رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

الحمار ، فلا يتمكن من القبض والبسط ، وعمل الأشياء اللطيفة التي تعمل بالأصابع ؛ كالكتابة والخياطة وغيرهما (١).

وفي قراءة ابن أبي عبلة : " قادرون" ، على معنى : نحن قادرون (٢).

قوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ) قال الزمخشري (٣) : " بل يريد" عطف على" أيحسب" ، فيجوز أن يكون مثله استفهاما ، وأن يكون إيجابا على أن يضرب عن مستفهم عنه إلى آخر. أو يضرب عن مستفهم عنه إلى موجب.

(لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) أي : ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الزمان ، لا ينزع ولا يرجع عن كفره ومعصيته. هذا معنى قول مجاهد والحسن وعكرمة والسدي (٤).

وقال ابن عباس : يكذّب بما أمامه من البعث والحساب (٥).

وقال سعيد بن جبير : يقدم الذنب ويؤخر التوبة ، يقول : سوف أتوب ، سوف أتوب ، حتى يأتيه الموت على شر أحواله ، وأسوأ أعماله (٦).

قوله تعالى : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) أي : يسأل الإنسان تكذيبا واستهزاء متى يوم القيامة ، ونحوه : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٤٨].

__________________

(١) ذكره الطبري (٢٩ / ١٧٥ ـ ١٧٦) ، والماوردي (٦ / ١٥٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٧).

(٢) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٣٧٦) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٦).

(٣) الكشاف (٤ / ٦٦١).

(٤) انظر : الطبري (٢٩ / ١٧٧).

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٧٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٤٤) وعزاه لابن أبي حاتم وابن جرير.

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٧٧). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٨).

٣٨١

قال الله عزوجل : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) قرأ نافع وأبو جعفر وأبان عن عاصم : " برق" بفتح الراء ، وكسرها الباقون من العشرة (١).

فمن فتح فعلى معنى : لمع وشخص عند الموت ، ومن كسر فعلى معنى : حار وفزع عند البعث أو عند الموت ، أو عند رؤية جهنم ، وأصله من برق الرجل ؛ إذا نظر إلى البرق ، فدهش بصره (٢).

وقيل : إن اللغتين بمعنى واحد.

قال الفراء (٣) : العرب تقول : برق البصر يبرق ، وبرق يبرق ؛ إذا رأى هولا يفزع منه ، وبرق أكثر وأجود. قال الشاعر :

فنفسك فانع ولا تنعني

وداو الكلوم ولا تبرق (٤)

بالفتح ، أي : لا تفزع من هول الجراح التي بك.

قوله تعالى : (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) أي : ذهب ضوؤه.

وقرأ أبو حيوة : " وخسف" بضم الخاء وكسر السين (٥) ؛ لقوله : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٧٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣٦) ، والكشف (٢ / ٣٥٠) ، والنشر (٢ / ٣٩٣) ، والإتحاف (ص : ٤٢٨) ، والسبعة (ص : ٦٦١).

(٢) انظر : اللسان (مادة : برق).

(٣) معاني الفراء (٣ / ٢٠٩).

(٤) البيت لطرفة بن العبد. انظر : ديوانه (ص : ٧٠) ، واللسان (مادة : برق ، حنن) ، والطبري (٢٩ / ١٧٩) ، والقرطبي (١٩ / ٩٦) ، والماوردي (٦ / ١٥٣) ، وزاد المسير (٨ / ٤١٨) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٧) ، وتاج العروس (مادة : برق).

(٥) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٣٧٦) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٧).

٣٨٢

وفي قراءة ابن مسعود : " وجمع بين الشمس والقمر" (١).

قال الفراء (٢) : إنما لم يقل : وجمعت ؛ لأن المعنى : وجمع بينهما.

وقال الكسائي : لأن المذكر والمؤنث إذا اجتمعا غلّب المذكر ؛ لقوّته وخفّته.

وقال أبو عبيدة (٣) : إنما قال : وجمع ؛ لتذكير القمر.

قال الفراء والزجاج (٤) : المعنى : جمع بينهما في ذهاب نورهما.

وقال جمهور المفسرين : جمع بين ذاتيهما.

قال ابن مسعود : جمعا كالبعيرين القرينين (٥).

قال مجاهد : يرمى بهما في النار كالثورين العقيرين (٦).

قرأت على الشيخ أبي عبد الله محمد بن داود بن عثمان الدربندي بمسجد الخليل صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخبركم الحافظ أبو طاهر السلفي بثغر الإسكندرية فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد الثقفي الأصفهاني ، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد المزكّي بنيسابور سنة اثنتي عشرة وأربعمائة ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأموي ، حدثنا محمد بن المنادي ، حدثنا يونس ـ يعني : بن محمد المنادي ـ ، حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن عبد الله الداناج قال : شهدت

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : الطبري (٢٩ / ١٨٠) ، والقرطبي (١٩ / ٩٧).

(٢) معاني الفراء (٣ / ٢٠٩).

(٣) مجاز القرآن (٢ / ٢٧٧).

(٤) معاني الفراء (٣ / ٢٠٩) ، ومعاني الزجاج (٥ / ٢٥٢).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٩١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١٩).

(٦) انظر : القرطبي (١٩ / ٩٧) ، والبغوي (٤ / ٤٢٢).

٣٨٣

أبا سلمة (١) بن عبد الرحمن بن عوف زمن خالد بن عبد الله بن أسيد في هذا الجامع بالبصرة قال : وجاء الحسن فجلس إليه قال : فحدّث قال : حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تحوّل الشمس والقمر ثورين مكوّرين في النار يوم القيامة. قال : وقال الحسن : وما ذنبهما؟ قال : أحدثك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فسكت الحسن» (٢). رواه البخاري عن مسدد عن عبد العزيز.

وقال عطاء بن يسار : يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في البحر ، فيكون نار الله الكبرى (٣).

وقيل : المعنى : جمع بينهما في الطلوع من المغرب.

ويروى عن علي وابن عباس : أنهما يجعلان في نور الحجب (٤).

قوله تعالى : (يَقُولُ الْإِنْسانُ) أي : المكذّب بالبعث (يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ).

قرأ العشرة وعامة القرّاء : "(الْمَفَرُّ)" بفتح الفاء.

وقرأ جماعة ، منهم : ابن عباس ، ومعاوية ، وأبو رزين ، وأبو عبد الرحمن ، والحسن ، وعكرمة ، والضحاك ، والزهري : " المفرّ" بكسر الفاء (٥).

قال الكسائي : هما لغتان.

وقال غيره (٦) : "(الْمَفَرُّ)" : بالفتح ، المصدر ، وبالكسر : المكان.

__________________

(١) في ب : أبان.

(٢) أخرجه البخاري (٣ / ١١٧١ ح ٣٠٢٨).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٨٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٤٥) وعزاه لابن جرير وابن المنذر.

(٤) ذكره القرطبي (١٩ / ٩٧).

(٥) انظر : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٢٨) ، وزاد المسير (٨ / ٤١٩ ـ ٤٢٠).

(٦) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٦١).

٣٨٤

قال الزجاج وغيره (١) : من فتح فهو بمعنى الفرار ، ومن كسر فعلى معنى : أين مكان الفرار ، [تقول](٢) : جلست مجلسا ـ بفتح اللام ـ بمعنى : جلوسا ، وإذا قلت : مجلسا ، [فأنت](٣) تريد المكان.

قوله تعالى : (كَلَّا) ردع عن طلب المفر (لا وَزَرَ) أي : لا ملجأ ، وكلّ ما التجأت إليه من جبل وغيره ، أو تخلصت به فهو وزرك.

(إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) أي : إلى ربك خاصة يوم القيامة مستقر العباد كلهم ، مؤمنهم وكافرهم ، وطائعهم وعاصيهم. أو إلى حكم ربك مرجع أمور العباد ، لا يحكم فيها غيره. [أو إلى](٤) ربك مستقرهم ، أي : موضع قرارهم ، من جنة أو نار ، أي : مفوّض ذلك إلى مشيئته ، من شاء أدخله الجنة ، ومن شاء أدخله النار.

قوله تعالى : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ) أي : يخبر (٥) (يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ) من عمله (وَأَخَّرَ) منه.

وقال ابن مسعود : بما قدم قبل موته من صالح وطالح ، وما سنّ من شيء يعمل به بعد موته (٦).

__________________

(١) معاني الزجاج (٥ / ٢٥٢).

(٢) في الأصل : يقال. والتصويب من ب ، ومعاني الزجاج ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : فلت. والتصويب من ب ، ومعاني الزجاج ، الموضع السابق.

(٤) في الأصل : وإلى. والتصويب من ب.

(٥) في ب : يخير.

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٨٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٤٦) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

٣٨٥

وقال زيد بن أسلم : بما قدّم : من أمواله لنفسه ، وما أخّر : خلّف للورثة (١).

وقال قتادة : بما قدم من معصية وما أخّر من طاعة (٢).

قوله تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) قال الفراء (٣) : المعنى : بل على الإنسان من نفسه بصيرة ، أي : رقباء يشهدون عليه بعمله ، وهي الجوارح.

قال ابن قتيبة (٤) : فلما كانت جوارحه منه أقامها مقامه.

وقال أبو عبيدة (٥) : جاءت الهاء في"(بَصِيرَةٌ)" في صفة المذكّر ، كما جاءت في : رجل راوية ، وطاغية ، وعلّامة.

وقيل : المعنى : بل الإنسان على نفسه عين بصيرة ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.

قوله تعالى : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) قال الزجاج (٦) : المعنى : ولو أدلى بكل حجة.

قال (٧) : وجاء في التفسير : أن المعاذير : ستور ، واحدها : معذار.

قلت : وهو قول الضحاك والسدي (٨).

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٠).

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٨٤). وذكره الماوردي (٦ / ١٥٤).

(٣) معاني الفراء (٣ / ٢١١).

(٤) تأويل مشكل القرآن (ص : ١٩٣).

(٥) مجاز القرآن (٢ / ٢٧٧).

(٦) معاني الزجاج (٥ / ٢٥٣).

(٧) أي : الزجاج.

(٨) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٨٦) عن السدي. وذكره الماوردي (٦ / ١٥٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢١) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٤٧) وعزاه لابن المنذر عن الضحاك.

٣٨٦

قال الماوردي (١) : هو بلغة اليمن. وأنشد قول الشاعر :

ولكنّها ضنّت بمنزل ساعة

علينا ولطّت دوننا بالمعاذر (٢)

قلت : ومعنى : لطّت ـ بالطاء المهملة ـ : سترت.

قال ابن دريد (٣) : كلّ شيء سترته فقد لططته ، ولطّت الناقة بذنبها ؛ إذا جعلته بين فخذيها في عدوها (٤).

قال صاحب الكشاف (٥) : فإن صح ؛ فلأنه يمنع رؤية المحتجب ، كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب.

(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ)(٢٥)

قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) أي : بالقرآن.

أخرج [الشيخان](٦) في الصحيحين والنسائي والترمذي وغيرهم من حديث

__________________

(١) تفسير الماوردي (٦ / ١٥٥).

(٢) انظر البيت في : الماوردي (٤ / ١٥٥) ، والقرطبي (١٩ / ١٠٠) ، والبحر (٨ / ٣٧٨) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٩) وفيهم : " وأطّت" بدل : " ولطّت".

(٣) جمهرة اللغة (١ / ١٠٨).

(٤) انظر : اللسان (مادة : لطط).

(٥) الكشاف (٤ / ٦٦٢).

(٦) في الأصل : البخاري. والمثبت من ب.

٣٨٧

ابن عباس في هذه الآية قال : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعالج من التنزيل شدة» (١).

وفي رواية الترمذي : «يحرك به لسانه يريد أن يحفظه» (٢).

وفي رواية : «يحرك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبريل مخافة أن لا يحفظ ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)(٣).

ونظير هذه الآية قوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [طه : ١١٤].

(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) جمعه في صدرك ، " وقرآنه" أي : وإثبات قرآنه في لسانك. أو إن علينا قراءته عليك ، أي : إن جبريل يقرأه عليك حتى تحفظه.

(فَإِذا قَرَأْناهُ) أي : إذا فرغ جبريل من قراءته.

قال الزمخشري (٤) : جعل قراءة جبريل قراءته ، والقرآن القراءة.

(فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) فكن مقفّيا له فيه ولا تراسله.

وقال ابن عباس : اعمل به (٥). فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد هذا إذا نزل عليه جبريل بالوحي أطرق ، فإذا فرغ وذهب قرأه كما وعده الله.

(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) تبيينه بلسانك ، فتقرأه كما أقرأك جبريل. هذا قول ابن

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ٦ ح ٥) ، ومسلم (١ / ٣٣٠ ح ٤٤٨) ، والنسائي (١ / ٣٢٤ ح ١٠٠٧) ، وأحمد (١ / ٣٤٣ ح ٣١٩١).

(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٣٠ ح ٣٣٢٩).

(٣) ذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٤٨) وعزاه لابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس.

(٤) الكشاف (٤ / ٦٦٢).

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩٠) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٨٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٤٨) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

٣٨٨

عباس (١).

وقال قتادة : علينا بيان ما فيه من الأحكام ، والحلال والحرام (٢).

وقال الحسن : علينا أن نجزي يوم القيامة بما فيه من وعد ووعيد (٣).

قوله تعالى : (كَلَّا) ردع للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن العجلة ، وحث على التؤدة.

وقال عطاء : المعنى : لا يؤمن أبو جهل بالقرآن وببيانه (٤).

(بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) قرأ نافع وأبو جعفر وأهل الكوفة : " تحبون" ، "(وَتَذَرُونَ)" بالتاء فيهما على المخاطبة ، على معنى : قل لهم يا محمد : بل تحبون العاجلة. وعلى معنى : أنتم يا بني آدم تحبون العاجلة ، وهي الدنيا فتعملون لها ، (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) لا تعملون لها.

وقرأ الباقون من العشرة : " يحبون" ، " ويذرون" بالياء فيهما على المغايبة ، حملا على ما قبله من لفظ الغيبة (٥).

قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) يعني : يوم القيامة (ناضِرَةٌ) ناعمة غضّة حسنة. يقال : شجرة ناضر ، وروض ناضر.

قال المفسرون : مشرقة بالنعيم.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩١). وذكره الماوردي (٦ / ١٥٦).

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩٠). وذكره الماوردي (٦ / ١٥٦) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٤٨) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

(٣) ذكره الماوردي (٦ / ١٥٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٢).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٢).

(٥) الحجة للفارسي (٤ / ٧٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣٦) ، والكشف (٢ / ٣٥٠) ، والنشر (٢ / ٣٩٣) ، والإتحاف (ص : ٤٢٨) ، والسبعة (ص : ٦٦١).

٣٨٩

قال الزمخشري (١) : الوجه : عبارة عن الجملة.

(إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) قال ابن عباس : يريد : إلى الله ناظرة (٢).

وقال في رواية أخرى : تنظر إلى الله لا تحجب عنه (٣).

قال مقاتل (٤) : تنظر إلى ربها معاينة.

وقد ذكرت طرفا من ذلك في سورة يونس (٥) ، وأقمت حجة الله على منكري نظر المؤمنين إلى ربهم في الجنة. وهذا قول عامة المفسرين.

ويروى عن ابن عمر ومجاهد : أن المعنى : إلى ثواب ربها ناظرة (٦) ، على حذف المضاف.

قال الزمخشري (٧) : سمعت سرويّة مستجدية (٨) بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ، ويأوون إلى مقائلهم ، تقول : عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم.

وهذا لا ينفي إثبات الرؤية لله ؛ لأنها ثابتة بأدلة أخر لا يتطرّق إليها تأويل.

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٦٣).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٢).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤).

(٤) تفسير مقاتل (٣ / ٤٢٣).

(٥) عند الآية رقم : ٢٦.

(٦) ذكره الماوردي (٦ / ١٥٦). قال القرطبي (١٩ / ١٠٨) : حكاه ـ أي : القول ـ الماوردي عن ابن عمر وعكرمة أيضا ، وليس معروفا إلا عن مجاهد وحده.

قلت : كذا القول الثاني ليس بصحيح. وقد ثبت عن عكرمة خلافه.

(٧) الكشاف (٤ / ٦٦٣).

(٨) أي : امرأة سائلة من جبال السّراة.

٣٩٠

والأول هو الصحيح ، وإليه ذهب علماء السنة وجمهور الأمة.

قوله تعالى : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) قال قتادة : كالحة (١).

قال ابن قتيبة (٢) : مقطّبة عابسة.

(تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) قال مجاهد : داهية (٣).

قال غيره (٤) : داهية تقصم فقار الظهر.

قال ابن زيد : الفاقرة : دخول النار (٥).

وقال ابن السائب : هي أن تحجب عن ربها فلا تنظر إليه (٦).

(كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٦٠) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(٢) تفسير غريب القرآن (ص : ٥٠٠).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩٤). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٦٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(٤) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٦٤).

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩٤). وذكره الماوردي (٦ / ١٥٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٣).

(٦) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٩٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٣).

٣٩١

نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى)(٤٠)

قوله تعالى : (كَلَّا) ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة (إِذا بَلَغَتِ) قال جماعة من المحققين (١) : يعني : النفس ، وإن لم يجر لها ذكر ؛ لأن الكلام الذي وقعت فيه يدل عليها ، كما قال حاتم :

أما ويّ ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر (٢)

والتّراقي : العظام المكتنفة لثغرة النحر ، عن يمين وشمال ، واحدها : ترقوة (٣).

قال بعض العلماء (٤) : ذكّرهم صعوبة الموت الذي هو أول مراحل الآخرة.

قوله تعالى : (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) كان حفص يظهر النون من" من" ويقف عليها وقفة يسيرة (٥).

[قال أبو العالية ومقاتل](٦) : تقول الملائكة : من يرقى بروحه ملائكة الرحمة ،

__________________

(١) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٦٤).

(٢) البيت لحاتم ، انظر : اللسان (مادة : قرن) ، والقرطبي (١٧ / ٢٣٠) ، والطبري (١٣ / ٣٠) ، وروح المعاني (٢٩ / ١٤٦).

(٣) انظر : اللسان (مادة : ترق).

(٤) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٦٦٤).

(٥) انظر : الحجة للفارسي (٤ / ٧٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣٧) ، والكشف (٢ / ٥٥ ـ ٥٦) ، والإتحاف (ص : ٤٢٨) ، والسبعة (ص : ٦٦١).

(٦) لم أقف عليه في تفسير مقاتل. وما بين المعكوفين في الأصل : وقال أبو العالية مقاتل. والتصويب من (ب).

٣٩٢

أو ملائكة العذاب (١).

وقال عكرمة وقتادة والضحاك وابن زيد : المعنى : يقول أهله : من يرقيه برقية تشفيه (٢).

قال قتادة : التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا (٣). والقولان عن ابن عباس.

قوله تعالى : (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) أي : تيقّن الذي بلغت روحه التراقي أنه مفارق للدنيا.

قوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال عطاء : شدة الموت بشدة الآخرة (٤).

وقال سعيد بن جبير : اجتمع فيه الحياة والموت (٥).

وقال الشعبي : التفّت ساقاه عند الموت (٦).

قال الحسن : ماتت رجلاه فلم تحملاه ، وقد كان عليهما جوّالا (٧).

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٤) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٦١) وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي العالية.

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩٤). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٤).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩٥).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٩٥).

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٤) عن الحسن ومجاهد ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٦٢) وعزاه لعبد بن حميد عن مجاهد.

(٦) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩٧). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٤).

(٧) ذكره الماوردي (٦ / ١٥٨).

٣٩٣

وقال سعيد بن المسيب : هما ساقاه حين يلفّان في أكفانه (١).

وقيل : التفّت آخر شدة الدنيا بأول شدة الآخرة (٢).

قوله تعالى : (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) أي : إلى الله الذي لا يخفى عليه خافية ، يساق العباد يوم القيامة ، وهو الذي يتولى جزاءهم.

قوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) قال المفسرون : نزلت في أبي جهل بن هشام لعنه الله.

ويجوز أن يراد : الإنسان ، بدليل قوله أولا : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) [القيامة : ٣] ، وثانيا : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) [القيامة : ٣٦].

قال قتادة : فلا صدّق بكتاب الله ، ولا صلى لله (٣).

وقيل : فلا صدّق بماله.

وقد قيل : " لا" بمعنى" لم" ، أي : [لم](٤) يصدّق ولم يصلّ.

(وَلكِنْ كَذَّبَ) بكتاب الله (وَتَوَلَّى) عن الإيمان به.

(ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) أي : يتبختر ، وأصله : يتمطّط ، أي : يتمدّد ؛ لأن المتبختر يمدّ خطاه.

وقال الفراء والزجاج (٥) : هو مأخوذ من المطا ، وهو الظهر.

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٤).

(٢) قاله الزجاج. انظر : معاني الزجاج (٥ / ٢٥٤).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩٩). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٦٣) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٤) زيادة من ب.

(٥) معاني الفراء (٣ / ٢١٢) ، ومعاني الزجاج (٥ / ٢٥٤).

٣٩٤

قال الزمخشري (١) : لأنه يلويه. ومنه الحديث : «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم فقد جعل بأسهم بينهم» (٢).

يعني : كذّب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتولى عنه ، ثم ذهب إلى أهله يتبختر افتخارا بذلك.

(أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) يعني : ويل لك ، وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكره.

قال الزجاج (٣) : العرب تقول : أولى لفلان ؛ إذا دعت عليه بالمكروه.

قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) أي : [يهمل](٤) فلا يؤمر ولا ينهى ولا يحاسب ولا يعاقب ، وأنشدوا :

فأقسم بالله جهد اليمين

ما ترك الله أمرا سدى (٥)

ثم دلّهم على البعث بقوله : (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) وقرأ حفص : بالياء (٦) ، جعل الفعل للمنيّ ، وهو مذكر.

والباقون جعلوا الفعل للنّطفة.

(ثُمَّ كانَ عَلَقَةً) بعد أن كان نطفة (فَخَلَقَ فَسَوَّى) أي : فقدّر فعدّل نسمة

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٦٦٥).

(٢) أخرجه ابن حبان (١٥ / ١١٢ ح ٦٧١٦).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٢٥٤).

(٤) في الأصل : يمهل. والمثبت من ب.

(٥) انظر البيت في : الماوردي (٦ / ١٦٠) ، والبحر (٨ / ٣٧٤) ، والدر المصون (٦ / ٤٣٤) ، وروح المعاني (٢٩ / ١٤٩) ، والقرطبي (١٩ / ١١٦).

(٦) الحجة للفارسي (٤ / ٧٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٣٧) ، والكشف (٢ / ٣٥١) ، والنشر (٢ / ٣٩٤) ، والإتحاف (ص : ٤٢٨) ، والسبعة (ص : ٦٦٢).

٣٩٥

تسعى.

(فَجَعَلَ مِنْهُ) أي : من الإنسان (الزَّوْجَيْنِ) الصنفين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى).

(أَلَيْسَ ذلِكَ) الذي أنشأ هذا [الإنشاء](١) (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى).

وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأبو رجاء وعاصم الجحدري : " يقدر" (٢) على صيغة الفعل المضارع ، من قدر يقدر.

أخرج أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ منكم بالتين والزيتون فانتهى إلى آخرها : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين.

ومن قرأ : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) فانتهى إلى : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) فليقل : بلى.

ومن قرأ : (وَالْمُرْسَلاتِ) فبلغ : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) فليقل : آمنا بالله» (٣).

__________________

(١) في الأصل : الإنسان. والتصويب من ب.

(٢) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٤٢٦) ، والدر المصون (٦ / ٤٣٤).

(٣) أخرجه أبو داود (١ / ٢٣٤ ح ٨٨٧).

٣٩٦

سورة الإنسان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وهي إحدى وثلاثون آية (١).

قال مجاهد وقتادة وجمهور المفسرين : هي مدنية (٢).

واستثنى الحسن : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(٣).

وقال مقاتل (٤) : هي مكية.

وقال قوم : من أولها إلى قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) مدني ، وباقيها مكي (٥).

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٣)

قال الله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٦٠).

(٢) انظر : زاد المسير (٨ / ٤٢٧).

(٣) انظر : الإتقان (١ / ٤٤) ، وزاد المسير (٨ / ٤٢٧).

(٤) تفسير مقاتل (٣ / ٤٢٥).

(٥) انظر : الماوردي (٦ / ١٦١) ، وزاد المسير (٨ / ٤٢٧).

٣٩٧

قال الفراء (١) : [معناه](٢) : قد أتى ، و" هل" تكون خبرا وتكون جحدا ، فهذا من الخبر ؛ لأنك تقول : هل وعظتك؟ هل أعطيتك؟ فتقرّره بأنك قد فعلت ذلك. والجحد أن تقول : هل يقدر أحد على مثل هذا. وهذا قول المفسرين وأهل اللغة (٣).

وقيل : إنه استفهام في معنى التقرير ، تقديره : أليس قد أتى على الإنسان.

والمراد بالإنسان : آدم عليه‌السلام ، والحين الذي أتى عليه : أربعون سنة ، وذلك حين كان جسدا مصورا من طين قبل أن ينفخ فيه الروح. وهذا قول أكثر أهل العلم (٤).

ويروى عن ابن عباس وابن جريج : أنه اسم جنس (٥).

فعلى هذا ؛ المراد بالحين : زمن كونه نطفة وعلقة ومضغة.

وقوله : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) في محل النصب على الحال من" الإنسان" (٦) ، تقديره : هل أتى عليه حين غير مذكور. أو في محل الرفع على الوصف

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ٢١٣).

(٢) زيادة من ب ، ومعاني الفراء ، الموضع السابق.

(٣) انظر : الطبري (٢٩ / ٢٠٢) ، والماوردي (٦ / ١٦١) ، والدر المصون (٦ / ٤٣٦) ، وزاد المسير (٨ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨).

(٤) ذكره الطبري في تفسيره (٢٩ / ٢٠٢) ، والماوردي في تفسيره (٦ / ١٦٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٨).

(٥) ذكره الماوردي (٦ / ١٦٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢٨) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٣٦٧) وعزاه لابن المنذر عن ابن عباس.

(٦) انظر : التبيان (٢ / ٢٧٥).

٣٩٨

ل" حين" (١).

والمعنى : لم يكن شيئا مذكورا في الخلق وإن كان عند الله شيئا مذكورا.

وقال قطرب والفراء (٢) وثعلب : قد كان شيئا ولم يكن شيئا مذكورا.

أخبرنا الشيخ أبو عبد الله أحمد بن طلحة البغدادي ، أخبرنا أبو القاسم يحيى بن أسعد ، أخبرنا أبو طالب ابن يوسف ، أخبرنا أبو علي ابن المذهب ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي ، حدثنا عبد الله بن الإمام أحمد قال : حدثني أبي ، ثنا علي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا أبو عمر زياد بن أبي مسلم ، عن أبي الخليل ، أو زياد بن مخراق ، سمع عمر رضي الله عنه رجلا يقرأ : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) فقال عمر : ليتها تمّت (٣).

وقال عون بن عبد الله : قرأ رجل عند ابن مسعود هذه الآية ، فقال : ألا ليت ذلك لم يكن (٤).

قوله تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) قال الزمخشري (٥) : هو كبرمة أعشار ، وبرد أكياش ، وهي ألفاظ مفردة غير جموع ، ولذلك وقعت صفات للأفراد. ويقال أيضا : نطفة مشج. قال الشمّاخ :

__________________

(١) انظر : الدر المصون (٦ / ٤٣٧).

(٢) معاني الفراء (٣ / ٢١٣).

(٣) أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص : ٧٩).

(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ١٠٧ ح ٣٤٥٥٦). وذكر نحوه السيوطي في الدر (٨ / ٣٦٦) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٥) الكشاف (٤ / ٦٦٦ ـ ٦٦٧).

٣٩٩

طوت أحشاء مرتجة لوقت

على مشج سلالته مهين (١)

ولا يصح" أمشاج" أن يكون تكسيرا له ، بل هما مثلان في الإفراد ، لوصف المفرد بهما.

وقال غيره : واحد الأمشاج : مشج ومشيج ، ويقال : مشجت هذا بهذا ، أي : خلطته ، فهو ممشوج ومشيج ، مثل : مخلوط وخليط.

والمعنى : من نطفة قد امتزج واختلط فيها الماءان.

قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة والربيع وجمهور المفسرين : يريد : ماء الرجل وماء المرأة ، يختلطان في الرحم ، فيكون منهما جميعا الولد (٢).

وماء الرجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا [ماء](٣) صاحبه كان الشبه له.

وقال قتادة : هي أطوار الخلق ، تكون نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظما ، ثم يكسى العظم لحما ، ثم ينشئه الله خلقا آخر (٤).

وقال الضحاك وابن عباس في رواية الوالبي : أراد : اختلاف ألوان النطفة ،

__________________

(١) البيت للشماخ. انظر : ديوانه (ص : ٣٢٨) ، واللسان (مادة : مشج ، سلل) ، والقرطبي (١٩ / ١٢٠) ، والبحر (٨ / ٣٨٤) ، والدر المصون (٦ / ٤٣٧) ، وتاج العروس (مادة : سلل).

(٢) أخرجه مجاهد (ص : ٧١١) ، و(ص : ٧١٢) عن الحسن ، والطبري (٢٩ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٩٠). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٦٧) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن الربيع ، وعزاه لعبد بن حميد.

(٣) في الأصل : على. والتصويب من ب.

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٠٤). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٦٨) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

٤٠٠