مجد البيان في تفسير القرآن

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي

مجد البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد حسين الإصفهاني النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٣

وفي رواية أخرى :

«زجر ، وأمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال.» (١)

والمستفاد منهما أنّ الأحرف إشارة إلى أقسامه وأنواعه. ويؤيّد ذلك ما روي من طريق أصحابنا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال :

«إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام ، كلّ قسم منها كاف شاف ، وهي : أمر ، وزجر ، وترغيب ، وترهيب ، وجدل ، ومثل ، وقصص.» (٢)

[في عدم نزول القرآن على سبعة ألفاظ]

ويدلّ على نفي ورود القرآن بالألفاظ المختلفة ما روي عن الكليني بسنده الحسن كالصحيح ، عن فضيل بن يسار قال :

«قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال : كذبوا أعداء الله ، ولكنّه نزل

__________________

(١) أخرجه الطبري فى تفسيره ، ج ١ ، ص ٢٢ ، عن يونس ؛ عن ابن مسعود ، عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ؛ ورواه الطبراني عم عمر بن أبي سلمة ، عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في قوله لعبد الله بن مسعود كما ذكره الهيثمي فى مجمع الزوائد ، ج ٧ ، باب كم أنزل القرآن على حرف ، ص ١٥٣ ؛ وهكذا في التبيان ، ج ١ ، المقدمة ، ص ٧ ؛ ومجمع البيان ، ج ١ ، الفن الثاني من مقدمة الكتاب ، ص ١٣ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة الثامنة ، ص ٣٩.

(٢) رواه النعماني (قده) في تفسيره ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله ، عنه ـ عليهما‌السلام ـ ، فراجع البحار ، ج ٩٣ ، باب ما ورد في أصناف آيات القرآن ، ص ٤. وقد تقدم صدر كلام أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ من تفسيره في المقدمة الرابعة. وهكذا نقله الفيض (ره) في الصافي ، ج ١ ، المقدمة الثامنة ، ص ٣٩ ؛ والمحقق القمي (ره) في القوانين ، الباب السادس ، ص ٣٩١.

١٤١

على حرف واحد من عند الواحد.» (١)

وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال :

«إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكنّ الاختلاف يجيء من قبل الرّواة.» (٢)

وعن كتاب «التحريف والتنزيل» المنسوب إلى «أحمد بن محمّد» ، المعروف ب «السيّارى» : حدّثني البرقي وغيره ، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن جميل بن درّاج ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«القرآن واحد نزل من عند ربّ واحد إلى نبيّ واحد ، ولكنّ الاختلاف يجيء من قبل الرواة.»

البرقي وغيره ، عن حمّاد بن عيسى ، عن جابر بن عبد الله قال :

«قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : كذبوا ، نزل حرف واحد من عند ربّ واحد إلى نبيّ واحد.»

وعنه أيضا ، من البرقي باسناده المتّصل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«قلت له : قول الناس : «نزل القرآن على سبعة أحرف»؟ فقال : واحد من عند واحد.»

[و] عنه أيضا ما هذا لفظه.

وباسناده عن زرارة بن أعين قال :

«سأل سائل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رواية الناس في القرآن :

__________________

(١) الكافى ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٣٠ ؛ والصافى ، ج ١ ، المقدمة الثامنة ، ص ٤٠ ؛ والبرهان ، ج ١ ، ص ٢١.

(٢) نفس المصادر.

١٤٢

«نزل على سبعة أحرف» ، فقال : كذبوا الناس في رواياتهم ، بل هو حرف واحد من عند واحد نزل به الملائكة على واحد.»

وعنه أيضا مسندا عن جميل بن درّاج ، عن زرارة مثل رواية الكلينى (١).

[المراد من الاحرف ما هو؟]

وهذه الاخبار قامت على أنّ القرائة النازلة واحدة ، وأنّه لم ينزل على سبعة ألفاظ مختلفة ، فيجوز أن يكون للكلام بالمعنى الّذي أرادوا كما هو الظاهر من التكذيب ؛ إذ تكذيب اللّفظ باعتبار المعنى المقصود منه فلا ينافي ورود هذا اللّفظ في الاخبار بالمعنى المتقدّم أو بمعنى آخر ؛ كارادة البطون والتأويلات ، كما ربّما يستفاد ممّا روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام لمّا قال له حمّاد : «إنّ الاحاديث تختلف عنكم (٢) أنّه قال :

«إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، فأدنى ما للامام (٣) أن يفتي على سبعة وجوه.» (٤)

__________________

(١) المراد من «مثل رواية الكليني» روايته الاخيرة كما صرّح به السيد محمد الموسوي الخوانساري عند نقل هذه الاخبار في هامش الوسائل ، ج ١ ، ص ٣٨٥ ، المطبوع بتبريز في سنة ١٣١٣ ؛ وهكذا نقلها المحدث النوري (ره) في فصل الخطاب ، الدليل العاشر ، ص ٢١٢.

(٢) في بعض نسخ الخصال : «منكم».

(٣) في المخطوطة : «للإتمام».

(٤) رواه العياشي (رض) في تفسيره ، ج ١ ، ص ١٢ ، ح ١١ ؛ والصدوق (ره) في الخصال ، ج ٢ ، باب السبعة ، ص ٣٥٨ ، ح ٤٣ ؛ ونقله الفيض (ره) في الصافي ، ج ١ ، المقدمة الثامنة ، ص ٣٩ ؛ والمجلسي (ره) في البحار ، ج ٩٢ ، باب أن للقرآن ظهرا وبطنا ، ص ٨٣ ، ح ١٣.

١٤٣

وما (١) ربّما يستفاد من رواية الخصال عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«أتاني آت من الله عزوجل فقال : [إنّ الله] يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد ، فقلت : يا ربّ وسّع على امّتي ، فقال : إنّ الله عزوجل يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف.» (٢)

فمع ضعف سنده ومعارضته بما تقدّم المعتضدة بالاعتبار محتمل لارادة التوسعة والضيق المعنويين باعتبار الاكتفاء من بعض بما يفهمونه من بعض الآيات ، وإن لم يكن مطابقا للواقع في مقابل إلزام الكلّ بتحصيل المراد الواقعي ، أو بملاحظة أنّ المطلوب من كلّ صنف من أصناف المؤمنين آداب وشرائط لا يراد ممّن دونه ؛ إذ حسنات الابرار سيّئات المقرّبين.

فلعلّ المراد أنّ القرآن على سبعة أحرف ، كلّ حرف يتعلّق بأهل مرتبة من المراتب السبعة المذكورة في الاخبار للايمان ، فلا يراد من الجميع الاحكام المراد من ذي الدرجة السابعة. ويؤيّد هذا الاحتمال الرواية السابقة ؛ إذ هذا السبب هو السبب الظاهر في اختلاف الفتاوى.

ويحتمل إرادة التوسعة اللّفظيّة مع بقاء المادّة والتركيب بحاله ، بحيث لا يتغيّر به المعنى الافراديّ والتركيبيّ ، وإن كان اللّفظ النازل من الله سبحانه واحدا مشتملا على كيفيّات خاصّة ، فيجوز قرائة ذلك بسائر الكيفيّات الصحيحة ، على أنّه لا يبعد أن يكون العبرة في القرائة بما يعدّ حكاية لكلام الله سبحانه في العرف. وكثير من أنحاء التغييرات لا نحلّ بذلك ؛ كالاشمام ، والامالة ، والتفخيم ،

__________________

(١) في المخطوطة : «اما».

(٢) الخصال ، ج ٢ ، باب السبعة ، ص ٣٥٨ ، ح ٤٤ عن عيسى بن عبد الله الهاشمي ، عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم‌السلام ـ ، عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة الثامنة ، ص ٣٩ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٧٤ من أبواب القرائة في الصلاة ص ٨٢٢ ، ح ٦.

١٤٤

وما يحذو حذوها جزما ؛ وكالقلب والابقاء على الاصل ، والادغام ، وفكّه ، والاسكان ، والتحريك ؛ كقرائة «كفؤا» بالهمزة والواو ، متحرّك الوسط وساكنه ، دون يرتدّ ويرتدد ، على احتمال قويّ. فلا يبعد أن يقال : لا يلزم في ذا مثلا ذلك تعدّ بقرائة أصلا ، بل يجوز قرائة الآية الواحدة بما لا يخرجها عن كونها هي من الوجوه الصحيحة عند أهل اللّسان وإن لم يقرأه به أحد من القرّاء. وهذا بخلاف ما لو أفضى إلى تغيير المادّة ؛ مثل ينشر وينشز باهمال الآخر (١) أو إعجامه أو هيئته المشتملة على تبديل الحرف ، ومثل القرائة بصيغة المغايب والمتكلّم في مواضع ، وكقرائة «ملك» و «مالك» ، أو المعنى : كصيرورة المفعول حالا ، والمبتدأ خبرا وغير ذلك. فانّه يخرجه عن حكاية القرآن عند الدّقّة ؛ إذا الكلام مأخوذ فيه المادّة والهيئة في المفردات ، والهيئة التركيبيّة الّتي تختلف باختلافها المعاني التابعة لها كالفاعليّة والمفعوليّة ؛ فافهم.

ويؤيّد ما ذكر من عدم التوسعة الّتي زعموه بحيث تؤدّي إلى تبديل ألفاظ القرآن ، ما روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال :

«إن كان ابن مسعود لا يقرء على قرائتنا فهو ضالّ. قال ربيعة : ضالّ؟ فقال : نعم ، ضالّ. ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أمّا نحن فنقرأ على قرائة ابي.» (٢)

واستظهر بعض أنّ ذيله ورد من باب المصلحة (٣) ، واحتمل أن يكون اللّفظ

__________________

(١) في المخطوطة : «الاحرام».

(٢) رواه الكليني (قد) في الكافي ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٣٤ ، ح ٢٧ عن عبد الله بن فرقد والمعلّى بن خنيس عنه ـ عليه‌السلام ـ ؛ ونقله الفيض (ره) في الصافي ، ج ١ ، المقدمة الثامنة ، ص ٤٠.

(٣) الاستظهار للفيض (ره) على حسب الاحتمال إذ قال في ذيل الرواية ، «ولعلّ آخر ـ

١٤٥

«أبي» باضافة الاب إلى ياء المتكلّم ، ولم يظهر إتقان النسخ بحيث لا يقع فيه تشديد زائد لو كان.

[جواز اختيار القرائة المشهورة]

ثمّ اعلم أنّ الظاهر بناء على ما ذكرناه هو التزام ما صدق عليه الاخبار المرخّصة للقرائة كما علّمنا ، كما تقدّم بعضها بالمعنى المتقدّم. فكلّ قرائة كانت شائعة في ذلك الزمان جازت القرائة به ، سواء كان من السبع أو تمام العشر أو لا ، بوجه من الوجوه الصحيحة عند أهل اللّسان فيما خرج عن جوهر الكلام ، مع احتمال إسقاط قيد الشيوع والاكتفاء بمجرّد كونه قرائة من شأنها أن يتعلّم ، وإلغاء خصوصيّة ذلك الزمان ومناسبته ، فيكتفي بكلّ قرائة ؛ إذ الظاهر أنّ مبنى الكلام ليس على إفادة أنّ لهذه القرائات الموجودة في ذلك العصر خصوصيّة ، فلا تغفل.

__________________

 ـ الحديث ورد على المسامحة مع «ربيعة» مراعاة لحرمة الصحابة ، وتداركا لما قاله فى «ابن مسعود». ذلك لأنهم ـ عليهم‌السلام ـ لم يكن يتبعون أحدا سوى آبائهم ـ عليهم‌السلام ـ ؛ لأن علمهم من الله ، وفي هذا الحديث إشعار بأن قرائة «أبي» كانت موافقة لقرائتهم ـ عليهم‌السلام ـ أو كانت أوفق لها من قرائة غيره من الصحابة.».

١٤٦

المقدّمة التّاسعة

في زمان نزول القرآن وما يتعلّق بذلك

قال الله سبحانه : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.)(١)

وقال عزوجل : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.)(٢)

وقال سبحانه : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ* فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنا ، إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ* رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ.)(٣)

وعن الكافي بسنده عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«سألته عن قول الله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) وإنّما أنزل القرآن في عشرين سنة بين أوّله وآخره؟

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ، ثمّ نزل في طول عشرين سنة.

ثمّ قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : نزل صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان ، وأنزلت التوراة لستّ مضين من شهر رمضان ، وأنزل الانجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان ، وانزل الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان ، وأنزل

__________________

(١) البقرة / ١٨٥.

(٢) القدر / ١.

(٣) الدخان / ٣ ـ ٦.

١٤٧

القرآن في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان.» (١)

وعنه عن الفقيه باسنادهما عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«نزلت التوراة في ستّ مضين من شهر رمضان ، ونزل الانجيل في اثني عشرة ليلة مضت من شهر رمضان ، ونزل الزبور في ليلة ثمان عشرة في شهر رمضان ، ونزل القرآن في ليلة القدر.» (٢)

وباسنادهما عن حمران أنّه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ، قال :

«هي ليلة القدر ، وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الاواخر ، ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر ؛ قال الله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ، قال : يقدّر في ليلة القدر كلّ شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل ، من خير أو شرّ ، أو طاعة أو معصية ، أو مولود أو أجل ، أو رزق.» (٣)

أقول :

لمّا كان جميع الحوادث الواقعة في السنة مقدّرة متعيّنة الاحكام والحدود

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، باب النوادر من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٢٨ ، ح ٦ ؛ والصافي ج ١ ، المقدمة التاسعة ، ص ٤١ ؛ وكذا روى العياشي (ره) فى تفسيره ، ج ١ ، ص ٨٠ ، ح ١٨٤ ، عن علي بن إبراهيم ، عنه ـ عليه‌السلام ـ مثله ، إلا فيه : «وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان.»

(٢) الكافي ، ج ٤ ، باب في ليلة القدر من كتاب الصيام ، ص ١٥٧ ؛ والفقيه ، ج ٢ ، ص ١٠١ و ١٠٢ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة التاسعة ، ص ٤١.

(٣) نفس المصادر.

١٤٨

في ليلة القدر على ما يستفاد من الاخبار المستفيضة (١) ، لزم منه أن يكون الآيات الّتي نزل في كلّ سنة ثابتة متعيّنة في ليلة القدر الّتي تقع في تلك السنة. وبهذا يصحّ القول بأن القرآن نزلت في ليلة القدر ، وفي شهر رمضان ؛ لأنّها فيه على ما يستفاد من المستفيضة المعتضدة بالكتاب (٢) ، لكنّ الظاهر من تنكير اللّيلة في الآية الثالثة ورواية حفص المتقدّمة ، وذكر عليّ بن إبراهيم في تفسيره (٣) مضمون (٤) هذا الجزء منه أعني قوله : «نزل القرآن جملة واحدة ـ الخ» من دون إسناد إلى الامام عليه‌السلام ، لكنّ الظاهر من حاله أخذه من رواياتهم ، مع ما يشعر به سائر الروايات ، أنّ القرآن نزل في ليلة واحدة جملة. وحينئذ فيمكن أن يقال : أنّ القرآن إنّما قرّر وثبت كلّا تبعا لتقدير النبوّة والرسالة ؛ لأنّه لمّا قدّر الرسالة والانذار قدّر المرسل به والمنذر به ، لأنّه من متعلّقاته. ولمّا كان إعطاء منصب الرسالة دفعيّا ، لزم منه تعيين المرسل به ، كما إذا قدّر وعين السبب في آخر السنة ، بحيث لا ينفك عن تفرّع مسبّبه عليه ، ترتّب عليه تقدير المسبّب في أوّل السنة الآتية.

[مراتب نزول القرآن]

والّذي يقتضيه النظر الدقيق أنّ توقيت التقديرات بليلة القدر إنّما

__________________

(١) كالخبر الاخير وسائر الاخبار التي أوردها الاعلام في كتبهم ، وقد جمعها المجلسي (رض) في البحار ، ج ٩٧ ، باب ليلة القدر وفضلها ، فراجع.

(٢) مراده (ره) الروايات الكثيرة المتواترة المنقولة في كتب الاخبار. منها ما ذكره المجلسي (ره) في البحار ، ج ٩٧ ، باب ليلة القدر وفضلها. وهي معتضدة بقوله تعالى : «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.»

(٣) القمي ، ج ١ ، ص ٦٦.

(٤) في عبارة المؤلف (قده) هنا تشويش ، وعبارته هي : «وذكر مضمون هذا الجزء منه أعني : قوله : «نزل القرآن جملة واحدة ـ الخ» علي بن إبراهيم في تفسيره ...»

١٤٩

هو في بعض المراتب النازلة من مراتب القضاء والقدر ، وفوقه مراتب أخرى ، إلى أن ينتهي إلى اللّوح المحفوظ الّذي رقّم فيه جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة قبل خلق العالم. ويشبه أن يكون هو أمّ الكتاب (١) ، الّتى يتولّد منها أحكام القضاء مرتبة بعد مرتبة ، إلى أن ينتهي إلى تفصيل أحكام كلّ سنة في ليلة القدر منها.

وحينئذ فنزول القرآن جملة واحدة يصحّ أن يكون من عالم اللّوح المحفوظ دفعة إلى مرتبة تحتها ، ثمّ نزوله منها في مرتبة ثالثة في كلّ سنة بقدرها ، ثمّ نزوله في هذا العالم في أجزاء اللّيالي والايّام. ويشبه أن يكون المرتبة الثانية هي البيت المعمور ، أو باطنه وروحه وهو مظهره ، كما روي.

وأمّا ما ذكره المحدّث الكاشاني بقوله : «كأنه أريد به نزول معناه على قلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢) ، فان أراد به أنّ البيت المعمور هو قلبه صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو فاسد ؛ إذ هو من أجزاء العالم الكبير وقد ورد ذكره في الاخبار (٣) ، وللقرآن مراتب نزولية في العالم الكبير. وإن أراد به أنّه مساوق لمقام قلبه بحيث إذا نزل فيه اطّلع قلبه صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه لاتّحادهما رتبة ، فهو ليس بذلك البعيد ؛ إذ أريد بالقلب ما يسمّى به قلبا باصطلاح جماعة من أهل المعرفة ، إلا أنّ ذلك المقام لا يأبى عن الالفاظ حين ينزّل النزول إلى المعاني ، بل الالفاظ بنفسها ممّا يصحّ نزولها فيه ، وليس تنزيل نزول القرآن إلى نزول المعاني الصرفة ، إلا تأويلا من دون سبب

__________________

(١) لقد ذهب اليه جمهور المفسرين.

(٢) راجع الصافي ، ج ١ ، المقدمة التاسعة ، ص ٤٢.

(٣) راجع البحار ، ج ٥٨ ، باب البيت المعمور. وانه (ره) ذكر فيه روايات من الخاصة والعامة يستفاد منها أن البيت المعمور هو في السماء الرابعة ، وانه قد سمي : «الضراح».

١٥٠

يقتضيه ، فثبت.

[كيفيّة نزول القرآن في ليلة القدر وتفصيله]

ثمّ لمّا كان القرآن تبيان كلّ شيء على نهج كلي إجماليّ مشتمل على تكليفيّات وتكوينيّات متعلّقة بموضوعات مستقلّة ، تفصل في ليلة القدر ، وتتولّد منها أحكام وقضايا معيّنة مشخّصة جزئيّة بالنسبة إلى ما كان عليه ، صحّ أنّه : «لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن» كما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) ؛ إذ لو لم ينزل تفصيله فيها وبقي على حاله الاجماليّ كان مرفوعا عن هذا العالم.

وربّما يشهد لما ذكرناه معنى ما رواه في الكافي عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال :

«قال الله عزوجل في ليلة القدر : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يقول : ينزل فيها كلّ أمر حكيم ، والمحكم ليس بشيئين ، إنّما هو شيء واحد ، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عزوجل ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب ، فقد حكم بحكم الطاغوت. إنّه لينزل في ليلة القدر إلى وليّ الامر تفسير الامور سنة سنة ، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا ، وفي أمر الناس بكذا وكذا ، وإنّه ليحدث لأولي الامر سوى ذلك كلّ يوم علم الله الخاصّ ، والمكنون العجيب المخزون ، مثل ما ينزل في

__________________

(١) رواه الكليني (ره) في الكافي ، ج ٤ ، باب في ليلة القدر من كتاب الصيام ، ص ١٥٨ ، ح ٧ عن داود بن فرقد ، عن يعقوب ، عنه ـ عليه‌السلام ـ ؛ وأيضا الصدوق (ره) في الفقيه ، ج ٢ ، ص ١٠١ ، ح ٩ ، بهذا الاسناد ؛ ونقله الفيض (ره) في الصافي ، ج ١ ، المقدمة التاسعة ، ص ٤٢.

١٥١

تلك اللّيلة من الامر ، ثم قرأ : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ.»)(١)

وسيمرّ عليك ما يوضح لك كثيرا ممّا ذكر هنا ـ إن شاء الله تعالى ـ.

__________________

(١) الكافي ، ج ١ ، باب في شأن «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وتفسيرها ، ص ٢٤٨ ، ح ٣ ؛ والصافي ، ج ٢ ، ص ٥٤٠. والآية الاخيرة : لقمان / ٢٧.

١٥٢

المقدّمة العاشرة

في نبذة ممّا جاء في تمثّل القرآن يوم القيامة وشفاعته

لأهله ومعاتبة السّورة لتاركها بعد تعلّمها ، وثواب حفظه

وتلاوته وسماعه واستماعه ، وفضيلتها ، وما يتعلّق بذلك

فعن الكليني باسناده عن سعد الخفّاف ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«يا سعد ، تعلّموا القرآن ، فانّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق ، والناس صفوف ، عشرون ومائة ألف صفّ ، ثمانون [ألف] صفّ أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأربعون ألف صفّ من سائر الامم ، فيأتي على صفّ المسلمين في صورة رجل فيسلّم (١) ، فينظرون إليه ، ثمّ يقولون : لا إله إلا الله الحليم الكريم ؛ إنّ هذا الرجل من المسلمين ، نعرفه بنعته وصفته ، غير أنّه كان أشدّ اجتهادا منّا في القرآن ، فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه.

ثمّ يجاوز حتّى يأتي على صفّ الشهداء ، فينظر إليه الشهداء ثمّ يقولون : لا إله إلا الله الربّ الرحيم ؛ إنّ هذا الرجل من الشهداء ، نعرفه بسمته (٢) وصفته غير أنّه من شهداء البحر ، فمن هناك أعطي من البهاء والفضل ما لم نعطه.

قال : فيجاوز حتّى يأتي على صفّ شهداء البحر في صورة

__________________

(١) قال (ره) في حاشية المخطوطة : «الظاهر : مسلم».

(٢) «السمت» : الطريق ، ويستعمل لهيئة أهل الخير.

١٥٣

شهيد ، فينظر إليه شهداء البحر ، فيكثر تعجّبهم ويقولون : إنّ هذا من شهداء البحر ، نعرفه بسمته وصفته غير أن الجزيرة الّتي أصيب فيها كانت أعظم هولا من الجزيرة الّتي أصبنا فيها ، فمن هناك اعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه.

ثمّ يجاوز حتّى يأتي صفّ النبيّين والمرسلين في صورة نبيّ مرسل ، فينظر النبيّون والمرسلون إليه ، فيشتدّ (١) لذلك تعجّبهم ويقولون : لا إله إلا الله الحليم الكريم ؛ إنّ هذا لنبيّ مرسل ، نعرفه بسمته وصفته غير أنّه أعطي فضلا كبيرا.

قال : فيجتمعون ، فيأتون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيسألونه ويقولون :

يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذا؟

فيقول لهم : وما تعرفونه؟

فيقولون : ما نعرفه ، هذا ممّن لا يغضب الله عزوجل عليه. فيقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا حجة الله على خلقه ، فيسلّم. ثمّ يجاوز حتّى يأتي على صفّ الملائكة في صورة ملك مقرّب ، فينظر إليه الملائكة فيشتدّ تعجّبهم ، ويكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله ، ويقولون : تعالى ربّنا وتقدّس ، إنّ هذا العبد من الملائكة ، نعرفه بسمته وصفته غير أنّه كان أقرب الملائكة إلى الله عزوجل مقاما ، فمن هناك ألبس من النور والجمال ما لم نلبس.

__________________

(١) في بعض النسخ : «فيشد».

١٥٤

ثمّ يجاوز (١) حتى يأتي (٢) ربّ العزّة تبارك وتعالى ، فيخرّ تحت العرش ، فيناديه تبارك وتعالى : يا حجّتى في الارض وكلامي الصادق الناطق! إرفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفّع. فيرفع رأسه ، فيقول الله تبارك وتعالى : كيف رأيت؟

فيقول : يا ربّ ، منهم من صاننى وحافظ عليّ ولم يضيّع شيئا. ومنهم من ضيّعني واستخفّ بحقّي وكذب بي. وأنا حجّتك على جميع خلقك.

فيقول الله تبارك وتعالى : وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني ، لأثيبنّ اليوم عليك أحسن الثواب ، ولأعاقبنّ عليك اليوم أشدّ (٣) العقاب.

قال : فيرفع (٤) القرآن رأسه في صورة أخرى.

قال : فقلت [له] : يا أبا جعفر عليه‌السلام ، في أيّ صورة يرجع؟

قال : في صورة رجل شاحب (٥) اللّون متغيّر ، يبصره (٦) أهل الجمع ، فيأتي الرجل من شيعتنا الّذي يعرفه ويجادل به أهل الخلاف ، فيقوم بين يديه ، فيقول : ما تعرفني؟ فينظر إليه الرجل ، فيقول : ما أعرفك يا عبد الله.

قال : فيرجع في صورته الّتي كان في الخلق الاوّل ، فيقول :

__________________

(١) في المخطوطة : «يتجاوز».

(٢) في بعض النسخ : «حتى ينتهي إلى».

(٣) في بعض النسخ : «اليم».

(٤) في بعض النسخ : «فيرجع».

(٥) شحب لونه : كمنع ونصر وكرم وعمى ، تغيّر من هزال أو جوع أو سفر.

(٦) في بعض النسخ : «ينكره».

١٥٥

ما تعرفنى؟ فيقول : نعم.

فيقول : أنا الّذي أسهرت ليلك ، وأنصبت عينك (١) ، وسمعت الاذى ، ورجمت بالقول فيّ. ألا وإنّ كلّ تاجر قد استوفى تجارته ، وأنا ورائك اليوم.

قال : فينطلق به إلى ربّ العزّة تبارك وتعالى ، فيقول : ربّ عبدك وأنت أعلم به ، كان نصبا بي ، مواظبا عليّ ، يعادي بسببى ، ويحبّ فيّ ويبغض فيّ.

فيقول الله عزوجل : أدخلوا عبدي جنّتى ، واكسوه حلّة من حلل الجنّة ، وتوّجوه بتاج.

فاذا فعل به ذلك عرض القرآن ، فيقال له : هل رضيت بما صنع بوليّك؟

فيقول : يا ربّ ، إنّى أستقلّ هذا له ، فزده مزيد الخير كلّه.

فيقول : وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لانحلنّ اليوم له خمسة أشياء مع المزيد له ولمن كان بمنزلته ؛ ألا إنّهم شباب لا يهرمون ، وأصحّاء لا يسقمون ، وأغنياء لا يفتقرون ، وفرحون لا يحزنون ، وأحياء لا يموتون. ثمّ تلا هذه الآية : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى.)(٢)

قال : قلت : يا أبا جعفر ، وهل يتكلّم القرآن؟

فتبسّم ، ثمّ قال : رحم الله الضعفاء من شيعتنا ، إنّهم أهل تسليم. ثمّ قال : نعم ، يا سعد ، والصلاة تتكلّم ، ولها صورة

__________________

(١) في بعض النسخ : «عيشك».

(٢) الدخان / ٥٦.

١٥٦

وخلق تأمر وتنهى.

قال سعد : فتغيّر لذلك لوني وقلت : هذا شيء لا أستطيع أن أتكلّم به في الناس.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : وهل الناس إلا شيعتنا؟ فمن لم يعرف بالصلاة فقد أنكر حقّنا. ثمّ قال : يا سعد ، أسمعك كلام القرآن؟

قال سعد : قلت : بلى صلّى الله عليك.

فقال : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ.)(١) فالنهي كلام ، والفحشاء والمنكر رجال ، ونحن ذكر الله ، ونحن أكبر.» (٢).

وعنه باسناده عن إسحق بن غالب قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«إذا جمع الله الاوّلين والآخرين أراهم (٣) بشخص قد أقبل لم يرقطّ أحسن صورة منه ، فاذا نظر إليه المؤمنون وهو القرآن ؛ قالوا : هذا منّا ، هذا أحسن شيء رأينا. فاذا انتهى إليهم جازهم ، ثمّ ينظر إليه الشهداء حتّى إذا انتهى إلى آخرهم جازهم ، فيقولون : هذا القرآن ، فيجوزهم كلّهم حتّى إذا انتهى إلى المرسلين ، فيقولون : هذا القرآن ، فيجوزهم. ثمّ ينتهي حتّى يقف عن يمين العرش ، فيقول

__________________

(١) العنكبوت / ٤٥.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، ص ٥٩٦ ، ح ١ ؛ والبحار ، ج ٧ ، باب تطائر الكتب وإنطاق الجوارح ، ص ٣١٩ ، ح ١٦.

(٣) في بعض النسخ : «إذا هم».

١٥٧

الجبّار : وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لأكرمنّ اليوم من أكرمك ، ولأهيننّ من أهانك.» (١)

وعنه باسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«تعلّموا القرآن ، فانّه يأتي يوم القيامة صاحبه في صورة شابّ جميل شاحب اللّون ، فيقول : أنا القرآن الّذي كنت أسهرت ليلك ، وأظمأت هواجرك (٢) ، وأجففت ريقك ، وأسبلت (٣) دمعتك ، أوّل معك حيث ما ألت ، وكلّ تاجر من وراء تجارته ، وأنا لك اليوم من وراء تجارة كلّ تاجر ، وسيأتيك كرامة الله عزوجل ، فأبشر.

قال : فيؤتي بتاج فيوضع على رأسه ، ويعطى الامان بيمينه ، والخلد في الجنان بيساره ، ويكسى حلّتين ، ثمّ يقال [له] : إقرأ وارق ، فكلّما قرأ آية صعد درجة ، ويكسى أبواه حلّتين إن كانا مؤمنين ، ثمّ يقال لهما : هذا لما علّمتماه القرآن.» (٤)

وعنه ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«يجيء القرآن يوم القيامة في أحسن منظور إليه صورة

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، ص ٦٠٢ ، ح ١٤ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٢ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٢٧ ، ح ١.

(٢) «الهواجر» جمع هاجرة : وسط النهار وشدة حرارته.

(٣) في بعض النسخ : «أسلت».

(٤) الكافي ، ج ٢ ، باب فضل حامل القرآن من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٠٣ ، ح ٣ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٧ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٣٤ ، ح ١.

١٥٨

 ـ إلى أن قال : ـ حتّى ينتهي إلى ربّ العزّة ، فيقول : يا ربّ فلان بن فلان أظمأت هواجره ، وأسهرت ليله في دار الدنيا ؛ وفلان بن فلان لم أظمأ هواجره ، ولم أسهر ليله. فيقول تبارك وتعالى : أدخلهم الجنّة على منازلهم ، فيقوم فيتّبعونه ، فيقول للمؤمن : إقرأ وارقه. قال : فيقرأ ويرقأ حتّى يبلغ كلّ رجل منهم منزلته الّتي هي له ، فينزلها.» (١)

وعنه باسناده عن منهال القصّاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه ، وجعله الله مع السفرة الكرام [البررة] ، وكان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة ؛ يقول : يا ربّ إنّ كلّ عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي ، فبلّغ به أكرم عطائك. قال : فيكسوه العزيز الجبّار حلّتين من حلل الجنّة ، ويوضع على رأسه تاج الكرامة ، ثمّ يقال له : هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن : يا ربّ ، قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا.

[قال :] فيعطى الامن بيمينه ، والخلد بيساره ، ثمّ يدخل الجنّة ، فيقال له : إقرأ واصعد درجة ، ثمّ يقال له : هل بلّغنا به وأرضيناك؟ فيقول : نعم.

قال : ومن قرأه كثيرا ويعاهده بمشقّة من شدّة حفظه أعطاه

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، كتاب فضل القرآن ، ص ٦٠١ ، ح ١١ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ١ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٢٤ ، ح ٢ ؛ والصافي ، ج ١ ، المقدمة العاشرة ص ٤٣.

١٥٩

الله عزوجل أجر هذا مرّتين.» (١)

وروي قريب من كثير مضامين هذه الروايات في روايات أخر.

[مراتب وجود القرآن في النزول والصعود]

أقول : يمكن أن يقال : القرآن له وجود كتبيّ بين الدفّتين ؛ ووجود لفظيّ للقارئ منّا ومن المعصومين عليهم‌السلام ومن الملائكة كجبرئيل عليه‌السلام ؛ ووجود علميّ في لوح النفس مكتسب من المرتبتين الاوليين ؛ ووجود علميّ من إلقاء الروح الّذي في عالم الامر إيّاه في القلب بأمر الله سبحانه ؛ كما لعلّه يرشد إليه قوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ.)(٢) أو من انتقاش الالفاظ الغيبيّة في لوح القلب عند مواجهته لها ومقابلته إيّاه. ولعلّه يومي إليه قوله تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.)(٣)

ووجود غيبيّ كتبيّ في لوح غيبيّ هو المبدأ لهذه النقوش الواقعة في لوح القلب ، وبه يصير القلب مصحفا لوجه أوراقه وتلك النقوش كتابته. ولعلّ إليه الاشارة بقوله تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ.)(٤)

ووجود لفظيّ غيبيّ هو كلام الله سبحانه ، الّذي أوجده وأسمعه من شاء من عباده من الملك والنبي. ولعلّ إليه الاشارة بقوله تعالى : «اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، باب فضل حامل القرآن من كتاب فضل القرآن ، ص ٦٠٣ ، ح ٤ ؛ والوسائل ، ج ٤ ، باب ٦ من أبواب قراءة القرآن ، ص ٨٣٣ ، ح ١ ؛ ورواه أيضا الصدوق (ره) في ثواب الاعمال ، ص ١٢٦.

(٢) الشعراء / ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٣) العنكبوت / ٤٩.

(٤) الواقعة / ٧٧ ـ ٧٩.

١٦٠