦٩٢٥) ، وفي الشعب (٧ / ١٩٦ ح ٩٩٧٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٨٣ ـ ١٨٤) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن علقمة.

١٥٤

والدال ، " قلبه" بالرفع (١).

قال الزجاج (٢) : هو من هدأ يهدأ ، إذا سكن.

فالمعنى : إذا استسلم لأمر الله سكن قلبه.

وفي قراءة عثمان بن عفان رضي الله عنه والضحاك وطلحة بن مصرف : " نهد" بالنون وكسر الدال (٣).

وفي قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبي عبد الرحمن : " يهد" بياء مضمومة [وفتح](٤) الدال ، " قلبه" بالرفع (٥).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥) فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١٨)

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ١٨١).

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٢٨٤) ، والدر المصون (٦ / ٣٢٦).

(٤) في الأصل : فتح. والتصويب من ب.

(٥) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٢٨٤) ، والدر المصون (٦ / ٣٢٦).

١٥٥

قوله تعالى : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) قال ابن عباس : هؤلاء رجال من أهل مكة ، أسلموا وأرادوا أن يأتوا المدينة ، فلم يدعهم أزواجهم وأولادهم (١).

والمعنى : إن بعض أزواجكم عدوا لكم في دينكم ، حيث راموا منعكم من الهجرة إلى نبيكم ، فاحذروهم.

قال المفسرون : فلما هاجروا ورأوا أنهم قد سبقوا سبقا بعيدا ، وفاتهم ما أدركه المهاجرون قبلهم من العلم والحكمة ، همّوا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم الذين منعوهم من الهجرة ، فأنزل الله : (وَإِنْ تَعْفُوا ...) الآية (٢).

قوله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي : بلاء ومحنة وشغل عن الآخرة ؛ لأنهم يورّطون في المهالك ، ويوقعون في العظائم ، ويحملون على تناول الحرام.

وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنكم لتجبّنون وتبخّلون ، وإنكم لمن ريحان الله» (٣).

أخبرنا الشيخ أبو نجيح فضل الله بن أبي رشيد الأصبهاني إجازة قال : أخبرنا الحافظ أبو [القاسم](٤) إسماعيل بن محمد ، إملاء من لفظه سنة

__________________

(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٤١٩ ح ٣٣٧١) ، والطبري (٢٨ / ١٢٤) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٥٨) ، والحاكم (٢ / ٥٣٢ ح ٣٨١٤) ، والطبراني في الكبير (١١ / ٢٧٥ ح ١١٧٢٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٨٤) وعزاه للفريابي وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه.

(٢) انظر : تخريج الأثر السابق.

(٣) أخرجه أحمد (٦ / ٤٠٩ ح ٢٧٣٥٥).

(٤) في الأصل : إسحاق. وهو وهم. والتصويب من ب.

١٥٦

[اثنتين](١) وثلاثين وخمسمائة ، أخبرنا محمد بن أحمد بن علي السمسار ، أخبرنا أبو إسحاق بن خورشيد قوله قال : حدثنا المحاملي ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا علي بن الحسن (٢) ، أخبرنا الحسين بن واقد (٣) ، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يخطب فجاء الحسن والحسين وهما يعثران على قميصيهما ، فنزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى حملهما ثم قال : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)(٤).

وفي رواية أخرى : «نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» (٥).

وفي قوله تعالى : (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ترغيب للمؤمنين في ثواب الله ، وحضّ لهم على إيثاره على الأموال والأولاد.

قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ذكرنا أنها نسخت قوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) في آل عمران (٦) ، وحققنا القول على ذلك في موضعه.

__________________

(١) في الأصل : اثنين. والتصويب من ب.

(٢) علي بن الحسن بن شقيق بن دينار بن مشعب العبدي مولاهم ، أبو عبد الرحمن المروزي ، ثقة حافظ ، توفي سنة خمس عشرة ومائتين (تهذيب التهذيب ٧ / ٢٦٣ ، والتقريب ص : ٣٩٩).

(٣) الحسين بن واقد المروزي ، أبو عبد الله ، قاضي مرو ، مولى عبد الله بن عامر بن كريز ، ثقة له أوهام ، مات سنة تسع وخمسين ومائة (تهذيب التهذيب ٢ / ٣٢١ ، والتقريب ص : ١٦٩).

(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٦٥٨ ح ٣٧٧٤) ، والنسائي (١ / ٥٣٥ ح ١٧٣١) ، وأحمد (٥ / ٣٥٤ ح ٢٣٠٤٥).

(٥) انظر : تخريج الحديث السابق عند الترمذي وأحمد.

(٦) عند الآية رقم : ١٠٢.

١٥٧

قال ابن عباس : " [وأنفقوا] " (١) : تصدقوا (٢).

وقال الضحاك : أنفقوا في الجهاد (٣).

وقال غيره : في وجوه الطاعات.

(خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) منصوب بمحذوف ، تقديره : ايتوا خيرا لأنفسكم من الأموال والأولاد (٤).

وتمام الآية مفسّر في [الحشر (٥) ، وباقي السورة مفسّر في](٦) البقرة (٧) وغيرها (٨). والله أعلم.

__________________

(١) في الأصل : واتقوا. والتصويب من ب.

(٢) ذكره الماوردي (٦ / ٢٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٨٦) ولفظهما : الصدقة.

(٣) ذكره الماوردي (٦ / ٢٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٨٦).

(٤) انظر : الدر المصون (٦ / ٣٢٧).

(٥) عند الآية رقم : ٢٣ و ٢٤.

(٦) زيادة من ب.

(٧) عند الآية رقم : ٢٥٤.

(٨) في سورة الحديد ، عند الآية رقم : ١١ و ١٨.

١٥٨

سورة الطلاق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وتسمى النساء القصرى.

وهي اثنتا عشرة آية (١). وهي مدنية بإجماعهم.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً)(١)

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) قال المفسرون : نادى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم خاطب أمته ؛ لأنه السيد المقدّم ، وإمام الأمة ، كما يقول السلطان لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا كيت وكيت ؛ إظهارا لتقدمه ، وتنويها بشرف منزلته ، وإشعارا لهم بأن الأمور المنوطة بهم مفوضة إليه.

والمعنى : إذا أردتم طلاق النساء.

(فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) أي : لاستقبال عدتهن.

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٤٩).

١٥٩

قال ابن عباس : فطلقوهن قبل عدّتهن (١).

وفي الصحيحين من حديث ابن عمر : «أنه طلق امرأته وهي حائض ، فسأل عمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلقّ قبل أن يمسّ ، فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلّق لها النساء» (٢).

فحصل من الآية والحديث : أن الطلاق على ضربين : طلاق السنة ، وطلاق البدعة.

فأما طلاق السنة : فهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه.

وأما طلاق البدعة : فهو أن يطلقها في زمن الحيض ، أو في طهر جامعها فيه ، ويقع الطلاق ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر ابن عمر بمراجعة زوجته ، ويأثم لارتكابه ما نهي عنه.

فصل

والأولى أن يطلقها واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدّتها (٣) ، فإن أرسل عليها ثلاث طلقات أثم. وهو قول أبي حنيفة ومالك (٤).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٨ / ١٢٩) ، والنسائي في الكبرى (٣ / ٣٤١ ح ٥٥٨٦) ، والبيهقي في الكبرى (٧ / ٣٣١ ح ١٤٧٢١). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٩٠ ـ ١٩١) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد والطبراني وابن مردويه.

(٢) أخرجه البخاري (٥ / ٢٠١١ ح ٤٩٥٣) ، ومسلم (٢ / ١٠٩٣ ح ١٤٧١).

(٣) انظر : المغني (٧ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩)

(٤) انظر : المبسوط للسرخسي (٦ / ٣) ، وبدائع الصنائع (٣ / ٨٩) ، والمغني (٧ / ٢٨١).

١٦٠