آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٣
وباسناده عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، في حديث احتجاجه على الصوفيّة لمّا احتجّوا عليه بآيات من القرآن في الايثار والزهد ، قال :
«ألكم علم بناسخ القرآن ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، الّذي في مثله ضلّ من ضلّ ، وهلك من هلك من هذه الامّة؟ قالوا (١) له أو بعضه فأمّا كلّه فلا.
فقال [لهم] : فمن هنا اتيتم ، وكذلك أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ إلى أن قال : ـ فبئس ما ذهبتم إليه وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله ، وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله ، وأحاديثه الّتي يصدّقها الكتاب المنزل ، وردّكم إيّاها لجهالتكم ، وترككم النظر في غريب (٢) القرآن من التفسير والناسخ والمنسوخ (٣) ، والمحكم والمتشابه ، والامر والنهي ـ إلى أن قال : ـ دعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به ، وردّوا العلم إلى أهله تؤجروا وتعذروا عند الله ، وكونوا في طلب ناسخ (٤) القرآن من منسوخه ، ومحكمه من متشابهه ، وما أحلّ الله فيه ممّا حرّم ، فانّه أقرب لكم من الله ، وأبعد لكم من الجهل ؛ دعوا الجهالة لأهلها ، فانّ أهل الجهل كثير ، وأهل العلم قليل ؛ وقد قال الله : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.)» (٥)
__________________
(١) في بعض نسخ الكافي : «فقالوا».
(٢) في بعض نسخ الكافي : «غرائب».
(٣) في بعض نسخ الكافي : «بالناسخ من المنسوخ».
(٤) في بعض نسخ الكافي : «علم ناسخ».
(٥) الآية : يوسف / ٧٦ ؛ والحديث في الكافي ، ج ٥ ، ص ٦٥ ، ح ١ ؛ والوسائل ج ١٨ باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٣٥ ، ح ٢٣.
وعن البرقي في المحاسن بسنده عن أبي الوليد البحراني ، ثمّ الهجري ، عن أبي جعفر عليهالسلام أنّ رجلا قال له : «أنت الّذي تقول (١) ليس شيء من كتاب الله إلا معروف؟» قال عليهالسلام :
«ليس هكذا قلت ، إنّما قلت (٢) : ليس شيء من كتاب الله إلا عليه دليل ناطق عن الله في كتابه ممّا لا يعلمه الناس ـ إلى أن قال : ـ إنّ للقرآن ظاهرا وباطنا ، ومعانيا ، وناسخا ومنسوخا ، ومحكما ومتشابها ، وسننا وأمثالا ، وفصلا ووصلا ، وأحرفا وتصريفا ، فمن زعم أنّ الكتاب مبهم فقد هلك وأهلك ـ الحديث.» (٣)
قال صاحب الوسائل :
«المراد من آخره أنّه ليس بمبهم على كلّ أحد ، بل يعلمه الامام عليهالسلام ومن علّمه إيّاه ، وإلا لناقض آخره أوّله.»
أقول :
بل الظاهر أنّ المراد أنّ الكتاب ليس مبهما بنفسه بحيث لا يفي ببيان مداليله ، بل فيه تبيان كلّ شيء ومشتمل على بيان المرادات ، ولكن لا يصل إلى ذلك كلّ أحد لقصور مرتبتهم عن ذلك. فليس الاجمال فيه ، بل قصور بصائر الناس يمنعهم عن إدراكه ، كالشمس في رابعة النهار بالنسبة إلى الاعمى والضرير والخفّاش.
__________________
(١) في بعض النسخ : «تزعم أن».
(٢) في بعض النسخ : «ولكن» بدل «إنّما قلت».
(٣) المحاسن ، باب ٣٦ من كتاب مصابيح الظلم ، ص ٢٧٠ ، ح ٣٦٠ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٤١ ، ح ٣٩ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب أنّ للقرآن ظهرا وبطنا ، ص ٩٠ ، ح ٣٤ ؛ والبرهان ، ج ٢ ص ٣ ، ح ٣.
وحينئذ فالظاهر أن يكون حظّ كلّ إنسان من بيانات القرآن بقدر قابليّته واستعداده وعلمه بكيفيّة الاستخراج ، ولا يستفاد من صدر الحديث ما ينافي ذلك ، بل يدلّ علي ذلك إن جعلنا قوله «في كتابه» طرفا للدليل ، فيكون الدليل في الكتاب هو الاية الدالّة. والظاهر أنّه ليس المراد من نفي علم الناس به نفي علم ما سوى الامام بشيء منه على سبيل الاستغراق الحقيقيّ ، وإلا لاقتضى إنكار وجود المحكم في الكتاب أصلا ، بل نفي وصول أفهام عامّة ألناس إلى الادلّة الخفيّة منها. والظاهر أنّ المراد بالسنن هو طريقة فعل الله بالنسبة إلى عباده ؛ كقوله : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ)(١) ، ويبعد إرادة السنّة التشريعيّة المقابلة للفريضة.
وأمّا الفصل والوصل ، فالظاهر إرادة وصل الكلام وربطه معنى بسابقه ، وانقطاعه عنه باستيناف مطلب جديد ؛ ك «آية التطهير» (٢) الواقع ذيلها عقيب المخاطبة لأزواج النبي صلىاللهعليهوآله في الظاهر ، لكون المخاطب بالذيل غيرهنّ ، فيكون الذيل مفصولا عن الصدر غير موصول به.
ولا يبعد أن يكون [المراد](٣) ب الاحرف الحروف المقطّعة في القرآن ، وب التصريف ما عداها ، أو بما أريد من قوله تعالى : (نُصَرِّفُ الْآياتِ).
وربّما يطلق النسخ على الاعمّ من النسخ التشريعى والبداء التكويني ، أو على الاخير خاصّة البداء ؛ كما هو الظاهر فيما عن الكليني بسنده عن جميل بن صالح قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزوجل : «الم* غُلِبَتِ الرُّومُ*
__________________
(١) الاحزاب / ٣٨ و ٦٢.
(٢) الاحزاب / ٣٣ ، وهي : «... إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».
(٣) أضفناه بقرينة المقام.
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ» (١) ، فقال :
«إن لهذا تأويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من آل محمّد صلىاللهعليهوآله ـ إلى أن قال : ـ ألم أقل لك إنّ لهذا تأويلا وتفسيرا ، والقرآن ناسخ ومنسوخ» (٢)
[حدود القرآن]
وأمّا الحدود ، فقد ذكر فيما رواه البرقي في المحاسن بسنده عن عبد الحميد بن عوّاض الطائيّ قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول :
«إنّ (٣) للقرآن حدودا كحدود الدار.» (٤)
ولعلّ المراد منه حدود معانيها في التشريعيّات والتكوينيّات ، نظير ما ورد ظاهر [ا] أنّ :
«للصّلاة أربعة آلاف حدّ.» (٥)
فانّ لكلّ حكم مذكور في القرآن حدودا من الشروط والموانع والقيود الزمانيّة والمكانيّة والحاليّة وغيرها ، ولأفعال الله سبحانه أيضا حدودا وترتيبا
__________________
(١) الروم / ١ ـ ٣.
(٢) الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٦٩ ، ح ٣٩٧ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٣٦ ، ح ٢٤.
(٣) هذه الكلمة ليست في بعض نسخ المحاسن.
(٤) المحاسن ، باب ٣٨ من كتاب مصابيح الظلم ، ص ٢٧٣ ، ح ٣٧٥ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٤٢ ، ح ٤٠ ؛ وهكذا في البحار.
(٥) رواه الشيخ (قده) في التهذيب ، ج ٢ ، باب في فصل الصلاة من أبواب الزيادات ، ص ٢٤٢ ، ح ٢٥ ؛ وابن شهر اشوب (ره) في المناقب ، ج ٤ باب إمامة أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ ، ص ٢٤٩ ، عن حماد بن عيسى ، عنه ـ عليهالسلام ـ ؛ وهكذا نقله المجلسي (رض) في البحار ، ج ٨٢ ، باب أنّ للصلاة أربعة آلاف باب و... ، ص ٣٠٣ ، ح ٢ ؛ وذكر أقوال العلماء في تبيينه ، فراجع.
ونظاما معيّنا لا يتعدّاها.
وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال :
«ما من آية إلا ولها أربعة معان : ظاهر وباطن ، وحدّ ومطلع. والظاهر : التلاوة ، والباطن : الفهم ، والحدّ : هو أحكام الحلال والحرام ، والمطلع : هو مراد الله من العبد بها.» (١)
[تذييل]
ولنختم الكلام في هذه المقدّمة بما روي عن محمّد بن إبراهيم النعماني في تفسيره باسناده عن إسماعيل بن جابر قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام يقول :
«إن الله تبارك وتعالى بعث محمّدا صلىاللهعليهوآله فختم به الانبياء ، فلا نبيّ بعده ، وأنزل عليه كتابا فختم به الكتب ، فلا كتاب بعده ؛ أحلّ فيه حلالا ، وحرّم حراما ، فحلاله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، فيه شرعكم ، وخبر من قبلكم وبعدكم.
وجعله النبيّ صلىاللهعليهوآله علما باقيا في أوصيائه ، فتركهم الناس وهم الشهداء على أهل كلّ زمان ، وعدلوا عنهم ، ثمّ قتلوهم واتّبعوا غيرهم وأخلصوا لهم الطاعة ، حتّى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الامر وطلب علومهم. وذلك أنّهم ضربوا القرآن بعضه ببعض (٢) ، واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنّون أنّه الناسخ ،
__________________
(١) نقله الفيض (ره) فى الصافى ، ج ١ ، المقدمة الرابعة ، ص ١٨.
(٢) فى البحار : «ضربوا بعض القرآن ببعض».
واحتجّوا بالخاصّ وهم يقدّرون أنّه العامّ ، واحتجّوا بأوّل الآية وتركوا السنّة (١) في تأويلها. ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه ، ولم يعرفوا موارده ومصادره ؛ إذ لم يأخذوه عن أهله ، فضّلوا وأضلّوا.
واعلموا رحمكم الله أنّه من لم يعرف من كتاب الله عزوجل الناسخ من المنسوخ ، والخاصّ من العامّ ، والمحكم من المتشابه ، والرخص من العزائم ، والمكّي والمدنيّ ، وأسباب التنزيل ، والمبهم من القرآن في ألفاظه المنقطعة والمؤلّفة ، وما فيه من علم القضاء والقدر ، والتقدم والتأخّر (٢) ، والمبيّن والعميق ، والظاهر والباطن ، والابتداء من الانتهاء (٣) ، والسؤال والجواب ، والقطع والوصل ، والمستثنى منه والجار [ي] فيه ، والصفة لما قبل ممّا يدلّ على ما بعد ، والمؤكّد منه ، والمفصّل ، وعزائمه ورخصه ، ومواضع فرائضه وأحكامه ، ومعنى حلاله وحرامه ، الّذي هلك فيه الملحدون ، والموصول من الالفاظ ، والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده ، فليس بعالم في القرآن ، ولا هو من أهله. ومتى ادّعى معرفة هذه الاقسام مدّع بغير دليل ، فهو كاذب مرتاب ، مفتر على الله الكذب ورسوله ، ومأواه جهنّم وبئس المصير ـ إلى أن قال : ـ
__________________
(١) خ. ل : «السبب».
(٢) في البحار : «التقديم والتأخير».
(٣) في البحار : «والانتهاء» بدل «من الانتهاء».
ثمّ سألوه عن تفسير المحكم من كتاب الله ، فقال : أمّا المحكم الّذي لم ينسخه شيء ، فقوله (١) عزوجل : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ـ الاية.» وإنّما هلك الناس في المتشابه ؛ لأنّهم لم يقفوا على معناه ، ولم يعرفوا حقيقته ، فوضعوا له تأويلا (٢) من عند أنفسهم بآرائهم ، واستغنوا بذلك عن مسئلة الاوصياء ، ونبذوا قول رسول الله صلىاللهعليهوآله وراء ظهورهم.» (٣).
__________________
(١) في البحار : «شيء من القرآن ، فهو قول الله».
(٢) في البحار : «تأويلات».
(٣) نقل العلامة المجلسي ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ هذا التفسير بتمامه في البحار ، ج ٩٣ ، باب ما ورد في أصناف آيات القرآن ، ص ٣ ، فراجع.
المقدّمة الخامسة
فيما نزل عليه القرآن من الأقسام الكليّة وما يتعلّق بذلك
فعن الكافي وتفسير العيّاشي باسنادهما عن أبي جعفر عليهالسلام قال :
«نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض واحكام ، ـ وزاد العيّاشي : ـ ولنا كرائم القرآن.» (١)
وباسنادهما عن الاصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليهالسلام يقول :
«نزل القرآن أثلاثا : ثلث فينا وفي عدوّنا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام.» (٢)
__________________
(١) رواه الكليني (رض) في الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ، ص ٦٢٨ ، ح ٤ ، عن أبي بصير ؛ والعياشي (ره) في تفسيره ج ١ ، ص ٩ ، ح ١ ، عن أبي الجارود ، وأيضا رواه فرات بن إبراهيم (قده) في تفسيره ، ص ٢ ، عن الاصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب ـ عليهالسلام ـ ؛ والحسين بن الحكم الحيري الكوفي من رواة القرن الثالث في كتاب «ما نزل من القرآن في أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ» ، ص ٤٤ ، عن أبي الجارود ، عن الاصبغ ، عنه ـ عليهالسلام ـ ، وفيه : «رفع حلال وحرام» بدل «ربع سنن وامثال» ؛ وهكذا في البحار ، ج ٩٢ ، باب أنواع آيات القرآن ، ص ١١٤ ، ح ١ ؛ والصافي والبرهان.
(٢) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ، ص ٦٢٧ ، ح ٢ ؛ والعياشي ، ج ١ ، ص ٩ ، ح ٣ ، والبحار ، ج ٩٢ ، باب أنواع آيات القرآن ، ص ١١٤ ، ح ٢ ، وأيضا في الصافي والبرهان.
وعن ابن المغازلي ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال :
«إنّ القرآن أربعة أرباع : فربع فينا أهل البيت خاصّة ، وربع حرام ، وربع فرائض وأحكام ، والله انزل فينا كرائم القرآن.» (١).
وعن العيّاشى باسناده عن خثيمة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال :
«القرآن نزل أثلاثا : ثلث فينا وفي أحبّائنا ، [و] ثلث في أعدائنا وعدوّ من كان قبلنا ، وثلث سنّة ومثل ؛ ولو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثمّ مات اولئك القوم ماتت الآية ، لما بقي من القرآن شيء ، ولكنّ القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السموات والارض ، ولكلّ قوم آية يتلونها هم فيها (٢) من خير أو شرّ.» (٣)
__________________
(١) انظر مناقب عليّ بن أبي طالب ـ عليهالسلام ـ ، ص ٣٢٨ ، وهكذا رواه فرات ابن إبراهيم (ره) في تفسيره ، ص ٢ و ٨٩ ، بهذا الاسناد ، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، ج ١ ، الفصل الخامس ، ص ٤٣ ، ح ٥٧ ، نقلا عن فرات ، وأخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب «ما نزل من القرآن في عليّ ـ عليهالسلام ـ» على ما نقله العلامة المجلسي (رض) في البحار ، ج ٣٥ ، باب ١٤ ، ص ٣٥٩ ، وأيضا في إحقاق الحق ، ج ١٤ ، باب ربع القرآن في أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ ، ص ٧٠١ ، والبرهان ، ج ١ ، ص ٢١ ، نقلا عن المناقب. وفي جميع المصادر سوى البرهان وإحقاق الحق وبعض نسخ المناقب : «... وربع في أعدائنا ، وربع حلال وحرام ... والله انزل في عليّ ...»
(٢) خ. ل : «منها».
(٣) العياشي ، ج ١ ، ص ١٠ ، ح ٧ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب أنواع آيات القرآن ، ص ١١٥ ، ح ٤ ؛ وهكذا في الصافي والبرهان.
أقول :
الظاهر أنّ بناء هذه القسمة ليس على تعديل السهام وتسوية الاقسام ، بل على ضبط المقسم فيها. وما ورد في أحبّائهم فقد ورد فيهم عليهمالسلام ؛ لأنّ ما يلحق بأحبّائهم من حيث كونهم أحباء فقد لحق بهم عليهمالسلام ، وشيعتهم منهم ، خلقوا من فاضل طينتهم ، وكلّ خير نسب إلى الاحبّاء فأصله فيهم. وعدوّ من كان قبلهم عليهمالسلام فهو عدوّ لهم ، كما أنّ المؤمنين السابقين كانوا من شيعتهم وأحبّائهم ؛ لأنّه إذا ذكر الخير كانوا أوّله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه ، وكلّ كمال نسب إلى الناقص يدخل فيه الكامل ، كما سبق بيانه ؛ كالذّم المنسوب إلى الناقص في تلك الصفة المذمومة ، وقد سبق أنّه يدخل في الآية من كان عمل (١) بمثل أعمالهم ، و [كان](٢) من سنخ طينتهم ، فراجع.
وأمّا الفرائض والاحكام ، فيمكن إدخالها في الخبر الاخير في قوله عليهالسلام : «ثلث فينا وفي أحبّائنا» ؛ لأنّهم القائمون بها ، فكأنّها حكايات أحوالهم وأفعالهم ، أو لأنّ بطونها ترجع إلى ولايتهم عليهمالسلام. ولعلّ المراد بالسنّة سنّة الله سبحانه في النشأة الاولى ، الّتي لا تبديل لها في السابقين واللاحقين ، فيندرج فيها القصص والاخبار عمّا مضى وما يأتي ، وبيان صنائع الله ونعمه على عباده ما عدا حكاية أحوال المؤمنين والكفّار ؛ إذ يمكن إدخالها فيما نزل فيهم ، خصوصا في الخبر الاخير.
وأمّا حكاية النشأة الاخرى ، فيمكن إدخالها في السنن ، وإدخالها في ما نزل فيهم عليهمالسلام وفي أعدائهم ، والتفصيل بين ما يختصّ باحدى الطائفتين وغيره ، كانشاء القيامة الكبرى ومقدّماتها.
__________________
(١) في المخطوطة : «من».
(٢) أضفناه بقرينة المقام.
وأمّا ما نزل في بيان صفات الحقّ ، فيمكن إدخالها في الاوّل ، لأنّهم عليهمالسلام مظاهرها ومحالّ معرفتها ، وإدخالها في السنن فيما كان من صفات الفعل ، والامثال فيما كان من صفات الذات ؛ إذ المعاني الّتي نتصوّرها من تلك الالفاظ مثل الله سبحانه ، فانّ كلّ ما ميّزناه بأوهامنا فهو مخلوق مثلنا ، مردود إلينا (١). وقد ورد روايات كثيرة عن المعصومين عليهمالسلام في تأويل كثير من الآيات بهم وبأوليائهم وأعدائهم (٢) ، حتّى قيل : «إنه قد صنّف في ذلك كتب ، واحد منها يقرب من عشرين ألف بيت.» (٣) وسنورد كثيرا منها في شرح الآيات المتعلّقة بها ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وعن تفسير العيّاشي ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال :
«يا محمّد (٤) ، إذا سمعت الله ذكر قوما (٥) من هذه الامّة بخير فنحن هم ، وإذا سمعت الله ذكر قوما بسوء ممّن مضى فهم
__________________
(١) كما قال الباقر عليهالسلام : «هل سمّي عالما وقادرا الا لانه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين؟ وكل ما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود إليكم ، والبارئ تعالى واهب الحياة ومقدر الموت. ولعلّ النمل الصغار تتوهم أن لله زبانيتين فانهما كمالها ...» نقله الفيض في المحجة البيضاء ، ج ١ ، ص ٢١٩.
(٢) قد رواها كثير من العلماء ومحدثي الخاصّة والعامّة ، وجمعوها في كتبهم ؛ كمحمد ابن العباس (ره) في الكنز ، الّذي أورده النجفي (رض) في تفسير الآيات الباهرة ؛ وأبو القاسم الحسكاني في شواهد التنزيل ، والحويزي (قده) في نور الثقلين ؛ وغير ذلك.
(٣) الكلام للفيض ـ نوّر الله مرقده ـ ظاهرا ، فراجع الصافي ، ج ١ ، المقدمة الثالثة ، ص ١٤.
(٤) في المخطوطة : «أبا محمد» كما في الصّافي.
(٥) في بعض النسخ : «أحدا».
عدوّنا.» (١)
[في أنّ الولاية المطلقة للنّبيّ والأئمّة ـ عليهمالسلام ـ]
اعلم أنّ النبوّة المطلقة مختصّة بنبيّنا صلىاللهعليهوآله ، والوصيّة النيابة المطلقة عنه ، والولاية المطلقة الكلّيّة له صلىاللهعليهوآله وللائمّة ـ صلوات الله عليهم ـ ، وأمّا سائر الانبياء والاولياء فلهم نبوّة خاصّة مقيّدة وولاية جزئيّة على أهل عصر خاصّ أو قرية معيّنة ، لا على ما سوى الله سبحانه من أقسام موجودات العوالم بأسرها ، الّذي هو معنى الخلافة عن الله سبحانه بعنوان كلّيّ مطلق ؛ لانّهم عليهمالسلام مظاهر الاسم الاعظم بتمامه ، ما سوى الحرف الواحد ، الّذي لا مظهر له في العالم ، وسائر المعصومين عليهمالسلام مظاهر لبعض أجزائه وحروفه (٢). وإذا كانوا عليهمالسلام مظاهر لاسم السلطنة الالهيّة المطلقة ، فلا جرم كان كلّ من سواهم تحت سلطنتهم ، ونبيّنا صلىاللهعليهوآله سيّد الانبياء. ولمّا ثبت أنّ الولاية الّتي له صلىاللهعليهوآله هي بعينها لخلفائه فهم السلاطين والاولياء على ما سوى الله سبحانه ، فلهم الولاية على الانبياء السابقين ، وله صلىاللهعليهوآله النبوّة المطلقة ، وجميع الانبياء يخبرون عن بعض ما أنبأه معنى لانحصار
__________________
(١) العياشي ، ج ١ ، ص ١٣ ، ح ٣ ؛ والصّافي ، ج ١ ، المقدّمة الثالثة ، ص ١٤ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٢٢.
(٢) كما ورد في أحاديثهم ـ عليهمالسلام ـ ؛ كرواية الصفار (ره) عن هارون ابن الجهم ، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليهالسلام ـ يقول : «انّ عيسى بن مريم أعطي حرفين وكان يعمل بها ، وأعطي موسى بن عمران أربعة أحرف ، وأعطي إبراهيم ثمانية أحرف ، وأعطى نوح خمسة عشر حرفا ، وأعطى آدم خمسة وعشرون حرفا ، وانّه جمع الله ذلك لمحمّد ـ صلىاللهعليهوآله ـ وأهل بيته ، وانّ اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا أعطى الله محمّدا ـ صلىاللهعليهوآله ـ اثنين وسبعين حرفا ، وحجب عنه حرفا واحدا.» راجع البصائر ، باب ١٣ من الجزء الرابع ، ص ٢٠٨ ، ح ٢.
الشريعة الكاملة التامّة بهذه الشريعة ، فهم بمنزلة الدّعاة إلى بعض هذه الشريعة ، وقد أخذ ميثاق نبوّته صلىاللهعليهوآله على جميع الانبياء ، قال تعالى :
«وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ـ الخ.» (١)
فهم أتباع مقام النبوّة والولاية ، داعين إليه صلىاللهعليهوآله ، مبشّرين به صلىاللهعليهوآله والنبوة والولاية المقيّدتين مستمدّتان من الكلّيّتين : أخبار عرض الولاية عليهم ، وتقدّم خلقهم وأنّهم العلّة الغائيّة لانشاء هذا العالم.
ولعلّ ما ذكر يظهر للمتأمّل في ما ورد في أخذ ميثاق النبوّة المطاعيّة لهم عليهمالسلام من الانبياء في العوالم السابقة (٢) ، وأنّ آدم وغيره عليهمالسلام تحت لوائه صلىاللهعليهوآله يوم القيامة (٣) ، إلى غير ذلك ممّا سنورد بعضه في خلال التفسير مشروحا.
وحينئذ فالاخبار عن النبوّات السابقة والولايات الماضية ، وعن المؤمنين والكافرين السابقين كلّها يرجع إلى الاخبار عن أتباعهم ، الّذين هم بمنزلة أبعاضهم ورشحاتهم ، وعن أعدائهم ؛ لأن عدوّ الجزء والتابع عدوّ للكلّ والمتبوع ، ومنكر جزء النبوّة والولاية منكر للكلّ من حيث هو كلّ لانعدام الكلّ بانعدام جزئه ، ومنكر من كان آخذا لميثاق النبوّة ، وداعيا إلى التصديق به ، منكر لذلك النبيّ ، وعدوّه وجاحده من هذه الحيثيّة جاحد وعدوّ له ، وسائر النبوّات والولايات بمنزلة أجزاء البيت ، والنبوّة والولاية المطلقة بمنزلة البيت التامّ. فمن انتسب إلى
__________________
(١) آل عمران / ٨١.
(٢) الاخبار في هذا الموضوع كثيرة جدا ، حتى أنّ المجلسي (قده) عقد له بابا في البحار ، كتاب الامامة ، ص ٢٦٧ ـ ٣١٩ ، وأورد فيه روايات عن كتب كثيرة ؛ من أراد أن يطلع عليها فليراجع.
(٣) راجع البحار ، كتاب المعاد ، باب اللواء ؛ وكتاب الامامة ، باب الخامس والثمانين في فضائل عليّ بن أبي طالب ـ عليهالسلام ـ.
بيت الابعاض بمعرفة وايمان ، أو محبّة ، أو متابعة وتسليم ، فقد انتسب إلى البيت بقدره ، ومن عاند وأنكر وجحد الابعاض ، أو صار عدوّا لها ، فقد أنكر وعاند وجحد واعتدى على التامّ. هذا جملة ما سنح بالبال ، والله العالم بحقيقة الحال.
[في أنّ عليّا ـ عليهالسلام ـ قسيم الجنّة والنّار]
ويؤيّد جملة ممّا ذكر ما عن الصدوق [رض] في علل الشرائع باسناده عن المفضّل بن عمر ، قال :
«قلت لأبي عبد الله : بما صار عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قسيم الجنّة والنار؟
قال : لأنّ حبّه إيمان وبغضه كفر ، وإنّما خلقت الجنّة لاهل الايمان ، وخلقت النّار لأهل الكفر ، فهو عليهالسلام قسيم الجنّة والنار لهذه العلّة ، والجنّة لا يدخلها إلا أهل محبّته ، والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه.
قال المفضّل : يابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فالانبياء والاوصياء هل كانوا يحبّونه وأعدائهم يبغضونه (١)؟ فقال : نعم.
قلت : فكيف ذلك؟
قال : أما علمت أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال يوم خيبر : «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ما يرجع حتى يفتح الله على يديه»؟ قلت : بلى.
قال : أما علمت أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا أتي بالطائر المشوي قال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك (٢) يأكل معي هذا
__________________
(١) في العلل والبحار : «كانوا يبغضونه».
(٢) في بعض النسخ : «إليك وإليّ».
الطير» وعنى به عليّا عليهالسلام؟ قلت : بلى.
قال : يجوز أن لا يحبّ أنبياء الله ورسله وأوصيائهم رجلا يحبّه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله؟ فقلت : لا.
قال : فهل يجوز أنّ يكون المؤمنون من أممهم لا يحبّون حبيب الله وحبيب رسوله وأنبيائه؟ قلت : لا.
قال : فقد ثبت أنّ جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب محبّين ، وثبت أنّ [أعداءهم و] المخالفين لهم كانوا له ولجميع أهل محبّته مبغضين. قلت : نعم.
قال : فلا يدخل الجنّة إلّا من أحبّه من الاوّلين والآخرين ، فهو إذن قسيم الجنّة والنار.
قال المفضّل بن عمر : فقلت له : يابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فرّجت عنّي فرّج الله عنك ، فزدني مما علّمك الله. فقال : سل يا مفضّل.
فقلت : أسأل يابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فعليّ بن أبي طالب عليهالسلام يدخل محبّه الجنّة ومبغضه النار ، أو رضوان ومالك؟
فقال : يا مفضّل ، أما علمت أنّ الله تبارك وتعالى بعث رسوله وهو روح إلى الانبياء ، وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام؟ قلت : بلى.
قال : أما علمت أنّه دعاهم إلى توحيد الله وطاعته واتّباع أمره ، ووعدهم الجنّة على ذلك ، وأوعد من خالف ما
أجابوا إليه وأنكره النار؟ فقلت : بلى.
قال : أفليس النبي صلىاللهعليهوآله ضامنا لما وعد وأوعد عن (١) ربّه عزوجل؟ قلت : بلى.
قال : أوليس عليّ بن أبي طالب عليهالسلام خليفته وإمام أمّته؟
قلت : بلى.
قال : أوليس رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين بمحبّته؟ قلت : بلى.
قال : فعليّ بن أبي طالب عليهالسلام إذن قسيم الجنّة والنار عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ورضوان ومالك صادران عن أمره بأمر الله تبارك وتعالى. يا مفضّل ، خذ هذا ، فانّه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إلا إلى أهله.» (٢)
[في أنّ القرآن نزل بايّاك أعني ...]
هذا ، وعن الكافي أنّه روى عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال :
«نزل القرآن بايّاك أعني واسمعي يا جارة.» (٣)
وهو مثل يضرب لمن يتكلّم بكلام ويريد به غير المخاطب (٤).
__________________
(١) في المخطوطة : «لما وعدوا عن وعد ربه».
(٢) العلل ، ج ١ ، باب ١٣٠ ، ص ١٦١ ، ح ١ ؛ والبحار ، ج ٣٩ ، باب انه ـ عليهالسلام ـ قسيم الجنّة والنار ، ص ١٩٤ ، ح ٥.
(٣) روى الكليني (ره) هذا الحديث في الكافى ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ؛ والعياشي (رض) في تفسيره ، ج ١ ، ص ١٠ ؛ ونقله الفيض (ره) في الصافي ، والبحراني (ره) في البرهان ، فراجع.
(٤) قال الميداني في مجمع الامثال ، ج ١ ، ص ٥٠ : «أوّل من قال ذلك «سهل بن مالك الفزاري» ، وذلك انّه خرج يريد النعمان ، فمرّ ببعض أحياء طىء ، فسأل عن ـ
كما روي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
«ما عاتب الله نبيّه فهو يعني به من قد مضى في القرآن ؛ مثل قوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) ، عنى بذلك غيره» (١).
ولعلّ المراد من «قد مضى» ما أسقط اسمه من القرآن ، أو مضى زمانه ، ويكون المجرور ب «في» متعلّقا بقوله «عاتب» ، أو خبرا مقدّما مبتدأه قوله : «مثل قوله». ويحتمل تعميم المثل السابق لكلّ كلام ورد مختصّا بمورد ،
__________________
ـ سيد الحي ، فقيل له «حارثة بن لام» ، فأمّ رحله فلم يصبه شاهدا ، فقالت له أخته : انزل في الرحب والسعة ، فنزل فأكرمته ولاطفته ، ثم خرجت من خبائها فرأى أجمل أهل دهرها وأكملهم ، وكانت عقيلة قومها وسيدة نسائها ، فوقع في نفسه منها شيء ، فجعل لا يدري كيف يرسل إليها ولا ما يوافقها من ذلك ، فجلس بفناء الخباء يوما وهي تسمع كلامه ، فجعل ينشد ويقول :
يا أخت خير البدو والحضارة |
|
كيف ترين في فتى فزارة |
أصبح يهوي حرة معطارة |
|
إياك أعني واسمعي يا جارة |
فلما سمعت قوله عرفت انه إيّاها يعني ، فقالت : ما ذا يقول ذي عقل اريب ولا رأي مصيب ولا أنف نجيب؟ فأقم ما قمت مكرما ، ثم ارتحل متى شئت مسلما ، ويقال : أجابته نظما فقالت :
إنّي أقول يا فتى فزارة |
|
لا أبتغى الزوح ولا الدعارة |
ولا فراق أهل هذى الجارة |
|
فارحل إلى أهلك باستخارة |
فاستحي الفتى وقال : ما أردت منكرا ، واسوأتاه! قالت : صدقت. فكأنها استحيت من تسرعها إلى تهمته. فارتحل ، فأتى النعمان فحيّاه وأكرمه. فلمّا رجع نزل على أخيها ، فبينا هو مقيم عندهم تطلعت إليه نفسها وكان جميلا ، فأرسلت إليه أن اخطبنى إن كان لك إليّ حاجة يوما من الدهر ، فاني سريعة إلى ما تريد. فخطبها وتزوّجها وساربها إلى قومه. يضرب لمن يتكلّم بكلام ويريد به شيئا غيره.»
(١) الآية : الاسراء / ٧٤ ؛ والحديث : راجع تعليقة ٣ من صفحة ٩٦.
والمقصود بالافادة منه غير ذلك الفرد ، كالاخبار عن الامم الماضية الّتي خلت. ولا نسئل عمّا فعلوا ولا يسئلون عمّا نفعل ، لها ما كسبت ولنا ما كسبنا ، ولكنّها أمثال تجري نظائرها في هذه الامّة أشخاصا وأفعالا ومجازاة. فالكلام وارد في فرعون خاصّ ، والمقصود بيان حال غيره ، إلى غير ذلك. وهذا التعميم أنسب من التخصيص الاوّل ، لأنّ التصرّف في المخاطب في أكثر المقامات متعذّر ظاهرا ؛ إذ المخاطب هو النبيّ والمؤمنون ، أو جميع الناس ، أو طائفة خاصّة. ومن ذلك يظهر لك وجه آخر للأخبار المتقدّمة ، فتدبّر فيه بالتأمّل.
وفيما قدّمناه يظهر وجه للجمع بين الاخبار المتقدّمة وما روي عن الكليني بسنده عن داود بن فرقد ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال :
«إنّ القرآن نزل أربعة أرباع : ربع حلال ، وربع حرام ، وربع سنن وأحكام ، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما بينكم.» (١)
__________________
(١) الكافي ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٢٧ ، ح ٣ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٢١ ، ح ٢.
المقدّمة السّادسة
في نبذة ممّا جاء في أنّ القرآن تبيان كلّ شيء وبيان ذلك
فعن الكافي بسنده عن مرازم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
«إنّ الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء ، حتّى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتّى لا يستطيع عبد يقول : «لو كان هذا في القرآن» إلا وقد أنزله الله فيه.» (١)
وباسناده عن عمرو بن قيس ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : سمعته يقول :
«إنّ الله تعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الامّة إلا أنزله في كتابه ، وبيّنه لرسوله ، وجعل لكلّ شيء حدّا ، وجعل عليه دليلا يدلّ عليه ، وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّا.» (٢)
وباسناده عن المعلّى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام :
__________________
(١) الكافي ، ج ١ ، باب الردّ إلى الكتاب والسنّة ، ص ٥٩ ، ح ١ ؛ وهكذا رواه البرقي (ره) في المحاسن ، باب ٣٦ من كتاب مصابيح الظلم ، ص ٢٦٧ ، ح ٣٥٢ ؛ والقمي (ره) في تفسيره ، ج ٢ ، ص ٤٥١ ، بهذا الاسناد ؛ وأيضا في البحار والصافي.
(٢) الكافي ، ج ١ باب الردّ الى الكتاب والسنة ، ص ٥٩ ، ح ١ ؛ وهكذا رواه الصفار (قده) في البصائر ، الجزء الاول ، باب ٣ ، ص ٦ ، إلى قوله ـ عليهالسلام ـ : «يدلّ عليه» بهذا الاسناد بطريقين عن «عبد الله بن جعفر» و «إبراهيم بن هاشم» ؛ والعياشي (ره) في تفسيره ، ج ١ ، ص ٦ ، ح ١٣ ؛ ونقله الفيض (ره) في الصافي.
«ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ، ولكن لا تبلغه عقول الرجال.» (١)
وباسناده عن أبي الجارود قال : قال أبو جعفر عليهالسلام :
«إذا حدّثتكم بشيء فاسئلوني أين هو في كتاب الله تعالى». ثمّ قال في بعض حديثه : إنّ (٢) رسول الله صلىاللهعليهوآله نهى عن القيل والقال ، وفساد المال ، وكثرة السؤال. فقيل له : يا ابن رسول الله ، أين هذا من كتاب الله؟ قال : إنّ الله تعالى يقول : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ.)(٣) وقال : (لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً.)(٤) وقال : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.)(٥)
وبأسانيد متعدّدة ، عن الصادق عليهالسلام في الرسالة الّتي كتبها لأصحابه بعد التحذير عن الاخذ في الدين بالهوى والرأي والمقائيس :
«... قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كلّ شيء ، وجعل
__________________
(١) الكافي ، ج ١ ، باب الردّ إلى الكتاب والسنة ، ص ٦٠ ، ح ٦ ؛ ورواه في المحاسن ، ج ١ ، باب ٣٦ من كتاب مصابيح الظلم ، ص ٢٦٧ ، ح ٣٥٥ ؛ وهكذا في الصافي والبحار.
(٢) في المخطوطة : «ثم ان».
(٣) النساء / ١١٤.
(٤) النساء / ٥.
(٥) الآية : المائدة / ١٠١ ؛ والحديث في الكافي ، ج ١ ، باب الردّ إلى الكتاب والسنة ، ص ٦٠ ، ح ٥ ؛ وأيضا رواه البرقي (ره) في المحاسن ، ج ١ ، باب ٣٦ من كتاب مصابيح الظلم ، ص ٢٦٩ ، ح ٣٥٨ بهذا الاسناد ؛ وأورده الطبرسي (رض) في الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٥٥ ، مرسلا عن أبي الجارود.