رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

والترائب ، تقول للشيئين : ليخرجن من بين هذين خير كثير ، ومن هذين خير كثير.

وفي الصلب أيضا لغات ؛ ضم الصاد واللام (١). ـ وبها قرأ ابن مسعود ، وابن سيرين ، وابن السميفع ، وابن أبي عبلة ـ. وفتحهما (٢) ، وقد قرئ [بها](٣) أيضا ، وصالب ، بزيادة ألف.

والمعنى : يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة.

ويروى عن الحسن وقتادة : من بين صلب الرجل وترائبه (٤).

والترائب : عظام الصدر.

قال الزجاج (٥) : أهل اللغة مجمعون على أن الترائب : موضع القلادة من الصدر ، وأنشدوا لامرئ القيس :

مهفهفة بيضاء غير مفاضة

ترائبها مصقولة كالسّجنجل (٦)

قوله تعالى : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) قد حصر الإمام أبو الفرج ابن الجوزي

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٩ / ٨٢) ، والدر المصون (٦ / ٥٠٧).

(٢) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٤٤٩) ، والدر المصون (٦ / ٥٠٧).

(٣) في الأصل : بهما. والتصويب من ب.

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٤٤) عن قتادة. وذكره الماوردي (٦ / ٢٤٦) عن الحسن وقتادة ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٧٥) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة.

(٥) معاني الزجاج (٥ / ٣١٢).

(٦) البيت لامرئ القيس. انظر : ديوانه (ص : ١٥) ، واللسان (مادة : ترب ، سجل) ، والقرطبي (٢٠ / ٥) ، وزاد المسير (٩ / ٨٣) ، وروح المعاني (٣٠ / ٩٧) ، والدر المصون (٦ / ٥٠٧) ، والبحر (٨ / ٤٤٧) ، وتاج العروس (مادة : ترب ، فيض ، هفف ، سجل).

والسجنجل : المرآة.

٥٨١

رضي الله عنه أقوال المفسرين ، ورتبها ترتيبا حسنا في هذه الآية فقال (١) : الهاء في" إنه" كناية عن الله عزوجل ، " على رجعه" الرجع : رد الشيء إلى أول حاله. وفي هذه الهاء ـ يعني في قوله : " رجعه" ـ قولان :

أحدهما : أنها تعود على الإنسان ، ثم في المعنى قولان :

أحدهما : أنه على إعادة الإنسان حيا بعد موته قادر. قاله الحسن وقتادة (٢).

قال الزجاج (٣) : ويدل على هذا القول قوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ).

الثاني : أنه على رجعه من حال الكبر إلى الشباب ، ومن حال الشباب إلى الصبا ، ومن الصبا إلى النطفة قادر. قاله الضحاك والفراء (٤).

والقول الثاني : أنها تعود إلى الماء. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال :

أحدها : على رد الماء في الإحليل. قاله مجاهد (٥).

الثاني : على رده في الصلب. قاله عكرمة والضحاك (٦).

الثالث : على حبس الماء فلا يخرج. قاله ابن زيد (٧). انتهى كلام أبي الفرج رحمه‌الله.

__________________

(١) زاد المسير (٩ / ٨٣ ـ ٨٤).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٤٦) عن قتادة.

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٣١٢).

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٤٦). وانظر : معاني الفراء (٣ / ٢٥٥).

(٥) أخرجه مجاهد (ص : ٧٤٩) ، والطبري (٣٠ / ١٤٥).

(٦) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٤٥).

(٧) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٤٦).

٥٨٢

فإن قيل : ما العامل في قوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ)؟

قلت : المصدر الذي هو" رجع" ، على معنى : إنه على رجع الإنسان لقادر في ذلك اليوم (١). وهذا قول الحسن وقتادة.

قال (٢) : وهو الصحيح.

وعلى باقي الأقوال : العامل فيه مضمر ، تقديره : اذكر يوم تبلى السرائر ، أي : تختبر الضمائر ، وهي كل ما استسرّ الإنسان به من خير أو شر ، وأنشدوا قول الأحوص :

ستبقى لها في مضمر القلب والحشا

سريرة ودّ يوم تبلى السرائر (٣)

ويروى : أن الحسن سمع رجلا ينشد هذا البيت فقال : ما أغفله عما في السماء والطارق.

وهذا الأحوص أحد الشعراء الذين تجمّعوا بباب عمر بن عبد العزيز حين ولّي ، ومنعهم الدخول عليه ، وأنشد لكل [شاعر](٤) منهم شعرا جعله [سبب](٥) رده ، فكان هذا البيت سبب رد الأحوص وصدّه [من](٦) الإذن له.

قال ابن عمر : يبدي الله يوم القيامة كل شيء ، فيكون زينا في الوجوه وشينا في

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٤٦) من قول قتادة.

(٢) أي : الطبري في تفسيره (٣٠ / ١٤٦) ، ولم يتقدم له ذكر في هذه المسألة.

(٣) البيت للأحوص ، وهو في : اللسان (مادة : ضمر) ، وتاج العروس (مادة : ضمر) ، والقرطبي (٢٠ / ٨) ، والماوردي (٦ / ٢٤٨) ، والبحر (٨ / ٤٥٠).

(٤) في الأصل : واحد. والمثبت من ب.

(٥) زيادة من ب.

(٦) في الأصل : عن. والتصويب من ب.

٥٨٣

الوجوه (١).

قوله تعالى : (فَما لَهُ) يعني : فما للإنسان (٢) (مِنْ قُوَّةٍ) يمتنع بها من عذاب الله (وَلا ناصِرٍ) يدفع عنه ذلك.

(وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)(١٧)

قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) يريد : المطر.

قال الزجاج (٣) : سمي بذلك ؛ لأنه يجيء ويرجع ويتكرر.

وقال الزمخشري (٤) : العرب كانوا يزعمون أن السحاب يحمل الماء من بحار الأرض ، ثم يرجعه إلى الأرض ، أو أرادوا التفاؤل فسموه رجعا ليرجع.

(وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) قال المفسرون واللغويون : تتصدّع عن النبات والأشجار.

وجواب القسم : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) يريد : القرآن يفصل بين الحق والباطل.

(وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) أي : هو جدّ محض ، لا هوادة فيه.

وقيل : الضمير في قوله : " إنه لقول" كناية عن الوعيد المتقدم ذكره.

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٦٦).

(٢) في ب : يعني : للإنسان.

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٣١٢).

(٤) الكشاف (٤ / ٧٣٧).

٥٨٤

قوله تعالى : (إِنَّهُمْ) يعني : كفار قريش (يَكِيدُونَ كَيْداً) يعملون المكايد في إبطال أمري ، وإطفاء النور الذي بعثت به رسولي.

(وَأَكِيدُ كَيْداً) أستدرجهم من حيث لا يعلمون.

(فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) ارتقبهم منتظرا ما أحلّ بهم في الدنيا من العذاب والصّغار ، فظهر ذلك في يوم بدر وغيره ، حتى استأصل الله تعالى شأفتهم ، وأسكت نامتهم.

(أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) أي : إمهالا يسيرا. و" رويدا" نصب على المصدر (١).

قال ابن قتيبة (٢) : لا يتكلم برويدا إلا مصغّرة مأمورا بها ، وجاءت في الشعر بغير تصغير في غير [معنى](٣) الأمر.

وأنشد الكسائي :

تكاد لا تكلم البطحاء خطوته

كأنه ثمل يمشي على رود (٤)

وبعض المفسرين يقول : الإمهال منسوخ بآية السيف (٥). ولا مدخل للنسخ هاهنا ، على ما قررنا في غير موضع. [والله أعلم](٦).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٨٥) ، والدر المصون (٦ / ٥٠٨).

(٢) تأويل مشكل القرآن (ص : ٥٥٩).

(٣) زيادة من تأويل مشكل القرآن (ص : ٥٥٩).

(٤) البيت للجموح الظفري ، وهو في : اللسان (مادة : رود) ، وابن يعيش (٤ / ٢٩) ، وشرح القصائد السبع لابن الأنباري (ص : ٤٠٣) ، والدر المصون (٦ / ٥٠٨) ، وتاج العروس (مادة : رود).

(٥) انظر دعوى النسخ في : الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص : ١٩٦) ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص : ٦٥) ، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (ص : ٥٠٦).

(٦) بياض في الأصل قدر كلمتين. والزيادة من ب.

٥٨٥

سورة الأعلى

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي تسع عشرة آية (١) ، [وهي مكية](٢) بإجماعهم (٣).

أخرج الإمام أحمد (٤) من حديث علي عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحبّ هذه السورة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)(٥).

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١)

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٧١).

(٢) في الأصل : ومكية. والمثبت من ب.

(٣) قال السيوطي في الإتقان (١ / ٤٥) : الجمهور على أنها مكية. وقال ابن الغرس : وقيل : إنها مدنية ؛ لذكر صلاة العيد وزكاة الفطر فيها.

(٤) في هامش ب : وأخرج من حديث ابن عباس : " أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قرأها قال : سبحان ربي الأعلى" (مسند أحمد ١ / ٢٣٢ ح ٢٠٦٦). وأخرجه أبو داود (١ / ٢٣٣ ح ٨٨٣) وقال : وروي موقوفا على ابن عباس ، فالله أعلم.

(٥) أخرجه أحمد (١ / ٩٦ ح ٧٤٢).

٥٨٦

الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى)(١٣)

قال الله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال الفراء (١) : سبح اسم ربك ، وسبح باسم ربك : سواء في كلام العرب.

وغيره يقول : الاسم صلة ، كقول لبيد :

 ... ثم اسم السّلام ...

 ...................(٢)

وقد سبق ذلك.

قال الزجاج (٣) وجمهور المفسرين واللغويين : نزّه ربك عن السوء ، وقل : سبحان ربي الأعلى.

وروي عن ابن عباس : أن المعنى : صلّ بأمر ربك (٤).

وقال ابن جرير الطبري (٥) : نزّه اسم ربك الأعلى أن يسمى باسمه أحد سواه.

(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) أي : خلق كل شيء فسوّى خلقه تسوية تؤذن بحكمة بالغة.

(وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) قال عطاء : قدّر لكل دابة ما يصلحها ، ثم هداها إليه (٦).

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ٢٥٦).

(٢) جزء من بيت للبيد بن ربيعة ، وهو :

إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

وقد تقدم تخريجه.

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٣١٥).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٨٧).

(٥) تفسير الطبري (٣٠ / ١٥١).

(٦) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٨٨).

٥٨٧

ومن تلمّح شأن الإنسان ، وتصفّح أحوال سائر الحيوان ، وتطلّب ما استودع من الحكم البديعة وألهم من الطرق التي يهتدي بها إلى مصالحه رأى عجائب.

ويحكى : أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت ، وقد ألهمها الله تعالى أن سبب شفائها حكّ عينيها بورق الرّازيانج الغضّ ، وربما كانت في فلاة نائية عن الريف ، فتطوي تلك المسافة عمياء ، حتى تهجم على بعض البساتين فتحك عينيها بورق الرّازيانج الغضّ ، فترجع بصيرة بإذن الله تعالى (١).

وقال مجاهد وغيره : قدّر الشقاوة والسعادة (٢) ، فهدى من [شاء](٣) إلى ما شاء منهما.

وقال السدي : قدّر مدة الجنين في رحم أمه ، ثم هداه للخروج (٤).

وقال مقاتل (٥) : قدّرهم ذكورا وإناثا ، وهدى الذّكر لإتيان الأنثى.

قال صاحب النظم : إتيان ذكران الحيوان يختلف ؛ لاختلاف الصور والخلق والهيئات ، فلو لا أنه عزوجل جبل كل ذكر على معرفة كيف يأتي أنثاه لما اهتدى لذلك (٦).

__________________

(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤ / ٧٣٩).

(٢) أخرجه مجاهد (ص : ٧٥١) ، والطبري (٣٠ / ١٥٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١٦). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٨ / ٤٨٢) وعزاه للفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٣) في الأصل : يشاء. والمثبت من ب.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٨٨).

(٥) تفسير مقاتل (٣ / ٤٧٦).

(٦) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٠).

٥٨٨

وقرأ الكسائي وحده : " قدر" بتخفيف الدال (١) ، من القدرة على الأشياء والملك لها.

والمعنى : قدر فهدى وأضلّ ، فحذف الضلال ؛ لدلالة الهدى عليه.

وقيل : هو من التقدير ، كالقراءة المشدة ، كما قال : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) [الشورى : ١٢].

قوله تعالى : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) أي : أنبت العشب ، (فَجَعَلَهُ) بعد الخضرة (غُثاءً) هشيما جافا كالغثاء الذي تراه فوق السيل ، (أَحْوى) أسود بعد أن كان أخضر ، وذلك أن الكلأ [إذا](٢) تناهى جفافه اسودّ.

ويجوز أن يكون"(أَحْوى)" حالا من"(الْمَرْعى)" (٣).

قال الفراء (٤) : أخرج المرعى أحوى ، أسود من الخضرة والرّيّ فجعله غثاء ، كما قال : (مُدْهامَّتانِ) [الرحمن : ٦٤].

قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) قال مقاتل (٥) : سنعلمك القرآن ونجمعه في قلبك فلا تنساه أبدا.

قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) قال الحسن وقتادة : إلا ما شاء الله أن ينسخه ،

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ١١٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٥٨) ، والكشف (٢ / ٣٧٠) ، والنشر (٢ / ٣٩٩) ، والإتحاف (ص : ٤٣٧) ، والسبعة (ص : ٦٨٠).

(٢) في الأصل : إذ. والتصويب من ب.

(٣) انظر : التبيان (٢ / ٢٨٥) ، والدر المصون (٦ / ٥٠٩).

(٤) معاني الفراء (٣ / ٢٥٦).

(٥) تفسير مقاتل (٣ / ٤٧٦).

٥٨٩

فتنساه (١).

ويروى عن ابن عباس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا نزل عليه جبريل بالوحي يبادره بالقراءة خوف النسيان ، فنزلت هذه الآية (٢). وقد ذكرنا مثل ذلك عند قوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) [القيامة : ١٦] ، فيكون ذلك خارجا مخرج البشارة له بأنه لا ينسى ما جاءه [به جبريل](٣) من القرآن ، استنزالا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك الحرص المفرط ، وتثبيتا لقلبه الكريم.

وقيل : إلا ما شاء الله مما عساه أن تنساه ، ثم [تتذكّره](٤) بعد ذلك على ما عليه عادة المهرة من القرّاء.

وقيل : هو استثناء لما لا يقع.

قال الفراء (٥) : لم يشأ أن ينسى شيئا ، وإنما هو كقوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود : ١٠٧] ولا يشاء.

وقيل : إن قوله : (فَلا تَنْسى) نهي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن النسيان ، والألف مزيدة للفاصلة ، كقوله : " السبيلا" ، و" الرسولا" ، و" الظنونا". فيكون المعنى : فلا تغفل قراءته ودراسته فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته.

(إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ) من القول والفعل (وَما يَخْفى) منهما.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٥٤). وذكره الماوردي (٦ / ٢٥٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٠).

(٢) أخرجه الطبراني في الكبير (١٢ / ١٢٠ ح ١٢٦٤٩). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٨٣) وعزاه للطبراني وابن مردويه.

(٣) في الأصل : جبريل به. والمثبت من ب.

(٤) في الأصل : تذكره. والتصويب من ب.

(٥) معاني الفراء (٣ / ٢٥٦).

٥٩٠

قوله تعالى : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) معطوف على"(سَنُقْرِئُكَ)". والمعنى : سنوفقك (١) للطريقة التي هي أيسر وأسهل ، يعني : حفظ الوحي.

وقيل : للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع.

وقيل : نيسرك لعمل الخير.

(فَذَكِّرْ) أي : فعظ أهل مكة.

قال صاحب الكشاف (٢) : إن قلت : كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مأمورا بالذكرى ، نفعت أو لم تنفع ، فما معنى اشتراط النفع؟

قلت : هو على وجهين :

أحدهما : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم ، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوا وطغيانا ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتلظى حسرة وتلهّفا ، ويزداد جدّا في تذكيرهم وحرصا عليه ، فقيل له : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق : ٤٥] ، و (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) [الزخرف : ٨٩] ، (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) ، وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير.

الثاني : أن يكون ظاهره شرطا ، ومعناه ذما للمذكّرين ، وإخبارا عن حالهم ، واستبعادا لتأثير الذكرى فيهم ، وتسجيلا عليهم بالطبع على قلوبهم ، كما تقول للواعظ : عظ المكّاسين إن قلبوا منك. قاصدا بهذا الشرط استبعاد ذلك ، وأنه لن يكون.

قوله تعالى : (سَيَذَّكَّرُ) أي : سيقبل التذكرة وينتفع بها (مَنْ يَخْشى) الله وسوء

__________________

(١) في ب : ونوفقك.

(٢) الكشاف (٤ / ٧٤١).

٥٩١

العاقبة.

(وَيَتَجَنَّبُهَا) أي : ويترك الذكرى جانبا (الْأَشْقَى) الكافر.

(الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) وهي نار جهنم ، فإنها أكبر وأشد حرا من نار الدنيا.

وقيل : هي السفلى من أطباق النيران.

(ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح بانقطاع العذاب عنه (وَلا يَحْيى) حياة تنفعه ، كما قيل :

ألا ما لنفسي لا تموت فينقضي

عناها ولا تحيا حياة لها طعم (١)

وقد سبق هذا في غير هذا الموضع.

وقال ابن حرير (٢) : تصير نفس أحدهم في حلقه فلا تفارقه فيموت ، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا.

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى)(١٩)

قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) قال الزجاج (٣) : أي : قد صادف البقاء الدائم والفوز من تكثّر بتقوى الله. والشيء الزاكي : النامي الكثير.

__________________

(١) تقدم.

(٢) تفسير الطبري (٣٠ / ١٥٥).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٣١٦).

٥٩٢

وهذا يجمع قول ابن عباس : تطهّر من الشرك بالإيمان (١).

وقول الحسن : من كان عمله زاكيا (٢).

وقيل : هو تفعّل من الزكاة ، كتصدّق من الصدقة.

قال أبو سعيد الخدري وعطاء وقتادة : أعطى صدقة الفطر (٣).

وقال غيرهم : أخرج زكاة ماله.

(وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) قال ابن عباس : ذكر معاده وموقفه بين يدي الله (٤) ، فصلى الصلوات الخمس (٥).

وقال الضحاك : ذكر اسم ربه في طريق المصلّى ، فصلّى صلاة العيد (٦).

وقال أبو سعيد الخدري : صلّى العيدين (٧).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٥٦) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٨٤) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٥٦). وذكره الماوردي (٦ / ٢٥٥).

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٨٥) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي سعيد الخدري.

(٤) في ب : ربه.

(٥) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٥٧) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٨٤) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

وفي هامش ب : وأخرج البزار من حديث جابر رفعه : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) قال : من شهد أن لا إله إلا الله ، وخلع الأنداد ، وشهد أني رسول الله. (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) قال : هي الصلوات الخمس ، والمحافظة عليها.

(٦) ذكره القرطبي (٢٠ / ٢٣).

(٧) ذكره الماوردي (٦ / ٢٥٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٢) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٨٥).

٥٩٣

واعلم أن هذه السورة مكية بالإجماع ، وزكاة المال وصدقة الفطر وصلاة العيدين شرعت بالمدينة ، فلا وجه لتفسير الآيتين بهذه الأحكام (١).

قوله تعالى : (بَلْ تُؤْثِرُونَ) قرأ أبو عمرو وحده : " بل يؤثرون" بالياء ، على الغيبة ، حملا على قوله : (الْأَشْقَى) ، فإنه اسم جنس. وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب (٢).

واختلفوا هل ذلك خطاب للكفار أو هو على عمومه في الجميع ، فإنهم طبعوا على إيثار الدنيا والميل إليها ، إلا من عصم الله تعالى.

قال ابن مسعود : إن الدنيا أحضرت وعجّلت لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذّتها وبهجتها ، وإن الآخرة نعتت لنا وزويت عنّا ، فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل (٣).

والمعنى : يؤثرونها فلا يفعلون ما يفلحون به.

(وَالْآخِرَةُ) يعني : الجنة (خَيْرٌ) من زهرة الحياة الدنيا ، (وَأَبْقى) أدوم من

__________________

(١) في هامش ب : أخرج البزار في مسنده (٨ / ٣١٣ ح ٣٣٨٣) من حديث كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يأمر بزكاة الفطر قبل أن يصلي العيد ، ويتلو هذه الآية : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ...).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ١١٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٥٩) ، والكشف (٢ / ٣٧٠) ، والنشر (٢ / ٤٠٠) ، والإتحاف (ص : ٤٣٧) ، والسبعة (ص : ٦٨٠).

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٥٧) ، والطبراني في الكبير (٩ / ٢٣٤ ح ٩١٤٧) ، والبيهقي في الشعب (٧ / ٣٧٦ ح ١٠٦٤٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٨٧) وعزاه لابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان.

وفي هامش ب : هذا منه على وجه هضم نفسه وعدم تزكيتها ، أو أخبر به عن الجنس من حيث هو.

٥٩٤

الدنيا الفانية.

قوله تعالى : (إِنَّ هذا) إشارة إلى قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) إلى قوله : (خَيْرٌ وَأَبْقى). يريد : أن معنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف.

وقيل : إنه إشارة إلى ما في السورة كلها ، وهو قول جماعة ، منهم : أبو العالية (١).

وقال الحسن : الإشارة إلى القرآن (٢) ، فيكون مثل قوله : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ١٩٦].

وقوله : (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) مفسّر في النجم (٣).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٥٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤١٩). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٨٨) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٢) أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (١٠ / ٣٤١٩) عن الحسن رضي الله عنه (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) قال : في كتب الله كلها. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٨٨) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٣) عند الآية رقم : ٣٦.

٥٩٥

سورة الغاشية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ست وعشرون آية (١) ، وهي مكية بإجماعهم.

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)(٧)

قال الله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) قال ابن عباس : هي القيامة تغشى الناس بالأهوال (٢).

وقال سعيد بن جبير ومقاتل (٣) : هي النار تغشى وجوه الكفار.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) ذليلة ، وهي وجوه الكفار.

وقال ابن عباس : هي وجوه اليهود والنصارى (٤).

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٧٢).

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٥٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٢٠).

(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٥٩). وذكره مقاتل في تفسيره (٣ / ٤٧٨) ، والماوردي (٦ / ٢٥٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٤).

(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٢٠). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٨ / ٤٩١) وعزاه لابن أبي حاتم.

٥٩٦

قوله تعالى : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) الوصف للوجوه ، والمراد : أصحابها.

واختلفوا في موضع العمل ؛ فقال قوم : عاملة في الدنيا.

قال ابن عباس في رواية أبي الضحى : هم الرهبان وأصحاب الصوامع (١).

وقال في رواية عطاء : هم الذين عملوا ونصبوا في الدنيا على غير دين الإسلام ، كعبدة الأوثان والرهبان وغيرهم (٢).

وقال عكرمة والسدي : عاملة في الدنيا بالمعاصي ، ناصبة في النار يوم القيامة (٣).

وقال قوم : عاملة في النار.

قال ابن عباس ـ في رواية عنه ـ والحسن : عاملة في النار بمعالجة السلاسل والأغلال ؛ لأنها لم تعمل لله في الدنيا ، فأعملها ناصبة في النار (٤).

قال الضحاك : يكلفون ارتقاء جبل في النار من حديد (٥).

قوله تعالى : (تَصْلى ناراً حامِيَةً) قرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر : " تصلى" بضم التاء ، جعلاه فعلا رباعيا لم يسمّ فاعله ، متعديا إلى مفعولين ، أحدهما مضمر في الفعل يعود على أصحاب الوجوه المذكورة. والثاني : " نارا". وقرأ

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٥).

(٢) مثل السابق.

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٢٠) عن عكرمة. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٥) عن عكرمة والسدي ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤٩١) وعزاه لابن أبي حاتم عن عكرمة.

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٥).

(٥) مثل السابق.

٥٩٧

الباقون : بفتح التاء (١) ، وهو في معنى قوله : (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) [النساء : ١٠]. وقد سبق تفسيره.

قوله تعالى : (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أي : متناهية في الحر ؛ كقوله : (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [الرحمن : ٤٤].

قال الحسن رحمه‌الله : قد أوقدت عليها جهنم مذ خلقت فدفعوا إليها عطاشا (٢).

قوله تعالى : (إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) قال ابن عباس في رواية العوفي : هو نبت ذو شوك لا طئ بالأرض ، تسميه قريش : الشّبرق (٣) ، فإذا هاج سموه ضريعا (٤). وأنشدوا قول أبي ذؤيب :

رعى الشّبرق [الرّيّان](٥) حتى إذا ذوى

وعاد ضريعا بان عنه النّحائص (٦)

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ١١٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٥٩) ، والكشف (٢ / ٣٧٠ ـ ٣٧١) ، والنشر (٢ / ٤٠٠) ، والإتحاف (ص : ٤٣٧) ، والسبعة (ص : ٧٥٩).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٦).

(٣) الشبرق : نبات غضّ ، وقيل : شجر منبته نجد وتهامة وثمرته شاكة صغيرة الجرم حرام مثل الدم ، منبتها السّباخ والقيعان ، واحدته شبرقة وقالوا إذا يبس الضّريع (اللسان ، مادة : شبرق).

(٤) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٦٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٢١) كلاهما عن عكرمة. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٦).

(٥) في الأصل : الريحان. والمثبت من ب.

(٦) البيت لأبي ذؤيب. وهو في : البحر (٨ / ٤٥٦) ، والدر المصون (٦ / ٥١٣) ، والقرطبي (٢٠ / ٣٠) ، وروح المعاني (٣٠ / ١١٣) ، والماوردي (٦ / ٢٥٩).

٥٩٨

وقال في رواية الوالبي : هو شجر من نار (١).

ولا تنافي بين القولين.

قال ابن زيد : الضريع في الدنيا : الشوك اليابس الذي ليس له ورق ، وهو في الآخرة : شوك من نار (٢).

واعلم أن أهل النار متفاوتون في العذاب ، كما قال تعالى : (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) [الحجر : ٤٤] ، فمنهم من ليس له طعام إلا من ضريع ، ومنهم من ليس له طعام إلا من غسلين ، ومنهم من طعامه الزقوم (٣).

قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية ، قال المشركون : إن إبلنا لتسمن على الضريع ، فأنزل الله : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)(٤).

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(١٦)

__________________

(١) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٦٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٤٢٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٩١) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٦٢). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٦).

(٣) فائدة : قال ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٧) : فإن قيل : إنه قد أخبر في هذه الآية : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) وفي مكان آخر : (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) [الحاقة : ٣٦] فكيف الجمع بينهما؟

فالجواب : أن النار دركات ، وعلى قدر الذنوب تقع العقوبات ، فمنهم من طعامه الزّقّوم ، ومنهم من طعامه غسلين ، ومنهم من شرابه الحميم ، ومنهم من شرابه الصّديد.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٧).

٥٩٩

قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) أي : ذات بهجة وحسن.

(لِسَعْيِها راضِيَةٌ)(١) أي : راضية [بعملها](٢) حين شاهدت ما أفضى بهم إليه من الكرامة.

(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) في المكان والمقدار.

(لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) قرأ ابن كثير وأبو عمرو : " يسمع" بياء مضمومة ، " لاغية" بالرفع. ومثلهما قرأ نافع ، غير أنه قرأ : " تسمع" بالتاء ؛ لتأنيث" لاغية". وقرأ الباقون : بتاء مفتوحة ، " لاغية" بالنصب (٣).

والمعنى : لا تسمع فيها كلمة ذات لغو ، أو نفسا لاغية ، فإن أهل الجنة منزّهون عن العبث.

قوله تعالى : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) أي : عيون كثيرة ، فهو مثل قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) [التكوير : ١٤] ، وقد سبق.

(فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) قال ابن عباس : ألواحها من ذهب ، مكللة بالزبرجد والدرّ والياقوت ، مرتفعة ما لم يجيء أهلها ، فإذا أراد أن يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ، ثم ترتفع إلى موضعها (٤).

(وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(٥) كلما أرادوها وجدوها عتيدة حاضرة عندهم.

__________________

(١) في هامش ب : أي لجزاء أو لثواب سعيها راضية ، حين تشاهده ترضى به.

(٢) في الأصل : لعملها. والمثبت من ب.

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ١١٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٦٠) ، والكشف (٢ / ٣٧١) ، والنشر (٢ / ٤٠٠) ، والإتحاف (ص : ٤٣٧) ، والسبعة (ص : ٦٨١).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤٧٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ٩٨).

(٥) في هامش ب : مفرده : كوب ، أواني لا آذان لها ولا خراطيم ليشرب من أي ناحية شاء.

٦٠٠