تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان

الشيخ أبي عبدالله عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله بن ناصر آل سعدي

تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان

المؤلف:

الشيخ أبي عبدالله عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله بن ناصر آل سعدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ١١٣٥

سورة القدر

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] يقول تعالى مبينا لفضل القرآن وعلو قدره : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) وذلك أن الله تعالى ، ابتدأ بإنزال القرآن في رمضان في ليلة القدر ، ورحم الله بها العباد رحمة عامة ، لا يقدر العباد لها شكرا. وسميت ليلة القدر ، لعظم قدرها ، وفضلها عند الله ، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق ، والمقادير القدرية.

[٢] ثم فخّم شأنها ، وعظّم مقدارها ، فقال : (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (٢) ، أي : فإن شأنها جليل ، وخطرها عظيم.

[٣] (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣) ، أي : تعادل في فضلها ألف شهر ، فالعمل الذي يقع فيها ، خير من العمل في ألف شهر ، خالية منها. وهذا مما تتحير فيه الألباب ، وتندهش له العقول ، حيث منّ تعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى ، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر ، عمر رجل معمر عمرا طويلا ، نيفا وثمانين سنة.

[٤ ـ ٥] (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) ، أي : يكثر نزولهم فيها (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٥) سَلامٌ هِيَ) ، أي : سالمة من كل آفة وشر ، وذلك لكثرة خيرها. (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ، أي : مبتداها من غروب الشمس ، ومنتهاها طلوع الفجر. وقد تواترت الأحاديث في فضلها ، وأنها في رمضان ، وفي العشر الأواخر منه ، خصوصا في أوتاره ، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة. ولهذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعتكف ، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان ، رجاء ليلة القدر ، والله أعلم. تم تفسير سورة القدر ـ بعون الله تعالى.

تفسير سورة البينة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] يقول تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ، أي : من اليهود والنصارى (وَالْمُشْرِكِينَ) من سائر أصناف الأمم. (مُنْفَكِّينَ) عن كفرهم وضلالهم ، الذي هم عليه ، أي : لا يزالون في غيهم وضلالهم ، لا يزيدهم مرور الأوقات إلا كفرا. (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) الواضحة ، والبرهان الساطع ، ثم فسر تلك البينة فقال :

[٢] (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) ، أي : أرسله الله ، يدعو الناس إلى الحق ، وأنزل عليه كتابا يتلوه ، ليعلم الناس الحكمة ، ويزكيهم ، ويخرجهم من

١١٢١

الظلمات إلى النور ، ولهذا قال : (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) ، أي : محفوظة من قربان الشياطين ، لا يمسها إلا المطهرون ، لأنها أعلى ما يكون من الكلام.

[٣ ـ ٤] ولهذا قال عنها : (فِيها) ، أي : في تلك الصحف (كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) ، أي : أخبار صادقة ، وأوامر عادلة تهدي إلى الحق ، وإلى صراط مستقيم. فإذا جاءتهم هذه البينة ، فحينئذ يتبين طالب الحق ، ممن ليس له مقصد في طلبه ، فيهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة. وإذا لم يؤمن أهل الكتاب بهذا الرسول ، وينقادوا له ، فليس ذلك ببدع من ضلالهم وعنادهم ، فإنهم ما تفرّقوا واختلفوا ، وصاروا أحزابا (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) ، التي توجب لأهلها الاجتماع والاتفاق. ولكنهم لرداءتهم ونذالتهم ، لم يزدهم الهدى إلّا ضلالا ، ولا البصيرة إلّا عمى ، مع أن الكتب كلها ، جاءت بأصل واحد ، ودين واحد.

[٥] (وَما أُمِرُوا) في سائر الشرائع (إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، أي : قاصدين بجميع عباداتهم ، الظاهرة والباطنة ، وجه الله ، وطلب الزلفى لديه. (حُنَفاءَ) ، أي : معرضين مائلين عن سائر الأديان ، المخالفين لدين التوحيد. وخصّ الصلاة والزكاة بالذكر ، مع أنهما داخلان في قوله : (لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) لفضلهما وشرفهما ، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما ، قام بجميع شرائع الدين. (وَذلِكَ) أن التوحيد والإخلاص في الدين ، هما (دِينُ الْقَيِّمَةِ) ، أي : الدين المستقيم ، الموصل إلى جنات النعيم ، وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم.

[٦] ثمّ ذكر جزاء الكافرين ، بعد ما جاءتهم البينة ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ) قد أحاط بهم عذابها ، واشتد عليهم عقابها. (خالِدِينَ فِيها) لا يفتّر عنهم العذاب ، وهم فيها مبلسون. (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) لأنهم عرفوا الحقّ وتركوه ، وخسروا الدنيا والآخرة.

[٧] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٧) لأنهم عبدوا الله وعرفوه ، وفازوا بنعيم الدنيا والآخرة.

[٨] (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) ، أي : جنات إقامة ، لا ظعن فيها ولا رحيل ، ولا طلب لغاية فوقها. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه ، ورضوا عنه ، بما أعد لهم من أنواع الكرامات. (ذلِكَ) الجزاء الحسن (لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) ، أي : لمن خاف الله فأحجم عن معاصيه ، وقام بما أوجب عليه. تم تفسير سورة البينة ـ بفضل الله وتوفيقه.

تفسير سورة الزلزلة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] يخبر تعالى ، عما يكون يوم القيامة ، وأن الأرض تتزلزل وترجف ، وترتج ، حتى يسقط ما عليها من بناء

١١٢٢

ومعلم. فتندك جبالها ، وتسوّى تلالها ، وتكون قاعا صفصفا ، لا عوج فيه ولا أمت.

[٢] (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (٢) ، أي : ما في بطنها ، من الأموات والكنوز.

[٣] (وَقالَ الْإِنْسانُ) إذا رأى ما عراها من الأمر العظيم : (ما لَها)؟ ، أي : أيّ شيء عرض لها؟

[٤] (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ) الأرض (أَخْبارَها) ، أي : تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها ، من خير وشر ، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم.

[٥] ذلك (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) (٥) ، أي : أمرها أن تخبر بما عمل عليها ، فلا تعصي لأمره.

[٦] (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ) من موقف القيامة (أَشْتاتاً) ، أي : فرقا متفاوتين. (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) أي : ليريهم الله ما عملوا من السيئات والحسنات ، ويريهم جزاءه موفورا.

[٧ ـ ٨] (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨) وهذا شامل عام للخير والشر كله ، لأنه إذا رأى مثقال الذرة ، التي هي أحقر الأشياء ، وجوزي عليها ، فما فوق ذلك من باب أولى وأخرى ، كما قال تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) ، (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً). وهذا ، فيه الترغيب في فعل الخير ولو قليلا ، والترهيب من فعل الشر ولو حقيرا. تم تفسير سورة الزلزلة ـ والحمد لله.

تفسير سورة العاديات

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] أقسم تعالى بالخيل ، لما فيها من آياته الباهرة ، ونعمه الظاهرة ، ما هو معلوم للخلق. وأقسم تعالى بها في الحال التي لا يشاركها فيه غيرها من أنواع الحيوانات ، فقال : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (١) ، أي : العاديات عدوا بليغا قويا ، يصدر عنه الضبح ، وهو صوت نفسها في صدرها ، عند اشتداد عدوها.

[٢] (فَالْمُورِياتِ) بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار (قَدْحاً) ، أي : تنقدح النار من صلابة حوافرهن وقوتهن إذا عدون.

[٣] (فَالْمُغِيراتِ) على الأعداء (صُبْحاً) ، وهذا أمر أغلبي ، أن الغارة تكون صباحا.

[٤] (فَأَثَرْنَ بِهِ) ، أي : بعدوهن ، وغارتهن (نَقْعاً) ، أي : غبارا.

[٥] (فَوَسَطْنَ بِهِ) ، أي : براكبهن (جَمْعاً) ، أي توسطن به جموع الأعداء ، الذين أغار عليهم.

[٦] والمقسم عليه قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٦) ، أي : منوع للخير ، الذي لله عليه. فطبيعة الإنسان وجبلته ، أن نفسه ، لا تسمح بما عليه من الحقوق ، فتؤديها كاملة موفرة ، بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليها من

١١٢٣

الحقوق المالية والبدنية ، إلّا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق.

[٧] (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) (٧) ، أي : إن الإنسان ، على ما يعرف من نفسه من المنع والكند ، لشاهد بذلك ، لا يجحده ولا ينكره ، لأن ذلك ، بيّن واضح. ويحتمل أن الضمير عائد إلى الله ، أي : إن العبد لربه لكنود ، والله شهيد على ذلك ، ففيه الوعيد ، والتهديد الشديد ، لمن هو عليه كنود ، بأن الله عليه شهيد.

[٨] (وَإِنَّهُ) ، أي : الإنسان (لِحُبِّ الْخَيْرِ) ، أي : المال (لَشَدِيدٌ) ، أي : كثير الحب للمال. وحبه لذلك ، هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه ، قدم شهوة نفسه على رضا ربه ، وكلّ هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار ، وغفل عن الآخرة. ولهذا قال ـ حاثا له على خوف يوم الوعيد ـ :

[٩] (أَفَلا يَعْلَمُ) ، أي : هلّا يعلم هذا المعتز (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) ، أي : أخرج الله الأموات من قبورهم ، لحشرهم ونشرهم.

[١٠] (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) (١٠) ، أي : ظهر وبان ما فيها ، وما استتر في الصدور من كمائن الخير والشر ، فصار السر علانية ، والباطن ظاهرا ، وبان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم.

[١١] (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) (١١) بأعمالهم الظاهرة والباطنة ، الخفية والجلية ، ومجازيهم عليها. وخص خبرهم بذلك اليوم ، مع أنه خبير بهم في كلّ وقت ، لأن المراد بهذا ، الجزاء على الأعمال ، الناشئ عن علم الله ، واطلاعه. تم تفسير سورة العاديات ، ولله الحمد والمنة.

تفسير سورة القارعة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٤] (الْقارِعَةُ) (١) من أسماء يوم القيامة ، سميت بذلك ، لأنها تقرع الناس وتزعجهم بأهوالها. ولهذا عظم أمرها ، وفخمه بقوله : (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ) من شدة الفزع والهول. (كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) ، أي : كالجراد المنتشر ، الذي يموج بعضه في بعض ، والفراش هي : الحيوانات التي تكون في الليل ، يموج بعضها ببعض لا تدري أين توجه. فإذا أوقد لها نار ، تهافتت إليها ، لضعف إدراكها ، فهذه حال الناس أهل العقول.

[٥] وأما الجبال الصم الصلاب ، فتكون (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) ، أي : كالصوف المنفوش ، الذي بقي ضعيفا جدا ، تطير به أدنى ريح. قال تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ). ثمّ بعد ذلك ، تكون هباء

١١٢٤

منثورا ، فتضمحل ولا يبقى منها شيء يشاهد ، فحينئذ تنصب الموازين ، وينقسم الناس قسمين : سعداء وأشقياء.

[٦ ـ ٧] (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) (٦) ، أي : رجحت حسناته على سيئاته (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٧) في جنات النعيم.

[٨] (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) (٨) بأن لم تكن له حسنات تقاوم سيئاته.

[٩] (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) (٩) ، أي : مأواه ومسكنه النار التي من أسمائها الهاوية ، تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى : (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً). وقيل : إن معنى ذلك ، فأم دماغه هاوية في النار ، أي : يلقى في النار على رأسه.

[١٠] (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) (١٠) وهذا تعظيم لأمرها ، ثمّ فسرها بقوله : (نارٌ حامِيَةٌ) (١١) ، أي : شديدة الحرارة ، قد زادت حرارتها ، على حرارة نار الدنيا بسبعين ضعفا. نستجير بالله منها. تم تفسير سورة القارعة ـ بحمد الله وفضله.

سورة التكاثر

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] يقول تعالى موبخا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له ، ومعرفته ، والإنابة إليه ، وتقديم محبته على كلّ شيء. (أَلْهاكُمُ) عن ذلك المذكور (التَّكاثُرُ) ، ولم يذكر المتكاثر به ، ليشمل ذلك كلّ ما يتكاثر به المتكاثرون ، ويفتخر به المفتخرون ، من الأموال ، والأولاد ، والأنصار ، والجنود ، والخدم ، والجاه ، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كلّ واحد للآخر ، وليس المقصود منه وجه الله. فاستمرت غفلتكم ، ولهوتكم ، وتشاغلكم (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٢) ، فانكشف حينئذ لكم الغطاء ، ولكن بعد ما تعذر عليكم استئنافه.

[٢] ودل قوله : (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٢) أن البرزخ دار ، المقصود منها ، النفوذ إلى الدار الآخرة ، لأن الله سماهم زائرين ، ولم يسمهم مقيمين.

[٣ ـ ٥] فدل ذلك على البعث ، والجزاء على الأعمال ، في دار باقية غير فانية ، ولهذا توعدهم بقوله : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٥) ، أي : لو تعلمون ما أمامكم ، علما يصل إلى القلوب ، لما ألهاكم التكاثر ، ولبادرتهم إلى الأعمال الصالحة. ولكن عدم العلم الحقيقي ، صيّركم إلى ما ترون.

[٦] (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٦) ، أي : لترون القيامة ، فلترون الجحيم ، التي أعدها الله للكافرين.

[٧] (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) (٧) ، أي : رؤية بصرية ، كما قال تعالى : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) (٥٣).

[٨] (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٨) الذي تنعمتم به في دار الدنيا ، هل قمتم بشكره ، وأديتم حق الله فيه ، ولم تستعينوا به على معاصيه ، فينعمكم نعيما أعلى منه وأفضل. أم اغتررتم به ، ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على المعاصي ، فيعاقبكم على ذلك ، قال تعالى : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ

١١٢٥

طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) الآية. تم تفسير سورة التكاثر ـ ولله الحمد والفضل.

سورة العصر

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٣] أقسم تعالى بالعصر ، الذي هو الليل والنهار ، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كلّ إنسان خاسر ، والخاسر ضد الرابح. والخسار مراتب متعددة متفاوته : قد يكون خسارا مطلقا ، كحال من خسر الدنيا ، والآخرة ، وفاته النعيم ، واستحق الجحيم. وقد يكون خاسرا من بعض الوجوه ، دون بعض ، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان ، إلّا من اتصف بأربع صفات : الإيمان بما أمر الله بالإيمان به ، ولا يكون الإيمان بدون العلم ، فهو فرع عنه ، لا يتم إلّا به. والعمل الصالح ، وهذا شامل لأفعال الخير كلها ، الظاهرة ، والباطنة ، المتعلقة بحقوق الله ، وحقوق عباده ، الواجبة والمستحبة. والتواصي بالحق ، الذي هو الإيمان والعمل الصالح ، أي : يوصي بعضهم بعضا بذلك ، ويحثه عليه ، ويرغّبه فيه. والتواصي بالصبر على طاعة الله ، وعن معصية الله ، وعلى أقدار الله المؤلمة. فبالأمرين الأولين يكمل العبد نفسه ، وبالأمرين الأخيرين ، يكمل غيره. وبتكميل الأمور الأربعة ، يكون العبد ، قد سلم من الخسار ، وفاز بالربح العظيم. تم تفسير سورة العصر ـ بحمد الله وفضله.

تفسير سورة الهمزة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٢] (وَيْلٌ) ، أي : وعيد ، ووبال ، وشدة عذاب (لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) ، أي : الذي يهمز الناس بفعله ، ويلمزهم بقوله. فالهماز : الذي يعيب الناس ، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل ، واللماز : الذي يعيبهم بقوله. ومن صفة هذا الغماز ، أنه لا همّ له سوى جمع المال وتعديده ، والغبطة به ، وليس له رغبة في إنفاقه ، في طرق الخيرات ، وصلة الأرحام ، ونحو ذلك.

[٣] (يَحْسَبُ) بجهله (أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) في الدنيا ، فلذلك كان كده وسعيه ، في تنمية ماله ، الذي يظن أنه ينمي عمره.

١١٢٦

[٤ ـ ٥] (كَلَّا لَيُنْبَذَنَ) ، أي : ليطرحن (فِي الْحُطَمَةِ وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) (٥) تعظيم لها ، وتهويل لشأنها. ثمّ فسرها بقوله : [٦ ـ ٧] (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) (٦) التي وقودها الناس والحجارة و (الَّتِي) من شدتها (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) ، أي : تنفذ من الأجساد إلى القلوب. ومع هذه الحرارة البليغة هم محبوسون فيها ، قد أيسوا من الخروج منها. ولهذا قال :

[٨ ـ ٩] (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) (٨) ، أي : مغلقة ، (فِي عَمَدٍ) من خلف الأبواب (مُمَدَّدَةٍ) لئلا يخرجوا منها. (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) (أُعِيدُوا فِيها). نعوذ بالله من ذلك ، ونسأله العفو والعافية. تم تفسير سورة الهمزة ـ ولله الحمد والشكر.

سورة الفيل

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٥] أي : أما رأيت من قدرة الله ، وعظيم شأنه ، ورحمته بعباده ، وأدلة توحيده ، وصدق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ما فعله الله بأصحاب الفيل ، الذين كادوا بيته الحرام ، وأرادوا إخرابه. فتجهزوا لأجل ذلك ، واستصحبوا معهم الفيلة لهدمه ، وجاءوا بجمع لا قبل للعرب به ، من الحبشة واليمن. فلما انتهوا إلى قرب مكة ، ولم يكن بالعرب مدافعة ، وخرج أهل مكة خوفا منهم ، أرسل الله عليهم طيرا أبابيل ، أي : متفرقة ، تحمل أحجارا محماة ، من سجيل. فرمتهم بها ، وتتبعت قاصيهم ودانيهم. فخمدوا وهمدوا ، وصاروا كعصف مأكول. وكفى الله شرهم ، ورد كيدهم في نحورهم. وقصتهم معروفة مشهورة ، وكانت تلك السنة التي ولد فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فصارت من جملة إرهاصات دعوته ، وأدلة رسالته ، فلله الحمد والشكر. تم تفسير سورة الفيل ـ بحمد الله وفضله.

تفسير سورة قريش

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٢] قال كثير من المفسرين : إن الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها ، أي : فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم ، واستقامة مصالحهم ، وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن ، وفي الصيف للشام ، لأجل التجارة والمكاسب. فأهلك الله من أرادهم بسوء ، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب ، حتى احترموهم ، ولم

١١٢٧

يعترضوا لهم ، في أي سفر أرادوا.

[٣] ولهذا أمرهم الله بالشكر ، فقال ؛ (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (٣) ، أي : ليوحدوه ، ويخلصوا له العبادة.

[٤] (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (٤) فرغد الرزق والأمن من الخوف ، من أكبر النعم الدنيوية ، الموجبة لشكر الله تعالى. فلك اللهم الحمد والشكر ، على نعمك الظاهرة والباطنة. وخصّ الله الربوبية بالبيت ، لفضله وشرفه ، وإلا فهو رب كل شيء. تم تفسير سورة قريش ـ بعون الله وتيسيره.

سورة الماعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (١) ، أي : بالبعث والجزاء ، فلا يؤمن بما جاءت به الرسل.

[٢] (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (٢) ، أي : يدفعه بعنف وشدة ، ولا يرحمه لقساوة قلبه ؛ ولأنه لا يرجو ثوابا ، ولا يخاف عقابا.

[٣] (وَلا يَحُضُ) غيره (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ، ومن باب أولى أنه بنفسه لا يطعم المسكين.

[٤ ـ ٥] (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) (٤) ، أي : الملتزمين لإقامة الصلاة ، ولكنهم (عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) ، أي : مضيعون لها ، تاركون لوقتها ، ومخلون بأركانها. وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة ، التي هي أهم الطاعات. والسهو عن الصلاة ، هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم. وأما السهو في الصلاة ، فهذا يقع من كل أحد ، حتى من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولهذا وصف الله هؤلاء بالرياء والقسوة ، وعدم الرحمة ، فقال :

[٦] (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) (٦) ، أي : يعملون الأعمال ، لأجل رئاء الناس.

[٧] (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٧) ، أي : يمنعون إعطاء الشيء ، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية ، أو الهبة ، كالإناء ، والدلو ، والفأس ، ونحو ذلك ، مما جرت العادة ببذله ، والسماح به. فهؤلاء ـ لشدة حرصهم ـ يمنعون الماعون ، فكيف بما هو أكثر منه. وفي هذه السورة ، الحث على إطعام اليتيم ، والمساكين ، والتحضيض على ذلك ، ومراعاة الصلاة ، والمحافظة عليها ، وعلى الإخلاص فيها ، وفي سائر الأعمال. والحث على فعل المعروف ، وبذل الأموال الخفيفة ، كعارية الإناء ، والدلو ، والكتاب ، ونحو ذلك ، لأن الله ، ذم من لم يفعل ذلك ، والله سبحانه أعلم. تم تفسير سورة الماعون ـ بعون الله ومعونته.

١١٢٨

سورة الكوثر

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١) ، أي : الخير الكثير ، والفضل الغزير ، الذي من جملته ، ما يعطيه الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من النهر الذي يقال له «الكوثر». ومن الحوض ، طوله شهر ، وعرضه شهر ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، آنيته عدد نجوم السماء في كثرتها ، واستنارتها ، من شرب منه شربة ، لم يظمأ بعدها أبدا. ولما ذكر منته عليه ، أمره بشكرها فقال :

[٢] (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٢) خصّ هاتين العبادتين بالذكر ، لأنهما أفضل العبادات ، وأجلّ القربات. ولأن الصلاة تتضمن الخضوع في القلب والجوارح لله ، وتنقله في أنواع العبودية. وفي النحر ، تقرب إلى الله ، بأفضل ما عند العبد ، من الأضاحي ، وإخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته ، والشح به.

[٣] (إِنَّ شانِئَكَ) ، أي : مبغضك وذامك ، ومنتقصك (هُوَ الْأَبْتَرُ) ، أي : المقطوع من كل خير ، مقطوع العمل ، مقطوع الذكر. وأما محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو الكامل حقا ، الذي له الكمال الممكن للمخلوق ، من رفع الذكر ، وكثرة الأنصار والأتباع ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم. تم تفسير سورة الكوثر ـ فلله الحمد والشكر.

تفسير سورة الكافرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٢] أي : قل للكافرين معلنا ومصرحا (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (٢) ، أي : تبرّأ مما كانوا يعبدون من دون الله ، ظاهرا وباطنا.

[٣] (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٣) لعدم إخلاصكم في عبادتكم لله ، فعبادتكم له ، المقترنة بالشرك ، لا تسمى عبادة. وكرر ذلك ، ليدل الأول على عدم وجود الفعل ، والثاني ، على أن ذلك قد صار وصفا لازما. ولهذا ميز بين الفريقين ، وفصل بين الطائفتين ، فقال :

[٦] (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦) كما قال تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ). تم تفسير سورة الكافرون ـ بفضل الله وتيسيره.

١١٢٩

سورة النصر

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٣] في هذه السورة الكريمة ، بشارة وأمر لرسوله عند حصولها ، وإشارة وتنبيه على ما يترتب على ذلك. فالبشارة هي : البشارة بنصر الله لرسوله ، وفتحه مكة ، ودخول الناس في دين الله أفواجا ، بحيث يكون كثير منهم من أهله وأنصاره ، بعد أن كانوا من أعدائه ، وقد وقع هذا المبشر به. وأما الأمر بعد حصول النصر والفتح ، فأمر رسوله أن يشكره على ذلك ، ويسبح بحمده ويستغفره. وأما الإشارة ، فإن في ذلك إشارتين : إشارة أن النصر يستمر للدين ، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره ، من رسوله ، فإن هذا من الشكر ، والله يقول : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ). وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمة. لم يزل نصر الله مستمرا ، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان ، ودخل فيه من لم يدخل في غيره ، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث ، فابتلوا بتفرق الكلمة ، وتشتت الأمر ، فحصل ما حصل. ومع هذا ، فلهذه الأمة ، وهذا الدين ، من رحمة الله ولطفه ، ما لا يخطر بالبال ، ويدور في الخيال. وأما الإشارة الثانية ، فهي إلى أن أجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قرب ودنا ، ووجه ذلك أن عمره ، عمر فاضل ، أقسم الله به. وقد عهد أن الأمور الفاضلة ، تختم بالاستغفار ، كالصلاة ، والحج ، وغير ذلك. فأمر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال ، إشارة إلى أن أجله قد انتهى ، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه ، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه. فكان يتأول القرآن ، ويقول ذلك في صلاته يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي». تم تفسير سورة النصر ـ بتيسير الله ومعونته.

تفسير سورة المسد

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] أبو لهب ، هو عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان شديد العداوة والأذية له ، فلا دين له ، ولا حمية للقرابة ، قبّحه الله. فذمّه الله بهذا الذم العظيم ، الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة ، فقال : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) ، أي : خسرت يداه

١١٣٠

وشقي (وَتَبَ) فلم يربح.

[٢] (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ) الذي كان عنده ، فأطغاه. (وَما كَسَبَ) لم يرد عنه شيئا من عذاب الله ، إذا نزل به.

[٣] (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) (٣) ، أي : ستحيط به النار من كل جانب ، هو

[٤ ـ ٥] (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٤). وكانت أيضا شديدة الأذية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان ، وتلقي الشر ، وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتجمع على ظهرها الأوزار ، بمنزلة من يجمع حطبا ، قد أعد له في عنقه حبلا (مِنْ مَسَدٍ) ، أي : من ليف. أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها ، متقلدة في عنقها حبلا من مسد. وعلى كل ، ففي هذه السورة ، آية باهرة من آيات الله. فإن الله أنزل هذه السورة وأبو لهب وامرأته لم يهلكا. وأخبر أنهما سيعذبان في النار ، ولا بد من لازم ذلك أنهما لا يسلمان. فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة. تم تفسير سورة المسد ـ بعون الله وتيسيره.

تفسير سورة الإخلاص

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] أي : (قُلْ) قولا جازما به ، معتقدا له ، عارفا بمعناه. (هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، أي : قد انحصرت فيه الأحدية ، فهو الأحد المنفرد بالكمال ، والذي له الأسماء الحسنى ، والصفات الكاملة العليا ، والأفعال المقدسة ، الذي لا نظير له ولا مثيل.

[٢] (اللهُ الصَّمَدُ) (٢) ، أي : المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار ، يسألونه حوائجهم ، ويرغبون إليه في مهماتهم ، لأنه الكامل في أوصافه ، العليم الذي قد كمل في علمه. الحليم الذي كمل في حلمه. الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء ، وهكذا سائر أوصافه.

[٣ ـ ٤] ومن كماله ، أنه (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (٣) لكمال غناه ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٤) ، لا في أسمائه ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، تبارك وتعالى. فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات. تم تفسير سورة الإخلاص ـ ولله الحمد والشكر.

١١٣١

سورة الفلق

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] أي : (قُلْ) متعوذا (أَعُوذُ) ، أي : الجأ ، وألوذ ، وأعتصم (بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، أي : فالق الحب والنوى ، وفالق الإصباح.

[٢] (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) (٢) وهذا يشمل جميع ما خلق الله ، من إنس ، وجن ، وحيوانات ، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها.

[٣] ثم خص بعد ما عمّ ، فقال : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) (٣) ، أي : من شر ما يكون في الليل ، حين يغشى النعاس ، وينتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة ، والحيوانات المؤذية.

[٤] (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) (٤) ، أي : ومن شر السواحر ، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد ، التي يعقدنها على السحر.

[٥] (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) (٥) ، والحاسد : هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها ، بما يقدر عليه من الأسباب. فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره ، وإبطال كيده. ويدخل في الحاسد ، العاين ؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع ، خبيث النفس. فهذه السورة تضمنت الاستعاذة ، من جميع أنواع الشرور ، عموما وخصوصا. ودلّت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره ، ويستعاذ بالله منه ، ومن أهله.

تفسير سورة الناس

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٦] وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم من الشيطان ، الذي هو أصل الشرور كلها ومادّتها ، الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس ، فيحسن لهم الشر ، ويريهم إياه في صورة حسنة ، وينشط إرادتهم لفعله. ويثبطهم عن الخير ، ويريهم إياه في صورة غير صورته. وهو دائما بهذه الحال ، يوسوس ثم يخنس ، أي : يتأخر عن الوسوسة ، إذا ذكر العبد ربه ، واستعان على دفعه. فينبغي له أن يستعين ويستعيذ ، ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم. وأن الخلق كلهم ، داخلون تحت الربوبية والملك ، فكل دابة هو آخذ بناصيتها. وبألوهيته التي خلقهم لأجلها ، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم ، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ، ويحول بينهم وبينها ، ويريد أن يجعلهم من حزبه ، ليكونوا من أصحاب السعير. والوسواس كما يكون من الجن ، يكون من الإنس. ولهذا قال : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦). والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا. تم تفسير سورة الناس ـ ولله الحمد والمنة.

١١٣٢

ونسأله تعالى أن يتم نعمته ، وأن يغفر لنا ذنوبنا ، التي حالت بيننا وبين كثير من بركاته ، وخطايا وشهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته.

ونرجوه ، ونأمل منه أن لا يحرمنا خير ما عنده ، بشرّ ما عندنا ، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، ولا يقنط من رحمته إلا الضالون.

وصلّى الله وسلم على رسوله محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، صلاة وسلاما دائمين متواصلين أبد الأوقات ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

تم تفسير كتاب الله بعونه ، وحسن توفيقه ، على يد جامعه ، وكاتبه «عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله» المعروف ب «ابن سعدي» ، وقع النقل في ٧ شعبان ، سنة ١٣٥٤ ه‍.

ربنا تقبل منا ، واعف عنا ، إنك الغفور الرحيم.

تم بحمد الله طبع هذا التفسير المبارك في مطابع دار إحياء التراث العربي ـ بيروت الزاهرة ، أدامها الله لطبع المزيد من الكتب النافع وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتّقين

١١٣٣

محتوى تفسير الإمام السعدي

كلمة دار إحياء التراث العربي

٥

٢٠ ـ تفسير سورة طه

٥٨٧

مقدمة فضيلة القاضي عبد العزيز بن عقيل رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى

٩

٢١ ـ تفسير سورة الأنبياء

٦٠٧

كلمة فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء

١١

٢٢ ـ تفسير سورة الحج

٦٢٧

مقدمة الدكتور عبد الرحمن بن معلا اللويحق

١٣

٢٣ ـ تفسير سورة المؤمنون

٦٤٥

ترجمة المؤلف بقلم أحد تلاميذه

١٥

٢٤ ـ تفسير سورة النور

٦٦٣

١ ـ اسمه ونسبه ومولده ونشأته في اليتم

١٥

٢٥ ـ تفسير سورة الفرقان

٦٨٢

٢ ـ شيوخه

١٥

٢٦ ـ تفسير سورة الشعراء

٦٩٧

٣ ـ نبذة من أخلاقه

١٦

٢٧ ـ تفسير سورة النمل

٧١٥

٤ ـ مكانته

١٦

٢٨ ـ تفسير سورة القصص

٧٣٠

٥ ـ مصنفاته

١٧

٢٩ ـ تفسير سورة العنكبوت

٧٥٠

٦ ـ غايته من التصنيف

١٨

٣٠ ـ تفسير سورة الرّوم

٧٦٣

٧ ـ وفاته

١٨

٣١ ـ تفسير سورة لقمان

٧٧٥

مقدمة المؤلف

٢١

٣٢ ـ تفسير سورة السجدة

٧٨٣

أصول وكليات

٢٣

٣٣ ـ تفسير سورة الأحزاب

٧٨٩

فصل في شرح أسماء الله الحسنى

٢٨

٣٤ ـ تفسير سورة سبأ

٨٠٨

١ ـ تفسير سورة الفاتحة

٣٥

٣٥ ـ تفسير سورة فاطر

٨٢٠

٢ ـ تفسير سورة البقرة

٣٧

٣٦ ـ تفسير سورة يس

٨٣٠

٣ ـ تفسير سورة آل عمران

١٣٢

٣٧ ـ تفسير سورة الصافات

٨٤١

٤ ـ تفسير سورة النساء

١٦٩

٣٨ ـ تفسير سورة ص

٨٥٣

٥ ـ تفسير سورة المائدة

٢٣٥

٣٩ ـ تفسير سورة الزّمر

٨٦٣

٦ ـ تفسير سورة الأنعام

٢٧٣

٤٠ ـ تفسير سورة غافر (المؤمن)

٨٨٠

٧ ـ تفسير سورة الأعراف

٣١٤

٤١ ـ تفسير سورة فصّلت

٨٩٦

٨ ـ تفسير سورة الأنفال

٣٥٦

٤٢ ـ تفسير سورة الشّورى

٩٠٧

٩ ـ تفسير سورة التوبة

٣٧٢

٤٣ ـ تفسير سورة الزخرف

٩١٩

١٠ ـ تفسير سورة يونس

٤٠٦

٤٤ ـ تفسير سورة الدخان

٩٣٠

١١ ـ تفسير سورة هود

٤٢٩

٤٥ ـ تفسير سورة الجاثية

٩٣٥

١٢ ـ تفسير سورة يوسف

٤٥١

٢٠ ـ تفسير سورة طه

٥٨٧

١٣ ـ تفسير سورة الرعد

٤٧٤

٢١ ـ تفسير سورة الأنبياء

٦٠٧

١٤ ـ تفسير سورة إبراهيم

٤٨٦

٢٢ ـ تفسير سورة الحج

٦٢٧

١٥ ـ تفسير سورة الحجر

٤٩٦

٢٣ ـ تفسير سورة المؤمنون

٦٤٥

١٦ ـ تفسير سورة النحل

٥٠٥

٢٤ ـ تفسير سورة النور

٦٦٣

١٧ ـ تفسير سورة الإسراء

٥٢٧

٢٥ ـ تفسير سورة الفرقان

٦٨٢

١٨ ـ تفسير سورة الكهف

٥٤٦

٢٦ ـ تفسير سورة الشعراء

٦٩٧

١٩ ـ تفسير سورة مريم

٥٧٠

٢٧ ـ تفسير سورة النمل

٧١٥

١١٣٤

٤٦ ـ تفسير سورة الأحقاف

٩٤٠

٨١ ـ تفسير سورة التكوير

١٠٩٦

٤٧ ـ تفسير سورة محمد

٩٤٧

٨٢ ـ تفسير سورة الانفطار

١٠٩٩

٤٨ ـ تفسير سورة الفتح

٩٥٥

٨٣ ـ تفسير سورة المطففين

١١٠٠

٤٩ ـ تفسير سورة الحجرات

٩٦٤

٨٤ ـ تفسير سورة الانشقاق

١١٠٢

٥٠ ـ تفسير سورة ق

٩٦٩

٨٥ ـ تفسير سورة البروج

١١٠٤

٥١ ـ تفسير سورة الذاريات

٩٧٥

٨٦ ـ تفسير سورة الطارق

١١٠٦

٥٢ ـ تفسير سورة الطور

٩٨١

٨٧ ـ تفسير سورة الأعلى

١١٠٧

٥٣ ـ تفسير سورة النجم

٩٨٦

٨٨ ـ تفسير سورة الغاشية

١١٠٨

٥٤ ـ تفسير سورة القمر

٩٩٣

٨٩ ـ تفسير سورة الفجر

١١١٠

٥٥ ـ تفسير سورة الرحمن

٩٩٨

٩٠ ـ تفسير سورة البلد

١١١٢

٥٦ ـ تفسير سورة الواقعة

١٠٠٣

٩١ ـ تفسير سورة الشمس

١١١٤

٥٧ ـ تفسير سورة الحديد

١٠٠٩

٩٢ ـ تفسير سورة الليل

١١١٥

٥٨ ـ تفسير سورة المجادلة

١٠١٦

٩٣ ـ تفسير سورة الضحى

١١١٦

٥٩ ـ تفسير سورة الحشر

١٠٢٢

٩٤ ـ تفسير سورة الشرح

١١١٨

٦٠ ـ تفسير سورة الممتحنة

١٠٢٩

٩٥ ـ تفسير سورة التين

١١١٩

٦١ ـ تفسير سورة الصف

١٠٣٣

٩٦ ـ تفسير سورة العلق

١١١٩

٦٢ ـ تفسير سورة الجمعة

١٠٣٧

٩٧ ـ تفسير سورة القدر

١١٢١

٦٣ ـ تفسير سورة المنافقون

١٠٣٩

٩٨ ـ تفسير سورة البينة

١١٢١

٦٤ ـ تفسير سورة التغابن

١٠٤١

٩٩ ـ تفسير سورة الزلزلة

١١٢٢

٦٥ ـ تفسير سورة الطلاق

١٠٤٥

١٠٠ ـ تفسير سورة العاديات

١١٢٣

٦٦ ـ تفسير سورة التحريم

١٠٤٩

١٠١ ـ تفسير سورة القارعة

١١٢٤

٦٧ ـ تفسير سورة الملك

١٠٥٢

١٠٢ ـ تفسير سورة التكاثر

١١٢٥

٦٨ ـ تفسير سورة القلم

١٠٥٦

١٠٣ ـ تفسير سورة العصر

١١٢٦

٦٩ ـ تفسير سورة الحاقة

١٠٦١

١٠٤ ـ تفسير سورة الهمزة

١١٢٦

٧٠ ـ تفسير سورة المعارج

١٠٦٥

١٠٥ ـ تفسير سورة الفيل

١١٢٧

٧١ ـ تفسير سورة نوح

١٠٦٨

١٠٦ ـ تفسير سورة قريش

١١٢٧

٧٢ ـ تفسير سورة الجن

١٠٧١

١٠٧ ـ تفسير سورة الماعون

١١٢٨

٧٣ ـ تفسير سورة المزمل

١٠٧٤

١٠٨ ـ تفسير سورة الكوثر

١١٢٩

٧٤ ـ تفسير سورة المدثر

١٠٧٧

١٠٩ ـ تفسير سورة الكافرون

١١٢٩

٧٥ ـ تفسير سورة القيامة

١٠٨٠

١١٠ ـ تفسير سورة النصر

١١٣٠

٧٦ ـ تفسير سورة الإنسان

١٠٨٣

١١١ ـ تفسير سورة المسد

١١٣٠

٧٧ ـ تفسير سورة المرسلات

١٠٨٧

١١٢ ـ تفسير سورة الإخلاص

١١٣١

٧٨ ـ تفسير سورة النبأ

١٠٨٩

١١٣ ـ تفسير سورة الفلق

١١٣٢

٧٩ ـ تفسير سورة النازعات

١٠٩٢

١١٤ ـ تفسير سورة الناس

١١٣٢

١١٣٥