مجد البيان في تفسير القرآن

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي

مجد البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٣

تبيان (١) لشيعتنا» (٢).

والأخبار فيما عنونّا به المقدّمة كثيرة ، كما نقله في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ممّا اقتبسناه في خطبة الكتاب ، فانّ جلّها أو كلّها مأخوذة منه متبرّكين به.

ولنقتصر من ذلك الكثير بهذا القليل.

فانظر الآن أيّها البصير إلى أنّ الله سبحانه على ما هو عليه من عزّ صفاته أهّلك لمخاطبته ومكالمته ، ووجّه خطابه وكلامه إليك ، وألّف كتابا لك ، وأرسله إليك على لسان أحبّ خلقه وأقربهم إليه ، وجعله الرسول المبلّغ له ، ثمّ جعل له حملة حفظة هم أقرب خلق الله إليه سبحانه بعد رسوله ، فلاحظ شأن المتكلّم ومؤلّف الكتاب ، ثمّ شأن مبلّغه ، تمّ شأن حامله بقدر معرفتك وسعة وعائك ، حتّى يظهر لك شأن الكتاب على حسب فهمك. وإلّا فلن تصل إلى أزيد من جزء واحد من أجزاء غير متناهية من شأن واحد من الثلاثة فضلا عن الأوّل. فان كنت عبد الله فكن مستمعا لكلامه ، متوجّها نحو خطابه ، متدبّرا في كتابه ، مهتديا بهداه ، آخذا به ، متّبعا له.

واعلم أنّ كلّ كتاب مصنّف (٣) تابع في الكمال والنقصان لمصنّفه في المرتبة فكلّ من كان أكمل علما وفضلا كان كتابه أكمل ، وكلّ موعظة لفظيّ أو كتبيّ تابعة لواعظه ، فمن كان أعلم بجهات الوعظ وأقدر وأرحم بالمخاطبين ، كان وعظه أعلى وأجلّ وأنفع ، وكلّ من كان أعلم بسرائر المخاطبين وأشفق بهم ، كان كلامه أنفع لهم.

__________________

(١) في بعض النسخ : «البيان».

(٢) القمّيّ ، ج ١ ، ص ٣٠ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٥٣.

(٣) المخطوطة : «كتاب كلّ مصنّف».

٢١

وبالجملة فالكلام تابع لصفة المتكلّم كاشف عنه ، ألا ترى أنّ من لم يكن مطّلعا على حال عالم من حيث العلم والحال إذا نظر إلى كتابه عرف به حال المصنّف؟ فمن هذا الميزان يصحّ أن يعرف البصير كلام الله سبحانه من غيره ، فيعلم به أنّه لا يقدر أحد وصف كتاب الله صورة ومعنى كما لا يحصي أحد وصف الله سبحانه وثنائه فان كنت لا تعرف في كتاب الله سبحانه ما وصفناه لك فاعلم أنّ النقص فيك وفي بصيرتك ، وأنّك محتجب عنه بحجاب ؛ لا أنّه ناقص في البيان والهداية ، والنقص منك لا منه ، فاجتهد في رفع حجابك ، وألق السمع وأنت شهيد.

[أسماء القرآن]

واعلم أنّ للقرآن صفات كثير [ة] وصفه بها (١) سبحانه ، يشهد بحقيقتها العارفون ، ينتزع منها أسماء كثيرة للقرآن على ما جمعه بعض العلماء (٢) وإن كان في بعضها بعض الاحتمال :

منها : «الفرقان» ؛ قال تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ.)(٣) والظاهر إرادة معنى الفرق والفصل بين الحقّ والباطل.

ومنها : «التذكرة» و «الذكرى» و «الذكر» ؛ قال تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)(٤) ، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(٥) ، بضميمة : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ

__________________

(١) المخطوطة : «به».

(٢) كثير من العلماء والمفسّرين ذكروا أسماء القرآن وصفاته في كتبهم ، وبيّنوا معانيها ونكتها ؛ منهم : فخر الدين الرازي في تفسيره. وقد يحتمل أنّ المؤلّف (قده) قد أخذ هذه الأسماء عنه باعتبار ترتيب بيانها وتفسير بعضها على ما ذكره ، فراجع تفسير الكبير ، ج ١ ، ص ٢٣٨ ـ ٢٤١.

(٣) الفرقان / ١.

(٤) الحاقّة / ٤٨.

(٥) الذاريات / ٥٥.

٢٢

يَخافُ وَعِيدِ)(١) ، (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)(٢). وفسّر بأنّه ذكر من الله سبحانه ، ذكّر به سبحانه عباده أو شرّف وفخر.

ومنها : «التنزيل» ؛ قال تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ.)(٣) دلّ على أنّه نزل من مقام شاهق إلى هذه الدار.

ومنها : «الحديث» ؛ قال الله سبحانه : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ.)(٤) قيل : «شبّهه بما يتحدّث به ، فانّ الله تعالى خاطب به المكلّفين.» والاولى تبديل الاسم بأحسن الحديث.

ومنها : «الموعظة» ؛ قال تعالى : (قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ.)(٥)

ومنها : «الحكم» و «الحكمة» و «الحكيم» و «المحكم» ؛ قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا)(٦) ، (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ)(٧) ، (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ)(٨) ، (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ)(٩).

ومنها : «الشفاء» و «الرحمة» ؛ قال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(١٠).

__________________

(١) ق / ٤٥.

(٢) الزخرف / ٤٤.

(٣) الشعراء / ١٩٢.

(٤) الزمر / ٢٣.

(٥) يونس / ٥٧.

(٦) الرعد / ٣٧.

(٧) القمر / ٥.

(٨) يس / ٢.

(٩) هود / ١.

(١٠) الاسراء / ٨٢.

٢٣

ومنها : «الهدى» و «الهادي» : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(١) ، (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)(٢).

ومنها : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) : قال تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً)(٣).

ومنها : «حبل الله» : قال سبحانه : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً)(٤).

ومنها : «الروح» : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا)(٥). ولعلّه باعتبار أنّه سبب لحياة الأرواح ، كما أنّ بالروح حياة الأبدان.

ومنها : «القصص» : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)(٦). ولك تبديله بالقاص : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ.)(٧)

ومنها : «البيان» و «التبيان» و «المبين» : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ)(٨) ، (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(٩) ، (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ.)(١٠)

ومنها : «البصائر» : (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ.)(١١).

ومنها : [الفصل](١٢) : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ.)(١٣)

ومنها : «النجوم» : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ.)(١٤) ولعلّه لأنّه نزل نجما نجما.

ومنها : «المثاني» : (مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ.)(١٥) ولعلّه

__________________

(١) البقرة / ٢.

(٢) الاسراء / ٩.

(٣) الأنعام / ١٥٣.

(٤) آل عمران / ١٠٣.

(٥) الشورى / ٥٢.

(٦) آل عمران / ٦٢.

(٧) النمل / ٧٦.

(٨) آل عمران / ١٣٨.

(٩) النحل / ٨٩.

(١٠) يوسف / ١ ؛ والشعراء / ٢ ؛ والقصص / ٢.

(١١) الأعراف / ٢٠٣.

(١٢) أضفناها قياسا ، وهي موجودة في تفسير الكبير.

(١٣) الطارق / ١٣.

(١٤) الواقعة / ٧٥.

(١٥) الزمر / ٢٣.

٢٤

لأنّه يثنّى فيه القصص والأخبار.

ومنها : «النعمة» : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.)(١) على ما روي عن ابن عبّاس من تفسيره بالقرآن.

ومنها : «البرهان» : (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ.)(٢)

ومنها : «البشير» و «النذير» : «قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً.» (٤)

ومنها : «القيّم» : (قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً.)(٥)

ومنها : «المهيمن» : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ ، وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ.)(٦)

ومنها : «النور» : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ.)(٧)

ومنها : «الحقّ» : (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ.)(٨)

ومنها : «العزيز» : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ.)(٩)

ومنها : «الكريم» : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ.)(١٠)

ومنها : «العظيم» : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.)(١١)

ومنها : «المبارك» : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ.)(١٢)

فانظر بعين التأمّل إلى صفات القرآن ، واعرف صدق ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام من أنّه : «ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبله من غنى» (١٣) ، فانّك محتاج إلى فرقان يفرق بين الحقّ والباطل في ظلمة هذه الدار الّتي لا بدّ

__________________

(١) الضحى / ١١.

(٢) النساء / ١٧٤.

(٣) في المخطوطة : «يعقلون».

(٤) فصّلت / ٣ ـ ٤.

(٥) الكهف / ٢.

(٦) المائدة / ٤٨.

(٧) الأعراف / ١٥٧.

(٨) الحاقّة / ٥١.

(٩) فصّلت / ٤١.

(١٠) الواقعة / ٧٧.

(١١) الحجر / ٨٧.

(١٢) ص / ٢٩.

(١٣) نهج البلاغة ، خ ١٧٦ ، ص ٢٥٢ ، وقد مرّ في خطبة الكتاب.

٢٥

من تحصيل الزاد أشدّ من جميع ما تحتاج إليه وهو الفرقان ، وإلى مذكّر لك يذكّرك ربّك ومنسيّ نعمته وما نسيته من عهدك الأوّل ، ويرفع غشاوة الغفلة والنسيان عليك ، وهو الذكر والتذكرة ، وإلى ما في العالم الاعلى لترتبط به ، وتتخلّص من هذه الدار ، وقد نزل إليك التنزيل ، وإلى حديث تستمع له وهو أحسن الحديث ، وإلى موعظة تتّعظ بها وهو الموعظة ، وإلى حكم وحكمة بالغة موصوف بالحكمة محكم الآيات وهو الحكم العربيّ والحكمة البالغة والقرآن الحكيم المحكم الايات ، وإلى شفاء تستشفي به من أمراضك الروحانيّة من الجهل والكفر والأخلاق الرذيلة والعادات السّيئة ، الّتي تؤدّيك إلى موت روحانيّ أبديّ ، وأمراضك الجسمانيّة ، وهو الشفاء لما في الصدور ، وشفاء بقول مطلق ، والى رحمة ترحمه بها ؛ لأنّك محتاج بجميع الشؤون والجهات ، وهو رحمة للمؤمنين بقول مطلق ، وإلى هداية تستهدي بها في ظلمة هذه الدار لمصالحك ، وهو الهدى والهادي إلى صراط مستقيم تصل باتّباعه إلى المقصد الأصليّ ، وهو الصراط المستقيم ، الّذي من تبعه نجى ، وإلى حبل يربطك إلى عالم القدس لينجذب به روحك إليه ، ويبقى معلّقة به ، كما ورد في شأن الخواصّ : أنّهم «صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالملأ الاعلى» (١) ، ويعتصم به من رياح الأهواء وأمواج الفتن ، وهو حبل الله المتين ، وإلى روح تحيي به حياة باقية حقيقة ، فانّك ميّت معنى وإن كنت حيّا صورة ، و «الناس موتى وأهل العلم أحياء» (٢) ، وهو روح نزل من عالم الامر الاعلى ، وإلى قاصّ يقصّ عليك القصص ، وهو المشتمل على أحسن القصص ، وإلى بيان

__________________

(١) الكلام لأمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ، فراجع نهج البلاغة ، ح ١٤٧ ، ص ٤٩٧ ؛ وتحف العقول ، ص ١١٤ ، وفيهما : «المحلّ» مكان «الملأ».

(٢) اشارة إلى قول أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في الديوان المنسوب ذيل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «الناس من جهة التمثال أكفاء ...».

٢٦

وتبيان يتبيّن به ما خفى عليك ممّا لا يحصيه إلّا الله سبحانه ، ويبيّنه لك ، وهو البيان للناس ، والتبيان لكلّ شيء ، والمبين بكلمة مطلقة ، وإلى بصائر تستبصر بها فيما خفي على بصيرتك وهي البصائر ، وإلى قول فصل يفصّل لك ما التبس عليك بين الحقّ والباطل من كلّ شيء ، وهو القول الفصل ، وإلى نجوم معنويّة تستضيىء بها في ديجور هذا اللّيل الّذي أنت فيه ، وآياته نجم نجوم كذلك ، وإلى تكرير الكلام ليتقرّر ويتثبّت في نفسك وهو المثاني ، وإلى ما يرعد فرائصك ويقرع سمعك بكلام عظيم ليوحشك عن هذه النشأة ويخرجك عنها ، وما يؤنسك إلى ذكر الله ، ويلين قلبك القاسية ، وهو الّذي يقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ، ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ، وإلى نعمة روحانيّة يتنعّم بها روحك ، وهو النعمة من ربّك ، وإلى برهان تبرهن به في المعارف والعلوم لدفع شبهات شياطين الجنّ والانس ، وتظفر به على من خالف الحقّ ، وهو البرهان النازل من الربّ ، وإلى مبشّر يبشّرك بالثواب على الخيرات ، ومنذر يخوّفك عن الموبقات ، فانّك كالطفل في عمل الآخرة ، تحتاج دائما إلى ترغيب وترهيب لتجتهد في كسبها ، وتتّقي من ضررها ، وهو البشير والنذير ، وإلى كتاب قيّم لاعوج فيه ، حتّى يقام ويعدل به سائر المطالب ، الّتي ترد عليك من داخل وخارج ، وهو القيّم ؛ حتّى ورد في جملة من الأخبار عرض الروايات على الكتاب وطرح ما يخالفه والأخذ بما يوافقه (١) ، وإلى مهيمن على الكتب السابقة ، إمّا بشهادة على صحّتها حتّى تؤمن بما انزل من قبلك ، أو يؤمنك على عدم بطلان فيه ، وإمّا باحاطته على ما فيها حتّى تكتفي به عنها ، ولا تحتاج إليها بعده ، وهو المهيمن للكتاب الّذي بين يديه ، وإلى نور تستنير به في الكلام على ما سبق وهو النور ، وإلى عزيز يمنع نادر الوجود لم يوجد مثله ، أو يمنع الشكوك والأباطيل ويدفعها ،

__________________

(١) ستأتي في المقدّمة الثانية.

٢٧

أو يمنع المنقطع إليه المتخلّق من كلّ آفة وسوء ، أو ذو عزّة ورفعة شأن حتّى يسرى منه العزّة إلى حامله ، وهو الكتاب العزيز ، وإلى كريم يكرم عليك ما تحتاج إليه ، يدرّ الأرزاق الصوريّة والمعنويّة ، ويعطيك المواهب الجسمانيّة والروحات ، وهو الكتاب الكريم ، وإلى عظيم يجبر به هونك وذلّتك في الدين والدنيا والآخرة ، وهو الكتاب العظيم ، وإلى بركات كثيرة ، ظاهريّة وباطنيّة ، سماويّه وأرضيّة ، يفتح عليك ؛ كما في قوله تعالى : (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ)(١) ، وهو الكتاب المبارك.

ولعلّك تفهم ممّا ذكرناه بعض وجوه تجلّي الحقّ سبحانه في كتابه الوارد في الأحاديث إن كنت عالما بمعني التجلّي ، فانّه سبحانه ظهر في كلامه باسم «الفاضل» و «الفاصل» و «المذكّر» و «المنزل» و «الحكيم» و «الشافي» و «الرحيم» و «الهادي» و «المحيي» و «المبين» و «المنعم» و «القيّوم» و «المهيمن» و «النور» و «العزيز» و «الكريم» و «العظيم» ، وسيأتي بيان هذه الاشارة في نظائره ـ إن شاء الله تعالى ـ.

فان قلت :

إنّا لا نجد كثيرا ممّا ذكرت في وصف القرآن في أوّل المقدمة إلى هنا ، ولم نسمع بمن وجد ذلك ، فما وجه صحّة هذه الدعاوي؟

قلت :

ليس معنى وجود الخاصيّة في الشيء أنّ هذا الشيء بأيّ وجه أخذ وفي أيّ حال وعلى أيّ صفة ومقترنا بأيّ شيء ومفترقا عن أيّ شيء له تلك الخاصيّة ، بل معناه في مثل المقام أنّ من كان بصفة كذا إذا أخذ الجزء المعيّن وصنع به كذا ، بشرط كذا وارتفاع مانع كذا ، يحصل منه كذا ، فانّ لكلّ شيء شروطا

__________________

(١) الأعراف / ٩٦.

٢٨

وموانع ومكملات وحدودا وموازين وقواعد لا يطّلع عليه إلّا من كان من أهله ، أو أخذه عنه ، ولا ينتفع به إلّا من كان محلّه قابلا له إذا أتى به بشروطه وموازينه بحسب الخصوصيّات المرتبطة بذلك المورد كمالا ونقصانا. فللشمس نور ظاهر بنفسه ، لكنّ الأعمى لا يبصره ولا يستنير به ، ومستحقّ للأجسام ، ومن ابتدأ به نوبة الربع غير مستحقّ به مربّي للنباتات والنبات الّذي بعد عهده عن الماء يهزل به ، ومنضج للثمار لكنّ الثمرة الّذي ضرّ به البرد لا تنضج به ، وما كان محتجبا عن نور الشمس لا ينتفع به. وطريق التصديق بما ذكر إمّا بملاحظة الآيات والأخبار الواردة في المقام مع جودة التفكّر فيها ، والاطّلاع على معانيها فيما اشتملت عليه منها بظاهرها ، إن كنت مؤمنا بظاهر الثقلين وباطنهما إجمالا موقّتا بأنّ شيئا منها غير مبنيّ على المجازفات الشعريّة ، وإنّه حقّ اليقين ، وإمّا تصديق أهل الخبرة فيها تقليدا لهم ، وإمّا تحصيل أهليّة الاطّلاع على تلك الاوصاف ، كلّ على حسب مقامه ليظهر لك كلّ منها بطريق الوجدان.

وسنذكر بعض شرح ذلك في المواضع المناسبة ـ إن شاء الله تعالى ـ بحسب المقدار السانح بالبال. أو لست من أهل إدراك حقائق تلك الاوصاف وحقائقها؟ لعلّه ينبّه الطالب المستعدّ ليشتغل فى طلبها والتأهل لظهورها فيه حتّى يجدها.

٢٩

المقدّمة الثّانية

في ذكر جملة ممّا جاء في المنع من تفسير القرآن

بالرأي ، وما يترائى منه بترك تفسيره بغير ما ورد

عن أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ ، وأنّ من عداهم

لا يعلمون شيئا منه ، وما أشبه ذلك ، وتحقيق ذلك

[نبذة من الروايات التي تدلّ على أنّ علم القرآن كلّه عند أهل البيت عليهم‌السلام]

قال الله سبحانه بعد ذكر أنّ من آيات الكتاب محكمات :

(هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا.)(١)

وقوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ) يحتمل كونه معطوفا على اسم الجلالة ، يكونون ممّن استثناهم عن عدم علم تأويله ، وهو الظاهر من جملة من الاخبار (٢). يحتمل كونه مبتدأ خبره «يقولون».

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه :

__________________

(١) آل عمران / ٧.

(٢) كما ذهب اليه جمهور علماء الشيعة ، وعقد محمد بن الحسن الصفار (ره) في بصائر الدرجات بابين أورد فيهما روايات تدل عليه ، فراجع الجزء الرابع ، باب ٧ و ١٠ والروايات في ذلك خارج عن حدّ الاحصاء ومن أرادها فليراجع التفاسير وكتب الحديث.

٣٠

«من فسّر القرآن برأيه فأصاب الحق ، فقد أخطأ.» (١)

ولعلّ المراد أنّه إن أصاب الواقع اتّفاقا فقد أخطأ في الطريق ، أو أنّه أخطأ طريق السداد أو النجاة من المهالك ، أو مار وأخطأ خطيئة.

وعن الكافي ، عن الصّادق ، عن أبيه عليهم‌السلام قال :

«ما ضرب [رجل](٢) القرآن بعضه ببعض إلا كفر.» (٣)

وروي العامّة عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«من قال في القرآن بغير علم ، فليتبوّء مقعده من النار.» (٤)

وروي عنه وعن الائمّة القائمين مقامه عليهم‌السلام :

«أنّ تفسير القرآن لا يجوز إلا بالاثر الصحيح والنصّ الصريح.» (٥)

وعن الشيخ الطوسي [ره] باسناده عن عبيدة السلماني ، قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول :

__________________

(١) سنن الترمذي ، ج ٤ ، باب ١ من ابواب تفسير القرآن. ص ٢٦٨. رقم ٤٤٠٢٤ وسنن ابي داود ، ج ٣ ، كتاب العلم ، ص ٣٢٠ ، رقم ٣٦٥٢ ؛ وهكذا نقله الفيض (ره) في الصافي ، ج ١ ، المقدمة الخامسة ، ص ٢١ ؛ والمجلسي (رض) في البحار ، ج ٩٢ ، باب تفسير القرآن بالرأي ، ص ١١١ ، ح ٢٠ ، عن «منية المريد».

(٢) سقط في المخطوطة.

(٣) الكافي ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٣٢ ، ح ١٧ ؛ والعياشي ، ج ١ ، ص ١٨ ، ح ٢ ؛ وهكذا في المحاسن وثواب الاعمال ومعاني الاخبار.

(٤) اخرجه الترمذى فى سننه ، ج ٤ ، باب ١ من ابواب تفسير القرآن ، ص ٢٦٨ ، رقم ٤٠٢٢ ؛ ونقله الفيض (ره) في الصافي ج ١ ، المقدمة الخامسة ، ص ٢١ ؛ والمجلسي (ره) في البحار ، ج ٩٢ ، باب تفسير القرآن بالرأي ، ص ١١١ ، ح ٢٠ ، عن منية المريد.

(٥) راجع التبيان ، ج ١ ، المقدمة ، ص ٤ ؛ ومجمع البيان ، ج ١ ، المقدمة ، الفنّ الثالث ، ص ١٣ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة الخامسة ، ص ٢١.

٣١

«(يا أَيُّهَا النَّاسُ ، اتَّقُوا اللهَ) ، (ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون ،) فانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قال قولا آل منه إلى غيره ، وقد قال قولا من وصعه غير موضعه كذب عليه.

فقام «عبيدة» و «علقمة» و «الاسود» واناس معهم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، فما نصنع بما قد خبّرنا به في المصحف؟ فقال : يسئل عن ذلك علماء آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله(١)

وعن التفسير المنسوب إلى الامام العسكري ، عن آبائه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث أنّه قال :

«أتدرون متى يوفّر (٢) على المستمع والقارئ هذه المثوبات العظيمة؟ إذا لم يقل في القرآن برأيه ، ولم يجف عنه ، ولم يستأكل به ، ولم يراء به.

وقال : عليكم بالقرآن! فانّه الشفاء النافع ، والدواء المبارك ، عصمة لمن تمسّك به ، ونجاة لمن اتّبعه.

ثمّ قال : أتدرون من المتمسّك به ، الّذي يتمسّكه ينال هذا الشرف العظيم؟ هو الّذي يأخذ القرآن وتأويله عنّا أهل البيت ، وعن وسائطنا السفراء عنّا إلى شيعتنا ، لا عن آراء

__________________

(١) التهذيب ، ج ٤ ، باب من الزيادات في القضايا والاحكام ، ص ٢٩٥ ، ح ٨٢٣ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ٤ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٣ ، ح ١٩ ؛ وايضا رواه الصفار (ره) في البصائر ، الجزء الرابع ، باب ٧ ، ص ١٩٦ ، ح ٩ ، بهذا الاسناد ؛ وهكذا في البحار ، ج ٢ ، باب النهي عن القول بغير علم ، ص ١١٣ ، ح ١ ، عن كتاب «عاصم بن حميد» باختلاف يسير في الالفاظ.

(٢) في بعض النسخ : «يتوفر».

٣٢

المجادلين. وأمّا من قال في القرآن برأيه ، فان اتّفق له مصادفة صواب فقد جهل في أخذه عن غير أهله ، وإن أخطأ القائل في القرآن برأيه ، فقد تبوّء مقعده من النار.» (١)

وعن الكافي ، عن الصّادق عليه‌السلام في رسالته الطويلة إلى أصحابه ، المرويّة بعدّة طرق :

«إنّ الله أتمّ لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا أنّه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس. قد أنزل الله القرآن ، وجعل فيه تبيان كلّ شيء ، وجعل للقرآن وتعلّم القرآن أهلا لا يسع أهل علم القرآن ، الّذين آتاهم الله علمه ، أن يأخذوا في دينهم (٢) بهوى ولا رأي ولا مقائيس وهم أهل الذكر ، الّذين أمر الله الامّة بسؤالهم.» (٣)

وعن الصدوق [ره] في عدّة من كتبه باسناده عن الرضا عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال :

«قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله جلّ جلاله : ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبّهني بخلقي ،

__________________

(١) تفسير العسكري عليه‌السلام ، المقدمة ، ص ٤ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب فضل حامل القرآن ص ١٨٢ ، ح ١٨.

(٢) في بعض النسخ : «فيه» بدل «في دينهم».

(٣) الكافي ، ج ٨ ، ص ٥ ، ح ١ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ٦ من ابواب صفات القاضي ، ص ٢٢ ، ح ٢.

٣٣

وما على ديني من استعمل القياس في ديني.» (١)

وعنه عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال ل «أبي حنيفة» (٢) :

«أنت فقيه أهل العراق؟ قال : نعم. قال : فبم تفتيهم؟ قال : بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال : يا أبا (٣) حنيفة ، تعرف كتاب الله حقّ معرفته؟ وتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : نعم.

قال : يا أبا حنيفة ، لقد ادّعيت علما ، ويلك! ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب ، الّذين أنزل عليهم ؛ ويلك! ولا هو إلا عند الخاصّ من ذريّة لبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما ورثك الله من كتابه حرفا.» (٤)

__________________

(١) رواه في التوحيد ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، ص ٦٨ ، ح ٢٣ ؛ والعيون ، ج ١ ، باب ما جاء عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ في التوحيد ، ص ٩٥ ، ح ٤ ؛ والامالي ، وهكذا في البحار ، ج ٢ باب البدع والرأي والمقائيس ، ص ٢٩٧ ، نقلا عنهم.

(٢) وهو : نعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه مولى «تيم الله بن ثعلبة» الكوفي ، احد الائمة الاربعة السنية ، صاحب الرأي والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه ، ومن الذين ردوا كثيرا من أحاديث رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وضيعوها كما قيل. وروي عن الامام مالك قال : «كانت فتنة أبي حنيفة أضرّ على هذه الامة من فتنة ابليس.» وروي : «انه كان رأس المرجئة.» (الكنى والالقاب).

أقول : هو أشهر من أن نطيل الكلام فيه. ومن أراد أن يطلع على ترجمته أكثر من هذا فليراجع كتب الرجال.

(٣) في المخطوطة : «ابي».

(٤) رواه الصدوق (ره) فى العلل ، ج ١ ، باب ٨١ ، ص ٨٩ ، ح ٥ ، والمجلسي (رض) في البحار ، ج ٢ ، باب البدع والراي والمقائيس ، ص ٢٩٢ ، ح ١٣.

٣٤

وعن العيّاشي ، عن عمّار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الحكومة ، فقال :

«من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ، ومن فسّر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر.» (١)

وعن الكليني [رض] باسناده إلى منصور بن حازم فيما حكاه للصادق عليه‌السلام من مكالمته للناس :

«قلت لهم : فحين مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كان الحجّة لله على خلقه؟ قالوا : القرآن ، فنظرت في القرآن فاذا هو يخاصم المرجىء (٢) والعدويّ (٣) والزنديق (٤) الّذي لا يؤمن به حتّى يغلب الرجال بخصومته ، فعرفت أن القرآن لا يكون حجّة إلا بقيّم (٥) ، فما قال فيه من شيء كان حقّا ـ إلى أن قال : ـ فأشهد أنّ عليّا عليه‌السلام كان قيّم القرآن ، وكانت طاعته مفترضة ، وكان الحجّة على الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

(١) العياشي ، ج ١ ، ص ١٨ ، ح ٦ ؛ والبرهان ، ج ١ ، باب النهي عن تفسير القرآن ص ١٩ ، ح ١٣ ، وهكذا فى البحار والوسائل.

(٢ و ٣ و ٤) في الكافي : «القدري» مكان «العدوي» وهو الظاهر ، وقد تطلق هذه الاسماء على اصحاب فرق «المرجئة» و «القدرية» و «الزنادقة».

(٥) قال المولى صالح المازندراني (ره) فى شرحه على الكافي ، ج ٥ ، ص ١٠٥ : «قوله : «الا بقيم» ، فى الفائق : قيم القوم من يقوم بسياسة امورهم. والمراد به هنا من يقوم بأمر القرآن ويعرف ظاهره وباطنه ، ومجمله ومؤوّله ، ومحكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه بوحي الهي ، أو بالهام رباني ، او بتعليم نبوي.»

٣٥

وأنّ ما قال في القرآن فهو حقّ.

فقال ـ يعنى الصّادق عليه‌السلام ـ : رحمك الله.» (١)

وعن الكافي باسناده إلى زيد الشحّام ، قال : دخل «قتادة بن دعامة» (٢) على أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال :

«يا قتادة ، أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال : هكذا يزعمون. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : بلغني أنّك تفسّر القرآن؟ فقال له قتادة : نعم.

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : فان كنت تفسّره بعلم فأنت أنت (٣) وأنا أسئلك ـ إلى أن قال أبو جعفر عليه‌السلام : ـ ويحك يا قتادة إن كنت إنّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد فسّرته (٤) من الرجال ، فقد هلكت وأهلكت ـ إلى أن قال : ـ ويحك يا قتادة! إنّما يعرف القرآن من خوطب به.» (٥)

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة له ، قال :

__________________

(١) الكافي ، ج ١ ، باب الاضطرار إلى الحجة ، ص ١٦٨ ، ح ٢ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من ابواب صفات القاضي ، ص ١٢٩ ، ح ١ ، نقلا عنه.

(٢) هو من مشاهير محدثى العامة ومفسريهم ، روى عن «انس بن مالك» و «ابي الطفيل» و «سعيد بن المسيب» و «الحسن البصري». وقال الخزرجي في «تذهيب الكمال» : «قتادة بن دعامة السدوسي ، أبو الخطاب البصري الاكمه ، أحد الائمة الاعلام ، حافظ ، مدلس.»

(٣) أي : أنت المفسر الذي يجوز له التفسير والرجوع اليه ، والحاصل : أنت كامل فى العلم. كما قال المولى صالح المازندراني (ره) في شرحه على الكافي ، ج ١٢ ، ص ٤١٥.

(٤) في بعض نسخ الكافي : «أخذته».

(٥) الكافي ، ج ٨ ، ص ٣١١ ، ح ٤٨٥ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة الثانية ص ١٢.

٣٦

«إنّ علم القرآن ليس يعلم ما هو إلا من ذاق طعمه ، فعلم بالعلم جهله ، وبصر به عماه ، وسمع به صممه ، وأدرك به ما قد فات (١) ، وحيي به بعد إذ (٢) مات ، فاطلبوا ذلك من عند أهله وخاصّته ، فانّهم خاصّة نور يستضاء به ، وأئمّة يقتدى بهم ؛ هم عيش العلم وموت الجهل ، وهم الّذين يخبركم حلمهم (٣) عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم ؛ لا يخالفون الحقّ ، ولا يختلفون فيه.» (٤)

وعن الصدوق [رض] ، عن ابن عبّاس ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة له يذكر فيها بعض فضائل عليّ عليه‌السلام ومراتبه :

«إنّ الله أنزل القرآن (٥) وهو الّذي من خالفه ضلّ ، ومن يبتغي علمه عند غير عليّ هلك.» (٦)

وعن الصّادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام :

__________________

(١) في بعض نسخ الكافي : «علم ما فات».

(٢) في المخطوطة : «اذا».

(٣) في بعض نسخ الكافي : «حكمهم».

(٤) رواه الكلينى (قده) فى الكافى ، ج ٨ ، ص ٣٨٦ ، ح ٥٨٦ ؛ والحر العاملى (ره) فى الوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضى ، ص ١٣٧ ، ح ٢٦ ، وهكذا روى السيد الرضى (رض) من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «هم عيش العلم ـ الخ» ، الذى تقدم فى خطبة الكتاب ، في نهج البلاغة ، خ ١٤٧ ، ص ٢٠٦ ، وخ ٢٣٩ ، ص ٣٥٧ ، فراجع.

(٥) في الامالى والوسائل : «علىّ القرآن».

(٦) الامالى ، المجلس الخامس عشر ، ص ٦٤ ، ح ١١ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضى ، ص ١٣٧ ، ح ٢٩.

٣٧

«إنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن عليّ عليهما‌السلام يسئلونه عن الصمد ، فكتب إليهم :

بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلّموا فيه بغير علم ، فانّي سمعت جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من قال في القرآن بغير علم ، فليتبوّء مقعده من النار.» (١)

وعن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«لعن الله المجادلين في دين الله على لسان سبعين نبيّا ، ومن جادل في آيات الله كفر (٢) ؛ قال الله : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا.)(٣) ومن فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب ، ومن أفتى النّاس بغير علم لعنته ملائكة السموات والارض ـ الحديث.» (٤)

وعن البرقي [ره] في المحاسن عن المعلّى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام في رسالة له :

«فأمّا ما سألت عن القرآن ، فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة ؛ لأنّ القرآن ليس على ما ذكرت ، وكلّ

__________________

(١) التوحيد ، باب تفسير قل هو الله أحد ، ص ٩٠ ، ح ٥ ، والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٤٠ ، ح ٣٥.

(٢) في الاكمال : «فقد كفر».

(٣) الغافر / ٤.

(٤) اكمال الدين ، باب ٢٤ ص ٢٥٦ ، ح ١ ، والبرهان ، ج ١ باب في النهي عن تفسير القرآن بالرأي ، ص ١٧ ، ح ١.

٣٨

ما سمعت فمعناه على غير (١) ما ذهبت إليه ، وإنّما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ، ولقوم يتلونه حقّ تلاوته ، وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه.

وأمّا غيرهم ، فما أشدّ إشكاله عليهم وأبعد (٢) من مذاهب قلوبهم ؛ ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّه ليس شيء أبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن.» وفي ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلا من شاء الله. وإنّما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه ، وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والناطقين عن أمره ، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم. ثمّ قال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.)(٣)

فأمّا عن غيرهم ، فليس يعلم ذلك أبدا ولا يوجد ، وقد علمت أنّه لا يستقيم أن يكون الخلق كلّهم ولاة الامر ؛ لأنّهم (٤) لا يجدون من يأتمرون عليه ، ومن يبلغونه أمر الله ونهيه ، فجعل الله الولاة خواصّ ليقتدى بهم ، فافهم ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ.

وإيّاك وإياك وتلاوة القرآن برأيك! فانّ النّاس غير

__________________

(١) في بعض النسخ : «فمعناه غير».

(٢) في الوسائل : «أبعده».

(٣) النساء / ٨٣.

(٤) في بعض النسخ : «اذ».

٣٩

مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الامور ، ولا قادرين على تأويله إلا من حدّه وبابه الّذي جعله الله له ، فافهم ـ إن شاء الله ـ ، واطلب الامر من مكانه تجده ـ إن شاء الله ـ.» (١)

وعن الطبرسي في احتجاج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير على مفسّر كتاب الله والداعي إليه إلى أن قال :

«معاشر النّاس! تدبّروا [القرآن] وافهموا آياته ، وانظروا في محكماته ، ولا تتّبعوا متشابهه ، فو الله لن يبيّن لكم زواجره ، ولا يوضح لكم عن تفسيره (٢) إلا الّذي أنا آخذ بيده.» (٣)

وعن بشارة المصطفى ، عن الحسن عليه‌السلام في خطبته لمعاوية :

«نحن حزب الله الغالبون ـ إلى أن قال : ـ والمعوّل علينا في تفسيره لا نتظنّى تأويله ، بل نتّبع حقائقه ، فأطيعونا ـ الحديث.» (٤)

__________________

(١) المحاسن ، ج ١ ، كتاب مصابيح الظلم ، باب ٣٦ ، ص ٢٦٨ ، ح ٣٥٦ ، والوسائل ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٤١ ، ح ٣٨.

(٢) في الاحتجاج : «لكم تفسيره».

(٣) الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٧٥ ، والوسائل ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٤٢ ، ح ٤٣.

(٤) بشارة المصطفى ، ص ١٠٦ ، عن هشام بن حسان ، عنه ـ عليه‌السلام ـ ، والوسائل ج ١٨ ، باب ١٣ من ابواب صفات القاضي ، ص ١٤٤ ، ح ٤٥ ، وروى الطبرسى (ره) في الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٢٢ ، عن موسى بن عقبة ، عن الحسين بن علي ـ عليهما‌السلام ـ نحوه ، الذي سيجيء في المقدّمة السادسة ـ إن شاء الله تعالى ـ.

٤٠