من هدى القرآن - ج ٨

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-11-4
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٩٥

 وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ

كمن يغرق في ظلمات اعماله المنحرفة ، فلم يعد يرى شيئا من طريقه في الحياة ، بل يبلغ حدّا لا يرى فيه يده لو قربها من عينه ، وذلك بسبب عصيانه لربه ، مما سبب في سلب النور من عقله ، وسمعه ، وبصره ، فضلّ يتخبط في دياجير الظلام الدامس ، والآية الكريمة تبين ان اعمال الكافر هي بذاتها ظلام ، وهل يهتدي من لم يجعل الله له نورا في الحياة؟!.

وكلمة أخيرة : نجد في آيات هذا الدرس غرة الجمال وغاية الروعة ، فبعد ان ذكّرتنا الآية الاولى بان القرآن آيات مبينات ، ومثل وموعظة ، بصرّتنا الآية الثانية تجليات نور الله في السماوات والأرض .. ومثلا منها تجلى بالوحي في مشكاة قلب الرسول فاذا به نور على نور ، وبعد ان ذكرتنا آية النور ـ التي سميت السورة بها ـ بتفاصيل هذا النور فسرتها بالمثل الواقعي لتجسيد هذا النور :

الف ـ فهذه بيوت النبوة سمت بذكر الله ، انه مثل للمشكاة تستقبل المصباح ، «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ».

باء ـ ويزهر فيها ذكر الله كما المصباح يشع في المشكاة «فيها مصباح».

جيم ـ والصالحون في هذه البيوت هم سور ذكر الله ، كما الزجاجة للمصباح ، وهم في ذات الوقت حصون الدين ، وأوتاد العلم والفضيلة «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ».

لذلك هم يسبحون ربهم بالغدو والآصال لا تلهيهم تجارة ولا بيع.

دال ـ وتعلو شعائر الله على أكتافهم من اقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وتلك الشعائر وقود مسيرة التوحيد ، وزيت اتقاد نور الوحي في الآفاق «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ».

٣٢١

هاء ـ ثم يبصّرنا السياق بجزاء هؤلاء وان الله يزيدهم من فضله «نُورٌ عَلى نُورٍ».

ويبيّن القرآن صفات الكفر في الطرف الآخر من الصورة ليرينا مدى اتساع الهوّة بين الطرفين :

الف ـ فبينما نجد هنا المشكاة أو البيوت الرفيعة ، لا نجد هنالك الا سرابا لا حقيقة له في قيعة ، لا سور ولا حدود واضحة ، ولا موانع طبيعية.

باء ـ وهنا يتسع النور ، اما هنالك فظلمات فوقها ظلمات. أمواج البحر تغشاها سحب الليل.

جيم ـ وهنالك بيوت رفيعة ، يجللها نور الرسالة ، ويسمو بها ذكر الرب على شفاه رجال متعالين عن الدنيا ، يجب على العباد احترامها ، وتعظيم أهلها ، وطاعتهم ، أما هنا فظلمات بعضها فوق بعض ، لا تأوي من شر ولا تحمي من خطر ، وهم الطغاة وولاتهم الظلمة الذين يجب البراءة منهم ، و قد جاء في تفسير أئمة الهدى ان الظلمات «فتن بني أمية» (١) ، ويجري فيمن يتبع النهج الأموي الجاهلي من الطغاة والظلمة.

__________________

(١) المصدر / ص ٦١١.

٣٢٢

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤)

___________________

٤٣ [يزجى] : الإزجاء والتزجية الدفع والسوق.

[ركاما] : أي متراكما على بعضه.

[سنا] : الضوء واللمعان.

٣٢٣

 كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ

هدى من الآيات :

كيف نعي الحقيقة الهامة التي ختمت بها آيات الدرس الآنف : «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ»؟ وكيف نسمو بأنفسنا الى شأو الرجال الذين يسبحون الله بالغدو والآصال ، دون ان يلهيهم عنه شيء؟

يجيب السياق في هذا الدرس : بالاستماع الى سبحات الخلائق ، «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ..».

تعال وانظر الى الطير صافات ، تسبح ربها بألحان مختلفة ، والله قد علم صلاتها وتسبيحها ، وعلم ماذا تفعل.

وقد بسط الله ملكه وسلطانه على السموات والأرض ، وهو إذ يشأ يقبضهما اليه ، واليه المصير.

وهو الذي يسوق السحاب ثم يؤلفه ثم يركزه ويكثفه فاذا بالمطر ينبعث من

٣٢٤

خلاله ، فيسقي به الرب من يشاء من عباده ويمنعه عمن يشاء ، وإذا التقى السحابان يولدان البرق الذي يكاد ضياؤه يذهب بالأبصار.

وهكذا يدبر الله الليل والنهار ، يختلفاه ، وفي ذلك عبرة لأولى الأبصار.

وهكذا يهديك الله الى ذاته ببالغ حجته :

فأولا : يريك الحقيقة التي تتجلى في كل شيء ، وعلى لسان كل حي الا وهي تسبيح الله وتقديسه.

وثانيا : يذكرك بملكه وسلطانه.

وثالثا : يبصّرك بلطائف نظمه وحسن تدبيره.

فإن صرت من ذوي الأبصار فان العبرة هذه تكفيك هدى.

بينات من الآيات :

تدبير الله آية ملكه :

[٤١] يتجلى ملك الله وسلطانه الشامل في تدبيره لشؤون الوجود ، والتقلبات المستمرة التي نشاهدها فيه ، فالكون ليس ثابتا ، بل هو في حركة دائمة ، الليل يخلف النهار ، والنهار يغشاه الليل ، والسحب تأتي وتذهب والأمطار تتراوح بين الهطول والانقطاع.

وهذه الحركة بذاتها دليل على من يحركها ، والنظام فيها دليل حكمته وواسع قدرته ، فمن الذي يسيّر السحاب في هذا الاتجاه أو ذاك؟

٣٢٥

ولماذا يتراكم على ارتفاعات ثابتة ولا يذهب الى اعماق الفضاء؟ ولماذا لا تعود السحب الى المحيطات التي انطلقت منها فتمطر فيها بدل ان تتوجه الى الأرض اليابسة فترويها؟ ولماذا لا يحصل اضطراب في تعاقب الليل والنهار؟ ولماذا .. ولماذا ...؟ إلخ.

ان هذه الظواهر الطبيعية (وكثير غيرها) دليل الحكمة البالغة للخالق المبدع سبحانه ، ولعل في قوله تعالى : «يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ» اشارة الى ضرورة ملاحظة تحولات الحياة ، وتقلباتها ، فلحظة الشروق .. لحظة الأصيل .. لحظات حلول الربيع والخريف .. لحظات المطر .. وما الى ذلك تهدي الإنسان الى سر الحياة.

وهكذا التحولات الاجتماعية والسياسية الكبيرة ، كنشوب الحروب وسقوط دول وقيام أخرى ، تعكس سنن الله في المجتمع ، لأن قوانين الحياة وانظمتها انما تكتشف في هذه اللحظات ، فهل يعرف المنظرون السياسيون القوانين التي تحكم عالم السياسة الا من خلال الاحداث والتحولات الهامة؟

ينزل المطر ، وتدب الحياة الى الأرض الجرداء فتخضر ، وتغني الطبيعة على أديمها وتنشط فيها الدواب والطيور. إن هذه التحولات تفيض معاني جديدة ، على القلوب الطاهرة. فتسبح ربها وتكبره.

وحين يعلم الإنسان زخارف الحياة ومباهجها تتغير باستمرار ، فلا ملك يدوم ولا ثروة تبقى ولا جاه يستمر فيها ، آنئذ لا يطمئن إليها ، بل يطمئن الى الحي الذي لا يموت ، فلو عقل الملك زوال الحكم ، والغنى زوال الثروة ، لما استبد أو بخل ، ولما استكانت نفسه أو اطمأنت الا الى خالقه ، الحق الذي لا يتغيّر.

وهكذا يذكرنا الرب بسبحات الخلائق فيقول :

٣٢٦

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ

تسبح بحمد الله ، وهذه الآية تدل على ان كل مخلوق قادر على التسبيح ، وانما وصف الله غير ذوي العقول بوصف ذوي العقول ، ليدلنا على ان لكل حي شعورا بقدره يسبح به ربه قال تعالى : «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ».

ان رهافة سمع اولي الأبصار تجعلهم يسمعون تسبيح كل حي في السموات والأرض ، لأنهم يتجاوزون المظهر الى اللب ، ويعبرون الدلالات الى الحق والشواهد الى الغيب ، فبالنسبة إليهم لا تعني حركة الأسماك في البحار ، ولا صراع الوحوش في الغابات ، ولا رفرفة الطيور في الفضاء ، مجرد نشاط عابث من أجل البقاء ، انما فيه أيضا محتوى ربّانيّ ، وابعاد فوق مادية ، انه تسبيح وصلاة وسعى نحو الأعلى ..

كيف لا يسبح ذلك القلب الزكي الذي لا يلتفت الى حي حتى يسمع منه التسبيح ، ويرى منه الصلاة والتبتل وإذا وجد بلاء يصيب واحدا من الأحياء عرف انما أصيب لأنه نسي ذكر الله.

جاء في رواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام :

«ما من طير يصاد في بر ولا بحر ولا يصاد شيء من الوحش الا بتضييعه التسبيح» (١)

كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ

__________________

(١) المصدر / ص ٦١٣.

٣٢٧

من الذكر والتسبيح وعموم العبادة والأفعال الصالحة الاخرى ، وهذا ما يدعو الإنسان الى الاهتمام بالعبادة والتوجه الى رب العالمين.

وهكذا روى عن الامام أبي جعفر الباقر عليه السّلام في تفسير هذه الآية :

«ان لله عز وجل ملكا على صورة ديك ابيض رأسه تحت العرش ، ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ، له جناح في المشرق وجناح في المغرب ، لا تصيح الديوك حتى يصيح ، فاذا صاح خفق بجناحيه ثم قال : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله العظيم الذي ليس كمثله شيء ، قال فيجيبه الله عز وجل فيقول : لا يحلف بي كاذبا من يعرف ما تقول» (١)

وتذكّرنا هذه الآية بعلم الله المحيط بكل شيء حتى بخبايا نية الطيور.

[٤٢] وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ

فكما كانت منه البداية كذلك تكون النهاية اليه ، وفي هذه الحقيقة ـ التي تقوم على إثباتها كل الشواهد العقلية ، وتظهر تجلياتها في كل الطبيعة ـ أعظم موعظة للمتدبر الذي لم يسمح لحجب الغفلة أو الشهوة ان تغطي بصره وبصيرته ، وأكبر دافع نحو توجهه الى العزيز الحكيم بأن يجعل عمله خالصا لوجه ربه الكريم ، لا يريد جزاء ولا شكورا من أحد غيره ، ولا يخشى أو يخاف أحدا سواه.

وتهدينا الآية الى سلطان الله الفعلي على جوهر الأشياء. وانه الذي يمسك بقدرته ناصية الحقائق ان تزول وتنعدم.

[٤٣] أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً

__________________

(١) المصدر.

٣٢٨

فلا موضع للصدفة التي هي اكذوبة الجاحدين ، ولا يمكن ان يكون هذا النظام بلا مدبّر حكيم وهو الله الذي يحمل الرياح السحب التي تزن ملايين الاطنان ، تتحرك بكل خفة وسهولة في طبقات الجو العليا ..

ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ

فلو لا تكاثف السحب لما هبط المطر ، ثم ان السحاب مؤلف من شحنات سالبة وموجبة ، ولو لا ذلك لما نفع الزرع ، فالبرق الذي يفرز المواد الضرورية لنمو النباتات انما تؤلفه الأمواج الكهربائية القوية التي يولدها الاحتكاك بين هذه الأمواج.

ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً

كي ينزل المطر ، فبدون ان يتكثف السحاب لا ينزل المطر. وتكثفه لا يتم الا عبر قوانين يجريها الله سبحانه فيها.

فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ

وهو المطر حالة تكونه وخروجه ، من بين ثنايا السحاب.

وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ

فالسحب في الفضاء كما الجبال في الأرض ، من حيث ضخامة كتلتها وتفاوت ارتفاعاتها ، ويمكن للإنسان الاطلاع على هذه الحقيقة عند ما يطير مسافرا من بلد لآخر فوق الغمام.

ولعل في الآية اشارة الى حقيقة يذكرها العلماء : ان طريقة تكون (البرد) هي ان قطرة من الماء ينزل من السحاب ، ثم تمر بطبقة باردة فتتجمد ، ثم تحمله الرياح الشديدة الى الأعلى من جديد. وتتقلب بين جبال السحب ، كلما مرت سحابة

٣٢٩

حملت قدرا أكبر من الماء ، فنزلت فحملتها الرياح ـ مرة أخرى ـ الى الأعلى حتى تثقل وتهبط الى الأرض. وقد تنزل حبات البرد بحجم البيضة.

فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ

من عباده ، وعموم خلقه ، اذن فليس ذلك بالصدفة.

يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ

لشدة الوميض الخاطف الصادر عن تفريغ شحنات كهربائية هائلة بين السحاب .. وهكذا فاننا نجد في هذه الظاهرة الطبيعية بشارة خير بنزول رحمة الله (المطر) ، وإنذارا صارما بعقاب الله الذي لو نزل فانه لا يبقي ولا يذر ولأفنى الأحياء.

بين الايمان والعلم :

[٤٤] يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ

الله سبحانه هو الذي بيده الليل والنهار يقلبهما بقدرته ، وهذه عبرة لأصحاب البصائر النافذة ، والعقول النيّرة. الم يقل الله : «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ» وأ لم يقل عن الكفار : «أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ»؟ ..

وهذا يعني ان من لا يملك الايمان لا يفهم سر الحياة ، كما لا يدرك التحولات والتقلبات الاجتماعية ، ولا يفهم ان الله هو الذي يقلب الليل والنهار الا اولو الأبصار ، الذين يمتلكون البصر الحقيقي النابع من الايمان ، وهذا يدل على ان معرفة الله بداية كل معرفة ، وان الكفر بالله انحراف يستدرج الإنسان الى كل انحراف.

٣٣٠

وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢)

___________________

٤٩ [مذعنين] : منقادين.

٥٠ [يحيف] : الجور بنقص الحق.

٣٣١

الطاعة المصلحية الدواعي والنتائج

هدى من الآيات :

يبصرنا الرب بملكه واقتداره عبر تذكيرنا بخلقه الأحياء ، ألم يخلق كل شيء من ماء؟ ولكن انظر الى مدى التباين بين الدواب ، فمنهم من يمشي على بطنه كالحيات ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع ، هكذا ينشئ المليك المقتدر ما يريد ، ليعرفنا بواسع قدرته المحيطة بكل شيء.

وهذه آيات القرآن تبين لنا وتذكرنا بالرب ويهدي الله من يشاء الى صراط مستقيم.

والهداية لا تعني مجرد الاعتراف اللساني بل لا بد ان تصدقه الطاعة عند القضاء ، فهنالك من يدعي الطاعة فاذا خالف الحق هواه أو مصالحه تولى. كلا .. ليس هؤلاء بالمؤمنين فليس الايمان هو الإذعان عند توافق المصلحة والتولي عند مخالفتها ، ولكن لماذا هذا التفريق؟ هل في قلوبهم مرض الجسد والحقد وحب الدنيا أم هم في ريب من صدق الرسالة؟ أم يخافون من ان يظلمهم الرب في الحكم

٣٣٢

الذي يصدره الرسول؟ الواقع أنهم يظلمون أنفسهم حين يتولون عن العدالة الالهية.

ما هي علامة الايمان؟ انها الطاعة عند ما يدعوهم الرسول ليحكم بينهم ، وهذا يوفر لهم الفلاح والفوز أيضا ان هم أطاعوا الله ورسوله وخافوا الله واتقوه.

ويبقى السؤال التالي :

ما هي علاقة هذه الآيات بالمحور الرئيسي لسورة النور (الذي كان الاسرة وما يدور حولها من قضايا اجتماعية وتربوية)؟

وللاجابة على هذا السؤال يمكننا أن نقول :

أولا : ان القرآن لا يكتفي ببيان المعالجات التي ترفع الانحرافات الاجتماعية ، بل هو بذاته علاج لها وشفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين ولا يكتفي القرآن بإعطاء العلاجات الفوقية ، بل يسعى لعلاج الانحرافات جدريا ، من هنا نجد ان الآية القرآنية الواحدة تذكرنا بالحكم الشرعي ، كما تذكرنا بعقوبة الله أو بثوابه.

فالحكم بيان للعلاج ، ولكن التهديد بالعقاب والترغيب في الثواب هو ذاته علاج ، لان كلا من التريب والترهيب يعطي النفس البشرية سحنة من الارادة القوية التي تقاوم الانحراف.

وفي هذه السورة بالذات يحدثنا القرآن عن الاسرة الفاضلة والتي من ميزاتها انها تؤمن بالله ، وان البيت الذي يحويها هو بيت الايمان الذي يذكر فيه اسم الله كثيرا .. وهذا علاج للانحراف الذي قد يقع في الاسرة داخل المجتمع ، والعلاج هو : ان الانحرافات البشرية يجب ان يزيلها الايمان بالله مع الذكر والتسبيح.

٣٣٣

بيد ان القرآن لا يكتفي بذلك ، بل يقوم بإعطاء العلاج ذاته عبر بث روح الايمان في قلب الناس ، فنراه يحدثنا طويلا عن الايمان بالله ، وعن التذكرة بالقيم الحقيقة ، وعن التوجه الى رب السماوات والأرض .. إلخ.

ثانيا : ان كل انحراف في البشر نابع من انحراف آخر ، وتتسلسل الانحرافات الواحدة تلو الاخرى ، حتى تصل الى الانحرافة الكبرى في حياة الإنسان وهي الكفر بالله ، والابتعاد عن هداه ، وذلك هو الضلال البعيد.

وفي الوقت الذي يعالج القرآن تلك الانحرافات الفرعية يعالج الضلال البعيد ذاته (وهو الكفر) ، لذلك نجد القرآن ـ سوره وآياته دروسه وعبره ـ تبتدئ بذكر الله ، وتختتم به ، لأنه المحور الحقيقي الذي تدور حوله كل القضايا.

ثالثا : ان أهم صفة من صفات الإنسان في الاسرة الفاضلة ، والتي يجب على الاسرة ان تسعى من أجل تركيزها وتنميتها في ابنائها ، هي صفة الطاعة المستقيمة للحق.

ذلك ان الأسنان في الطاعة مختلف :

أـ فقد ينمو الإنسان متمردا على النظام وعلى اية سلطة حتى ولو كانت السلطة سلطة شرعية ، بل ويتمرد ضد اية نصيحة مما يجعله أشبه ما يكون بالوحش الهائج.

ب ـ وقد ينمو ذليلا يعطي قيادة لاي كان ، ويخضع لكل الناس ولكل الانظمة ، ويصغي لكل الأوامر والتعليمات ، وهذا أشبه ما يكون بالبضاعة يشتريها من أراد ..

ج ـ وقد ينمو الإنسان ويتربى على طاعة الأهواء والشهوات وبالتالي طاعة كل من يشبع فهم رغباته ، بغضّ النظر عن استقامته أو انحرافه ، وعدالته أو ظلمه ،

٣٣٤

وأكثر الناس في الواقع هم من هذا النموذج ، إذ يطيعون من بيده المال أو السلطة ، وهؤلاء أيضا فاسدون كغيرهم.

د ـ انما الفريق الرابع فهو الذي يطيع ، ولكن لا للشهوات والمصالح ، ولا حبا في الطاعة العمياء ، وانما يطيع القيم ، فطاعته لاي أحد نابعة من ولائه للحق ، وايمانه بالقيم السامية ، وهذا هو الإنسان الذي يجب ان تسعى الاسرة الفاضلة من أجل تربيته وتنمية مواهبه ، وبلورة شخصيته.

ويحدثنا القرآن الحكيم في منتصف هذه السورة عن ضرورة الطاعة ، وانها يجب ان تكون لله لا للمصالح ، وليس خوفا من إرهاب اي سلطة بشرية ، وهذه هي النقطة المحورية لبناء الإنسان الفاضل في الاسرة الفاضلة ..

ثم ان الاسرة الفاضلة تبتدئ من الإنسان المطيع لله ، وتنتهي اليه ، فالأب الذي لا يخضع لشهواته العاجلة ، ولا لمصالحه الخادعة ، ولا للشركاء من دون الله كسلطان الجور ، وأصحاب المال : انه هو الذي يستطيع تربية ابنائه على شاكلته ، اما الآخر الذي تمتلئ حياته بالطاعة العمياء ، للمال ولأصحاب المال ، أو السلطة ولأصحاب السلطة ، أو للارهاب ، فانه لا يستطيع تربية ابنائه أحرارا ، يقاومون انحراف النفس والمجتمع.

رابعا ـ لو بحثنا بعمق عن الأسباب الحقيقية للانحرافات البشرية ، لوجدناها تنطلق من طاعة الإنسان للشهوات ، فالذي لا يطيع شهواته لا يسرق ، لان من يسرق انما يسرق لكي يصبح أكثر ثراء من غيره ، أو ليست هذه شهوة؟

وهكذا يكذب الإنسان ويظلم أو يخاف من الناس ، وهو يعلم ان كل ذلك طريق للانحدار والتردي.

وإذا ما عالج الإنسان هذا المرض عنده فان سائر الانحرافات التي يعاني منها

٣٣٥

ستشفى طبيعيا تباعا لعلاج الجذر.

بينات من الآيات :

[٤٥] وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ

لا بد ان كل إنسان قد شاهد النملة التي لا تكاد العين تراها ، كيف تبحث عن رزقها وكيف تمتلك ما تملكه الحيوانات الضخمة من أجهزة داخلية وأعضاء مختلفة؟ وهي تعرف بما أودع الله فيها من الهدى ان الحبة التي تحصل عليها يجب ان تفلقها الى عدة أجزاء قبل ان تختزنها ، لكي لا تنمو ثانية وهي في بطن التراب ، والاغرب من ذلك انها تفلق الحبوب الى قسمين الا حبة الذرة ، فانها تفلقها الى اربع أقسام بنظرتها التي أودعها الله فيها ، وكأنها تعلم لو انها فلقتها الى قسمين لا مكن لكن جزء منها ان ينبت لوحده دون سواها من الحبوب ، وإذا رأت مكانا فيه غذاء فانها تذهب وسرعان ما تعود ومعها جيش من النمل ليتعاونوا جميعا على نقله ، وادخاره ، ترى كيف أبلغتهم بالأمر وبأي لغة تكلمت؟

هذه النملة الصغيرة خلقها الله من الماء ، وذلك الفيل الضخم الذي إذا رأيته هالك منظره ، هو خلقه الله من السماء أيضا ، وهكذا سائر الحيوانات البرية والبحرية ، والطيور والحشرات بالاضافة الى البشر.

ان تنويع الخلقة ، والتركيز على ان كل نوع منها يسير وفق سلسلة معينة في تدرج الحياة يعطينا ايمانا بالله ، وبقدرته اللامتناهية حيث خلقها جميعا من الماء ..

فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ

كالزواحف.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ

٣٣٦

كالإنسان.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ

كالدواب.

يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

سأل رجل الامام الصادق (ع) لماذا خلق الله كل هذه الأحياء؟

فأجابه (ع) : بأن الله عز وجل خلق أنواع الخلقة حتى لا يقول الإنسان لو كان الله قادرا لخلق حيوانا بالصفات الفلانية ، فكل ما يمكن ان يتصوره الإنسان من أنواع الحيوانات يجده مخلوقا ، ان لم يكن في عصره ، ففي العصور الغابرة ، وان لم يكن في بيئته ، ففي البيئات الأخرى (١)

فربنا الذي شاء وكانت مشيئته هي الغالبة ، وأنت بدورك محكوم بإرادة الله ، فلما ذا التمرد ولماذا العصيان؟

[٤٦] وفي الوقت الذي أنزل الله الآيات التي تذكرنا بآياته ، فان البشر بحاجة الى الهداية المباشرة من قبل الله برحمة يخص بها من يشاء منهم ليهتدوا الى الصراط المستقيم ، ذلك ان الهداية نعمة عظيمة وهدف رفيع لا ينالها كل الناس.

لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

اذن فعليك ان تسعى من أجل الحصول على هداية الله بطاعته والتقرب اليه بالأعمال الصالحة.

__________________

(١) الحديث منقول بمضمونه لا نصه.

٣٣٧

[٤٧] بيد ان هناك أناسا يدّعون الايمان ولكن واقعهم يخالف ما يدعون.

وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ

[٤٨] ان أصوب مقياس للايمان هو الطاعة عند الصراع ، فاذا أسلم للحق الذي يخالف هداه ومصلحته وقبل العدالة التي تكون الى جانب خصومة ، وتنازل طواعية عن دعاويه إذا حكم القاضي العادل ضده ، فان ايمانه حق ، والا فان دعوى الايمان غير مقبولة.

وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ

[٤٩] ولان طاعتهم لله والرسول نابعة من مصالحهم المادية ، فاذا كان الأمر لصالحهم أطاعوا ودعوا الناس الى الطاعة ، اما إذا لم يكن الأمر كذلك فإنهم يخالفون حكم الله ويعرضون عن شريعته فاذا عرف أحدهم انه لو ذهب الى الحاكم الشرعي فانه سيحكم ضده ، فانه يذهب إلى المحاكم الجائرة ليتسنى له التلاعب بالقوانين عبر الرشاوى.

اما المحاكم الاسلامية الحاسمة التي تقضي بالحق فانه لا يذهب لها الا إذا علم بان قضيته رابحة ، ويكون في هذه الحالة أسرع الناس الى حكم الإسلام ، وأكثر الناس دعوة الى الأخذ به.

وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ

[٥٠] وهذا نوع من أنواع الطاعة المصلحية ، والايمان المنفعي المرفوض في الإسلام ، ولكن ما هو الدافع لهذا الايمان؟

٣٣٨

أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

ان الذين يخشون العودة الى طاعة الله ، وحكم الرسول هم أحد أولئك التالية صفاتهم :

أولا : مرضى القلوب :

الذين يخالفون قيادة الرسول ، استكبارا في الأرض ، وتمردا على هذه القيادة الشرعية ، فلقد كان بنوا أمية وغيرهم من بطون قريش يحسدون النبي محمد (ص) ـ القيادة الشرعية ـ لأنه كان من عائلة بني هاشم ، التي أثبتت سيادتها وتفوقها على غيرها ، مما دفعهم لحسدها ومن ثم حسدوا الرسالة والقيادة المنبعثة عنها.

وهذا نوع من امراض القلب ، حيث يسارع صاحبه الى اتخاذ موقف النفور والكراهية ضد كل من يتحلى الطيبة والأخلاق الفاضلة ، لمجرد انه يستقطب الناس حوله ويتفوق عليه.

ثانيا : الريبة :

حيث تستبد بقلب البعض حالة الشك فيكون شخصية قلقة يشك في كل شيء ، وهكذا يشك في القيادة الرسالية أيضا لشكه الاساسي في الدين.

ثالثا : الخوف من الحيف :

وهناك فريق ثالث يتمردون على القيادة الرسالية بسبب خوفهم من ان تسبب لهم الضرر ، كما لو أرادت اعادة حقوق المظلومين ويعتبرون ذلك ظلما لهم ، في حين ان الظالم الحقيقي هو الذي يمتّص دماء المستضعفين ، ويترف على حساب المحرومين ، وليس حيفا ان يسترد الله حقوق المستضعفين من المستكبرين ، انما هو

٣٣٩

العدل والإنصاف بعينه ، وحاشا لله ان يظلم أحدا أو رسوله ، بل الذين يخالفون الله ورسوله ، لهذه الأسباب هم الظالمون.

[٥١] وفي مقابل هؤلاء الذين يقولون أطعنا ، ثم يخالفون القيادة الرسالية في ساعة الجد ، ويميلون الى مصالحهم وأهوائهم الشخصية ، نرى أولئك المؤمنين الصادقين والذين إذا قالوا أطعنا استقاموا على ذلك ، وثبتوا مضحّين بمصالحهم الشخصية لصالح الإسلام والمسلمين ، واستجابوا لكل الأوامر القيادية على الرغم من شدتها وصرامتها.

إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

[٥٢] لأنهم يتلقون احكام الله وتشريعاته وتعاليم نبيه الأكرم ، ويعملون بموجبها في معاملاتهم الاقتصادية والسياسية والقضائية وغيرها ، ـ تماما ـ كما يفعلون ذلك في شؤونهم التعبدية كالصلاة والصوم وغيرها ، فما من واقعة الا ولله فيها حكم يتبعونه ، وهكذا يجب على أبناء الامة الاسلامية ان يستجيبوا لنداء علماء الإسلام عند ما يدعونهم لمنهج الله في الحكم والسياسة ، أو الاقتصاد ، وسائر شؤون الحياة ، لا أن يهرعوا الى الغرب تارة والى الشرق تارة أخرى ، يبحثون عن المناهج والأحكام عندهم.

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ

ذلك لأن من يمتلكون هذه الصفات الثلاث (الطاعة ، الخشية ، التقوى) يكونون قد استكملوا أسباب الايمان الحقيقي ، فيحصلون على الفوز من الله.

أنهم يطيعون الله ورسوله خشية من عقابة المهين ، وعذابه الأليم ، ولأن الخشية

٣٤٠