رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٨

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٨

وموضع (١) هذه الجملة : النصب صفة ل" طباقا" (٢).

(فَارْجِعِ الْبَصَرَ) أي : كرّر النظر ، (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) أي : صدوع [وشقوق](٣) ، جمع فطر ، وهو الشّق. وأنشدوا قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود :

شققت القلب ثم ذررت فيه

هواك فليم فالتأم الفطور (٤)

وقال الضحاك : اختلاف وشطور.

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) أي : مرّة بعد أخرى.

أمر الله تبارك وتعالى بالتوقّف وتكرير النظر إلى أن يحسر بصره من كثرة المعاودة ، ليتحقق الناظر أنه لا يعثر على شيء من الفطور.

(يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) مبعدا لم يظفر بما رام من رؤية الفطور ، (وَهُوَ حَسِيرٌ) كليل منقطع. قال الشاعر :

نظرت إليها بالمحصّب من منى

فعاد إليّ الطّرف وهو حسير (٥)

قال الزجاج (٦) : قد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللا.

__________________

(١) في ب : وموقع.

(٢) انظر : الدر المصون (٦ / ٣٤١).

(٣) في الأصل : وتشقق. والمثبت من ب.

(٤) البيت لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وهو في : اللسان (مادة : ذرأ ، ذرر ، فطر) ، والبحر (٨ / ٢٩٣) ، والدر المصون (٦ / ٣٤١) ، والقرطبي (١٨ / ٢٠٩) ، وروح المعاني (٢٩ / ٧) ، وديوان الحماسة (٢ / ١٣٣) ، وتاج العروس (مادة : فطر ، بلغ) ، ونسبه في الموضع الثاني لقيس بن ذريح.

(٥) انظر البيت في : القرطبي (٨ / ٢١٠).

(٦) معاني الزجاج (٥ / ١٩٨).

٢٠١

قال الزمخشري (١) : فإن قلت : كيف ينقلب البصر خاسئا حسيرا برجعه كرّتين اثنتين؟

قلت : معنى التثنية : التكرير بكثرة ، كقولهم : لبّيك وسعديك ، يريد إجابات كثيرة بعضها في إثر بعض ، وقولهم في المثل : " دهدرّين سعد القين" (٢) من ذلك ، أي : باطل بعد باطل.

(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)(١٢)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) وهي السّرج ، سمّيت بها الكواكب ؛ لإنارتها.

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٥٨١).

(٢) في الأصل : القلين. والمثبت من ب ، والكشاف (٤ / ٥٨١).

وهو مثل يضرب لمن يأتي بالباطل. قال الأصمعي : ولا نعرف أصله. انظر : المستقصى في أمثال العرب (٢ / ٨٣) ، وجمهرة الأمثال (١ / ٤٤٨).

٢٠٢

(وَجَعَلْناها) يعني : المصابيح (رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) مسترقي السمع.

ومن تصفّح كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رأى انحصار خلق النجوم لثلاث حكم.

قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها. فمن تأوّل فيها غير ذلك [فقد تكلّف](١) ما لا علم له به (٢).

وقال محمد بن كعب : والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم ، ولكنهم يتّبعون الكهانة ويتخذون النجوم علّة (٣).

(وَأَعْتَدْنا لَهُمْ) بعد الإحراق بالشهب (عَذابَ السَّعِيرِ) ، و" الشهيق" مذكور في أواخر هود (٤).

قال الزمخشري (٥) : الشهيق : إما لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها ، [أو من](٦) أنفسهم ، كقوله : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) [هود : ١٠٦] ، وإما للنار ؛ تشبيها بحسيسها المنكر الفظيع بالشهيق.

(تَفُورُ) تغلي بهم غليان المرجل (٧) بما فيه. وجعلت كالمغتاظة عليهم ؛ لشدة

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ٣ ـ ٤).

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٩ / ٢٨٣١) ، وأبو الشيخ في العظمة (٤ / ١٢٣٠ ح ٧٠٦٢٧). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٢٩) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة.

(٤) عند الآية رقم : ١٠٦.

(٥) الكشاف (٤ / ٥٨٢ ـ ٥٨٣).

(٦) في الأصل وب : ومن. والتصويب من الكشاف (٤ / ٥٨٢).

(٧) المرجل : القدر من الحجارة والنحاس (اللسان ، مادة : رجل).

٢٠٣

غليانها بهم ، ويقولون : فلان يتميّز غيظا ويتقصف غضبا ، وغضب فطارت منه شقّة في الأرض وشقّة في السماء : إذا وصفوه بالإفراط فيه.

ويجوز أن يراد : غيظ الزبانية.

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) سؤال توبيخ وتقريع.

والنذير : بمعنى الإنذار ، أي : أهل نذير ، أو وصف [منذروهم](١) لغلوّهم في الإنذار كأنهم ليسوا إلا الإنذار ، وكذلك (قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ).

قوله تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) من تمام ما أخبر به للكفار عن أنفسهم بما قالوه للنّذر ، على معنى : إن أنتم إلا في ضلال عن الصواب.

ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول ، أرادوا حكاية ما كانوا عليه من ضلالهم في الدنيا.

قال الزجاج (٢) : ثم اعترفوا بجهلهم فقالوا : (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ).

قال ابن عباس : لو كنا نسمع الهدى أو نعقله فنعمل به (ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ)(٣).

وقيل : إنما جمع بين السمع والعقل ؛ لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل.

__________________

(١) في الأصل : منذوهم.

(٢) معاني الزجاج (٥ / ١٩٩).

(٣) ذكره القرطبي (١٨ / ٢١٢) ، والبغوي (٤ / ٣٧١).

٢٠٤

(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً) قال ابن عباس : فبعدا (١).

وقرأ الكسائي : " فسحقا" بضم الحاء (٢).

(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)(١٥)

وقوله تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) قال ابن عباس : كانوا ينالون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيخبره جبريل ، فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد ، فأنزل الله هذه الآية (٣).

(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) [أي](٤) : ألا يعلم ما في الصدور من خلقها ، و"(مَنْ خَلَقَ)" في محل الرفع بإسناد الفعل إليه.

ويجوز أن يكون منصوبا ، على معنى : ألا يعلم مخلوقه.

والأول أظهر.

(وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فهو يعلم ما ظهر وبطن من خلقه.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) مذلّلة سهلة ، ولم يجعلها

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ٦) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٦٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٣٦) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ٥٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧١٦) ، والكشف (٢ / ٣٢٩) ، والنشر (٢ / ٢١٧) ، والإتحاف (ص : ٤٢٠) ، والسبعة (ص : ٦٤٤).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٢٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٢١).

(٤) زيادة من ب.

٢٠٥

وعرة تمنعكم بحزونتها عن كثير من مصالحكم.

(فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) قال ابن عباس وقتادة : أي : جبالها (١). واختاره الزجاج ، قال (٢) : لأن المعنى : سهّل لكم السلوك فيها ، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها فهو أبلغ.

وقال مقاتل (٣) : في جوانبها. وإليه ذهب الفراء وأبو عبيدة (٤) ، وهو اختيار ابن قتيبة قال (٥) : ومنكبا الرجل : [جانباه](٦).

قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) المعنى : وإليه تبعثون من قبوركم فيسألكم عن شكر نعمه ورزقه إياكم.

(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ)(١٩)

قوله تعالى : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) قرأ ابن عامر

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ٦ ـ ٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٣٧) وعزاه لابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس.

(٢) معاني الزجاج (٥ / ١٩٩).

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٣٨٣).

(٤) معاني الفراء (٣ / ١٧١) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (٢ / ٢٦٢).

(٥) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٧٥).

(٦) في الأصل : جنباه. والتصويب من ب ، وتفسير غريب القرآن ، الموضع السابق.

٢٠٦

وأهل الكوفة : " أأمنتم" بتحقيق الهمزتين ، والباقون بتحقيق الأولى وتليين الثانية ، إلا [ما](١) روي عن قنبل عن ابن شنبوذ من قلب همزة الاستفهام واوا لانضمام ما قبلها ، وهو الراء ، وتليين الثانية بين بين ، وابن شنبوذ كذلك إلا أنه [يحقق](٢) الهمزة الثانية. وفصل بين الهمزتين بألف : قالون وأبو عمرو ، وترك الفصل : ابن كثير غير من ذكرته عن قنبل وورش (٣).

قال ابن عباس : أمنتم عذاب من في السماء ، وهو الله عزوجل (٤).

قال الثعلبي (٥) : واعلم أن الآيات والأخبار الصحاح في هذا الباب كثيرة ، وكلّها إلى العلو مشيرة ، ولا يدفعها إلا ملحد جاحد ، أو جاهل معاند.

ومن المواضع التي سلب فيها الزمخشري التوفيق ، وقاده إليها شؤم بدعته ، قوله هاهنا (٦) : كانوا يعتقدون التشبيه ، وأن الله في السماء ، وأن العذاب والرحمة ينزلان منه ، وكانوا [يدعونه](٧) من جهتها ، فقيل لهم على حسب اعتقادهم : أأمنتم من تزعمون أنه في السماء.

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في الأصل : يخفف. والمثبت من ب.

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ٥٣ ـ ٥٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧١٦) ، والكشف (٢ / ٣٢٨) ، والنشر (١ / ٣٦٤) ، والإتحاف (ص : ٤٢٠) ، والسبعة (ص : ٦٤٤).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٢٢).

(٥) تفسير الثعلبي (٩ / ٣٦٠).

(٦) الكشاف (٤ / ٥٨٥).

(٧) في الأصل وب : يدعونها. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.

٢٠٧

وهذا الهذيان الذي رام به جحد النص الجليّ أقلّ من [أن](١) يتعرّض له بردّ وإبطال.

وقد قررنا وأثبتنا صفة العلو لله تعالى في مواضع من هذا الكتاب.

قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) قال مقاتل (٢) : تدور بكم إلى الأرض السفلى.

وقد سبق ذكر" الحاصب" (٣).

(فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) أي : إذا رأيتم المنذر به تعلمون كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم.

قوله تعالى : (صافَّاتٍ) أي : باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ، (وَيَقْبِضْنَ) بعد البسط ، وهذا معنى الطيران ، وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط ، (ما يُمْسِكُهُنَ) أن يقعن (إِلَّا الرَّحْمنُ) بقدرته ، [وبما](٤) ركّب لهنّ من القوادم [والخوافي](٥) ، ودبّر فيهن من الخصائص والأشكال التي ينفعل عنها الطيران.

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٣٨٣).

(٣) في سورة الإسراء ، عند الآية رقم : ٦٨.

(٤) في الأصل : بما. والتصويب من ب.

(٥) في الأصل : الخوافي. والتصويب من ب.

والقوادم : أربع ريشات في مقدّم الجناح ، الواحدة : قادمة (اللسان ، مادة : قدم).

والخوافي : ريشات إذا ضمّ الطائر جناحيه خفيت ، واحدتها : خافية (اللسان ، مادة : خفا).

٢٠٨

فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ)(٢٧)

ولفظ" الجند" : موحّد ، ولهذا قال : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ).

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) أي : يرزقكم المطر وغيره.

قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر.

والمعنى : ليس من يمشي مكبّا على وجهه لا ينظر أمامه ولا يمينه وشماله ، بل يعسف في مكان وعر ، يخرّ تارة ويعثر أخرى ، كمن يمشي سويا معتدلا سالما من العثور والخرور.

وقال [قتادة](١) : هذا في الآخرة يحشر الله الكافر مكبّا على وجهه ، والمؤمن يمشي سويّا (٢).

قال الكلبي : يعني بالمكبّ : أبو جهل. وبالسويّ : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : حمزة بن

__________________

(١) في الأصل : مقاتل. والتصويب من ب.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٣٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٢٣).

٢٠٩

عبد المطلب (١).

وجميع ما لم أذكره ظاهر أو مفسّر إلى قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي : شاهدوا الوعد (زُلْفَةً) أي : قريبا ، ونصبه على الحال أو الظرف (٢) ، أي : رأوه ذا زلفة ، أو مكانا ذا زلفة ، (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : ساءت رؤية الوعد وجوههم بأن علتها الكآبة ، وغشيها الكسوف والقترة.

(وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) قال الفراء وابن قتيبة (٣) : تفتعلون ، من الدعاء ، أي : تطلبون وتستعجلون تكذيبا واستهزاء.

وقرأت ليعقوب الحضرمي : " تدعون" بالتخفيف (٤) ، وهي في [معنى](٥) : " تدّعون" مشددة.

وقال جماعة ، منهم : الزجاج ، في معنى المشددة (٦) : تدّعون الأباطيل والأكاذيب ، فتدّعون أنكم إذا متّم لا تبعثون.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(٣٠)

__________________

(١) ذكره القرطبي (١٨ / ٢١٩).

(٢) انظر : الدر المصون (٦ / ٣٤٧).

(٣) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة (ص : ٤٧٥).

(٤) النشر (٢ / ٣٨٩) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٢٠).

(٥) زيادة من ب.

(٦) معاني الزجاج (٥ / ٢٠١).

٢١٠

قال المفسرون : كان الكفار يتربّصون بالرسول [والمؤمنين](١) الهلاك ، فأنزل الله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ)(٢) أي : أخبروني إن أهلكني الله (وَمَنْ مَعِيَ) كما تتمنّون أو أبقانا وأخّر في آجالنا ، (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) فإنه واقع بهم لا محالة ، وأنتم إنما تتربصون بنا إحدى الحسنيين ؛ النصر أو الشهادة.

وقيل : معنى الآية : نحن في إيماننا بين خوف ورجاء ؛ فمن يجيركم أنتم من عذاب الله مع كفركم.

قوله تعالى : (فَسَتَعْلَمُونَ) وقرأ الكسائي : " فسيعلمون" بالياء (٣) ؛ حملا على قوله : (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ).

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) ذاهبا في الأرض.

وقد فسّرناه في الكهف (٤).

(فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) ظاهر العيون.

__________________

(١) في الأصل : المؤمنين. والتصويب من ب.

(٢) في الأصل زيادة قوله : (وَمَنْ مَعِيَ) وستأتي بعد.

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ٥٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧١٦) ، والكشف (٢ / ٣٢٩) ، والنشر (٢ / ٣٨٩) ، والإتحاف (ص : ٤٢١) ، والسبعة (ص : ٦٤٤).

(٤) عند الآية رقم : ٤١.

٢١١

سورة نون

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ثنتان وخمسون آية (١).

وهي مكية بإجماعهم ، إلا ما يحكى عن ابن عباس وقتادة : أن فيها من المدني (إِنَّا بَلَوْناهُمْ) إلى قوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(٢).

(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(٧)

اختلف القراء السبعة في إدغام النون في الواو من قوله : نون (٣). والإدغام اختيار الزجاج (٤) ، والإظهار اختيار الفراء (٥).

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٥٢).

(٢) ذكره الماوردي (٦ / ٥٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٢٦).

(٣) انظر : الحجة للفارسي (٤ / ٥٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧١٧) ، والكشف (٢ / ٣٣١) ، والنشر (٢ / ١٨ ـ ١٩) ، والإتحاف (ص : ٤٢١) ، والسبعة (ص : ٦٤٦).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٢٠٣).

(٥) معاني الفراء (٣ / ١٧٢).

٢١٢

قرأ ابن عباس : " نون" بكسر النون (١). وقرأ عيسى بن عمر : بفتحها (٢) ، كما في صاد. وقد تقدّمت علل ذلك في مواضعه.

وقرأ الحسن وأبو عمران وأبو نهيك : " نون" بالرفع (٣).

قال الحسن وقتادة : هي الدواة (٤).

وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أول ما خلق الله القلم ، ثم خلق النون وهي الدواة» (٥).

وقال مجاهد والسدي وابن السائب ومقاتل (٦) : الحوت الذي على ظهره الأرض (٧).

وقيل : النون آخر حروف الرحمن (٨). وهذه الأقوال عن ابن عباس.

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٢٦) ، والدر المصون (٦ / ٣٤٩).

(٢) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٣٠٢) ، والدر المصون (٦ / ٣٤٩).

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٢٦).

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٤١) وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة والحسن. ومن طريق آخر عن ابن عباس ، وعزاه لابن جرير وابن المنذر.

(٥) أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (٢ / ٣٥٤) مطولا ، كما في الدر (٨ / ٢٤١).

(٦) تفسير مقاتل (٣ / ٣٨٦).

(٧) أخرجه مجاهد في تفسيره (ص : ٦٨٧) ، والطبري (٢٩ / ١٤). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٢٧) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٢٤١) وعزاه لابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس.

(٨) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٣٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٢٧). ـ

٢١٣

وقال معاوية بن قرة : " نون" : لوح من نور. رواه مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وقال عطاء : افتتاح اسم نصير وناصر (٢).

وقال جعفر الصادق : نهر في الجنة (٣). والله تعالى أعلم.

وقال صاحب الكشاف (٤) : المراد هذا الحرف من حروف المعجم. وأما قولهم : هو الدواة ، فما أدري أهو وضع لغوي أو شرعي؟ ولا يخلو إذا كان اسما للدواة من أن يكون جنسا أو علما ، [فإن كان جنسا فأين الإعراب والتنوين. وإن كان علما](٥) فأين الإعراب؟ وأيهما كان فلا بد له من موقع في تأليف الكلام.

فإن قلت : هو مقسم [به](٦) وجب أن يكون جنسا ، ووجب أن [تجرّه وتنوّنه](٧) ، ويكون القسم بدواة منكّرة مجهولة ، كأنه قيل : ودواة. وإن كان علما أن تصرفه وتجرّه ، أو لا تصرفه وتفتحه للعلمية والتأنيث ، وكذلك التفسير بالحوت

__________________

ـ قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره (٣٠ / ٧٧) بعد ذكره لهذا القول : وهذا ضعيف ؛ لأن تجويزه يفتح باب ترهات الباطنية. والصواب أنّ" ن" من الحروف الهجائية التي ذكرت في أوائل السور بيانا لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته.

(١) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٦) من حديث معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا. وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٤١) وعزاه لابن جرير.

قال ابن كثير (٤ / ٤٠٢) : وهذا مرسل غريب.

(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٢٧).

(٣) مثل السابق.

(٤) الكشاف (٤ / ٥٨٩).

(٥) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.

(٦) زيادة من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٧) في الأصل : تنونه وتجره. والمثبت من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

٢١٤

واللوح والنهر في الجنة.

والمراد بالقلم : الذي يكتب به الذّكر في اللوح المحفوظ.

قال ابن جريج : هو من نور ، طوله ما بين السماء والأرض (١).

وقيل : القلم الذي يكتب به الناس (٢) ، أقسم به ؛ لأنه نعمة عظيمة ، ومنّة جسيمة ، ومنفعة شاملة.

قال ابن [هيثم](٣) : من جلالة القلم أنه لم يكتب لله كتاب إلا به ، فلذلك أقسم الله به (٤).

وقيل : الأقلام مطايا الفطن ورسل الكرام (٥).

وقيل : البيان اثنان ؛ بيان لسان وبيان بنان ، ومن فضل بيان البنان أن ما تثبته الأقلام باق على الأيام ، [وبيان اللسان تدرسه الأعوام](٦). (٧).

وقال بعض الحكماء : قوام أمور الدين والدنيا بشيئين : القلم والسيف ، والسيف تحت القلم (٨) ، [وفيه](٩) يقول ابن الرومي :

__________________

(١) ذكره الماوردي (٦ / ٦٠).

(٢) واستظهر هذا القول ابن كثير (٤ / ٤٠٢).

(٣) في الأصل : هيثم. والمثبت من ب.

(٤) ذكره ابن عجيبة في تفسيره (٦ / ٣٨١).

(٥) انظر : المصدر السابق.

(٦) زيادة من تفسير ابن عجيبة ، الموضع السابق.

(٧) انظر : تفسير ابن عجيبة ، الموضع السابق.

(٨) مثل السابق.

(٩) زيادة من ب.

٢١٥

إن يخدم القلم السيف الذي خضعت

له الرقاب ودانت دونه الأمم

فالموت ، والموت لا شيء يغالبه

ما زال يتبع ما يجري به القلم

كذا قضى الله للأقلام مذ بريت

أنّ السيوف لها مذ أرهفت خدم (١)

وقوله أيضا :

في كفّه قلم ناهيك من قلم

نبلا وناهيك من كفّ به اتّشحا

يمحو ويثبت أرزاق العباد به

فما المقادير إلا ما وحا ومحا (٢)

ولأبي تمام في محمد بن عبد الملك الزيات :

له القلم الأعلى الذي [بشباته](٣)

يصاب من الأمر الكلى والمفاصل

فصيح إذا استنطقته وهو راكب

وأعجم إن خاطبته وهو راجل

إذا ما امتطى الخمس اللّطاف وأفرغت

عليه شعاب الفكر وهي حوافل

أطاعته أطراف الرماح [وقوّضت

لنجواه تقويض](٤) الخيام الجحافل (٥)

وما أحسن قول المتنبي في وصفه :

__________________

(١) الأبيات لابن الرومي ، انظر : خزانة الأدب (١ / ٢٢٩ ، ٢٣٦) ، وصبح الأعشى (١ / ٧٥ ، ٤٧٧ ، ٤٧٨).

(٢) البيتان لابن الرومي. انظر : محاضرات الأدباء (١ / ٤٠).

(٣) في الأصل : بشتاته. والتصويب من ب ، ومصادر الأبيات.

(٤) في الأصل : وفوضت لنجواه تفويض. والمثبت من ب.

(٥) الأبيات لأبي تمام الطائي. انظر : صبح الأعشى (٢ / ٤٧٨) ، والحيوان للجاحظ (١ / ٢٢) ، والعقد الفريد (٢ / ٤٩).

٢١٦

نحيف الشّوى يعدو على أمّ رأسه

ويحفى فيقوى عدوه حين يقطع

يمجّ ظلاما في نهار لسانه ، ويفهم

عمّن قال ما ليس يسمع (١)

وآثر الوزير ضياء الدين أبو الفتح ابن الأثير نثر هذا النظم ، فقرطس في البلاغة بالإصابة ، وحلّاه إذ حلّه فاتّسعت به الأسماع مع الغرابة فقال : أخرس وهو فصيح الإيراد ، أصمّ وهو يسمع مناجاة الفؤاد. ومن عجيب شأنه : أنه لا ينطق إلا إذا قطع لسانه ، ولا يضحك إلا إذا بكت أجفانه.

قوله تعالى : (وَما يَسْطُرُونَ)" ما" موصولة ، أو مصدرية.

قال مجاهد : ما تكتب الملائكة من الذكر (٢).

وقال مقاتل وغيره (٣) : ما تكتبه الحفظة من أعمال بني آدم.

وقيل : ما يسطره جميع الكتبة.

(ما أَنْتَ) يا محمد (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) نفى ذلك عنه لقولهم : (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] ، والباء في"(بِنِعْمَةِ)" تتعلق"(بِمَجْنُونٍ)" ، وهي في محل الحال (٤) ، تقديره : ما أنت بمجنون منعّما بذلك ، والباء في"(بِمَجْنُونٍ)" لتوكيد النفي.

(وَإِنَّ لَكَ) بصبرك على أذاهم منضما إلى ما أنعمت عليك به من النبوة والإيمان ، وظهور دينك على سائر الأديان ، وارتفاع شأنك ، واستفحال سلطانك

__________________

(١) البيتان للمتنبي ، انظر : ثمار القلوب (ص : ٢٥٧).

(٢) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٧). وذكره الماوردي (٦ / ٦٠).

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٣٨٦).

(٤) انظر : الدر المصون (٦ / ٣٥٠).

٢١٧

(لَأَجْراً) ثوابا (غَيْرَ مَمْنُونٍ) منقوص ولا مقطوع.

وقال الحسن : غير ممنون عليك من أذى (١).

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) قال بعض أهل المعاني (٢) : استعظم خلقه لفرط احتماله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المضّات من قومه ، وحسن مخالفته ومداراته لهم.

وأقوال المفسرين فيه ترجع إلى معنى واحد ، وهو : الأخذ بما أمر به.

قال ابن عباس : هو دين الإسلام (٣).

وقال عطية : آداب القرآن (٤).

وقال قتادة : ما يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه ، مما نهى الله عنه (٥).

قالت عائشة رضي الله عنها : كان خلقه القرآن ، يسخط لسخطه (٦) ، ويرضى لرضاه (٧).

وقال الماوردي (٨) : حقيقة الخلق في اللغة : هو ما يأخذ به

__________________

(١) ذكره الماوردي (٦ / ٦١).

(٢) هو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ٥٩٠).

(٣) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٤٣) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.

(٤) أخرجه الطبري (٢٩ / ١٩). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٤٣) وعزاه لابن المبارك وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الدلائل.

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٣٣٤).

(٦) في ب : بسخطه.

(٧) أخرجه البيهقي في الشعب (٢ / ١٥٤ ح ١٤٢٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٢٤٣) وعزاه لابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.

(٨) تفسير الماوردي (٦ / ٦١ ـ ٦٢).

٢١٨

[الإنسان](١) نفسه من الآداب ، سمي خلقا ؛ لأنه يصير كالخلقة فيه.

فأما ما طبع عليه من الآداب فهو الخيم (٢) ، فيكون الخلق : الطبع المتكلّف ، والخيم : الطّبع الغريزي. وقد أوضح الأعشى ذلك في شعره حيث يقول :

وإذا ذو الفضول ضنّ على المولى

وعادت بخيمها الأخلاق (٣)

أي : رجعت الأخلاق إلى طباعها.

قوله تعالى : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) وعيد لأهل مكة ، ظهر أثره يوم بدر.

(بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) قال الحسن : المفتون : الضّال (٤).

وقال مجاهد : الشيطان (٥).

وقال الضحاك : المجنون (٦).

والباء زائدة ، في قول أبي [عبيدة](٧) وابن قتيبة (٨) ؛ كقول الشاعر :

 ............

نضرب بالسيف ونرجو بالفرج (٩)

__________________

(١) زيادة من ب ، والماوردي (٦ / ٦١).

(٢) وهي الطباع.

(٣) البيت للأعشى. انظر : ديوانه (ص : ١٢٥) وفيه : " وصارت" بدل : " وعادت" ، والقرطبي (١٨ / ٢٢٧) ، والماوردي (٦ / ٦٢).

(٤) ذكره الماوردي (٦ / ٦٢).

(٥) أخرجه الطبري (٢٩ / ٢٠). وذكره الماوردي (٦ / ٦٢).

(٦) مثل السابق.

(٧) في الأصل : عبيد. والتصويب من ب. وانظر : مجاز القرآن (٢ / ٢٦٤).

(٨) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٧٧).

(٩) عجز بيت للنابغة الجعدي ، وصدره : (نحن بنو جعدة أرباب الفلج). ـ

٢١٩

وأصلية ، في قول الفراء والزجاج (١).

وقول الضحاك أشبه لقوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ).

فإن قلنا : الباء زائدة ، فيكون التقدير : أيكم المجنون ، سمي بذلك ؛ لأنه مجن بالجنون ، أو لكونه من تخييل الجن ، وهم الفتّان.

وإن قلنا : الباء أصلية ، كان" المفتون" مصدرا ، [كمعقود](٢) ومعقول. قال الراعي :

حتى إذا لم يتركوا لعظامه

لحما ولا لفؤاده معقولا (٣)

أي : عقلا ، فيكون التقدير : بأيكم الفتون ، أي : الجنون.

وقيل : الباء بمعنى" في" ، تقديره : في أيكم ، أي : في [أي](٤) الفريقين المجنون ، في [فريقك](٥) أو في فريقهم. ومن يستحق هذا الاسم أنتم أم هم؟.

وتعضده قراءة أبيّ بن كعب وأبي عمران الجوني وابن أبي عبلة : " في أيكم المفتون" (٦).

__________________

ـ انظر : الطبري (٢٩ / ٢٠) ، وزاد المسير (٥ / ٤٢١ ، ٨ / ٣٢٩) ، والخزانة (٤ / ٥٩) ، وغريب القرآن لابن قتيبة (ص : ٢٩٢) ، والماوردي (٤ / ١٦).

(١) انظر : معاني الفراء (٣ / ١٧٣) ، والزجاج (٥ / ٢٠٥).

(٢) في الأصل : كالمعقود. والتصويب من ب.

(٣) البيت : للراعي. وهو في : الطبري (١٢ / ١٦٥) ، والقرطبي (١٨ / ٢٢٩) ، وزاد المسير (٤ / ١٩٢) ، ومعاني الفراء (٢ / ٣٨).

(٤) زيادة من ب.

(٥) في الأصل : فريقكم. والمثبت من ب.

(٦) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٣٠) ، والدر المصون (٦ / ٣٥١).

٢٢٠