مجد البيان في تفسير القرآن

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي

مجد البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٣

وعن تفسير فرات بن إبراهيم ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث كلامه مع «عمرو بن عبيد» ، قال :

«وأمّا قوله تعالى : (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى)(١) ، فانّما على النّاس أن يقرؤا القرآن كما انزل ، فاذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا يا عمرو ـ الحديث.» (٢)

وعن العيّاشي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يوجر ، وإن أخطأ خرّ (٣) أبعد من السماء» (٤)

وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : الله أعلم ؛ إن الرجل ينتزع (٥) الآية ، فيخرّ فيها (٦) أبعد ما بين السماء والارض.» (٧) وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«إيّاكم والخصومة! فانّها تحبط العمل وتمحق الدين ؛

__________________

(١) طه / ٨١.

(٢) تفسير فرات ، ص ٩١ ، والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضى ص ١٤٩ ، ح ٦٤. ينتهي الحديث فيما بأيدينا من المصادر المذكورة إلى كلمة «عمرو» فلا يصح أخذ لفظ «الحديث» كما استعمله المؤلف (ره).

(٣) في بعض النسخ : «فهو».

(٤) العياشي ، ج ١ ، ص ١٧ ، ح ٤ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب تفسير القرآن بالرأي ص ١١٠ ح ١٣ ، والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٤٩ ، ح ٦٦.

(٥) في بعض نسخ العياشى : «ينزع».

(٦) في بعض نسخ العياشي : «بها».

(٧) العياشي ، ج ١ ، ص ١٧ ، ح ٣.

٤١

إن أحدكم لينزع بالآية ، فيخرّ فيها (١) أبعد من السماء.» (٢)

وعنه عليه‌السلام قال :

«ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ؛ إنّ الآية ينزل أوّلها في شيء ، وأوسطها في شيء ، وآخرها في شيء.» (٣)

عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :

«ليس شيء أبعد من عقول الرجال عن (٤) القرآن.» (٥)

وعن جابر قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«يا جابر ، إنّ للقرآن بطنا ، وللبطن ظهرا ، وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن (٦) ؛ إنّ الآية ينزل أوّلها في شيء ، وأوسطها في شيء ، وآخرها في شيء ، وهو كلام متصرّف (٧) على وجوه.» (٨)

وذكر صاحب الوسائل في حاشيته أنّه :

__________________

(١) في بعض نسخ العياشي : «يقع».

(٢) العياشي ، ج ١ ص ١٨ ، ح ١.

(٣) العياشي ، ج ١ ، ص ١٧ ، ح ١.

(٤) في بعض النسخ : «من».

(٥) العياشي ، ج ١ ، ص ١٧ ، ح ٥.

(٦) في العياشي والوسائل والبرهان : «منه» بدل «من تفسير القرآن».

(٧) في بعض نسخ العياشي : «وهو كلام متصل يتصرف».

(٨) العياشي ، ج ١ ، ص ١١ ، ح ٢. وهذه الاحاديث الخمس نقله الحر العاملي (ره) في الوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ص ١٤٩ و ١٥٠ ، ح ٦٨ و ٧١ و ٧٣ و ٦٩ و ٧٤ ؛ والسيد هاشم البحراني (رض) في البرهان ، ج ١ ، ص ١٩ ، عن العياشي.

٤٢

«قد ورد أحاديث متواترة تزيد على مأتين وعشرين حديثا ، قد جمعتها في محلّ آخر ، دالّة على عدم جواز استنباط الاحكام النظريّة من ظواهر القرآن إلا من بعد معرفة تفسيره من كلام الائمّة عليهم‌السلام ، والتفحّص عن أحوالها ، وأنّها محكمة أو متشابهة ، ناسخة أو منسوخة ، عامّة أو خاصّة إلى غير ذلك ؛ أو ورد ما يوافقها من أحاديثهم الثابتة ، وأنّه يجب العمل بالكتاب والسنّة ، وقد تقدّم ذلك في حديث «عبيدة السلماني» ـ إلى آخر كلامه.» (١)

[معنى التّفسير وأنواعه]

أقول : إعلم أنّ المفسّر إمّا أن يفسّر ظاهر القرآن أو إشاراته ودقائقه وبواطنه ، فالقسم الاوّل من التفسير من ترجمة المراد من الالفاظ وما استعمل فيها ، وبيان ما هو المقصود من الكلام ابتداء ، الّذي هو الشائع المعروف في كتب التفسير ؛ فانّ القرآن عبارة عن ألفاظ وكلمات عربيّة مؤلّفة على النهج العربيّ ، فكما أنّ لكلّ كلام عربيّ معنى إذا عرض على عرف العرب فهم منه ذلك المعنى بعد ملاحظة مساق الكلام وخصوصيّاته وسائر القرائن الحاليّة والمقاليّة المتّصلة والمنفصلة ، كذلك آيات القرآن وجمله إذا عرضت عليهم بجميع الخصوصيّات الّتي هي عليها ، وملاحظة القرائن المتّصلة والمنفصلة ، يفهمون منها معاني خاصّة بملاحظة معاني المفردات وخصوصيّات الاعراب والتأليف ومساق الكلام والقرائن المكتنفة باللّفظ وغيرها ، وكلّ كلام تامّ بأيّ لغة كانت إذا عرض على العارف بتلك اللّغة يفهم منه معنىّ ، ويحكم بأنّه هو معنى ذلك الكلام.

__________________

(١) راجع التعليقة ، ص ٢٠ من مجلد ١٨.

٤٣

ولا شكّ أنّ ظاهر القرآن كلام عربيّ نزل بلغة العرب ، وطريقة العقلاء ، والمسلمين خصوصا جارية على حمل كلّ كلام على ما هو الظاهر المتبادر منه بعد ملاحظة جميع الخصوصيّات. ولعلّ مثل هذه الترجمة لا يعدّ تفسيرا فضلا عن كونه تفسيرا بالرأي ؛ فقد ذكر بعض العلماء : «انّ التفسير أصله الكشف والاظهار ، وكذلك سائر تقاليبه من ذلك ، سفرت المرئة : كشفت عن وجهها ، والفرس لأنّه يكشف به عن وجوه الحوائج ، ومنه السرف لانّه يكشف عن حاله حينئذ ، والرفس لأنّه يكشف عن عضوه ، وانكشاف حال المقيّد من ومقاته في رسناته (١) واضح» (٢). فلا يبعد أن يكون التفسير هو بيان كلام لا يفيد بنفسه ذلك المعنى ، فيكون مساوقا لتعيين المجمل وكشف المغلق. نعم ، لا يبعد اندراج ما دلّ عليه القرائن الخفيّة فيه باعتبار إظهار تلك القرينة ، وأمّا بعد الالتفات إليها ، فان كانت معتبرة عند العقلاء كانت كسائر القرائن الظاهرة ، وإلا لم يصحّ الاعتماد عليها.

وبالجملة فكلّ آية لها ظاهر معنى لفظيّ بملاحظة جميع الخصوصيّات ، فهو حجّة فيه على ما فصّل في علم الاصول ، فيصحّ تفسيرها به.

ويرشد إليه مضافا إلى ما تقدّم من الاخبار من أخبار الثقلين ، المرويّة في «غاية المرام» من طريق الخاصّة باثنين وثمانين طريقا ، ومن طريق العامّة بتسعة وثلاثين طريقا ، وغيرها ، وما أدرجناه في الخطبة من كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام روايات كثيرة :

[روايات عرض الأخبار على القرآن]

ومنها : الروايات الواردة في عرض الاخبار عند التعارض على الكتاب العزيز

__________________

(١) «المقة» بالكسر : المحبة ، والهاء عوض عن الواو ، وقد ومقه يمقه بالكسر فيهما أي : أحبه فهو وامق (مجمع البحرين). «الرسن» : الحبل الذي يشد به الدابة.

(٢) الكلام للنيشابوري ، راجع تفسيره ، ج ١ ، ص ١٨.

٤٤

والاخذ بما وافقه ؛ كرواية «الميثمي» ، «وعبد الرحمن بن أبي عبد الله» ، «والحسن بن الجهم» ، و «عمر بن حنظلة» (١) وغيرها على ما هو الظاهر.

ومنها : الروايات الواردة في عرض الاخبار على الكتاب مطلقا وترك العمل بما لم يوافقه أو لم يشبهه وما يقرب من ذلك ؛ كرواية «السكوني» عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه.» (٢)

والمراد بالموصول يحتمل أن يكون هو الحديث ، أو مطلق الكلام ، أو مطلق القضيّة العقليّة ، ولعلّ الاطلاق أقرب ، فانظر كيف يعدّ الكتاب ميزانا للمخاطبين مشخّصا لهم الحقّ والباطل والصواب والخطاء.

ورواية «عبد الله بن أبي يعفور» ، قال :

«سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اختلاف الحديث يرويه من تثق به ، ومنهم من لا تثق به؟

قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو

__________________

(١) راجع الوسائل ، ج ١٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢١ و ٢٩ و ٤٠ و ٤٨ و ١ ، وقد نقلها عن العيون ورسالة سعيد بن هبة الله الراوندي والاحتجاج والعياشي والكافى بالترتيب.

(٢) المحاسن ، ج ١ ، باب ١٤ من كتاب مصابيح الظلم ، ص ٢٢٦ ، ح ١٥٠ ؛ والكافى ، ج ١ ، باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، ص ٦٩ ، ح ١ ؛ والعياشي ، ج ١ ، ص ٨ ، ح ٢ ؛ والامالي كما في البحار ، ج ٢ ، باب علل اختلاف الاخبار وكيفية الجمع بينها ، ص ٢٢٧ ، ح ٤ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ص ٧٨ ح ١٠ ؛ وهكذا في البرهان.

٤٥

من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلا فالّذي جائكم به أولى به.» (١)

وظاهر الجواب غير مخصوص بمورد الاختلاف.

ورواية «أيّوب بن راشد» عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«ما لم يوافق من الحديث القرآن ، فهو زخرف.» (٢)

ورواية «أيّوب بن الحرّ» ، قال :

«سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله ، فهو زخرف.» (٣)

وعن هشام بن الحكم وغيره عنه عليه‌السلام قال :

«خطب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى ، فقال : أيّها الناس ، ما جائكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جائكم يخالف كتاب الله فلم أقله.» (٤)

وعن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ؛ إنّ على

__________________

(١) المحاسن ، ج ١ ، باب ١٢ من كتاب مصابيح الظلم ، ص ٢٢٥ ، ح ١٤٥ ؛ والكافى ج ١ ، باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، ص ٦٩ ، ح ٢ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ص ٧٨ ، ح ١١ ؛ وهكذا في البرهان.

(٢) الكافي ، ج ١ ، باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، ص ٦٩ ، ح ٤ ؛ والوسائل ج ١٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ص ٧٨ ، ح ١٢ ؛ وهكذا في البرهان.

(٣ و ٤) رواهما البرقي (ره) في المحاسن ، ح ١ ، باب ١١ من كتاب مصابيح الظلم ص ٢٢٠ و ٢٢١ ، ح ١٢٨ و ١٣٠ ؛ والكليني (رض) في الكافي ، ج ١ ، باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، ص ٦٩ ، ح ٣ و ٥ ؛ والعياشى (ره) في تفسيره ، ج ١ ، ص ٩ و ٨ ، ح ٤ و ١ ؛ والحر العاملي (ره) في الوسائل ، ج ١٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ص ٧٩ ، ح ١٤ و ١٥ ؛ وهكذا البحراني (قده) في البرهان.

٤٦

كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه.» (١)

وعن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث ، قال :

«انظروا أمرنا وما جائكم عنّا ، فان وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقا فردّوه ، وإن اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده ، وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا.» (٢)

وعن العيّاشي ، عن سدير قال : قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام :

«لا تصدّق (٣) علينا إلا ما وافق (٤) كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله(٥)

ولعلّك تستفيد من هذه الاخبار أنّ القاعدة هو إرجاع الاخبار إلى الكتاب وجعل الميزان فيها هو الكتاب مطلقا ، والاخذ بما وافقه وأشبهه ، وطرح ما خالفه أو لا يشبهه ، بل وما لا يوافقه وما لا يخالفه إذا لم يكن مستجمعة لشرائط الحجيّة. والعجب من جماعة عكسوا الامر ، فلم يأخذوا بالكتاب بنفسه أصلا ، وجعلوا الحديث ميزانا للكتاب. فتدبّر في هذه الاخبار وما قدّمناه ، واحتفظ بما حصّلته منها

__________________

(١) نقله الحر العاملى (ره) عن رسالة سعيد بن هبة الله الراوندي ، فراجع الوسائل ، ج ١٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ص ٨٦ ، ح ٣٥.

(٢) الامالي للطوسي (رض) ، ج ١ ، الجزء التاسع ، ص ٢٣٦ ؛ والبحار ، ج ٢ باب علل اختلاف الاخبار وكيفية الجمع بينها ، ص ٢٣٥ ، ح ٢١ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ص ٨٦ ، ح ٣٧.

(٣) فى بعض النسخ : «لا يصدق».

(٤) في بعض النسخ : «بما يوافق».

(٥) العيّاشي ، ج ١ ، ص ٩ ، ح ٦ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ص ٨٩ ؛ ح ٤٧ ؛ وهكذا في البرهان.

٤٧

حتّى تنتفع به في مواضع كثيرة.

[في أخذ محكمات القرآن وترك المتشابهات وردّ علمها إلى أهلها]

ومنها : ما دلّ على الاخذ بمحكم الكتاب وردّ متشابهه إليه ؛ كما روي عن أبي حيون مولى الرضا [عن الرضا] عليه‌السلام قال :

«من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم. ثمّ قال عليه‌السلام : إن في أخبارنا محكما كمحكم القرآن ، ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا.» (١)

فانظر إلى هذا الخبر كيف سوّى بين الكتاب والحديث في الاشتمال على القسمين ، وكيف حكم في كلّ منها بحكم واحد ، وهو ردّ المتشابه إلى المحكم ، فان كان الاشتمال عليهما مانعا عن الحجيّة عمّ المقامين.

وما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتابه إلى مالك الاشتر ، المرويّة في نهج ـ البلاغة :

«واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ، ويشتبه عليك من الامور ؛ فقد قال الله سبحانه لقوم أحبّ إرشادهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ.)(٢) فالراد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه ، والرادّ إلى الرسول

__________________

(١) رواه الصدوق (ره) في العيون ، ج ١ باب ، ٢٨ ، ص ٢٢٦ ، ح ٣٩ ؛ ونقله الحر العاملي (ره) في الوسائل ، ج ١٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ص ٨٢ ، ح ٢٢.

(٢) النساء / ٥٩.

٤٨

الاخذ بسنّته الجامعة غير المتفرّقة.» (١)

وعن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن سنان أو غيره ، عمّن ذكره ، قال :

«سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القرآن والفرقان ، أهما شيء واحد؟ فقال عليه‌السلام : القرآن جملة الكتاب ، والفرقان المحكم الواجب العمل به.» (٢).

وعن وهيب بن حفص ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

«سمعته يقول : إنّ القرآن فيه محكم ومتشابه ، فأمّا المحكم فنؤمن به ونعمل به وندين الله به ، وأمّا المتشابه ، فنؤمن به ولا نعمل به ؛ وهو قول الله : «فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ـ إلى قوله : ـ وَالرَّاسِخُونَ.» (٣).

ولعلّ المراد هو التفصيل بالنسبة إلى المخاطبين وغيرهم ، وإلا فهم يعلمون جميع القرآن من دون فرق بين المحكم والمتشابه ؛ كما ورد في رواية اخرى :

«المحكم ما يعمل به والمتشابه الّذي يشبه بعضه بعضا.» (٤)

__________________

(١) في بعض النسخ : «المفرقة». والحديث فى : نهج البلاغة ، ر ٥٣ ، ص ٤٣٤ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ص ٨٦ ، ح ٣٨.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٣٠ ، ح ١١ ؛ ومعانى الاخبار ، ص ١٨٩ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب فضل القرآن ، ص ١٥ ، ح ١٠.

(٣) الآية ؛ آل عمران / ٧ ؛ والحديث في : بصائر الدرجات ، ص ٢٠٣ ، ح ٣ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٤٦ ، ح ٥٢ ؛ وهكذا في البرهان.

(٤) العياشي ، ج ١ ، ص ١٠ ، ح ١ ، عن أبي محمد الهمداني ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٢٠ ، ح ٥.

٤٩

[جواز العمل بظاهر القرآن في الأحكام]

ومنها : ما ربما يظهر صحّة العمل بظاهر القرآن في المسائل الفقهيّة ؛ كما ورد في من أتمّ في السفر أنّه :

«إن قرء عليه آية التقصير وفسّرت له أعاد.» (١)

ولعلّ اشتراط التفسير لكون ما يترائى من الآية ابتداء عند الجاهل هو جواز القصر لا لزومه ، أو اشتراطه بالخوف.

وكقوله عليه‌السلام على ما ببالي في من عثر فانقطع ظفره أنّه :

«يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ؛ (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.»)(٢)

وما روي من :

«انّ الله لا يخاطب الخلق بما لا يعلمون.» (٣)

إلى غير ذلك.

ومن لا حظ مساق الآيات الواردة في شأن الكتاب الكريم ، وتأمّلها حقّ

__________________

(١) رواه العياشي (ره) في تفسيره ، ج ١ ، ص ٢٧١ ، ح ٢٥٤ ؛ والصدوق (رض) في الفقيه ج ١ ، ص ٢٧٨ ، ح ١ ؛ والشيخ (رض) في التهذيب ، ج ٣ ، ص ٢٢٦ ، ح ٨٠ عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ؛ ونقله الحر العاملي (رض) في الوسائل ج ٥ باب ١٧ من أبواب صلاة المسافر ص ٥٣١ ، ح ٤.

(٢) الاية : الحج / ٧٨ ؛ والحديث في الكافي ، ج ٣ ، باب الجبائر والقروح والجراحات ص ٣٣ ، ح ٤ ، عن عبد الاعلى مولى آل سام ، عن أبى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ؛ والوسائل ج ١ ، باب ٣٩ من أبواب الوضوء ، ص ٣٢٧ ، ح ٥.

(٣) راجع الوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، ص ١٥١ ، ح ٨١.

٥٠

التأمّل ، وشاهد طريقة المسلمين ، وتتبّع سائر الاخبار مضافا إلى ما قدّمناه ، ظهر له أنّ ما أحدثه بعض الاخباريّين من عدم جواز استنباط العلوم من القرآن بعيد عن إصابة الحقّ والصواب ، ولعلّه كفران بهذه النعمة العظيمة ، الّتي أنعم الله سبحانه على عباده حيث أنزل إليهم كتابا جامعا لأنواع العلوم والمعارف ليدّبّروا آياته ، وليتذكّر اولوا الالباب ، وإنّه آيات بيّنات لا إجمال ولا ريب فيه ؛ كيف والاجمال والاغلاق وعدم وفاء اللفط بالمراد نقص في الكلام ، ومناف لبلاغة الكلام ، وكلام الله سبحانه منزّه عن كلّ نقص وكامل تامّ. وتفصيل البحث موكول إلى علم الاصول.

وليعلم أنّ القدر الّذي ذكرنا من الاخذ بظاهر القرآن ، والمعنى الّذي يتبادر منه عرفا موقوف على الاطلاع على معاني المفردات وقوانين تأليفها ، وملاحظة القرائن الحاليّة والمساقيّة والمقاليّة ، وجميع دقائق الكلام ، والبحث عن القرائن المنفصلة من الاحاديث ، وسائر الادلّة العقليّة والسمعيّة.

فأمّا حمل القرآن على معنى من دون اطّلاع على القواعد اللفظيّة ، أو عدم الالتفات إلى القرائن والدقائق اللفظيّة ، أو عدم البحث عن القرائن المنفصلة وملاحظة حال الناسخ والمنسوخ والمجمل والمفصّل وغيرهما ، أو تخصيص شيء منها بمورد بملاحظة استحسان عقليّ ، أو نكتة غير عرفيّة ، أو محض ميل نفسه إليه ، أو تعصّب لمذهبه ، أو تقليد مفسّر غير معصوم ولا آخذ عنه ، أو خيال سبق إلى ذهنه ، أو قاعدة خارجيّة فاسدة ، أو قياس فاسد إلى غير ذلك ، أو حمل اللفظ المحتمل لوجهين أو وجوه على معنى بأحد الامور المشار إليها ، أو تصرّف آخر غيرهما بواحد منها كما هو كثير في تفسيرات المفسّرين فهو غير صحيح ، وفيها يتحقّق تفسير القرآن بالرأي وضرب بعض القرآن ببعض ، والقول في القرآن بغير علم ومن دون سؤال علماء آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مع التمكّن منه ، كما هو شأن «قتادة» و «أبي حنيفة» وأضرابهما ، والاخذ

٥١

في الدين بالهوى والمقائيس ، والتفسير من تلقاء النفس وعن الرجال ، والخوض والمجادلة والتكلّم في القرآن بغير علم ، واتباع المتشابه ، وتظنى التأويل ، وانتزاع الآية الّذي يخرّبه أبعد من السماء ، والغفلة عن نزول أوّل الآية في شيء وآخرها في شيء. ومنه يظهر الجواب عن أكثر الاخبار المتقدّمة.

فان قلت : إن اقتصر في علم القرآن على القدر الّذي يفيده القواعد اللفظيّة بالشروط المتقدّمة من الفحص عن القرينة المنفصلة والدليل المعارض وغيره ، قلّ الانتفاع بالقرآن في استخراج العلوم والمعارف ، وبطل أكثر ما ذكره المفسّرون وقد امرنا بالتدبّر فيه واستنارته واستنصاحه ؛ مع أنّ القرآن فيه تبيان كلّ شيء وفيه ينابيع العلم وبحوره ، وهو بحر لا يدرك غوره إلى غير ذلك ممّا ورد في صفته.

قلت : ليس مدلول القرآن منحصرا في ذلك ، بل هو قطرة من ذلك البحر الزاخر ، ولكن لكلّ مرتبة منه أهل خاصّ به. فمن كان عالما بقواعد الالفاظ وما يتوقّف عليه إعمالها فقط ، كان شأنه مقصورا على ذلك من دون تعدّي إلى الاستمداد بشيء من الامور المشار إليها ، حتّى نكون ممّن نستدلّ به على ربّنا ، ونستنصحه على أنفسنا ، ونتّهم عليه آرائنا ، ونستغشّ فيه أهوائنا ، وآخذا للمعنى من القرآن وجاعلا له حجّة علينا ، لا ممّن يحمل القرآن على رأيه وهواه وتقليده ، ويجعل شيئا ممّا قدّمناه حجّة على القرآن ودليلا حاكما عليه. ولعلّك بالتأمّل فيما فصّلنا ترى انطباق كثير من أخبار الطرفين بعد ملاحظة مساقها وما توجّه الكلام في بيانه ، وبعد اتّفاق تلك القواعد والتجنّب عمّا أشرنا إليه يحصل له باستعمالها في القرآن والتدبّر فيه علوم كثيرة بقدر غوره فيه ، والاطلاع على دقائقه يزداد علومه ، وبضمّ بعضها إلى بعض يكثر العلوم ؛ فانّ العلوم إذا كثرت يمكن العالم من استخراج مجهولات كثيرة من ضمّ بعضها إلى بعض ، كما تبين في علم المنطق ،

٥٢

خصوصا بملاحظة التطبيق بين ظواهر الآيات والتفاسير المأثورة عنهم عليهم‌السلام. فعسى أن يتحصّل منه قواعد يستخرج منها علوما كثيرة من سائر مراتب القرآن ؛ إذ ما ذكرناه إنّما هو في عالم لفظ القرآن ونشره ، ولعلّه المراد من التنزيل في جملة من الاخبار.

وأمّا مراتبه الكثيرة الخارجة عنه ، فجميعه إنّما هو عند المعصومين ، كما استفاضت به الاخبار ، بل المتواترات به ، بل لا يحصي جميع مراتب حرف واحد منها غيرهم عليهم‌السلام ، أو من علّموه من خواصّهم إن أمكن لغيرهم إحصائه.

وقد نقل «السيّد البحرانيّ» [رض] في «غاية المرام» عن ابن طاووس [ره] أنّه قال : ذكر أبو عمرو الزاهد واسمه محمّد بن عبد الواحد في كتابه باسناده أنّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال :

«يابن عبّاس ، إذا صلّيت عشاء الآخرة فالحقني إلى الجبّان.

قال : فصلّيت ولحقته وكانت ليلة مقمرة.

قال : فقال لي : ما تفسير الالف من الحمد؟ فقال : فما علمت حرفا اجيبه ، فتكلّم في تفسيرها ساعة واحدة تامّة.

قال : فما تفسير الحاء من الحمد؟ فقلت : لا أعلم. فتكلّم فيها ساعة تامّة.

قال : قال عليه‌السلام : فما تفسير الميم؟ قال : قلت : لا أدري. قال : فتكلّم فيها ساعة تامّة.

قال : ثمّ قال : فما تفسير الدال من الحمد؟ قال : قلت : لا أدري. قال : فتكلّم فيها إلى برق عمود الفجر.

قال : فقال لي : قم يابن عبّاس إلى منزلك وتأهّب لفرضك. قال أبو العبّاس عبد الله بن العبّاس : فقمت وقد وعيت كلّما قال ،

٥٣

ثمّ تفكّرت فاذا علمي بالقرآن في علم علي عليه‌السلام كالقرارة في المثعجر.» (١)

وعنه في كتاب «سعد السعود» نقله من طريق العامّة ، عن أبي حامد الغزالي :

«قال عليّ عليه‌السلام لمّا حكى عهد موسى أنّ شرح كتابه كان أربعين حملا : «لو أذن الله ورسوله لي ، لأشرع في شرح معاني ألف الفاتحة حتّى يبلغ مثل ذلك.» يعني : أربعين وقرا أو حملا ، وهذه الكثرة في السعة والافتتاح في العلم لا يكون إلا لدنّيّا سماويا إلهيّا ، هذا آخر لفظ محمّد بن محمّد بن محمّد الغزالي.» (٢)

ولا شكّ أنّ القدر الّذي يفيده الالفاظ باعتبار اوضاعها اللغويّة والعرفيّة نسبته إلى سائر مراتبه المجتمعة عندهم عليهم‌السلام كنسبة القطرة من البحر ، فلا جرم مثل «قتادة» و «أبي حنيفة» وأضرابهما لم يورثوا منه حرفا واحدا ؛ إذ غاية إدراكهم قشر الحرف الواحد.

ومن هنا يعلم الجواب عن جملة اخرى من الاخبار المشار إليه ، وأنّ ما دلّ من الاخبار على انحصار علم القرآن أو تمامه لهم عليهم‌السلام ، لا تنفى صحّة التمسّك بظاهرها ؛ إذ العالم به بالنسبة إلى أصل علم القرآن كالعامي الصرف العالم بأنّ كتاب «الشفاء» للشيخ الرئيس اسمه الشفاء ، وحجمه كذا ، وجلده كذا ، ولون جلده وأوراقه كذا ، ومداده من السواد أو الحمرة ، وسطور الصفحة كم هي ؛ فهل

__________________

(١) قال المؤلف (ره) في الحاشية : «كالقرارة في المثعجر» أي : كالغدير في جنب البحر. كذا قيل. والحديث في غاية المرام ، المقصد الثاني ، الباب الخامس والعشرون ، ص ٥١٣ ؛ وتراه في سعد السعود ، ص ٢٨٤ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، ص ١٠٤.

(٢) المصادر السابقة.

٥٤

يعدّ ذلك الشخص عالما بذلك الكتاب؟

ومنه يعلم أنّ ما أورده صاحب الوسائل من ذلك وأشباهه في باب عدم جواز استنباط الاحكام النظريّة من ظواهر القرآن إلا بعد معرفة تفسيرها من الائمّة عليهم‌السلام ليس في محلّه. ويعلم أنّ ما نقلناه سابقا عنه في الحاشية من كثرة الاخبار فالظاهر كون كثير منها من هذا القبيل ، بل لا دخل لجملة منها بالمدّعى ، وعلى ما قرّرنا يتحسّم أصل إشكال التعارض بين الاخبار.

هذا ، ولا يخفى عليك أنّ بين المرتبتين ، مرتبة أهل اللفظ ومرتبة الائمة عليهم‌السلام العالمين بجميع المراتب في الجميع ، مراتب كثيرة يرشدك إليه ما قدّمناه في الخطبة من كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام وجملة من الاخبار المتقدّمة ، إذا تدبّرتها حقّ التدبّر فيشاهد المنتزفون بحرا لا ينزف ، والماتحون عيونا لا تنضب ، والواردون مناهل لا تغاص ، والمسافرون منازل لا يضلّ نهجها ، والسائرون أعلاما لا يعمى عنها ، والقاصدون آكاما لا يجاز عنها ، والعلماء فيه ريّ عطشهم ، والفقهاء ربيع قلوبهم ، والصلحاء محاجّ طرقهم.

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام في احتجاجه على زنديق سأله عن آيات متشابهة من القرآن فأجابه ، إلى أن قال :

«ثمّ إنّ الله قسّم كلامه ثلاثة أقسام ، فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تمييزه ممّن شرح الله صدره للاسلام ، وقسما لا يعلمه (١) إلا الله وملائكته (٢) والراسخون في العلم. وإنّما فعل ذلك لئلا يدّعي أهل الباطل المستولين على ميراث رسول

__________________

(١) الاحتجاج : «يعرفه».

(٢) في بعض نسخ الاحتجاج : «امناؤه».

٥٥

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمام بمن ولي (١) أمرهم فاستكبروا عن طاعته ـ الحديث.» (٢)

والقسم الثاني يحتمل أن يكون وراء عالم الالفاظ ودون مرتبة الراسخين عليهم‌السلام بقرينة ذكر شرح الصدر للاسلام ، وأن يكون من العالم بمباني ظاهر القرآن وما يرتبط به ، فيكون القسم الاوّل ما يفهمه أهل لسان العرب مطلقا.

وعنه عليه‌السلام :

«إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن.» (٣)

وعنه عليه‌السلام :

«من فهم القرآن فسّر جمل العلم.» (٤)

وعن الصادق عليه‌السلام أنّه قال :

«كتاب الله على أربعة أشياء : العبارة ، والاشارة ، واللطائف ، والحقائق ؛ والعبارة للعوام ، والاشارة للخواصّ ، واللطائف

__________________

(١) في بعض نسخ الاحتجاج : «الى الائتمار بمن ولاه».

(٢) الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٣٧٦ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضى ، ص ١٤٣ ، ح ٤٤.

(٣) أخرجه البخاري : والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة عن أبي جحيفة ، عنه ـ عليه‌السلام ـ باختلاف يسير في الالفاظ ، فراجع صحيح البخاري ، ج ٩ ، كتاب الديات ، باب ٢٤ و ٣١ ، ص ١٤ و ١٦ ؛ وسنن الترمذي ، ج ٢ ، باب ١٦ من أبواب الديات ، ص ٤٣٢ رقم ١٤٣٣ ؛ وسنن النسائي ، ج ٨ ، كتاب القسامة ، ص ٢٣ ؛ وسنن ابن ماجة ، ج ٢ كتاب الديات ، باب ٢١ ، ص ٨٨٧ ، رقم ٢٦٥٨ ؛ وهكذا نقله الفيض (ره) في الصافي ، ج ١ المقدمة الرابعة ، ص ١٩ ؛ وأبو الحسن العاملي الاصفهاني (قده) في مرآة الانوار ، ص ١٧.

(٤) الصافي ، ج ١ ، المقدمة الخامسة ، ص ٢٢ ؛ ومرآة الانوار ، ص ١٧.

٥٦

للأولياء ، والحقائق للأنبياء.» (١)

ولعلّ المراد من الاولياء خواصّ الشيعة والكاملين منهم ، وإلا فالائمّة أعلم من سائر الانبياء على ما يستفاد من أحاديثهم عليهم‌السلام (٢) ، وسيظهر لك تحقيق الحال في ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ.

__________________

(١) الصافي ، ج ١ ، المقدمة الرابعة ، ص ١٩ ؛ ومرآة الانوار ، ص ١٧ ؛ وجامع الاخبار ، ص ٤١ ، عن حسين بن علي ـ عليهما‌السلام ـ ؛ وأيضا نقله المجلسي (رض) في البحار ، ج ٩٢ ، باب أن للقرآن ظهرا وبطنا ، ص ١٠٣ ، ح ٨١ ، عن «الدرة الباهرة».

(٢) راجع البحار ، ج ٢٦ ، باب أنّهم ـ عليهم‌السلام ـ أعلم من الانبياء ـ عليهم‌السلام ـ ، وقد أورد ـ رحمه‌الله ـ فيه روايات تضمن هذا المعنى.

٥٧

المقدّمة الثّالثة

في نبذة ممّا جاء في أنّ علم القرآن كلّه

إنّما هو عندهم ـ عليهم‌السلام ـ وما أشبه ذلك

فعن الكافي ، عن بريد بن معاوية ، عن أحدهما عليهم‌السلام في قول الله عزوجل : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(١) :

«فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الراسخين في العلم ؛ قد علّمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئا لا يعلّمه تأويله ، وأوصيائه من بعده يعلمونه ـ الحديث.» (٢)

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«نحن (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، ونحن نعلم تأويله.» (٣)

وعن عبد الرحمن بن كثير ، عنه عليه‌السلام قال :

«الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أمير المؤمنين والائمّة عليهم‌السلام(٤)

__________________

(١) آل عمران / ٧ ، وقد مرّ.

(٢) الكافي ، ج ١ ، باب أن الراسخين في العلم هم الائمة ـ عليهم‌السلام ـ ، ص ٢١٣ ؛ وكذا رواه الصفار (ره) في بصائر الدرجات ، الجزء الرابع ، باب ١٠ بطريق آخر عن بريد ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ؛ والعياشي (ره) في تفسيره ، ج ١ ، ص ١٦٤ مرسلا عن بريد ، عنه ـ عليه‌السلام ـ أيضا.

(٣) نفس المصادر.

(٤) الكافي ، ج ١ ، باب أن الراسخين في العلم هم الائمة ـ عليهم‌السلام ـ ، ص ٢١٣ ، ح ٣ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٢٧٠ ، ح ٢.

٥٨

وعن أبي بصير قال :

«سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في هذه الآية : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)(١) فأومأ بيده إلى صدره.» (٢)

وعن عبد العزيز العبدي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيه أنّه قال :

«هم الائمّة عليهم‌السلام(٣)

وعن أبي بصير قال :

«قرأ أبو جعفر عليه‌السلام هذه الآية : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ثمّ قال : أما والله يا با محمّد ما قال : ما بين دفّتي المصحف.

قلت : من هم جعلت فداك؟

قال : من عسى أن يكونوا غيرنا؟» (٤)

وعن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ... ـ إلى أن قال : ـ وعندنا والله علم الكتاب كلّه.» (٥)

وعن بريد بن معاوية قال :

__________________

(١) العنكبوت / ٤٩.

(٢ و ٣) الكافى ، ج ١ ، باب أن الائمة ـ عليهم‌السلام ـ قد اوتوا العلم وأثبت فى صدورهم ؛ والبرهان ، ج ٣ ، ذيل الآية.

(٤) المصادر السابقة ؛ وأيضا في البصائر ، الجزء الرابع ، باب ١١ ، ح ٣.

(٥) الآية : النّمل / ٤٠ ، والحديث في الكافي ؛ ج ١ ، باب انه لم يجمع القرآن كلّه إلّا الائمة ـ عليهم‌السلام ـ وانهم يعلمون علمه كله ، ص ٢٢٩ ، ح ٥ ؛ والبصائر ، الجزء الخامس ، باب ١ ، ص ٢١٢ ، ح ٢ ؛ وهكذا في البرهان.

٥٩

«قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)(١) قال عليه‌السلام : «إيّانا عنا ، وعليّ أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله(٢)

وعن سدير ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام في حديث قال :

«علم الكتاب كلّه والله عندنا ، علم الكتاب كلّه والله عندنا.» (٣)

وعن علي بن إبراهيم في تفسيره في الصحيح ظاهرا ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى)(٤) قال :

«اللّيل في هذا الموضع هو الثاني غشي أمير المؤمنين عليه‌السلام في دولته ـ إلى أن قال : ـ والقرآن ضرب فيه الامثال للناس ، وخاطب (٥) نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله به ، ونحن نعلمه ، فليس يعلمه غيرنا.» (٦)

وعن الكافي باسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

__________________

(١) الرعد / ٤٣.

(٢) الكافي ، ج ١ ، باب انه لم يجمع القرآن كله إلّا الائمة ـ عليهم‌السلام ـ وأنهم يعلمون علمه كلّه ، ص ٢٢٩ ، ح ٦ ؛ والبصائر ، الجزء الخامس ، باب ١ ، ص ٢١٦ ، ح ٢٠ ؛ وهكذا في البرهان.

(٣) الكافي ، ج ١ باب نادر فيه ذكر الغيب ، ص ٢٥٧ ، ح ٣ ؛ والبصائر ، الجزء الخامس ، باب ١ ، ص ٢١٣ ، ح ٣ ، وفيه بعد قوله «عندنا» : «ثلاثا» ؛ وأيضا في البرهان.

(٤) الليل / ١.

(٥) في القمّي : «خاطب الله».

(٦) القمّي ، ج ٢ ، ص ٤٢٥ ؛ والوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ح ٨٠ ؛ وهكذا في الصافي.

٦٠