مجد البيان في تفسير القرآن

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي

مجد البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٣

وعن «الراوندي» أنّ : «الظنّ هنا بمعنى اليقين.» وعن بعض الشرّاح أنّه : «يمكن أن يكون على حقيقته.» (١) وكلاهما موجّهان ؛ إذ المعلوم هو وجوده المبشّر به والمشوّق إليه في حدّ نفسه ، فهو بين يدي العبد شأنا.

وأمّا أنّ الوجهة الّتي توجّه العبد إليها بكمال إيمانه وخلقه وعمله وهو ذلك الّذى بشّر به بأن يكون غاية تلك الجهات هو المشوّق إليه المرغوب إليه ، فذلك غير معلوم ، بل المؤمن ظنون بنفسه.

وأصغى سمعه إليه أى : أماله ، و «زفير النار» : صوت توقّدها ، والزفير أيضا : إخراج النفس بعد مدّة ، فالمراد زفير أهل جهنّم. و «الشهيق» : تردّد البكاء في الصدر مع سماع الصوت من الحلق ، وشهيق الحمار صوته ، وكونهما في أصول الآذان كناية عن تمكّنهما في الآذان ؛ كذا ذكره بعضهم.

وحنى الظهر يحنوه ويحنيه أي : عطفه فانحنى. قيل : وحنوهم على أوساطهم وصف لحال ركوعهم. والافتراش : البسط على الارض وهو وصف لحال سجودهم. ويحتمل تعميم الفقرتين لغير الحالين أيضا ، فانّ المتّصف بالاحوال المذكورة إذا كان قائما كان منحني الظهر في الجملة ، وافتراش الجبهة والاكفّ من حالات الخضوع المنبعث منها.

وقال بعضهم : يطلبون إلى الله أي : يسئلونه راغبين ومتوجّهين إليه. وفكّ الرقبة كمدّ أي : أعتقها ، والاسير : خلّصه.

هذا ، وفي بعض النسخ في نظير الرواية الثانية : «ويستترون به» بعد قوله : «يحزنون به أنفسهم» ؛ ولعلّ المراد أنّهم يخفونه عن الناس خوفا من الرياء ، أو طلبا لكونه عبادة سرّيّة. وفي بعضها : «ويستبشرون به» ، وقيل في معناه : «أي :

__________________

(١) القول لابن أبي الحديد ، فراجع شرحه على نهج البلاغة ، ج ١٠ ، خ ١٨٦ ، ص ١٤٣.

٢٠١

يفرحون بالحزن أو بالتلاوة شكرا لما وفّقهم الله لذلك.» ولعلّ إرادة الاستبشار من آيات الترغيب ، ويكون التحزين مقصورا على آيات الترهيب أولى ليطابق ما بعده وتهييج أحزانهم على بناء المجرّد فيكون أحزانهم فاعله ، وبكاء منصوبا على العلّة ، ووجع عطف على ذنوبهم ، أو على بناء التفعيل وبكاء فاعله وأحزانه مفعوله ، ووجع عطف على بكاء ويحتمل العكس ، فيكون الاحزان مهيّجا للبكاء على الذنوب والوجع ، بل لعلّه أولى وإن اقتصر بعضهم على سابقه.

و «الكلوم» جمع كلم بالفتح وهو : الجرح ، والجراح جمع جراحة ، والاضافة للتأكيد ، أو الجراح مصدر ؛ أي : الجراحات الّتي حدثت من جراحهم لأنفسهم بالذنوب والمعاصي. و «المسامع» جمع مسمع وهو : آلة السمع ، أو جمع السمع على غير قياس. و «أبصارهم» بالنصب (١) عطفا على المسامع أي : أبصار قلوبهم ، أو بالجرّ عطفا على قلوبهم ، فالابصار بمعنى البصائر ، كذا ذكر بعض الشارحين. (٢)

و «الصهيل» : صوت الفرس ، ولعلّه شبّه به صوت توقّد النار لرفعته وشدّته.

[عدم جواز إظهار الغشية عند قراءة القرآن]

وعن الكليني والصدوق بأسانيد مختلفة الصدور عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«قلت : إنّ قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن أو حدّثوا به

__________________

(١) في المخطوطة : «بالفتح».

(٢) هذا الكلام وسائر الاقوال المذكورة في شرح خطبته ـ عليه‌السلام ـ لهمام (ره) في صفة المتقين لمولانا المجلسي ـ عطّر الله مرقده ـ صاحب البحار ، إلا ما ذكر قائله في كلام المؤلّف (ره) أو في الهوامش ، فراجع البحار ، ج ٦٧ ، باب علامات المؤمن وصفاته ، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٤ وص ٣٤٧.

٢٠٢

صعق أحدهم حتّى ترى أنّ أحدهم لو قطعت يداه ورجلاه لم يشعر بذلك.

فقال عليه‌السلام : سبحان الله! ذاك من الشيطان ، ما بهذا نعتوا ، إنّما هو اللّين والرّقة والدمعة والوجل.» (١)

ولعلّه لأجل استظهاره عليه‌السلام أنّه محض إظهار وتصنّع وتكلّف ، أو لأجل أنّ تكلّف تحصيل الغشية ليس مأمورا به وإن كان الترقّي في المقامات والاحوال مطلوبا. ويلزم من بعض معاليها عروضها أحيانا من دون تكلّف له. ويسنح ببالي وجود رواية مشتملة على عروض الغشية للصادق عليه‌السلام بعد تكراره (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) معلّلا إيّاه : بأنّي «ما زلت أردّدها حتّى سمعتها من قائلها ، فلم يثبت قلبي لعظمته.» (٢)

وعنه باسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«قرّاء القرآن ثلاثة ـ إلى أن قال : ـ ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه ، فأسهر به ليله وأظمأ به نهاره ، وقام به في مساجده ، وتجافى به عن فراشه. فبأولئك يدفع [الله] البلاء ، وبأولئك يديل الله من الاعداء ، وبأولئك ينزل الله الغيث من السماء. فو الله لهؤلاء في قرّاء القرآن أعزّ من الكبريت الاحمر.» (٣)

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، باب فيمن يظهر الغشية عند قراءة القرآن ، ص ٦١٦ ، ح ١ ؛ والامالي ، المجلس الرابع والاربعون ، ح ٩ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٢٥ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٦٠ ، ح ١.

(٢) نقله الفيض (ره) في المحجة ، ج ٢ ، كتاب آداب تلاوة القرآن ، الباب الثالث ، ص ٢٤٨ ؛ والشيخ البهائي (ره) في العروة الوثقى (المخطوطة) ، ذيل الآية.

(٣) الكافي ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ص ٦٢٧ ، ح ١ وعن عبيس بن ـ

٢٠٣

وقد أشرنا في أوّل الكتاب إلى كيفيّة الاستشفاء بالقرآن وغير ذلك ممّا يناسب المقام ، فراجع وتأمّل (١).

وعن مصباح الشريعة عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال :

«من قرأ القرآن ولم يخضع له ولم يرقّ عليه ولم ينشأ حزنا ووجلا في سرّه ، فقد استهان بعظم شأن الله ، وخسر (٢) خسرانا مبينا. فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء : قلب خاشع ، وبدن فارغ ، وموضع خال. فاذا خشع لله قلبه فرّ ، منه الشيطان الرجيم ، وإذا تفرّغ نفسه من الاسباب تجرّد قلبه للقرائة ، فلا يعترضه (٣) عارض فيحرمه نور القرآن وفوائده ، وإذا اتّخذ مجلسا خاليا واعتزل من الخلق بعد أن أتى بالخصلتين الاوّلتين استأنس روحه وسرّه بالله ، ووجد حلاوة مخاطبات الله عباده الصالحين ، وعلم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم بقبول كراماته وبدائع إشاراته. فاذا شرب كأسا من هذا المشرب ، فحينئذ لا يختار على ذلك الحال حالا ، و [لا] على ذلك الوقت وقتا ، بل يؤثره على كلّ طاعة وعبادة ؛ لأنّ فيه المناجاة مع الربّ بلا واسطة.

__________________

 ـ هشام ، عمّن ذكره ، عنه ـ عليه‌السلام ـ ؛ ورواه أيضا الصدوق (ره) بهذا الاسناد في الامالي ، المجلس السادس والثلاثون ، ح ١٥ ؛ والخصال ، ج ١ ، باب الثلاثة ، ص ١٤٢ ، ح ١٦٤ ؛ وهكذا في الوسائل ، ج ٤ ، باب ٨ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٣٦ ، ح ٣.

(١) راجع مبحث أسماء القرآن من المقدمة الاولى.

(٢) في المخطوطة : «فقد خسر».

(٣) في المخطوطة : «يعترض».

٢٠٤

فانظر كيف تقرأ كتاب ربّك ومنشور ولايتك ، وكيف تجيب أوامره ونواهيه ، وكيف تمتثل حدوده ، فانّه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فرتّله ترتيلا ، وقف عند وعده ووعيده ، وتفكر في أمثاله ومواعظه ، واحذر أن تقع من إقامتك حروفه في إضاعة حدوده» (١).

__________________

(١) مصباح الشريعة ، الباب الرابع عشر ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة الحادية عشرة ، ص ٤٦ ؛ والبحار ج ٨٥ ، باب القراءة وآدابها وأحكامها ، ص ٤٣ ، ح ٣٠.

٢٠٥

المقدّمة الثّانية عشر

فيما جرينا عليه في هذا التفسير من اصطلاح وغيره

اعلم أنّه إذا ذكرنا فيه عن «الكافي» فالمراد به كتاب الحديث المعروف للشيخ الاجلّ ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني ، الّذي لم نعهد كتابا أكثر اعتبارا منه بين الاماميّة.

وإذا ذكرنا «القمّي» فالمراد به صاحب التفسير المشهور الثقة الجليل عليّ بن إبراهيم القمّي شيخ الكلينيّ.

وإذا ذكرنا «العيّاشي» فالمراد محمّد بن مسعود العيّاشي المعروف من قدماء الاماميّة صاحب التفسير المعروف.

والمراد ب «الفقيه» في هذا الكتاب كتاب «من لا يحضره الفقيه» ، وب «العيون» كتاب «عيون الاخبار» ، وب «الاكمال» كتاب «إكمال الدين وإتمام النعمة» ، وب «المعاني» كتاب «معاني الاخبار» وب «العلل» كتاب «علل الشرايع والاحكام» كلّها للشيخ الجليل رئيس المحدّثين محمّد بن عليّ بن الحسين [بن] موسى بن بابويه القمّي وله أيضا كتاب «الامالي» ويسمّى «المجالس» على ما صرّح به بعض المحدّثين ، و «الخصال» ، و «ثواب الاعمال» ، و «عقاب الاعمال» ، وكتاب «التوحيد» ، و «المجالس» ، و «الاعتقادات».

و «المناقب» لمحمّد بن شهر آشوب المازندراني.

و «التهذيب» و «الغيبة» و «الامالي» للشيخ أبي جعفر الطوسي.

وعبّرنا عن التفسير المنسوب إلى الامام أبي محمّد العسكري عليه‌السلام ب «تفسير الامام» المنسوب إليه في هذا الكتاب.

٢٠٦

ثمّ إنّا قد نأخذ الحديث من نفس الكتاب و «المجمع» و «الجوامع» للشيخ أبي عليّ الطبرسي ، ومن كتاب العلماء الناقلين ؛ كالمحدّث الكاشاني من تفسيره «الصافي» ، والمحدّث الحرّ العاملي من كتاب «الوسائل» ، والمحدّث المجلسي من «بحار الانوار» ، والسيّد هاشم البحراني من كتاب «معالم الزلفى» و «غاية المرام» وغيرهم ، وننسبه إلى الكتاب أو المصنّف المنقول عنه ثقة واعتمادا عليهم.

وربّما نوصف السند بالصحّة والموثقيّة والحسن ، ونريد به المعاني المعروفة ، وهو مبنيّ على الظنون الاجتهاديّة الرجاليّة ، وما نقل عن متقدّمي علماء الرجال.

والنسخ الّتي ننقل عنها غير تام الصحّة ، فان كان الغلط ظاهرا أبدلناه بالصحيح إن تعيّن ، وإلا نقلناه على ما وجدنا ، وربّما ننبّه على استظهار الغلط بأن نكتب فوقه «كذا» تنبيها للخاطر.

ثمّ اعلم أنّا نتعرّض في هذا الكتاب إلى بيان ألفاظ القرآن والحديث مادّة وصورة وتركيبا مأخوذة من كلمات المفسّرين ، أو أهل اللّغة والادب ، ونعتمد في ذلك على كلامهم ، فانّهم أهل الخبرة والبصيرة بهذا الشأن ، وإلى ما يتفرّع على تلك القواعد اللّفظيّة مبنيّة على ظنون واجتهادات لفظيّة : وإلى إيراد أكثر الاخبار الّتي عثرنا عليها حال التفسير مأخوذة من كتب على ما وضعت ، وإلى بيانات لها وتنبيهات مطابقة لمداليها ، ودقائق واستبصارات من نفس تلك الآيات ، وبضميمة الاخبار. ولست بانيا في جميع ما ذكرته في هذا الكتاب على القطع واليقين وإن كان موردا له بصورة الجزم ، ولا أدّعي مطابقة الواقع فيها وإصابة النظر له ، بل إنّما أذكر ما يخطر ببالي ويسنح في فكري ، وأعرضه على الناظرين لينظروا فيه ، فان وجدوه صحيحا قبلوه ، وإن وجدوا فيه خللا أصلحوه ، وإن رأوه غير صحيح

٢٠٧

لم يقبلوه ، والخطأ منّي أو منهم ، وإن وجدوه مشتبها فليذروه في سنبله ، وعليهم أن لا يبادروا بالانكار قبل تمام الجدّ والجهد في فهم الكلام وملاحظة المباني والادلّة والقواعد ، فلعلّ من وراء مبلغ نظرهم نظر لغيرهم.

ولا ألتزم إصابة نظري للواقع ؛ إذ القلب عليل ، والرأي كليل ، وموانع الادراك كثيرة ، وأسباب الاختلال في الأدلّة الّتي نتوصّل بها إلى المطالب من الاخبار وغيرها كثيرة ، والمطالب غير محصورة ، والاوقات محدودة ، والاسباب غير مجتمعة ؛ فلعلّ من وراء مذهبي مذهبا لغيري ، وفوق فكري فكرا سواه. ومع هذه الاحوال لا بدّ أن يتطرّق إلى الكلام الخطأ والنقصان ، مضافا إلى كون الانسان محلا للسهو والنسيان ، فغاية ما يرجى في مثل ذلك الحال أن يكون أكثر المطالب مطابقة للواقع ، إلا أن يسدّدني ربي ويعصمني ، ويأخذ بقلبي إلى الرشاد ؛ إنّه بكلّ شيء قدير ، وهو بكلّ شيء عليم.

وهذا أوان الشروع في المقصود بعون الله الملك المعبود. وأخّرنا تفسير الاستعاذة إلى الآية المشتملة عليها لنذكرها عنده ـ إن شاء الله تعالى ـ ، ومن الله التوفيق ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

٢٠٨

سورة الحمد

سبع آيات

٢٠٩
٢١٠

[تحقيق حول كلمة البسملة]

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

في تفسير الامام عليه‌السلام والتوحيد عنه (١) عليه‌السلام في قوله تعالى : «بسم الله ـ الخ» :

«هو الّذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من كلّ من [هو] دونه ، وتقطع الاسباب من جميع من سواه.

يقول : (بِسْمِ اللهِ) أي : أستعين على أموري كلّها بالله ، الّذي لا تحقّ العبادة إلا له ، المغيث إذا استغيث ، والمجيب إذا دعي.» (٢)

قيل : معنى «يتألّه إليه» ؛ بفزع ويلتجأ إليه.» (٣)

وفي رواية عنه عليه‌السلام :

«يعني : بهذا الاسم أقرأ وأعمل هذا العمل.» (٤)

[القول في معنى الباء ومتعلّقها]

إعلم أنّ حرف الجرّ يدلّ على أن له متعلّقا وليس بمذكور ، فيكون

__________________

(١) المراد من قوله : «عنه» هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ.

(٢) تفسير الامام ـ عليه‌السلام ـ ، ص ٧ ؛ والتوحيد ، باب معنى «بسم الله الرحمن الرحيم» ص ٢٣٠ ، ح ٥ ؛ والصافي ، ج ١ ، ص ٥٠ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب فضائل ، سورة الفاتحة وتفسيرها ، ص ٢٣٢ ، ح ١٤ ، وص ٢٤٠ ، ح ٤٨.

(٣) القول للفيض (ره) ، راجع الصافي ، ج ١ ، ص ٥٠.

(٤) تفسير الامام ـ عليه‌السلام ـ ، ص ٩ ؛ والصافي ، ج ١ ، ص ٥٠ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ـ ـ ص ٤٦ ، ح ١١.

٢١١

محذوفا ، وقرينة تعيين المحذوف هو ما يقع بعده ، وهو القرائة والعمل الواقع بعده ، فيناسب في المقام تقدير «أقرأ» متأخّرة عن الجارّ والمجرور ، لا القرائة ، ولا مقدّما لوجوده ذكرها المفسّرون. وفي عطف «أعمل» على «أقرأ» إشعار بأنّ في كلّ مقام يقدّر ما يكون التسمية لأجله. فالمسافر إذا حلّ وارتحل فقال : «بسم الله والبركات» كان المعنى : بسم الله أحلّ وأرتحل وكذلك. ونظيره قولهم في الدعاء للعرس : «بالرخاء والبنين» ؛ أي : بالرخاء أعرست. وتقدير القرائة ونحوها أنسب من الابتداء ليكون الفعل بتمامه منتسبا إلى اسم الله ؛ كقوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ.)(١)

وذكروا في معنى تعلّق اسم الله بالقرائة وجهين (٢) :

تعلّق الكتابة بالقلم ، كأنّ فعله لا يجيء معتدّا به إلا بعد تصديره بذكره ، كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما ببالي :

«كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر.» (٣)

وتعلّق الدهن بالانبات في قوله : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)(٤) أي : متبرّكا باسم الله أقرأ ، كما في قوله : «بالرخاء والبنين» أي : ملتبسا بالرخاء والبنين أعرست. وهذا الوجه أعرب وأحسن عند جماعة ، وعلّل بوجوه عديدة من كون استعمال الباء في الملابسة والمصاحبة أكثر من الاستعانة ، وأنّ دلالتها على تلبّس إجراء

__________________

(١) العلق / ١.

(٢) راجع تفسير النيشابوري ، ج ١ ، ص ١٩.

(٣) تفسير الامام ـ عليه‌السلام ـ ، ص ٩ ؛ والصافي ، ج ١ ، ص ٥٢ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب فضائل سورة الفاتحة وتفسيرها ، ص ٢٤٢ ؛ وهكذا أخرجه أحمد في مسنده ، ج ٢ ، ص ٣٥٩ ؛ ورواه الزمخشري في الكشاف ، ج ١ ، ص ٥.

(٤) المؤمنون / ٢٠.

٢١٢

الفعل بالتبرّك أظهر ، وأنّ في التبرّك باسم الله من التأدّب ما ليس في جعله بمنزلة الآلة ؛ إذ الآلة لا يكون مقصودة بالذات ، واسم الله عند الموحّد أهمّ شيء وأقدمه ، وغيرها من بعض الامور الاعتباريّة المحضة.

والظاهر أن الاوّل هو الظاهر من الباء في مثل المقام ، وفيه من التأدّب والمناسبة ما ليس في الثاني ؛ إذ نهاية أدب العبد غمض العين عن حوله وقوّته ، والالتجاء إلى اسم ربّه ، والاعتصام والاستعانة به في جميع شؤونه وأفعاله ، إلى أن يصل إلى مقام يغني عن مشاهدة نفسه فاعلا ومريدا ، ويرى ذاته فاعلا ومريدا بالله سبحانه. وهذا حقيقة التبرّك باسمه تبارك وتعالى ، فانّه مفتاح نزول البركات عليه ، وسبب لوصول الفيض عليه في إتمام المقصود ، فلا يكون الفعل المبتدء به أبتر ، بخلاف من يرى نفسه مصدرا لأفاعيله معتمدا على نفسه وإن تبرّك بذكر اسم الله. ويشهد لذلك الرواية المتقدّمة. وليس ذكر الاستعانة فيه دليلا على نقي تقدير القرائة والعمل ، بل لعلّه بناء [على] معنى الربط المدلول عليه بكلمة الباء ، فلا ينافي كون متعلّقها هو القرائة والعمل ، ويجوز تقدير مستعينا حالا من الضمير في «أقرأ» و «أعمل» ليكون هو المتعلّق.

وأمّا تعميم المستعان له للأمور كلّها ، فيجوز كونه لأجل بيان أنّ جميع الاعمال التي يبدء بها باسم الله كذلك ، فيكون كلّ فرد من أفراد البسملة مرادا بها استعانة خاصّة ، وأن يكون تكميلا للاستعانة الخاصّة بالحاق جميع ما يشاركها به ليكون أتمّ. وحينئذ فيكون الروايتان متقاربتين في المفاد معتضدتين بالاعتبار.

ولهذا القول حينئذ صورة ومعنى. أمّا الصورة ، فاظهار أنّي أوجد القرائة والعمل باسم الله مستعينا به ومعتمدا عليه ، لا بأسمائي وصفاتي وحولي وقوّتي ومشيّتى. وأمّا المعنى ، ففي مقام الحال كون حال القائل اللجأ والاعتصام باسم الله سبحانه ، وعدم الاعتماد على نفسه وصفاته ، وفي مقام المعرفة العلم بأنّه لا يملك

٢١٣

لنفسه ضرّا ولا نفعا إلا ما شاء الله ، وأنّه ليس بفاعل شيئا الآن ولا غدا إلا أن يشاء الله ، كما روي في التوحيد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّ الله تبارك وتعالى يقول : يابن آدم ، بمشيّتي كنت أنت الّذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الّذي تريد لنفسك ما تريد ، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبعصمتي وعوني وعافيتي أدّيت إليّ فرائضي ، فأنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيّئاتك منّي ، فالخير منّي إليك بما أوليت يدا ، والشرّ منّي إليك بما جنيت جزاء ، وباحساني إليك قويت على طاعتي ـ الحديث.» (١)

[في معنى التّسمية]

وربّما يؤيّد ما ذكر ويوافقه ما روي في التوحيد عن الرضا عليه‌السلام بعد السؤال عن ترجمة البسملة ، أنّه قال :

معنى قول القائل «بسم الله» أي : أسم على نفسي سمة من سمات الله عزوجل ، وهي العبادة.

قال ـ الراوي ـ : فقلت له : ما السمة؟ قال : العلامة.» (٢)

__________________

(١) التوحيد ، باب المشية والارادة ، ص ٣٤٣ ، ح ١٣ عن معاذ بن جبل ، عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ؛ وهكذا رواه القمي (رض) في تفسيره ، ج ٢ ، ص ٢١٠ ؛ عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ـ عليهما‌السلام ـ ، عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ؛ والمجلسي (ره) في البحار ، ج ٥ ، باب القضاء والقدر ، ص ٩٣ و ٩٤ ، ح ١٣ و ١٤ ، عنه وعن التوحيد.

(٢) التوحيد ، باب معنى «بسم الله الرحمن الرحيم» ، ص ٢٢٩ ، ح ١ ، عن علي ابن الحسن بن على بن فضال ، عن أبيه ، عنه ـ عليه‌السلام ـ ؛ وهكذا رواه (ره) في المعاني : باب في معنى بسم الله ، ص ٣ بهذا الاسناد ؛ ونقله الفيض (ره) في الصافي ، ج ١ ، ص ٥٠ ؛ والمجلسي (ره) في البحار ، باب فضائل سورة الفاتحة وتفسيرها ، ص ٢٣٠ ، ح ٩.

٢١٤

وعن العيون والعلل عنه عليه‌السلام مثله (١).

فانّ التسمية بهذه الكيفيّة متحقّق بمقام العبوديّة الّتي هي علامة الربوبيّة ومظهرها ، فانّ العبوديّة فناء وتبعيّة وقابليّة وسؤال والتجاء واعتصام واستمداد ، والربوبيّة كمال وجود وإعطاء وإمداد وإيجاد ونفاذ كلمة وتأثير ، والاوّل علائم ومظاهر للآخر ، والمسمّى بذلك المعنى دال على ربّه فاعل به ، وتاركها كذلك مظهر نفسه في فعله ، ومحتجب عن ربّه بذاته وصفاته وأفعاله. والعلامة ما كان كاشفا عن المعنى الّذي هي علامة له ، لا حاجبا ساترا عنه. فمن وضع التسميه على نفسه فقد وسم نفسه بسمة الله وعلامته.

ومناط التفرقة بين الوجهين ، وأصله ومبدئه أن كلّ ممكن زوج تركيبي ومركّب من وجود ومهيّة ، والاوّل هو جهته من ربّه وفعل لربّه ، والثاني جهته من نفسه وقابل لفعل الحقّ بمنزلة المادّة والصورة الفعليتين ، وجهة الوجود هو مبدء توجّهه إلى الحقّ ، وهو مبدء كلّ خير ، وجهة المهيّة نظره إلى نفسه بما هي هي ، وهو مناط الاحتجاب عن الحقّ ودعوى الأنانيّة ، وهو مبدء كلّ شرّ يصدر منه ، كما أنّ الجهة الاولى جهة كون الشيء آية لربّه وحاكيا عنه ومظهرا له ، والجهة الثانية مبدء كونه حجابا له ، فانّه سبحانه تجلّي لخلقه بخلقه واحتجب به عنه (٢) ؛ كما ورد في كلماتهم عليهم‌السلام (٣).

__________________

(١) العيون ، ج ١ ، باب ٢٦ ، ص ٢٠٣ ، ح ١٩ ، بنفس الاسناد. وأما موضعه في العلل ، فلم نظفر عليه.

(٢) في المخطوطة : «بها عنها».

(٣) يوجد هذا المعنى في كثير من كلماتهم وخطبهم ـ عليهم‌السلام ـ في التوحيد ؛ كخطبة أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ خطبها للناس بالكوفة ، ورواها الكليني (ره) في الكافي ، ج ١ ، باب جوامع التوحيد ، ص ١٣٩ ، ح ٥ ، عن إسماعيل بن قتيبة ، عن الصادق ، عنه ـ عليهما‌السلام ـ ، فانه ـ عليه‌السلام ـ قال : «... الحمد لله ... الدالّ على وجوده بخلقه ـ إلى أن قال : ـ ولا تحجبه الحجب ، والحجاب بينه وبين خلقه خلقه إياهم.»

٢١٥

والتسمية هي نظر الوجود وتوجّهه إلى مبدئه ، ومن لواحقه التسمية باللّسان والقلب وغيرهما.

هذا ، ويحتمل أن يكون المراد من الرواية تعلّق الجارّ والمجرور باسم المقدّر ، ويكون الاسم بمعنى السمة والوسم ، ليكون ترجمته مطابقة : «أعلم على نفسي بعلامة الله» ، ويكون الجملة إنشاء كالوجه السابق ؛ إذ التسمية بنفسها عبادة ويجري فيها نظير ما سبق من المراتب ؛ إذ العبوديّة فعليّة وحاليّة وقلبيّة وعقلية وروحيّة ، ولكلّ تسمية ، وحينئذ فيكون أحد المعنيين تفسيرا ابتدائيّا ، والآخر تفسيرا لظاهر الظاهر على ما مرّ بيانه في المقدّمة (١) ، أو أحدهما للبسملة القرآنية والآخر لغيرهما ممّا يقع في كلمات العباد ، لا بعنوان كونه قرآنا. وعلى ما ذكر يكون المعنى الثاني ذكرا للمدلول الالتزامي للمعنى الاوّل المراد بالكلام مطابقة وهذا ممّا يؤيّده ترجيحه.

ثم الرواية الاخيرة يويّد ما ذهب إليه الكوفيّون من كون الاسم أصله الوسم والسمة ، لأنّ الاسم علامة للمسمّى ، خلافا للبصريّين ، فذهبوا إلى أنّ أصله السموّ بمعنى العلوّ ، والمناسبة أنّ التسمية تنويه للمسمّى وإعلاء له ، أو أنّ اللّفظ معرّف للمعنى ، والمعرّف متقدّم على المعرّف في المعلوميّة ، فهو عال عليه. وكلاهما بعيدان وإن كان اشتقاق الاسماء وأسمّي وسمّيت في الجمع والتثنية وبناء الفعل يؤيّده.

[في وجوه تعليق الاستعانة باسم الجلالة وكيفيّتها]

ثمّ إنّ في تعليق الاستعانة وما شابهها باسم الله سبحانه في البسملة وسائر

__________________

(١) راجع المقدمة الرابعة ، بحث مراتب القرآن.

٢١٦

المقامات كقوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ)(١) و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(٢) و (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ)(٣) و (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(٤) وغيرها وجهين :

أحدهما ، أن يكون المنسوب إليه هو الله سبحانه لا الاسم ؛ كقول «لبيد» :

«إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما».

وهذا يمكن أن يكون نحو تعظيم في التعبير ، كما شاع ذكر الجناب ونحوه عند إرادة العرض على الاكابر ، مع أنّ المنسوب إليه هو الكبير بنفسه ، وأن يكون المراد من الاسم المذكور هو المسمّى ، كما صرّح به بعضهم في الآية الاولى (٥)

وثانيهما ، أن يكون الاستعانة بنفس الاستعانة ، وما شاكلها ، متعلّقة بنفس الاسم من حيث كون الاستعانة به استعانة بالمسمّي ، وكونه وسيلة إليه سبحانه سواء جعل الاسم بمعنى اللّفظ ، كما هو المفهوم منه عند العامّة ، فيكون إسناد التسبيح والتبارك إليه باعتبار كونه منزّها عن الدلالة على ما يشعر بنقص ، وكونه موجبا للبركة لمن واظب عليه ، أو ذكر الله سبحانه به ، أو عبارة عن حقيقة ذلك الاسم في عالم الربوبيّة ، فانّ للاسماء حقائق في أعلى درجات عالم الامكان ، كما سنبيّنه في خلال التفسير ـ إن شاء الله تعالى ـ. وحينئذ فنسبة التنزيه والبركة والاستعانة إليه حقيقة إمكانيّة ، يعني في مقام نسبة الاشياء الامكانيّة بعضها إلى بعض. وهذا الوجه أدلّ على تنزيه الحقّ وتباركه وكونه المستعان به من حذف الاسم وجعل المسمّى متعلّق النسبة.

__________________

(١) الاعلى / ١.

(٢) العلق / ١.

(٣) الرحمن / ٧٨.

(٤) الواقعة / ٧٤ و ٩٦ ؛ والحاقّة / ٥٢.

(٥) راجع تفسير النيشابوري ، ج ٣ ، سورة الاعلى ، ذيل الآية ؛ وهكذا في مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٢٠ ، وج ٥ ، ص ٤٧٤ وفي التفسير الكبير ، ج ٨ ، ص ٥٣٦.

٢١٧

ولعلّ أوجه الوجوه أن يقال : لمّا كان ذات الحقّ سبحانه منزّها عن تعلّق إدراكنا به ، وغيبا محضا لا يصحّ الاشارة إليه لا عقلا ولا وهما ، ظاهرا لنا بصفاته وأسمائه وأفعاله وآثاره ، وكان صفاته الذاتيّة عين الذات الممتنعة عن الادراك ، افتقر الداعي والمستعين والمسبّح إلى وجهة يتوجّه بها إليه سبحانه من أسمائه الكلّيّة والجزئيّة : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها)(١) ، بمنزلة القاصر عن مشاهدة الشمس بعينه ، المتوسّل إلى ملاحظتها بالماء الصافي ، أو المرآة الصافية ، فانّ الاسم من حيث أنّه اسم وعلامة للشيء لا يعتبر له استقلال وهويّة ، بل يلاحظ به المسمّى ويجعل آلة للحاظه ؛ كالناظر إلى الشمس من المرآة والماء ، فانّه ينبغي غفلته عن ملاحظة صفات الماء والمرآة ، واستغراقه في مشاهدة صفات الشمس الظاهرة له بتوسّط الماء ، فتسبيحه حينئذ لما ظهر في الماء تسبيح للشمس ، والماء مظهر لها. وأمّا من يرى الماء شيئا مستقلا ، ويشاهده وصفاته ، فهو غير ناظر إلى الشمس ، ولا إلى علامته ، بل إلى أمر آخر محتجب به عن الشمس. وكذا المستعين بحقائق الاسماء الالهيّة أو ألفاظها ومسبّحها قد يكون مسبّحا له سبحانه مستعينا به بايقاع الالفاظ والحقائق عليه ، وهو الموحّد في ذلك المقام ، وقد يكون مسبّحا للألفاظ والحقائق ، ومحتجبا بها عنه سبحانه ، وهو من أخفى أقسام الشرك. ومثالهما : القارئ المشتغل بألفاظ القرائة عن معانيها ، والمشتغل بمعانيها عن ألفاظها بحيث ربّما يذهل عن الالفاظ من كونها أشياء في عين نظره إليها ، من حيث كونها قوالب ومظاهر للمعاني. فلو سألت عن الاوّل عن معنى ما قرأ وفي أيّ مطلب كان لم يشعر بذلك ، ولو سألت الثاني عن خصوصيّات الالفاظ والحروف والكيفيّة الّتي وقع عليها إخراج الحروف لم يدر شيئا منها.

وإن شئت ظهور الحال لك فاستظهر بحال مطالعة الكتاب عند استغراق

__________________

(١) الاعراف / ١٨٠.

٢١٨

النفس في معانيها ، وتمام انصراف الفكر إليها ، فانّه غافل عن النقوش المكتوبة من حيث صفاتها ، بل هي عنده مرآة للمعاني. وقايسه بحال رجل من العوام يريد شراء كتاب ، فانّ نظره على النقوش من حيث صفاتها وأنحائها ، وكذلك المتوجّه إلى اللّفظ والحقيقة تارة متوجّه إلى أحدهما من حيث كونه شيئا ، وتارة من حيث كونه اسما وعلامة ومعرّفا ، فيكون متوجّها إلى المسمّى بالاسم لا إلى الاسم. ونظر الموحّدين إلى كلّ شيء من حيث كونه آية من آيات الله سبحانه ، كما أنّ نظر الناقصين إليها من حيث أنّها هي ، فهو ناظر إلى مهيّاتها ، كما أنّ الاوّل نظر إلى وجوداتها.

ولعلّ ما ذكر من الدقيقة هو الّذي أوقع جماعة في توهّم أنّ الاسم عين المسمّى ، واستفاضت الاخبار في ردّه (١) ، وردّه الجمهور ، بل هو كلام لا محصّل له إلا أن يريد به ما ذكرناه توسّعا في التعبير ، ومجازا بعيدا عن الحقيقة ؛ إذ الفرق بيّن بين أن يكون الاسم هو المسمّى ، وبين إمكان التوجّه بالاسم إلى المسمّى.

[تفسير الاسم باعتبار معنى كلّ حرف من حروفها]

هذا تفسير الكلمة باعتبار معناه التركيبي ، وأمّا باعتبار معاني حروفه مفردا ومادّة هذه الكلمة فهو ما رواه في الكافي والتوحيد والمعاني والعيّاشي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في تفسير البسملة :

«الباء بهاء الله ، والسين سناء الله ، والميم مجد الله ـ وفي رواية :

__________________

(١) كحديث رواه الصدوق (رض) فى التوحيد ، باب أسماء الله تعالى ، ص ٢٢٠ ، ح ١٣ ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في جواب ما سئله هشام بن الحكم (ره) عن أسماء الله عزوجل واشتقاقها ، ـ إلى أن قال عليه‌السلام ـ : «والاسم غير المسمى ...» وهكذا روايات أخر نقله المجلسي (ره) في البحار ، ج ٤ ، باب المغايرة بين الاسم والمعنى ، فراجع.

٢١٩

ملك الله ـ الحديث.» (١)

وروى القمّي بأسانيد متعدّدة جملة منها معتبرة ، عن الباقر والصادق والرضا عليهم‌السلام مثله بالرواية الأخيرة (٢). وذكره كذلك في التوحيد ثانيا في ضمن حديث آخر في ترجمة البسملة (٣).

وهذه الرواية الّتي رواها أساطين مشائخ الحديث بالطرق المتكثّرة عنهم عليهم‌السلام في تفسير البسملة موافقة لما رواه في التوحيد باسناده عن الرضا عليه‌السلام :

«إنّ أوّل ما خلق الله عزوجل ليعرف به خلقه الكتابة حروف المعجم ـ إلى أن قال : ـ ولقد حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في «ا ، ب ، ت ، ث» أنّه قال :

«الألف آلاء الله ، والباء بهجة الله ـ إلى أن قال : ـ «س ، ش» ، فالسين سناء الله ـ إلى أن قال : ـ «م ، ن» ، فالميم ملك يوم الدين (٤) ، يوم لا مالك غيره ، ويقول عزوجل :

__________________

(١) الكافي ، ج ١ ، باب معاني الاسماء واشتقاقها من كتاب التوحيد ، ص ١١٤ ، ح ١ ؛ والتوحيد ، باب معنى «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ، ص ٢٣٠ ، ح ٢ : والمعاني ، باب معنى «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» * ، ص ٣ ، ح ١ ؛ والعياشي ، ج ١ ، ص ٢٢ ، ح ١٨ ؛ ورواه أيضا البرقي (رض) فى المحاسن ، ج ١ ، باب ٢٤ من كتاب مصابيح الظلم ، ص ٢٣٨ ، ح ٢١٣ ؛ وهكذا في الصافي والبحار والبرهان. واسناد الحديث في الجميع هو : عبد الله بن سنان ، عنه ـ عليه‌السلام ـ.

(٢) القمي ، ج ١ ، ص ٢٨.

(٣) التوحيد ، باب معنى «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» * ، ص ٢٣٠ ، ح ٣ ، عن صفوان ابن يحيى ، عمن حدثه ، عن أبى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ؛ وهكذا رواه رحمه‌الله بهذا الاسناد في المعانى ، باب معنى «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» * ، ص ٣ ، ح ٢.

(٤) خ. ل : «ملك الله».

٢٢٠