مجد البيان في تفسير القرآن

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي

مجد البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٣

للقرآن وتعلّم القرآن أهلا ...» (١)

وعن الصفّار في بصائر الدرجات بسنده عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«إنّ في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن ، وكانت فيه أسماء الرجال فألقيت ، وإنّما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى يعرف ذلك الوصاة.» (٢)

وعن العيّاشي ، عنه ما يقرب من ألفاظه (٣).

وروى غيره عن موسى بن عقبة أنّ معاوية أمر الحسين عليه‌السلام أن يصعد المنبر فيخطب ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

«نحن حزب الله الغالبون ، وعترة نبيّه الأقربون ، وأحد الثقلين ، الّذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله ؛ فيه تفصيل لكلّ شيء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،

__________________

(١) قد تقدم في المقدمة الثانية ، انظر ص ٣٣.

(٢) البصائر ، باب ٧ من الجزء الرابع ، ص ١٩٥ ، ح ٦ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة السادسة ، ص ٢٥ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ١٥ ، ح ٧. قال الفيض ـ نوّر الله مرقده ـ : «لعلّ المراد ب «أسماء الرجال» الملقية أعلامهم ، وب «الاسم الواحد» ما كنّى به تارة عنهم وتارة عن غيرهم من الالفاظ التي لها معان متعددة ؛ وذلك ك «الذكر» فانّه قد يراد به رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، وقد يراد به أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ وقد يراد به القرآن ؛ وك «الشيطان» ، فانه قد يراد به الثاني ، وقد يراد به إبليس ، وقد يراد به غيرهما. أراد عليه‌السلام أن الرجال كانوا مذكورين في القرآن تارة بأعلامهم فألقيت ، وأخرى بكنايات فألقيت ، فهم اليوم مذكورون بالكنايات بألفاظ لها معان آخر يعرف ذلك الاوصياء».

(٣) العياشى ، ج ١ ، ص ١٢ ، ح ١٠.

١٠١

والمعوّل علينا في تفسيره لا نتظنّى (١) تأويله ، بل نتّبع حقائقه.» (٢)

أقول :

اعلم أنّ الحكيم هو الّذي يضع الاشياء مواضعه ، ويعطي كلّ ذي حقّ حقّه ، والجواد المطلق هو الّذي يعطي كلّ محتاج ما يحتاج إليه ، والفيّاض المطلق من يعطي كلّ قابل ما له قابليّته واستعداده. ولمّا كان الممكن في نفسه ومرتبة ذاته معدوما محضا ، لا يتّصف بأمر أصلا ، فحصول القابليّة والاحتياج والاستحقاق وصيرورته ذا شأنيّة وصلاحيّة به يكون موضعا واقعيّا لأمر ما لا يكون في الممكن إلا باعطاء الحقّ إيّاه ذلك ، كما أنّه لا تمايز بين الاعدام حال العدم المطلق ، فالله سبحانه ينشأ ذات الممكن ، ويعطيه القابليّة والاستحقاق والشأنيّة والاحتياج ، ويهب له ما يقتضيه ذلك العطاء الاوّل ؛ فيخلق الحيوان ويعطيه الحاجة إلى الرزق ويرزقه ، وكل شيء موجود فهو بتقدير الله وقضائه وقدره ومشيّته وإمضائه ، والمتعلّقة بتلك الجزئيّات ، وتلك الجزئيّات واقعة تحت أنواع وأصناف هي مناط صيرورتها محالّ تلك الامور الالهيّة. فالانواع وقابليّاتها المصحّحة لتلك الامور والامور المفروضة كلّها راجعة إليه ، وفعل كلّ أحد يرجع إلى صفاته ؛ لأنّها المبادئ للأفعال ، فاذا أعطى زيدا أحدا ومنع آخر مع استواء قدرته بالنسبة إلى كلّ منهما ، فيعلم كلّ أحد أنّ للمعطى خصوصيّة في قلب المعطي به صار سببا لاعطائه ، وهو غير

__________________

(١) في بعض نسخ الاحتجاج : «لا يبطينا» ، وفي بعض آخر : «لا يبطئنا».

(٢) رواه الطبرسي (ره) في الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٢٢ ؛ وهكذا أورده الطبري (رض) في بشارة المصطفى ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن بن عليّ ـ عليهما‌السلام ـ نحوه ؛ ونقله الحرّ العاملي (ره) في الوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ص ١٤٤ ، ح ٤٥ ، وقد مر في المقدمة الثانية ، ص ٤٠.

١٠٢

موجود في الآخر من محبّة أو صداقة أو فقر أو غيرها.

وأنت إذا تدبّرت جميع أفعال الانسان وجدت لها مبادئ في نفسه ، لو لم يكن تلك المبادئ لم يصدر عنها تلك الافعال الاختياريّة ، فاذا رأينا زيدا يصلّي أو يدعو أو يضرب أحدا أو يقتله أو يكرمه أو غير ذلك ، علم العاقل أنّ له إرادة متعلّقة بذلك ، منبعثة عن صفة نفسانيّة اقتضت ذلك الاختيار. وكذا جميع موجودات العالم يرجع إلى تلك الامور المفروضة ، وهي إلى حقائق أسماء الله سبحانه ، الّتي تسمّى بها ، وصفاته الافعاليّة ، وهي إلى الصفات الذاتيّة ، الّتي هي عين الذات. ولكلّ شيء سبب مركّب من مقتض وشرط ومعدّ وانتفاء مانع ، ولها أيضا أسباب كذلك ، إلى أن ينتهي إلى مسبّب الاسباب. فمن عرف الله سبحانه بجميع أسمائه فقد عرف جميع المخلوقات لانتقال الذهن من الاسباب إلى المسبّبات ، ومن عرف فردا من أفراد كلّ عنوان بالعناوين الّتي باعتبارها صار معروضا لأفعال الله سبحانه وأسمائه ، فقد عرف الاسماء والصفات بعد معرفة كيفيّة الارتباط ومناطه.

والقرآن مبيّن للأسماء والصّفات والحوادث وكيفيّة الارتباط تصريحا وتلويحا ، ويشبه أن يكون ذكر كثير من أسماء الله سبحانه عقيب ذكر الحوادث تنبيها على مبدء تلك الحادثة ، وأن مصدرها هو ذلك الاسم والصفة. فالقرآن واف ببيان جميع الاشياء لمن يعرفه حق معرفته.

وقد سبق بعض البيان في ذلك ، وستعرف بعض ما يتّضح به ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ. وهذا ذكر إجمالي سنح بالبال ، فتدبّره فلعلّه يكون الحقّ في المقال ، والله العالم بحقيقة الحال.

١٠٣

المقدّمة السابعة

في نبذة ممّا جاء في جمع القرآن

وتحريفه وزيادته ونقصه ، وما يتعلّق بذلك

فعن عليّ بن إبراهيم [قدّه] في تفسيره باسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : يا عليّ ، إنّ القرآن لخلفة فراشه (١) في الصمت (٢) والحرير والقراطيس ، فخذوه واجمعوه ، ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة. وانطلق عليّ عليه‌السلام فجمعه في جراب أصفر (٣) ، ثمّ ختم عليه في بيته وقال : لا أرتدي حتّى أجمعه ، قال : كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتّى جمعه.» (٤)

وعن الكافي باسناده عن سالم بن أبي سلمة قال :

«قرأ رجل على (٥) أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) في بعض نسخ القمي : «خلف فراشي».

(٢) في بعض نسخ القمي : «الصحف».

(٣) في المخطوطة : «جواب أصفر» ، وفي بعض النسخ : «ثوب أصفر» ، كما يأتي الاشارة اليه.

(٤) القمي ، ج ٢ ، ص ٤٥١ ، عن أبي بكر الحضرمي ، عنه ـ عليه‌السلام ـ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة السادسة ، ص ٢٤ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب ما جاء في كيفية جمع القرآن ، ص ٤٨ ، ح ٧.

(٥) في المخطوطة : «عن» ، وكتب فوقه : «عند ـ ظ».

١٠٤

كفّ عن هذه القرائة ، إقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم عليه‌السلام فاذا قام قرأ كتاب الله تعالى على حدّه ، وأخرج المصحف الّذي كتبه عليّ عليه‌السلام.

وقال : أخرجه عليّ عليه‌السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله كما أنزله الله على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد جمعته بين اللّوحين. فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن ، لا حاجة لنا فيه. فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا ، إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤه.» (١)

وباسناده عن البزنطي قال :

«دفع إلىّ أبو الحسن عليه‌السلام مصحفا وقال : لا تنظر فيه؟ ففتحته وقرأت فيه : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ...). (٢) فوجدت (٣) فيها اسم سبعين رجلا من قريش وأسمائهم وأسماء آبائهم ـ إلى آخره.» (٤)

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٣٣ ، ح ٢٣ ؛ وايضا رواه الصفار (ره) في البصائر ، باب ٦ من الجزء الرابع ، ص ١٩٣ ، ح ٣ ؛ وهكذا في الصافي والبرهان.

(٢) البيّنة / ١.

(٣) في المخطوطة : «فوجد» ، وكتب عليه : «كذا».

(٤) الكافي ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٣١ ، ح ١٦ ؛ والصافي ج ١ ، المقدمة السادسة ، ص ٢٥ ، وقد أورد الفيض (ره) في شرحه في ص ٣٣ منه ، وفى الوافي ، ج ١ ، باب اختلاف القرائات وعدد الآيات ، ص ٢٣٧ كلاما مفيدا جدّا ، من أراد فليراجع.

١٠٥

وعن محمّد بن سليمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال :

«قلت له : جعلت فداك ، إنّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ، وما نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال : لا ، إقرؤا كما تعلّمتم ، فسيجيء من يعلّمكم.» (١)

وعن العيّاشي في تفسيره ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«لو لا أنّه زيد في كتاب الله ونقص ، ما خفي حقّنا على ذي حجى ، ولو قد قام (٢) قائمنا فنطق صدّقه القرآن.» (٣)

وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«لو قرء القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمّين.» (٤)

__________________

(١) قوله عليه‌السلام : «من يعلمكم» يعني به : صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ. والحديث في الكافي ، ج ٢ ، باب أن القرآن يرفع كما انزل ، ص ٦١٩ ح ٢ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة السادسة ، ص ٢٤.

(٢) في المخطوطة : «قدم» بدل «قد قام».

(٣ و ٤) العياشي ، ج ١ ، ص ١٣ ، ح ٦ ، عن ميسر ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ وح ٤ ، عن داود بن فرقد ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة السادسة ، ص ٢٥ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٢٢. وهكذا نقل الحرّ العاملي (ره) هذين الحديثين وأحاديث أخر في إثبات الهداة ، ج ٣ ، فصل ٣٨ ، ص ٤٣ وقال في ذيلها : «هذه الاحاديث وامثالها دالة على ان النص على الائمة ـ عليهم‌السلام ـ وكذا التصريح بأسمائهم ، وقد تواترت الاخبار بأن القرآن نقص منه كثير وسقط منه آيات لما تكتب ، وبعضهم يحمل تلك الاخبار على ان ما نقص وسقط كان تأويلا نزل مع التنزيل ، وبعضهم على أنه وحي لا قرآن ، وعلى كلّ حال فهو حجة في النصّ ، وتلك الاخبار متواترة من طريق العامة والخاصة.»

١٠٦

وفيه عنه (١) عليه‌السلام :

«إنّ القرآن قد طرح منه آي كثيرة ، ولم يزد فيه إلا حروف قد أخطأت به الكتبة وتوهّمها الرجال.» (٢)

وعن الطبرسي في الاحتجاج في جملة احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام على جماعة من المهاجرين والانصار أنّ طلحة قال له في جملة مسائله عنه :

«يا أبا الحسن ، شيء أريد أن أسألك عنه ، رأيتك خرجت بثوب مختوم فقلت : أيّها الناس ، إنّي لم أزل مشتغلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغسله (٣) وكفنه ودفنه ، ثمّ اشتغلت بكتاب الله حتّى جمعته ، فهذا كتاب الله عندي مجموعا ؛ لم يسقط عنّي حرف واحد ، ولم أر ذلك الّذي كتبت وألّفت ، وقد رأيت عمر بعث إليك أن ابعث به إليّ ، فأبيت أن تفعل. فدعا عمر الناس ، فاذا شهد رجلان على آية كتبها ، وإن لم يشهد عليها غير رجل واحد أرجأها (٤) فلم يكتب ، فقال عمر وأنا أسمع : إنّه قد قتل يوم اليمامة قوم كانوا يقرؤن قرآنا لا يقرأه غيرهم

__________________

(١) المراد من الضمير في قوله : «عنه» هو الباقر ـ عليه‌السلام ـ كما يظهر من العياشي والبرهان ، لا الصادق ـ عليه‌السلام ـ ، كما يوهمه عبارة المتن التي هي مأخوذة من الصافي أو مرآة الانوار.

(٢) العياشي ، ج ١ ، ص ١٨٠ ، ح ٧٣ ، عن حبيب السجستاني ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة السادسة ، ص ٢٥ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٢٩٤ ، ح ٥ ؛ ومرآة الانوار ، المقدمة الثانية ، ص ٣٧.

(٣) في المخطوطة : «وغسله».

(٤) أي : «أخّرها».

١٠٧

فقد ذهب. وجاء شاة إلى صحيفة وكتاب يكتبون فأكلتها ، وذهب ما فيها ، والكاتب يومئذ عثمان ، وسمعت عمر وأصحابه الّذين ألّفوا ما كتبوا على عهد عمر وعلى عهد عثمان ، يقولون :

إنّ «الاحزاب» كانت تعدل سورة «البقرة» ، وإنّ «النور» نيّف (١) ومائة آية ، و «الحجر» تسعون ومائة آية ، وما هذا؟ وما يمنعك ـ يرحمك الله ـ أن تخرج كتاب الله على الناس وقد عهد عثمان حين أخذ ما ألف عمر ، فجمع له الكتاب ، وحمل الناس على قرائة واحدة. فمزّق مصحف «أبيّ بن كعب» و «ابن مسعود» وأحرقهما (٢) بالنار؟

فقال عليّ عليه‌السلام : يا طلحة ، إنّ كلّ آية أنزلها الله عزوجل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله عندي باملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطّ [يدى](٣) وتأويل كلّ آية أنزلها الله على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكلّ حلال وحرام أو حدّ أو حكم أو شيء يحتاج إليه الامّة إلى يوم القيامة مكتوب باملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطّ يدي ، حتّى أرش (٤) الخدش ـ وساق الكلام إلى أن قال : ـ

ثمّ قال طلحة : لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عمّا سألتك عنه من أمر القرآن ، ألا تظهره للناس؟ (٥)

قال عليه‌السلام : يا طلحة ، عمدا كففت عن جوابك ، فأخبرني عمّا

__________________

(١) في بعض نسخ الاحتجاج : «ستون».

(٢) في المخطوطة : «أحرقها».

(٣) سقط عن المخطوطة.

(٤) الارش : الدية.

(٥) في المخطوطة : «تظهر».

١٠٨

كتب عمر وعثمان ، أقرآن كلّه أم فيه ما ليس بقرآن؟ قال طلحة : بل قرآن كلّه.

قال : إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنّة ؛ فانّ فيه حجّتنا وبيان حقّنا وفرض طاعتنا. قال طلحة : حسبي [أمّا](١) إذا كان قرآنا ، فحسبي ـ إلى آخر الحديث.» (٢)

وقال رحمه‌الله : وفي رواية أبي ذرّ الغفاري :

«لمّا توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع عليّ عليه‌السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والانصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فلمّا فتحه أبو بكر خرج في أوّل صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر ، فقال : يا عليّ ، اردده فلا ـ حاجة لنا فيه. فأخذه عليّ عليه‌السلام وانصرف.

ثمّ أحضر «زيد بن ثابت» ـ وكان قارئا للقرآن ـ فقال له عمر : إنّ عليّا جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والانصار ، وقد أردنا أن تؤلّف لنا القرآن وتسقط (٣) منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والانصار.

فأجابه زيد إلى ذلك ، ثمّ قال : فان أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر عليّ عليه‌السلام القرآن الّذي ألّفه ، أليس قد بطل كلّ ما عملتم؟

__________________

(١) سقط في المخطوطة.

(٢) الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٢٢٢ ـ ٢٢٥ ، عن سليم بن قيس الهلالي ، والصافي ، ج ١ ، المقدّمة السادسة ، ص ٢٥ ـ ٢٦ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب ما جاء في كيفية جمع القرآن ، ص ٤١.

(٣) في بعض نسخ الاحتجاج : «رأينا أن نؤلّف القرآن ونسقط».

١٠٩

ثمّ قال عمر : فما الحيلة؟ قال زيد : أنتم أعلم بالحيلة.

فقال عمر : ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه؟ فدبّر في قتله على يد «خالد بن الوليد» ، فلم يقدر على ذلك ، وقد مضى شرح ذلك (١).

فلمّا استخلف عمر سأل عليّا عليه‌السلام أن يدفع إليهم القرآن فيخرجوه (٢) فيما بينهم فقال : إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتّى نجتمع عليه.

فقال عليّ عليه‌السلام : هيهات! ليس إلى ذلك سبيل ، إنّما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ، ولا تقولوا يوم القيامة : إنّا كنّا عن هذا غافلين ، أو تقولوا : ما جئتنا به. إنّ القرآن الّذي عندي لا يمسّه إلا المطهّرون والاوصياء من ولدي.

فقال عمر : فهل وقت لاظهاره معلوم؟

قال عليّ عليه‌السلام : نعم ، إذا قام القائم [عجّل الله تعالى فرجه الشريف] من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه. فتجري السنّة به.» (٣)

[و] روي عنه عليه‌السلام في جملة احتجاجه على الزنديق الّذي جاء إليه مستدلا بآي من القرآن متشابهة (٤) يحتاج إلى التأويل أنّه قال عليه‌السلام :

__________________

(١) قوله : «وقد مضى شرح ذلك» من كلام صاحب الاحتجاج (ره).

(٢) في المخطوطة والمآخذ : «يحرفوه».

(٣) الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٢٢٥ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة السادسة ، ص ٢٧ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب ما جاء في كيفية جمع القرآن ، ص ٤٢ ، ح ٢.

(٤) في المخطوطة : «متشابه».

١١٠

«ولم يكنّ عن أسماء الانبياء تجبّرا وتعزّزا ، بل تعريفا لأهل الاستبصار. إنّ الكناية عن أسماء ذوي الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست (١) من فعله تعالى ، وإنّها من فعل المغيّرين والمبدّلين (٢) ، الّذين جعلوا القرآن عضين ، واعتاضوا الدنيا من الدين. وقد بيّن الله تعالى قصص المغيّرين بقوله : (لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً)(٣) ، وبقوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ)(٤) ، وبقوله : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ)(٥) بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود (٦) باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى

__________________

(١) في المخطوطة : «الّتي ليست».

(٢) قال الفيض (ره) في توضيح هذه الفقرة في حاشية تفسيره : «قوله : «ان الكناية» مفعول للتعريف ؛ أراد عليه‌السلام ان الله سبحانه صرّح في كتابه بأسماء المنافقين كما صرّح بأسماء الانبياء ، وإنما بدلها المبدلون ، وإنما لم يكن من أسماء الانبياء في مقام ذكر هفواتهم ، بل صرّح بها تجبرا وتعزّزا لئلا يتخذوا من دونه آلهة. وليعرف أهل الاستبصار أنّ التكنية عن أسماء المنافقين ليست من فعله ، بل هو من فعل المغيّرين ، وذلك لعلمه بأنهم سيبدلونها ، ويبقى أسماء الانبياء مصرحا بها بلفظه ، «بل» ليست للإضراب بل للترقي.»

وقال أبو الحسن العاملي الاصفهاني في مرآة الانوار في شرحها : «ثم ان قوله : «بل تعريفا» متعلّق بمجموع قوله «لم يكن» إلى وجه التصريح ، ليس التجبر ، بل تعريف أهل الاستبصار. هذا غاية توجيه العبارة المذكورة ، ويحتمل أيضا سقوط شيء منها.»

(٣) البقرة / ٧٩.

(٤) آل عمران / ٧٨.

(٥) النساء / ١٠٨.

(٦) الاود : الاعوجاج.

١١١

وعيسى من تغيير التوراة والانجيل ، وتحريف الكلم عن مواضعه ، وبقوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ.)(١) يعني : إنّهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليقة ، فأعمى الله قلوبهم (٢) حتّى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوه فيه وحرّفوه منه ، وبيّن عن إفكهم وتلبيسهم ، وعن كتمان ما علموه منه ؛ ولذلك قال لهم : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ؟)(٣) وضرب مثلهم بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.)(٤) فأمّا «الزبد» في هذا الموضع كلام الملحدين ، الّذين أثبتوه في القرآن ، فهو يضمحلّ ويبطل ، ويتلاشى عند التحصيل ؛ والّذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقيّ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والقلوب تقبله. و «الارض» في هذا الموضع هي محلّ العلم وقراره ، وليس يسوغ (٥) مع عموم التقيّة التصريح بأسماء المبدّلين ، ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر ، والملل المنحرفة عن قبلتنا ، وإبطال هذا العلم الظاهر الّذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الائتمار

__________________

(١) التوبة / ٣٢.

(٢) في المخطوطة : «على قلوبهم».

(٣) آل عمران / ٧١.

(٤) الرعد / ١٧.

(٥) في المخطوطة : «سوغ».

١١٢

لهم والرضاء بهم ، ولأنّ أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عددا من أهل الحقّ ، ولأنّ الصبر على ولاة الامر مفروض لقول الله عزوجل لنبيّه : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(١) ، وايجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(٢) ـ إلى آخره.» (٣)

مشتملا على مواضع أخر تدلّ على التغيير :

منها : التصريح بتغيير الكتاب وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل وكفر ذوي الكفر منه.

ومنها : التصريح بأنّهم تركوا منه ما قد رأوا أنّه لهم وهو عليهم ، وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره ، وعلم الله أنّ ذلك يظهر ويبيّن ، فقال : (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)(٤) ، وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافترائهم ، الّذي بدا في الكتاب من الازراء على النبيّ من فرية الملحدين ؛ ولذلك قال : (لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً.)(٥)

ومنها : التصريح بأنّه إسقاط المنافقين بين القسط في اليتامى ، وبين نكاح النساء في قوله تعالى : (إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(٦)

__________________

(١) الاحقاف / ٣٥.

(٢) الاحزاب / ٢١.

(٣) الاحتجاج ، ج ١ ، ٣٧٠ ـ ٣٧١ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدّمة السادسة ، ص ٢٨ ـ ٢٩ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب ما جاء في كيفية جمع القرآن ، ص ٤٣ ، ح ٣ ؛ ومرآة الانوار ، المقدمة الثانية ، ص ٤٣ ـ ٤٦.

(٤) النجم / ٣٠.

(٥) المجادلة / ٢.

(٦) النساء / ٣.

١١٣

من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن ، إلى غير ذلك.

والاحاديث الظاهرة في تغيير القرآن وتبديله ، والتقديم والتأخير ، والزيادة والنقيصة ، وغير ذلك كثيرة ، حتّى نقل بعض العارفين المحدّثين عن السيّد نعمة الله الجزائري أنّه ذكر في الرسالة الصلاتيّة :

«أنّ الاخبار الدالّة على ذلك تزيد على ألفي حديث.» (١)

وذكر أنّه لم يقف على حديث واحد يشعر بخلاف ذلك ، وقال :

«القرآن الموجود الآن ستّة آلاف آية ، وستّمائة وستّ وستّون آية تقريبا.»

وفي صحيحة «هشام بن سالم الجواليقي» : «أنّ القرآن الذى نزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعة عشر ألف آية.» (٢)

وفي رواية : «ثمانية عشر ألف آية.» (٣)

ونقل عن سعد بن إبراهيم الاردبيلي من علماء العامّة في كتاب «الاربعين» أنّه روى باسناده إلى المقداد بن الاسود الكندي ، قال :

«كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [وهو](٤) متعلّق بأستار الكعبة ويقول : اللهمّ أعضدني ، واشدد أزري ، واشرح صدري ، و

__________________

(١) مراده من الرسالة الصلاتية هي : رسالة «هدية المؤمنين وتحفة الراغبين» ، الموضوعة في بيان أحكام الصلاة ، فراجعها ، ص ١٢١ (المخطوط).

(٢) رواه الكليني (ره) في الكافي ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٣٤ ، ح ٢٨ ، عنه ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ.

(٣) نقله المولى محمد صالح المازندراني (ره) عن كتاب سليم بن قيس الهلالي (ره) في شرحه على الكافي ، ذيل آخر حديث من كتاب فضل القرآن ، فراجع.

(٤) سقط عن المخطوطة.

١١٤

ارفع ذكري ؛ فنزل جبرئيل عليه‌السلام وقال : اقرأ : «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ* وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ(١) بعليّ صهرك.» فقرأ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على ابن مسعود ، فألحقها في تأليفه (٢) ، وأسقطها عثمان.» (٣)

[اختلاف العلماء في التّحريف]

وقد اختلف أنظار علمائنا ـ رحمهم‌الله تعالى ـ في ذلك ؛ فقال عليّ بن إبراهيم ـ رحمه‌الله تعالى ـ أستاد الكليني (ره) في أوّل تفسيره :

«فالقرآن [منه] ناسخ ، ومنه منسوخ ، ومنه محكم ، ومنه متشابه ، ومنه خاصّ ، ومنه عامّ ، ومنه تقديم ، ومنه تأخير ، ومنه منقطع ، ومنه معطوف ، ومنه حرف مكان حرف ، ومنه محرّف (٤) ، ومنه على خلاف ما أنزل الله عزوجل ، ومنه [ما] لفظه عامّ ومعناه خاصّ ، ومنه [ما] لفظه خاصّ ومعناه عامّ ، ومنه آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة أخرى ـ ثمّ ذكر أنواعا كثيرة وقال في آخرها : ـ ونحن ذاكرون جميع ما ذكرناه آية آية في أوّل الكتاب مع خبرها ليستدل بها على غيرها ، ويعرف بها علم ما في الكتاب ـ إلى أن قال : ـ

 وأمّا التقديم والتأخير ، فانّ آية «عدّة النساء» الناسخة تقدّمت على المنسوخة ؛ لأنّ في التأليف قد قدّمت آية «عدّة

__________________

(١) الانشراح / ١ ـ ٤.

(٢) في الاربعين : «مصحفه».

(٣) تراه في الاربعين (المخطوط) ، الحديث التاسع والثلاثون.

(٤) هذه الفقرة ليست في بعض النسخ.

١١٥

النساء أربعة أشهر وعشرا» (١) على آية «عدّة سنة» (٢) ، وكان يجب أوّلا أن تقرأ المنسوخة الّتي نزلت قبل ، ثمّ الناسخة الّتي نزلت بعد.

وقوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً.)(٣) فقال الصادق عليه‌السلام : إنّما أنزل : «ا فمن كان على بينه من ربه ويتلوه شاهد منه إماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى.»

وقوله : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا.)(٤) وإنّما هو : «نحيا ونموت» ؛ لأنّ الدهريّة (٥) لم يقرّوا بالبعث بعد الموت ، وإنّما قالوا : «نحيا ونموت» فقدّموا

__________________

(١) البقرة / ٢٣٤ ، وهي : «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً.»

(٢) البقرة / ٢٤٠. وهي : «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ.» ونظير قوله (ره) ما قال الفيض (ره) في الصافي ، ج ١ ، المقدمة السادسة ، ص ٣٣ ، وهو : «الآيتان متقاربتان في سورة البقرة. وأما الناسخة المتقدمة ، فهي قوله تعالى : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً. وأما المنسوخة المتأخّرة ، فهي قوله تعالى : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ.»

(٣) هود / ١٧.

(٤) الجاثية / ٢٤.

(٥) الدهريون هم القائلون أن العالم موجود أزلا وأبدا لا صانع له ، وهم فرقة من الكفار ملحدون ، كما في هامش فرق الشيعة ، ص ٤٦. وقال الطريحي (ره) في مجمع البحرين : «الدهرية قوم يقولون : لا ربّ ولا جنّة ولا نار ، ويقولون ، ما يهلكنا إلا الدهر ، وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان منهم على غير تثبّت.»

١١٦

حرفا على حرف.

وقوله : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي.)(١) وإنّما هو : «اركعي واسجدي».

وقوله : «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ(٢)نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً.» (٣) وإنّما هو : «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ أسفا إن لم يؤمنوا بهذا الحديث.» ومثله كثير ـ إلى أن قال : ـ

وأمّا ما هو كان على خلاف ما أنزل الله ، فهو قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ.)(٤) فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لقاري هذه الآية : (٥) «خير امّة يقتلون (٦) أمير المؤمنين والحسن والحسين ابنا عليّ عليهم‌السلام؟ فقيل له : كيف انزلت يابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : إنّما انزلت : «كنتم خير أئمة اخرجت للناس» ؛ ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)؟

ومثله آية قرئ على أبي عبد الله عليه‌السلام : «الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا

__________________

(١) آل عمران / ٤٣.

(٢) في المصباح : «بخع نفسه بخعا ، قتلها من وجد أو غيظ.»

(٣) الكهف / ٦.

(٤) آل عمران / ١١٠.

(٥) في المخطوطة : «القرائة».

(٦) في المخطوطة : «تقتل».

١١٧

هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً.» (١)

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«لقد سألوا الله عظيما أن يجعلهم للمتّقين إماما».

فقيل له : يابن رسول الله ، كيف نزلت؟

فقال : «إنّما نزلت : واجعل لنا من المتقين».

وقوله : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ.)(٢) فقال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«كيف يحفظ الشيء من أمر الله؟ وكيف يكون المعقّب من بين يديه؟» فقيل له : وكيف ذلك يابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال عليه‌السلام : «إنّما انزلت : له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله.»

ومثله كثير ـ ثمّ قال : ـ

وأمّا ما هو محذوف منه ، فهو قوله : «لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ في علىّ عليه‌السلام ـ كذا نزلت ـ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ» (٣).

وقوله : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في علي عليه‌السلام وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.» (٤)

وقوله : «(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) آل محمّد حقّهم (لَمْ يَكُنِ اللهُ

__________________

(١) الفرقان / ٧٤.

(٢) الرعد / ١١.

(٣) النساء / ١٦٦.

(٤) المائدة / ٦٧.

١١٨

لِيَغْفِرَ لَهُمْ.) (١)

وقوله : «(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) آل محمد حقهم أي (مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.)» (٢)

وقوله : «(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) آل محمّد حقّهم (فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ.)» (٣)

ومثله كثير نذكره في مواضعه ـ إلى أن قال : ـ

وأما الايات التي هي في سورة وتمامها في سورة أخرى ، فقوله في سورة «البقرة» في قصّة بني إسرائيل حين عبر بهم موسى البحر ، وغرق الله فرعون وأصحابه ، ونزل موسى ببني إسرائيل وأنزل الله عليهم المنّ والسلوى ، فقالوا لموسى : «(لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ) لهم موسى (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ.)» (٤) فقالوا له : (يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ.)(٥) فنصف الآية في سورة «البقرة» ونصفها في سورة «المائدة».

__________________

(١) النساء / ١٦٨.

(٢) الشعراء / ٢٢٧.

(٣) الانعام / ٩٣ ، وهي في المصحف هكذا : «وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ.»

(٤) البقرة / ٦١.

(٥) المائدة / ٢٢.

١١٩

وقوله : (اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)(١) فردّ الله عليهم : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ.)(٢)

فنصف الآية في سورة «الفرقان» ونصفها في سورة «العنكبوت».

ومثله كثير ، نذكره في مواضعه ـ إن شاء الله تعالى ـ.» (٣) انتهى.

والظاهر من حاله أنّ ما ذكره جميعا مأخوذ من أحاديثهم عليهم‌السلام.

واستظهر من الكليني اعتقاد التحريف والنقصان في القرآن من جهة روايته روايات في هذا المعنى من دون تعرّض لقدح فيها في الكافي ، مع ذكره في أوّله أنّه كان يثق بما رواه فيه.

وكذلك الطبرسي في كتاب «الاحتجاج».

ونسب إلى أكثر الاخباريّين أنّه وقع فيه التحريف والزيادة والنقصان (٤) ،

__________________

(١) الفرقان / ٥.

(٢) العنكبوت / ٤٨.

(٣) القمي ، ج ١ ، المقدمة ، ص ٥ ـ ١٢.

(٤) كالسيد نعمة الله الجزائري (ره). وقد أورد في رسالته الموسومة ب «منبع الحياة في حجية قول المجتهدين من الاموات» (المخطوط) أدلّة لإثباته وقال : «انّ الاخبار المستفيضة بل المتواترة قد دلّت على وقوع الزيادة والنقصان والتحريف في القرآن ؛ منها : ما روي عن مولانا أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ لمّا سئل عن التناسب بين الجملتين في قوله تعالى. «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ» ، فقال : «والله لقد سقط بينهما أكثر من ثلث القرآن.» ومنها : ما روي عن ـ

١٢٠