مجد البيان في تفسير القرآن

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي

مجد البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٣

الْحَدِيثِ.» (١)

وله وجود إجمالي قبل التفصيل. لعلّ إليه الاشارة بقوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ.)(٢)

وهو الاصل ، والباقي تنزّلاته ومراتبه وشؤونه بمنزلة أصل الشجرة بالنسبة إلى ساقه وأغصانه. ولعلّ إلى هذه المقامات الاشارة باطلاق الانزال والتنزيل على القرآن في مواضع كثيرة.

ثمّ إن له صعودا ايضا ، فانّ القرآن اللّفظيّ الصادر عنّا يتمثّل بمثال ويتشكّل بصورة جوهريّ في عالم أرفع من هذا العالم ، على ما تحقّق وثبت في محلّه بالآيات والاخبار الكثيرة الواردة في الموارد الكثيرة ، المعتضدة بالاستبصارات العقليّة وغيرها ، من أنّ الاعمال الحسنة والسيّئة تتجسّم وتتمثّل وتبقى في عالم البرزخ مع الميّت ؛ وقرائة القرآن منها ، بل من أولى أفرادها بهذا الحكم ، وكتابة القرآن أيضا عمل يتجسّم كذلك.

وحينئذ فيتحقّق في القرآن قوسان ؛ قوس نزول ينتهي إلى وجوده اللّفظيّ والكتبيّ الواقع في هذه النشأة ، وقوس صعود واقع في عالم البرزخ ، كما هو الحال في حقيقة الانسان.

ثمّ إنّ حقيقة القرآن ليس مقصورا على عالم الالفاظ والنقوش الواقعة في عالم الملك والملكوت ، بل مداليل الكلمات القرآنيّة أحقّ بالدخول في حقيقة القرآن منها ، ولها وجود في عالمها المعنويّة ، فهي أيضا يصحّ أن تعدّ مقاما آخر له ، ومراتبه المتعدّدة تنتهي إلى حقيقة الاسم الالهيّ ، الّذي هو المبدء للقرآن. ويشبه أن يكون هو حقيقة اسم الهادي والنور ، الّذي ربّما أطلق اسمه على القرآن في مواضع.

__________________

(١) الزمر / ٢٣.

(٢) هود / ١.

١٦١

[شرح تنزّل القرآن في القيامة بصور مختلفة]

ثمّ إنّ عالم القيامة الكبرى لمّا كان يوم الجمع بين العوالم ، ويوم إبلاء السرائر وإظهار المكنونات وإبراز الامور الغيبيّة بصور حسيّة مطابقة لها حتّى يتوافق النشئات والعوالم لينبّئهم بما عملوا. ولتبلى كلّ نفس ما كسبت ، ويحصد كلّ زارع ما زرع ـ والزرع تابع للبذر ـ ، والدنيا بمنزلة الأمّ للآخرة لزمه أن يتنزّل القرآن من عالم الغيب إلى ظاهر عالم القيامة مصوّرة بصورة حسنة أحسن ما يكون حتّى يوافق حسنه المعنويّ ؛ لأنّه أحسن ما يكون ، وله بهاء وجمال ونور حسيّ ، كما أنّ له هذه الصفات اليوم في عالم الغيب على وجه غيبىّ.

ثمّ إنّه لا بدّ أن يمرّ على صفوف المؤمنين ، كما يمرّ على قلوبهم ونفوسهم فى دار الدنيا ليطابق الظاهر الباطن ، والقالب الروح ، والصورة المعنى ، مبتدئا للمرور من الادنى إلى الاعلى ؛ لأنّه سالك في الاستكمال متوجّه إلى ربّ العزّة ، فيلزمه الكون مع النازل قبل الكون مع الكامل ، وأن يكون مع كلّ صنف منهم بصورة ذلك الصنف ؛ لأنّه عند كلّ منهم واقع في مرتبتهم بزيادة بهاء وجمال ونور لعدم مخالطته بما يضادّ هذه الصفات من ظلمة وكدورة ، ولأنّهم لا يدركون منه إلا المقدار الّذي كان لهم في الدنيا ، ومنه الشأن المتعلّق بصفتهم ومقامهم وحالهم ، كما أنّ كلا منهم حال قرائته للقرآن يشاهد المعنى الموافق لمقامه من الظاهر والباطن وباطن الباطن وإن كان الكامل مشتملا على الناقص. فلا بدّ وأن يظنّ كلّ صنف منهم أنّه منهم ، كما كانوا يظنّون في الدنيا أنّه بيان طريقتهم وصفة حالهم ، وأن يعرفه كلّ منهم بنعته وصفته عند المواجهة ، كما كان يعرف ذلك المقدار في دار الدنيا من القرآن ومعانيه ، وقبله منه فيها ؛ إذ القدر الظاهر منه في كلّ مقام يساوي ذلك المقام ، ولو لم يعرف أهل الصنف ذلك القدر الظاهر لم يكونوا

١٦٢

من أهل ذلك المقام. إلى أن ينتهي إلى ربّ العزّة في آخر قوسه الصعودي ، فيسجد صورة كما سجد بالخضوع المطلق والفناء معنى. وقد كان مصير القرآن إليه سبحانه في النشأة الاولى.

ثمّ إنّ له بعد ذلك مقاما يؤمر برفع الرأس من السجدة يضاهي مقام البقاء بالله بعد الفناء في الله ؛ وأن يسأل فيعطى ، كما كان مستمدّا مواهب الحقّ سبحانه وبركاته لاهله في الدنيا ؛ وأن يشفع فيقبل شفاعته ، كما كان مقرّبا للعباد إلى الله سبحانه ، وموجبا لشمول الرحمة لهم ، ودفع العذاب عنهم في الدنيا.

ثمّ إنّه يظهر حال القابلين له والتاركين ، كما كان يبيّن في الدنيا أحوال الطائفتين راضيا عن الاولى ساخطا للثانية ؛ كالملك بالنسبة إلى رعيّته ، كموافقته ومخالفته والقبول والردّ المعنويين في الاولى.

ثمّ إنّ الحقّ يحكم بترتّب أحسن الثواب والعقاب بالقرآن هناك ، كما كان استحقاق الفريقين هنا ، ولزوم كلّه الاعطاء والعقاب هنا تابعا له ؛ إذ لا تكليف إلا بعد البيان ، ولا ثواب ولا عقاب قبل التكليف.

ثمّ إنّه يرفع رأسه في صورة رجل شاحب اللّون متغيّر ثانيا ، كالنبيّ الكامل الراجع إلى الخلق بالحقّ بعد الفناء فيه ، قد اجتمع فيه الفعل والانفعال ، والامر والائتمار ، والطلب والاجابة ، والعبوديّة والمرآتيّة للربوبيّة ، وجهة إلى الحقّ ، والاخرى إلى النفس ، فيلزمه تغيّر لونه وكونه بصورة رجل ؛ إذ خلق الانسان في أحسن تقويم.

ومن هذا البيان مضافا إلى الرواية الاولى يظهر عدم المنافاة بين الرواية الثانية والثالثة.

ثمّ إنّه يتعرف إلى الرجل العارف به من الشيعة ، كما تعرّف إليه في

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.) التّين / ٤.

١٦٣

الدنيا ، وما يعرفه بالصورة الثانية ؛ لأنّه ما عرفه به في الدنيا ، ويعرفه إذا تصوّر بالصورة الّتي كان عليها في باطن هذا العالم ؛ إذ كان عرفه كذلك.

ثمّ إنّه ينطلق به إلى رب العزّة ، كما كان يقرّبه إلى الله سبحانه في الدنيا بحضوره في قلبه ، وجريانه على لسانه ، وتعليمه وهدايته ، وحمله إيّاه على ما يقرّبه إلى الله سبحانه ، ويظهر عند الربّ ما صنع به ، كما أظهر في مشاهدة الربّ في دار الدنيا من العبد ما صنعه وحمله عليه ، كما صرّح به في الرواية الثالثة والرابعة ، فيجزيه الربّ الجزاء الاولى ، ويبشّره القرآن بكرامة الله ، كما في الرواية الثالثة ، كما كان يبشّره في الدنيا ؛ (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.)(١)

ثمّ الظاهر أنّ تعجّب الراوي من تكلّم القرآن لأنّه لم يطّلع منه إلا على الالفاظ والنقوش الواقعة في هذا العالم ؛ لأنّه نظر إليه نظر الضعفاء في مقام الايمان ، ولهذا استرحم الامام على الضعفاء المسلّمين لكلام الائمّة عليهم‌السلام وإن لم يصل إلى إدراكه أفهامهم ، فانّ طريقة النجاة لهم هو التسليم دون جعل الافهام الناقصة ميزانا لكلامهم في الردّ والقبول. وأمّا الاقوياء فهم يدركون صحّته على قدر درجاتهم في الايمان ، فيصدّقون تصديقا إيقانيّا ، لا تعبّديّا. ولعلّ محصّل الجواب هو المقايسة بالصلاة لاشتراك الاستبعاد الوهمي بينهما ، وأنّ لها صورة وخلقا تأمر وتنهى ، وهو من باب تجسّم الاعمال الجزئيّة الصادرة عنّا ، أو من باب صورته الكلّيّة المقدّمة على الافعال الجزئيّة ، نظير ما مرّ في القرآن.

ثمّ إنّ الصلاة بكلا الوجهين تنهى عن موالاة أعدائهم خصوصا الاوّلين ، المكنّى عنهما بالفحشاء والمنكر بالخصوص (٢) ، أو مندرجين تحت المكنّى عنه لو لم

__________________

(١) البقرة / ٢٥. وفي المخطوطة : «يبشر».

(٢) هذه التكنية قد وردت في روايات الائمه ـ عليهم‌السلام ـ ؛ كرواية رواه ـ

١٦٤

يخصّص بهما ، وتأمر بموالات الائمّة الّذين هم ذكر الله الّذي هو أكبر. وشرحه خارج عن العنوان الّذي نحن فيه.

[تكلّم القرآن ومعاتبة السّورة المتروكة لتاركها]

وممّا ذكرنا يمكن أن يعرف كيفيّة مخاطبة السورة المتروكة والمنسيّة لتاركها وناسيها الواردة في عدّة من الاخبار ؛ كما عن الكافي بسنده الصحيح ، عن يعقوب الاحمر قال :

«قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، إنّه أصابتني هموم وأشياء لم يبق شيء من الخير إلا وقد تفلت منّي منه طائفة ، حتّى القرآن لقد تفلت منّي طائفة منه.

قال : ففزع عند ذلك حين ذكرت القرآن ، ثمّ قال : إنّ الرجل لينسي السورة من القرآن فتأتيه يوم القيامة حتّى تشرف عليه من درجة من بعض الدرجات ، فتقول : السلام عليك. فيقول : وعليك السلام ، من أنت؟ فتقول : أنا سورة كذا وكذا ضيّعتني وتركتني ، أما لو تمّسكت بي لبلغت بك هذه الدرجة ـ إلى آخر الحديث.» (١)

__________________

 ـ العياشي (ره) في تفسيره ، ج ٢ ، ص ٢٦٧ ، ح ٦٢ ، عن عطاء الهمداني ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ أنه قال في تفسير قوله تعالى : «وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ» (النحل / ٩٠): «وينهى عن الفحشاء الاول والمنكر الثاني والبغي الثالث.» وهكذا ذكر السيد هاشم البحراني (ره) هذه الرواية وغيرها ممّا يتضمّن هذا المعنى في البرهان ، ج ٢ ، ص ٣٨١ ، فراجع.

(١) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، باب من حفظ القرآن ثمّ نسيه ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١٢ من أبواب قراءة القرآن.

١٦٥

وعنه وعن عقاب الاعمال والمحاسن بالسند الحسن وغيره عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«من نسي سورة من القرآن مثّلت له في صورة حسنة ودرجة رفيعة في الجنّة (١). فاذا رآها قال : ما (٢) أنت؟ فما أحسنك! ليتك لي. فتقول : أما تعرفني؟ أنا سورة كذا وكذا ، لو لم تنسني لرفعتك إلى هذا المكان.» (٣)

وعنه بسنده عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام [يقول] :

«إنّ الرجل إذا كان يعلم السورة ثمّ نسيها أو تركها ودخل الجنّة أشرفت عليه من فوق في أحسن صورة ، فتقول : تعرفني؟ فيقول : لا. فتقول : أنا سورة كذا وكذا ، لم تعمل بى وتركتني ، تقول : أما والله لو عملت بي لبلغت بك هذه الدرجة ، وأشارت بيدها إلى ما فوقها.» (٤)

[درجات الجنّة على عدد آيات القرآن]

والمستفاد من هذه الاخبار أنّ التمسّك بأيّ سورة كانت والعمل بها وعدم نسيانها موجب للوصول إلى درجة رفيعة ، وأنّ تضييعها وتركها ونسيانها وترك العمل بها سبب لفقدانها ، كما أنّ المستفاد من جملة من الروايات أنّ القارئ إذا

__________________

(١) ليس في عقاب الاعمال : «في الجنة». منه (ره).

(٢) في المصادر : «من».

(٣) المصادر المذكورة في تعليقة ١ ص ١٦٥ ، والمحاسن ، ج ١ ، كتاب عقاب الاعمال ، ص ٩٦ ، ح ٥٧ ؛ وعقاب الاعمال ، ص ٢٨٣ ؛ وهكذا فى البحار ، ج ٩٢ ، باب ثواب تعلم القرآن وتعليمه ، ص ١٨٨ ، ح ١١.

(٤) المصادر المذكورة في تعليقة ١ ص ١٦٥.

١٦٦

قرأ آية صعد درجة ، وأنّ عدد درجات القارئ بعدد آيات القرآن ، كما في الروايات الاخيرة ، وكما رواه في المجالس بسنده عن المفضّل بن عمر ، عن الصادق عليه‌السلام قال :

«عليكم بتلاوة القرآن ، فانّ درجات الجنّة على عدد آيات القرآن ، فاذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن : إقرأ وارق ، فكلّما قرأ آية رقا درجة.» (١)

وما عن الكليني بسنده عن حفص ، قال : سمعت موسى بن جعفر عليه‌السلام يقول ـ في حديث ـ :

«إنّ درجات الجنّة على قدر آيات القرآن ؛ يقال له : إقرأ وارق. فيقرأ ثمّ يرقا.» (٢)

وغير ذلك.

ويشبه أن يكون السرّ في ذلك أن في كلّ سورة بل كلّ آية علم ومعرفة وهداية ودعوة إلى الحقّ ، فبالتمسّك بكل منها والمعرفة بها والتخلّق بموجبها والعمل بها درجة في التقرّب إلى الله سبحانه ، والمتحصّل من مجموعها نهاية درجات القرب إليه سبحانه. ولمّا كان الدرجات الواقعة بين العبد والحقّ مضاهيا لدرجات الجنّة ومطابقا لها ، بل هي معانيها وأرواحها ، وتلك قوالبها ومظاهرها ، وجوائزها وآثارها المترتّبة عليها ، كانت الدرجات أيضا على حسب السور والآيات.

ولعلّ المراد من الحفظ والنسيان ليس مجرّد ألفاظ القرآن ونسيانها ، بل

__________________

(١) المجالس للصدوق (ره) ، المجلس السابع والخمسون ، ح ١٠ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب فضل قراءة القرآن عن ظهر القلب ، ص ١٩٧ ، ح ٤ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١١ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٤٢ ، ح ١٠.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، باب فضل حامل القرآن ، ص ٦٠٦ ، ح ١٠ ؛ وعلم اليقين للفيض (ره) ، ج ١ ، الباب الثاني عشر ، ص ٥٥٤ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١١ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٤٠ ، ح ٣.

١٦٧

مع حفظ معانيها والايمان بها والتخلّق بها والعمل بموجبها ، كما يؤيّده مضافا إلى إشارة الاخبار المذكورة من ذكر التضييع والتمسّك والعمل وتركه ، ما سيجيء في آداب القرائة وحامل القرآن ـ إن شاء الله تعالى ـ.

[رفعة مقام أهل القرآن]

ولعلّ ذلك هو المراد ممّا عن الكليني بسنده عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّ أهل القرآن في أعلى درجة من الآدميّين ما خلا النبيين والمرسلين ، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم ، فانّ لهم من الله العزيز الجبّار لمكانا.» (١)

وما رواه الطبرسي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته.» (٢)

وما رواه الصدوق باسناده عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«أشراف أمّتي حملة القرآن وأصحاب اللّيل.» (٣)

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، باب فضل حامل القرآن ، ص ٦٠٣ ، ح ١ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٤ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٣٠ ، ح ١ ؛ وروى الصدوق (رض) في ثواب الاعمال ، ص ١٠٥ ، عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن إبراهيم بن هاشم مثله.

(٢) في المخطوطة : «أهل الله خاصة». والحديث فى مجمع البيان ، ج ١ ، المقدمة ، الفن السادس ، ص ١٥ ، عن أنس بن مالك ، عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٢٥ ، ح ٩ ؛ وأخرجه بهذا الاسناد أيضا ابن ماجة في سننه ، ج ١ ، المقدمة ، باب ١٦ ، ص ٦٨ ، رقم ٢١٥ ، والحاكم في المستدرك ، ج ١ ، باب فضائل القرآن ، ص ٥٥٦.

(٣) الخصال ، باب الواحد ، ص ٧ ، ح ٢١ ، وفيه : عن ابن عباس ، عنه ـ صلى ـ

١٦٨

ولعلّ المراد من أصحاب اللّيل أرباب النفوس الساذجة من أهل المعرفة المنقطعين إلى الله سبحانه.

وما عن تفسير الامام العسكري عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«حملة القرآن المخصوصون لرحمة الله ، الملبّسون نور الله ، المعلّمون كلام الله ، المقرّبون عند الله ؛ من والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد عادى الله. يدفع الله عن مستمع القرآن بلوى الدنيا ، وعن قارئه بلوى الآخرة ـ إلى أن قال : ـ والّذي نفس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده لسامع (١) آية من كتاب الله وهو معتقد أعظم أجرا من ثبير ذهبا يتصدّق به ... ولقارئ (٢) آية من كتاب الله معتقدا أفضل ممّا دون العرش إلى أسفل التخوم.» (٣)

وما رواه الكليني بسنده عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال :

«الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة.» (٤)

__________________

 ـ الله عليه وآله ـ ؛ وهكذا في الفقيه ومعاني الاخبار كما في الوسائل ، ج ٤ ، باب ٤ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٣١ ، ح ٢ ، ورواه أيضا الطبرسي في مجمع البيان ، ج ١ ، المقدمة ، الفنّ السادس ، ص ١٦.

(١) وقع التقديم والتأخير هنا في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة : «لقارئه».

(٣) تفسير الامام العسكري ـ عليه‌السلام ـ ، المقدمة ، ص ٤ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب فضل حامل القرآن ، ص ١٨٢ ، ح ١٨ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٤ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٣١ ، ح ٤ ؛ وروى الطبرسي (ره) صدره في مجمع البيان ، ج ١ ، المقدمة ، الفنّ السادس ، ص ١٥ ، عن أنس بن مالك ، عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ.

(٤) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، باب فضل حامل القرآن ، ص ٦٠٣ ، ح ـ

١٦٩

وبسنده عن معاوية بن عمّار قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام :

«من قرأ القرآن فهو غنيّ لا يفقر (١) بعده ، وإلا ما به غنى.» (٢)

[فضل قرائة القرآن وختمه واستماعه]

والاخبار الواردة في فضيلة قرائة القرآن زيادة على ما مرّ كثير ؛

منها : ما رواه الكليني بسنده عن الزهري قال :

«قلت لعليّ بن الحسين عليهما‌السلام : أيّ الاعمال أفضل؟

قال : الحالّ المرتحل.

قلت : وما الحالّ المرتحل؟

قال : قال : فتح القرآن وختمه ؛ كلّما جاء بأوّله ارتحل بآخره. (٣)

__________________

 ـ ٢ ؛ وهكذا رواه الصدوق (ره) في ثواب الاعمال ، ص ١٢٧ ؛ والمعاني كما في الوسائل ، ج ٤ ، باب ٥ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٣٢ ، ح ١.

(١) في بعض النسخ : «فقر».

(٢) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، باب فضل حامل القرآن ، ص ٦٠٥ ، ح ٨ ؛ وثواب الاعمال ، ص ١٢٨ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٦ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٣٤ ، ح ٣.

قال الفيض (ره) في ذيل هذا الحديث في الوافي : «وذلك لأنّ في القرآن من المواعظ ما إذا اتّعظ به استغنى عن غير الله في كل ما يحتاج إليه ، وإن لم يستغن بالقرآن فما يغنيه شيء ، وهذا أحد معاني قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : من لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا.»

(٣) في المآخذ : «في آخره». وقال المجلسي (رض) في مرآة العقول ، ج ١٢ ، ص ٤٨٨ : «الحال المرتحل أي : عمله ، وفي النهاية : فيه أنه سئل أي الاعمال أفضل؟ ـ

١٧٠

وقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعطاه الله القرآن فرأى أنّ رجلا أعطي أفضل ممّا أعطي ، فقد صغّر عظيما وعظّم صغيرا.» (١)

وعن الصدوق روايته أيضا كما رواه الكليني إلا أنّه قال : «كلّما حلّ بأوّله ارتحل في آخره.» (٢) وهو أقرب وأنسب.

ومنها : ما عنهما بسنديهما عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«من قرأ القرآن قائما في صلاته كتب الله له بكلّ حرف مائة حسنة ، ومن قرأ في صلاته جالسا كتب الله له بكلّ حرف خمسين حسنة ، ومن قرأ في غير صلاة كتب الله له بكلّ حرف عشر حسنات.» (٣)

__________________

 ـ فقال : الحال المرتحل. قيل : وما ذلك؟ قال : الخاتم المفتتح ، وهو الذى يختم القرآن بتلاوته ، ثم يفتتح التلاوة من أوله ، شبهه بالمسافر يبلغ المنزل فيحل فيه ، ثم يفتتح السير ؛ أي : يبتدء به. وكذلك قراء مكة اذا ختموا القرآن بالتلاوة ابتدؤوا وقرؤوا «الفاتحة» وخمس آيات من أول سورة «البقرة» الى قوله «هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ، ثم يقطعون القراءة ، ويسمون فاعل ذلك «الحال المرتحل» ، أي : أنه ختم القرآن وابتدأ بأوله ولم يفصل بينهما بزمان.»

(١) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، باب فضل حامل القرآن ، ص ٦٠٥ ، ح ٧ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة العاشرة ، ص ٤٣ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١١ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٣٩ ، ح ٢.

(٢) راجع معاني الاخبار ، باب معنى الحال المرتحل ، ص ١٩٠.

(٣) الكافي ، ج ٢ ، باب ثواب قراءة القرآن ، ص ٦١١ ، ح ١ ، وفيه : «عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن معاذ بن مسلم ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ.» وقال في ذيل هذا الحديث : «قال ابن محبوب : وقد سمعته عن معاذ ـ

١٧١

والظاهر أن الاخير من جهة أنّ كلّ حرف منها حسنة ، و (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها.)(١) والاوّل لأنّ جعله في الصلاة حسنة أخرى ، فيضرب العشر في العشر ، أو لأنّ حالة الصلاة يقتضي المضاعفة كذلك ، والثاني لأنّ صلاة الجالس نصف القائم.

ومنها : ما عن الكليني بسنده عن بشير بن غالب الأسدي ، عن الحسين بن عليّ عليهما‌السلام قال :

«من قرأ آية من كتاب الله عزوجل في صلاته قائما يكتب الله له بكلّ حرف مائة حسنة ، فان قرأها في غير صلاة كتب الله له بكلّ حرف عشر حسنات ، وإن استمع القرآن كتب الله له بكلّ حرف حسنة ، وإن ختم القرآن ليلا صلّت عليه الملائكة حتّى يصبح ، وإن ختمه نهارا صلّت عليه الحفظة حتّى يمسي ، وكانت له دعوة مجابة ، وكان خيرا له ممّا بين السماء إلى الارض.

قلت : هذا لمن قرأ القرآن ، فمن لم يقرأه؟

قال : يا أخا بني أسد ، إنّ الله جواد ماجد كريم ، إذا قرأ ما معه أعطاه الله ذلك.» (٢)

__________________

 ـ على نحو ممّا رواه ابن سنان.» وهكذا في ثواب الاعمال ، ص ١٢٦ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١١ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٤٠ ، ح ٤.

(١) الانعام / ١٦٠.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، باب ثواب قراءة القرآن ، ص ٦١١ ، ح ٣ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١١ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٤١ ، ح ٥ ؛ وهكذا رواه ابن فهد الحلّي في عدة الداعي كما في البحار ، ج ٩٢ ، باب فضل قراءة القرآن عن ظهر القلب ، ص ٢٠٠ ، ح ١٧.

قال الفيض (ره) في الوافي : «لعلّ المراد بختمه ليلا ونهارا فراغه منه فيهما ، لا ختمه كلّه فيهما. وأما الدعوة المجابة ، فانّما تترتّب على ختمه كله.»

١٧٢

وما عنه باسناده عن محمّد بن بشير ، عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام [قال :](١) وقد روي هذا الحديث عن الصادق عليه‌السلام قال :

«من استمع حرفا من كتاب الله من غير قرائة كتب الله له حسنة ، ومحى عنه سيّئة ، ورفع له درجة ؛ ومن قرأ نظرا من غير صلاة كتب الله له بكلّ حرف حسنة ، ومحى عنه سيّئة ورفع له درجة ؛ ومن تعلّم منه حرفا ظاهرا كتب الله له عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات.

قال : لا أقول بكلّ آية ، ولكن بكلّ حرف ، باء أو تاء أو شبههما.

قال : ومن قرأ حرفا وهو جالس في صلاة كتب الله له خمسين حسنة ، ومحى عنه خمسين سيّئة ، ورفع له خمسين درجة ؛ ومن قرأ حرفا وهو قائم في صلاته كتب الله له مائة حسنة ، ومحى عنه مائة سيّئة ، ورفع له مائة درجة ؛ ومن ختمه كانت له دعوة مستجابة ، مؤخّرة أو معجّلة.

قال : قلت : جعلت فداك ، ختمه كلّه؟

قال : ختمه كلّه.» (٢)

وبهذا السند عن الصادق عليه‌السلام قال :

«سمعت أبي يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ختم القرآن إلى

__________________

(١) القائل يمكن أن يكون المصنف (ره) كما احتمله المولى محمد صالح المازندراني (رض) في شرحه على الكافي ، أو الراوي كما ذكر في بعض النسخ.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، باب ثواب قراءة القرآن ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١١ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٤١.

١٧٣

حيث يعلم.» (١)

ولعلّ المراد بالحسنة لقرائة الحرف هو الحسنة المضاعفة عشرا ، فيكون لتعلّمه عشرة مضاعفة إلى المائة بظاهر السياق.

ومنها : ما عنه بسنده عن عمرو بن أبي المقدام ، عن الصادق عليه‌السلام في حديث قال :

«ما من عبد من شيعتنا يتلوا القرآن في صلاته قائما إلا وله بكلّ حرف مائة حسنة ، ولا قرأ في صلاته جالسا إلا وله بكلّ حرف خمسون حسنة ، ولا في غير صلاته إلا وله بكلّ حرف عشر حسنات.» (٢)

ولعلّ التخصيص بالشيعة لاختصاص قبول الاعمال أو مضاعفتها لهم.

ومنها : ما عنه بسنده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين ،

__________________

(١) في بعض النسخ : «تعلم». والحديث في المصادر السابقة.

قال الفيض (ره) في الوافي : «يعني : ختمه فى حقك أن تقرأ كل ما تعلم منه.» وقال المجلسى (ره) فى مرآة العقول : «ربي حيث يعلم ؛ في بعض النسخ : «إلى» ، وفي بعضها : «إلى ربي» ، وعلى نسخة : «إلى» بدون ربي. لعلّ المراد أن من قرأ القرآن قدر ما يعلم يعطى ثواب ختمه ، فيترتب ثواب الختم على ختم هذا القرآن الذي نقرؤه ، وإن كان في الواقع أكثر من ذلك. وعلى نسخة : «ربي» فقط ؛ لعلّ المراد أنه تعالى جعل مجموع القرآن عند من يعلم ، أي : الائمة ـ عليهم‌السلام ـ. وعلى الجمع بينهما لعلّ المراد ، أن ثوابه إلى الله تعالى لا يعلم غيره لكثرته ، والله يعلم.»

(٢) الكافي ، ج ٨ (الروضة) ص ٢١٤ ، ح ٢٦٠ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١١ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٤٢ ، ح ٨.

١٧٤

ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاث مائة آية كتب من الفائزين ، ومن قرأ خمس مائة آية كتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار ـ القنطار خمسة عشر ألف مثقال من ذهب ؛ المثقال أربعة وعشرون قيراطا ـ أصغرها مثل جبل أحد ، وأكبرها ما بين السماء والارض.» (١)

ومنها : ما عنه باسناده عن ابن القدّاح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : البيت الّذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عزوجل فيه تكثر بركته ، وتحضره الملائكة ، وتهجره الشياطين ، ويضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الارض ؛ وإنّ البيت الّذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله عزوجل فيه تقلّ بركته ، وتهجره الملائكة ، وتحضره الشياطين.» (٢)

وقريب من جملة ممّا فيه أخبار أخر ، ومنها غير ذلك.

__________________

(١) في بعض النسخ : «إلى الارض». والحديث في الكافي ، ج ٢ ، باب ثواب قراءة القرآن ، ص ٦١٢ ، ح ٥ ؛ ورواه أيضا الصدوق (ره) في ثواب الاعمال والمجالس والمعاني كما في الوسائل ، ج ٤ ، باب ١٧ من أبواب قراءة القران ، ص ٨٥١ ، ح ٢.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، باب البيوت الّتي يقرأ فيها القرآن ، ص ٦١٠ ، ح ٣ ؛ والوسائل ، ج ٤ باب ١٦ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٥٠ ، ح ٢.

١٧٥

المقدّمة الحادية عشر

في ذكر جملة ممّا ورد في آداب التّلاوة الظّاهريّة

والباطنيّة وكيفيّتها ، وما يتعلّق بذلك

والآداب المرغّب فيها كثيرة :

[استحباب النّظر في المصحف حال القرائة]

منها : النظر إلى المصحف حال القرائة وكون القرائة منه ؛ فعن الكليني باسناده عن إسحق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«قلت [له] : جعلت فداك ، إنّى أحفظ القرآن على ظهر قلبي فأقرأه على ظهر قلبى أفضل أو أنظر في المصحف؟

قال : فقال عليه‌السلام لي : بل اقرأه وانظر في المصحف ، فهو أفضل ، أما علمت أنّ النظر في المصحف عبادة؟» (١)

وعنه باسناده عن يعقوب بن يزيد رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«من قرأ القرآن في المصحف متّع ببصره ، وخفّف على والديه وإن كانا كافرين.» (٢)

وعن ثواب الاعمال روايته باسناده عنه ، عن رجل عن العوّام رفعه مثله إلا

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، باب قراءة القرآن في المصحف ، ص ٦١٣ ، ح ٥ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة الحادية عشرة ، ص ٤٤ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١٩ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٥٤ ، ح ٤.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، باب قراءة القرآن في المصحف ، ص ٦١٣ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١٩ من أبواب قراءة القرآن.

١٧٦

أنّه قال : «في المصحف نظرا.»

وزاد : وبهذا الاسناد رفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«ليس شيء أشدّ على الشيطان من القرائة في المصحف نظرا.» (١)

وعن الكلينى باسناده عن الحسن بن راشد ، عن جدّه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«قرائة القرآن في المصحف تخفّف العذاب عن الوالدين وإن كانا كافرين.» (٢)

وعن الامالي باسناده عن أبي ذرّ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

«النظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عبادة ، والنظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادة ، والنظر في الصحيفة يعني صحيفة القرآن عبادة ، والنظر إلى الكعبة عبادة.» (٣)

ولعلّ السرّ في استحبابه أنه شغل العين بملاحظة كلام الله سبحانه ، أو أنّه يورث زيادة توجّه القلب إليه ، أو أنّه يمنع العين عن شغله بغيره الصارف للقلب عنه.

[استحباب الطّهارة عند قراءة القرآن]

ومنها : الطهارة ؛ فعن عبد الله بن جعفر الحميري [ره] في قرب الاسناد ، عن

__________________

(١) ثواب الاعمال ، ص ١٢٨ و ١٢٩ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١٩ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٥٣ ، ح ١ و ٢.

(٢) راجع المصادر المذكورة في تعليقة ٢ ص ١٧٦.

(٣) أمالي الشيخ ، ج ٢ ، الجزء السادس عشر ، ص ٧٠ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١٩ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٥٤ ، ح ٥.

١٧٧

محمّد بن عبد الحميد ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال :

«سألته : أقرأ المصحف ثمّ يأخذني البول ، فأقوم فأبول وأستنجي وأغسل يدي وأعود إلى المصحف فأقرأ فيه؟ قال : لا ، حتّى تتوضّأ للصلاة.» (١)

والمراد من الوضوء للصلاة إنّما الوضوء المأتيّ به لأجله ، ويكون ذلك لأنّه أدخل في الطهارة من غيره ، أو الوضوء الّذي من شأنه أن يتوصّل به إليها وإن لم يفعله لها ، فيكون المراد هو الوضوء الرافع للحدث ، أو غير ذلك.

وعن الصدوق [ره] في الخصال باسناده عن عليّ عليه‌السلام في حديث الاربعمائة قال :

«لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتّى يتطهّر.» (٢)

وعن ابن فهد [ره] في عدّة الداعي قال : قال عليه‌السلام (٣) :

«لقارئ القرآن بكلّ حرف يقرأه في الصلاة قائما مائة حسنة ، وقاعدا خمسون [حسنة] ، ومتطهّرا في غير صلاة خمس وعشرون حسنة ، وغير متطهّر عشر حسنات. أما إنّي لا أقول «المر» ، بل بالالف عشر ، وباللام عشر وبالميم عشر ، وبالراء عشر.» (٤)

__________________

(١) قرب الاسناد ، ص ١٧٥ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١٣ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٤٧ ، ح ١.

(٢) الخصال ، ج ٢ ، حديث الاربعمائة ، ص ٦٢٧ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١٣ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٤٧ ، ح ٢.

(٣) والظاهر أن المراد من «قال عليه‌السلام» هو : جعفر بن محمد الصادق ـ عليه آلاف التحية والسلام ـ كما يظهر من رواية سبقت على هذا الحديث فى العدة.

(٤) عدة الداعى (المخطوطة) ، الباب السادس ، ص ٢٥٦ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١٣ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٤٨ ، ح ٣.

١٧٨

ولعلّ السرّ في ذلك أنّ حالة الطهارة أقرب إلى الاستفاضة بأنوار القرآن من حالة الحدث ، كما أنّ طهارة القلب عن الادناس الباطنيّة معدّ لحصول تلك الفيوضات للقارئ ، بل الظاهر أنّه أولى بالمراعات ؛ إذ هو المعنى والروح ، والطهارة الظاهريّة صورة وقالب ، وبينهما ارتباط كسائر المعاني والصور ، فلا بدّ من الجمع بينهما في تحصيل الكمال على ما يخطر بالبال ، والله العالم بحقيقة الحال.

[خفض الصّوت ورفعه ورجحان أحدهما على الآخر]

ومنها : خفض الصوت به ؛ ففي المجالس والاخبار باسناده عن أبي ذرّ ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّته له ، قال :

«يا أبا ذرّ ، أخفض صوتك عند الجنائز ، وعند القتال ، وعند القرآن.» (١)

وروى الكليني [ره] عن الباقر عليه‌السلام أنّ :

«من قرأ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) يجهر بها صوته كان كالشاهر سيفه في سبيل الله ، ومن قرأها سرّا كان كالمتشحّط بدمه في سبيل الله.» (٢)

والثاني أرفع شأنا من الاوّل.

وأمّا ما روي عن ابن إدريس في آخر السرائر بسند ظاهره الصحّة ، عن معاوية بن عمّار قال :

__________________

(١) المجالس والاخبار (الامالي) للشيخ ، ج ٢ ، المجلس الاول ، ص ١٤٦ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٢٣ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٥٨ ، ح ٣.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، باب فضل القرآن ، ص ٦٢١ ، ح ٦ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٢٣ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٥٧ ، ح ١ ؛ وهكذا رواه الصدوق (ره) في ثواب الاعمال ، ص ١٥٢.

١٧٩

«قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل لا يرى أنّه صنع شيئا في الدعاء وفي القرائة حتّى يرفع صوته.

فقال عليه‌السلام : لا بأس ، إنّ عليّ بن الحسين عليهما‌السلام كان أحسن الناس صوتا بالقرآن ، وكان يرفع صوته حتّى يسمعه أهل الدار ، وإنّ أبا جعفر عليه‌السلام كان أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان إذا قام من اللّيل وقرأ رفع [به] صوته ، فيمرّ به مارّ الطريق من السقّائين وغيرهم ، فيقومون فيستمعون إلى قرائته.» (١)

فصدره لا يدلّ على أزيد من نفي البأس عن رفع الصوت لمن كان كذلك ، وهو محتمل لنفي الكراهة وإن تضمّن ترك بعض الآداب ؛ إذ ليس كلّ ترك مستحبّ مكروها بالمعنى الشائع ، ولكونه لأجل ترجيح ما يترتّب على رفع الصوت لمن كان كذلك من تأثّر القلب أو التّحزّن وغيرهما على الخفض ، ولنفي كون السنّة الاخفات مطلقا بحيث يخرج الجهر بها عن السنّة.

وأمّا ذيله فاجهار الامامين عليهما‌السلام لأجل تنبيه السامعين وتأثيره في قلوبهم ، خصوصا على الحالة الّتي يقرئاه ، فيكون القرائة موعظة وتذكيرا في ضمن عبادة ، وهو حينئذ أرجح من ملاحظة استحباب الخفض بالقرائة ، خصوصا من الامام المنصوب لتكميل العباد ؛ لكن لا يبعد أن يكون رجحان الاسرار غير عامّ بحسب حالات القارئ وإن كان الظاهر أرجحيّة إخفاء العبادات المندوبة ؛ إذ النسبة بين

__________________

(١) السرائر ، باب النوادر (المستطرفات) ، ص ٤٨٤ ، وقد نقله من كتاب نوادر المصنفين لمحمد بن علي بن محبوب الاشعري الجوهري القمي ؛ وهكذا في الوسائل ، ج ٤ ، باب ٢٣ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٥٨ ، ح ٢ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب قراءة القرآن بالصوت الحسن ، ص ١٩٤ ، ح ٩.

١٨٠