من هدى القرآن - ج ٨

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-11-4
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٩٥

من طغاة الجاهلية ، ومجرمي المجتمع.

ثم يواصل القرآن ردّ شبهات الجاحدين للرسالة حيث قالوا : لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ، ويرده : بأنّ التنزيل المتدرج اثبت لفؤاد الرسول ، وأوضح في البيان ، وأبلغ في معارضة ثقافة الجاهلية بالحق المبين.

بينات من الآيات :

[٢٧] الناس في الدنيا محكومون بالضغوط الاجتماعية التي تدعو الكثير منهم الى ترك الرسالة الالهية.

إن الشيطان يدعو الإنسان الى الانحراف ، ويعده بالنصر ، ثم يكون أول المتبرئين منه ، حينما يواجه مصيره وعاقبة امره ، ولكن من هو الشيطان؟

إن للشيطان صورتين ، فتارة يتجسّد في القوى الخفية التي تضلّنا عن الحق ، وأخرى في القوى الظاهرة وبصورة مختلفة ، فقد يكون صديقا يدغدغ فينا الآمال والشهوات ، وقد يكون المجتمع الذي يضغط باتجاه التقاليد والعادات المنحرفة ، وربما يكون السلطان الحاكم ، أو الاعلام المضلل ، و .. و ... إلخ ، وهؤلاء جميعا يتبرءون من البشر يوم القيامة.

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً

حينما يرى الظالم أن الجنّة والنار بيد الله ـ سبحانه ـ وأن الطاعة أو العصيان للرسول هما المقياس عنده لدخول أحدهما ، فانه يندم على ما فرّط في جنب الله ورسالته ، ويتمنّى لو كان متّبعا للرسول ، وسبيله الحق.

٤٢١

[٢٨] يا وَيْلَتى

يدعو على نفسه متندّما.

لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً

الذي أضله من صديق سوء أو سلطان جائر أو ضرب شيطاني ، ولكن ماذا ينفعه كل أولئك ، وقد ضل بما زخرف له هؤلاء الأخلّاء ، فترك رسالة الله سبحانه ، وعليه إن أراد أن يتخلص من النار ، ويزحزح الى الجنة أن يتخلص من الولاءات الشيطانية في الدنيا ، ويخلص ولاءه لله ولمن أمر الله.

[٢٩] لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي

وكثير أولئك الذين يتّبعون أصدقاء السوء الذين يضلّون الناس عن ذكر الله بدعوتهم للمعاصي ، ويبدو أن مشكلة أصدقاء السوء الهاء الإنسان عن ذكر الله ببعض التوافه ، ولذلك ينبغي أن يبتعد المؤمن عن مجالس اللهو واللغو وحفلات البطّالين ويأوي الى روضات الجنات .. ألا وهي مجالس العلماء ، وحلقات الذكر ، ومدارس العلم ، وجلسات العمل في سبيل الله.

وهذا الشيطان الذي يدعوك للمعصية هو الذي يخذلك في ساعة العسرة ، ويتبرأ منك بحجّة انه يخاف الله رب العالمين ، وقد ورد في الحديث أن الشيطان يتفل ـ يبصق ـ في وجوه تابعيه يوم القيامة.

وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً

لكي لا يكون الرسول خصيمنا :

[٣٠] لكي لا يكون الشفيع خصيمنا ، ولا يشهد علينا سيدنا وإمامنا الذي هو

٤٢٢

أرحم خلق الله بعباد الله. لا بد ان نعيش رياض القرآن فنتخذه أنيسا في الوحدة ، حاكما في التجمع ، قاضيا عند الخلاف ، إماما للمسيرة ، هاديا لدى تواتر الفتن. فقد جاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق (عليه السّلام) عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :

«إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن ، فانه شافع مشفّع ، وما حل مصدّق ، ومن جعله أمامه قاده الى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه الى النار ، وهو الدليل يدلّ على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل ، وبيان وتحصيل» (١)

وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً

الرسول يقاضي أمته يوم القيامة عند ربّه إذا تركوا العمل بالقرآن.

هكذا تدل الآية ، وبهذا جاءت السنة الشريفة ، فقد روى الامام الباقر (عليه السّلام) عن جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :

«أنا أول وافد على العزيز الجبّار يوم القيامة ، وكتابه ، وأهل بيتي ، ثم أمتي ، ثم أسألهم ما فعله (فعلوه) بكتاب الله وبأهل بيتي» (٢)

دعنا نتسائل اليوم ـ وقبل ضياع الفرصة ـ هل نحن نؤدي حق القرآن علينا.

كيف لو جاء الرسول يوم القيام ليشهد في قومه. هل يشهد لنا أم علينا.

حقا نخشى ان يشهد علينا ، فأين معارف القرآن إذن في ثقافتنا؟! واين

__________________

(١) تفسير نور الثقلين / ج ٤ / ص ١٣.

(٢) المصدر.

٤٢٣

التعاليم الخلقية في سلوكنا؟! واين احكامه في سياستنا وقضائنا ، وقوانين بلادنا؟! فهل نحن مسلمون قرآنيون؟! وما الفرق بين من لا يؤمن بالقرآن ، ومن يهجره هجرا؟!

ان قلب المؤمن يكاد يتصدع إذا استمع الى النبي وأهل بيته (عليه وعليهم صلوات الرب) وهم يؤكدون عليه الوصية بالقرآن ـ أقول يكاد يتصدع قلبه خشية الا يكون قد ادى حق كتاب ربه ـ.

قال رسول الله (ص) :

«القرآن هدى من الضلالة ، وتبيان من العمى ، واستقالة من العثرة ، ونور من الظلمة ، وضياء من الأحداث ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من الفتن ، وبلاغ من الدنيا في الآخرة ، وفيه كمال دينكم ، وما عدل أحد من القرآن الا الى النار» (١)

و قال الامام الصادق عليه السّلام :

«القرآن : القرآن!

إنّ الآية من القرآن والسورة لتجيء يوم القيامة حتى تصور ألف درجة (يعني في الجنة) فتقول : لو حفظتني بلغت بك هاهنا» (٢)

فهل نعود الى القرآن ، ونبلغ تلك الدرجات العلى في الجنة ، والنجاح والسعادة في الدنيا؟ نرجو ان يوفقنا الله لذلك.

__________________

(١) المصدر / ص ١٤.

(٢) المصدر.

٤٢٤

[٣١] في الآيات الماضية حديث عن القيادة المضادة للرسول في المجتمع ، والتي هي من أسباب ابتعاد الناس عن القيم الرسالية ، المتمثلة في الوحي الالهي ، والآن تصرح هذه الآية بذلك مؤكدة بأن هذه سنة الهية أن يكون للحق سنام هو القيادة الرسالية ، وأن للباطل سنام أيضا هي قيادة الباطل ، والإنسان بين هذه وتلك يختار طريقه بنفسه.

وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ

كما أن الله سنة في خلقه أن يبعث رسلا يحملون مسئولية الهداية للبشر ، أو مصلحين على رأس كل قرن وفي كل قرية ، فان له سنة في قبالتها أن يجعل في مقابل كل قيادة حق قيادة باطل ، تستقطب سلبيات الناس ضد القيادة الرسالية ، وهذه هي التي يتبرأ منها الناس يوم القيامة قائلين : ليتنا لم نتخذ فلانا خليلا.

فهنا نظام وهنالك نظام. هنا تجمع وهنالك تجمع. هنا انتماء وهنالك انتماء ، وعلينا أن نختار خطّنا بوعي.

هكذا كان مع إبراهيم نمرود ، ومع موسى فرعون ، ومع نبينا الأكرم طغاة قريش.

وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً

إن في الحياة خطين متناقضين هما خط الحق ، وخط الباطل وحتى لا يشتبه البشر فيضلوا الطريق ، ثم يقولوا : يا ربنا إننا لم نعرف قيادة الحق من قيادة الباطل ، فقد تكفل ربنا ببيان صفات كل منهما عبر وحيه الذي لو اتبعناه لاهتدينا الى الحق ، ولانتصرنا على الباطل بعونه تعالى.

٤٢٥

حكمة التنزيل المتدرج :

[٣٢] وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً

بعد أن فشلت كل تبريراتهم قالوا : نحن لا نؤمن لان القرآن لم ينزل جملة واحدة ، وذلك دليل على ضعف الرسول ، فلو كان من عند الله لما أعجزه أن يبعث به دفعة واحدة ، لأنهم كانوا يجهلون خلفيات التنجيم. فلما ذا جاء القرآن منجما؟

١ ـ إن القرآن ليس كتابا عاديا كأي كتاب ، بل هو كتاب حياة ، ينبغي أن يصنع جيلا من المتمسكين به ، ولا يمكن ذلك الا إذا ترسخت أفكاره وآياته في نفوس الناس ، ونجد اشارة الى الجيل القرآني في الآيات الأخيرة من هذه السورة حين ذكرت صفات عباد الرحمن.

والتنزيل المتدرج هو الذي صاغ الجيل الرسالي في الرعيل الاول من المسلمين ، إذ كان المسلمون يصوغون حياتهم وفق كل آية تنزل عليهم ، لتأتي الآية الثانية مكملة لسابقتها ، ولتضيف تكاملا جديدا في شخصيتهم ، إذ لم يكونوا قادرين على صياغة شخصيتهم وفق المنهاج القرآني دفعة واحدة ، ولم يكن الله يريد للقرآن أن يكون تراثا فكريا وعلميا ، بل منهجا عمليا لحياة الناس.

ويهدينا ذلك الى ضرورة أن يطبق كل من المجتمع والفرد القرآن على نفسه كلما استطاع الى ذلك سبيلا ، وتشير الى ذلك الآية الكريمة «فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» حيث يجب تطبيق الميسور من الآيات الآن تمهيدا لتنفيذ غيرها في المستقبل ، ويوحي الى ذلك قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا على تفسير مضى : ان معنى النظر ـ هنا ـ الانتظار لوقت الإمكان.

ويبدو أن هذه من أعظم القواعد التربوية في الإسلام ، ولا ريب أن ذلك لا

٤٢٦

يرتبط بالواجبات الدينية كالصلاة والصوم ، انما تختص بدرجات المعارف الالهية أو المراتب العالية من الطاعات.

وفي هذه الأمور يتثبّت الإنسان من خلال القرآن عند ما يرتله على نفسه ، كما رتل الله كتابه على نبيه ليثبت فؤاده.

٢ ـ إن في ذلك بيانا لعظمة القرآن وانه من عند الله ، فمع أنه نزل على امتداد (٢٣) عاما وفي ظروف مختلفة. الا أن ما تهدي اليه الآية الاولى وما تنطلق منه ، هو عين ما تهدي اليه وتنطلق منه كل الآيات ، لان الله الذي أنزله صاغه على نمط ومنهج واحد ، لا اختلاف فيه ولا تناقض.

ومع أن مراحل الدعوة قد اختلفت في حياة الرسول (ص) حيث انتقل من مكة الى المدينة ، والتي تختلف فيها الظروف والمشاكل الاجتماعية الا أن ذلك لم يخلف ولا أثرا بسيطا على واقع القرآن روحا ومنهجا.

إن من المستشرقين ممن لا يؤمن بالوحي حاول ربط الآيات بالاوضاع الاجتماعية التي مرت بها الأمة آنذاك ، فجمعوا الآيات حسب نزولها ، فسورة العلق تسبق سورة الحمد ، فلما لم يكن مرتبا بشكل جيد. عرفوا بأنه من عند الله. حيث ان بعض الآيات من بعض السور تنزل في مكة ، وبعضها الآخر في المدينة المنورة ، بينهما فترة زمنية ليست بالقليلة. تتخللها آيات من سور أخر ، ولكننا نجدهما في غاية التناسق ، والوحدة الموضوعية. بحيث لو أضفنا كلمة زائدة الى السياق أو حذفنا كلمة لاختلف السياق اختلافا كبيرا ، بل لا يمكن ذلك حتى مع الحفاظ على ذات الكلمات القرآنية مع التقديم والتأخير.

وكلما تدبر البشر أكثر في القرآن الحكيم ، كلما ازداد يقينا بأنه من عند الله ، إذ يستحيل على الإنسان أن يجد ترابطا وثيقا بين كلام ينطقه الآن وكلام نطقه منذ

٤٢٧

عشرين عاما. من يحث المحتوى ونضوج الأفكار ، وحتى في الأدب والصياغة ، وقد قال ربنا تبارك وتعالى : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً .

هذا إذا ما تركنا الروايات والأحاديث التي تحدثنا عن أسباب النزول جانبا لأن أكثرها لا ترقى الى درجة اليقين العلمي.

٣ ـ لتثبيت قيادة الرسول في المجتمع. حيث يعود الناس اليه ، وينتظرون منه حلّا ورأيا كلما مرت بهم حادثة.

كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ

ونجعلك تصيغ شخصيتك وفق آياته.

وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً

آية آية ، ومقطعا مقطعا ، حتى يصير واضحا غير مختلط ببعضه ، لكي يدخل في ضمير المجتمع ، ويمتد عبر الأجيال في التاريخ.

وينبغي أن نتلوا القرآن ـ إذا تلوناه ـ بتدبر ، ونرتله بتأمل ، ونستضيء بهديه في ظلمات حياتنا ، ونسلط اشعته الكاشفة على كل زاوية مظلمة.

يقول الحديث الشريف المروي عن النبي (ص) انه قال لابن عباس :

يا ابن عباس إذا قرأت القرآن فرتّله ترتيلا

قال : وما الترتيل؟ قال :

«بيّنه تبيانا ، ولا تنثره نثر الرمل ، ولا تهذّه هذّ الشعر ، فقفوا عند عجائبه ،

٤٢٨

و حركوا به القلوب ، ولا يكون هم أحدكم آخر السورة» (١).

ونحن نرى أن القرآن نزل مرتين :

هبط به الروح الأمين جملة واحدة على قلب النبيّ الامي (ص) في ليلة القدر ، حيث قال ربنا سبحانه : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ» (٢) وقال : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» (٣) هكذا نزل القرآن حسب الحاجة الاجتماعية ، ثم نزل مفرّقا حسب الظروف والمناسبات ، حيث كان سبحانه يأمر رسوله بأن يتلو كل آية في مناسبتها ، وربما تدل على ذلك الآية الكريمة : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ .

[٣٣] ربنا الرحمن شافي بالقرآن امراض المجتمع البشري المتمثلة في الثقافات الجاهلية. فكلما طرحت فكرة جاهلية غامضة جاء الوحي بالحق المبين.

وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً

ما هو المثل؟

يبدو ان كل مجموعة فكرية يعبر عنها بمثل (أو حسب تعبيرنا اليوم بشعار) والامثلة عند الناس تختزل حشدا متناسقا من الأفكار ، وتعبر عن سلسلة فكرية متشابكة.

ولتوضيح ذلك دعنا نضرب مثلا :

ألف : العشائرية نهج اجتماعي ، وقيمة فكرية كان شعارها «انصر أخاك ظالما

__________________

(١) المصدر / ص ١٥.

(٢) الدخان / ٣.

(٣) القدر / ١.

٤٢٩

أو مظلوما» أو «أنا وأخي على ابن عمي ، وأنا وأخي وابن عمي ضد عدوي».

ولكن القرآن يقول : «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» (١) ان هذا هو الحق يواجه ذلك المثل الشائع.

باء : القومية إطار سياسي يعبر عنه المثل ينفيه القرآن بقوله : «ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ» (٢) وتقابلها العالمية الاسلامية التي يقول عنها الرب : «إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ».

جيم : وهكذا عبادة الأصنام منهج سياسي عبر عنه قريش بشعارهم في يوم أحد : اعل هبل ، وقابلها الرسول بالحق حيث قال : الله أعلى وأجل.

وهكذا في سائر الحقول جاء الوحي منجما لكي يواجه الثقافات الجاهلية مثلا بمثل أحسن ، وفكرة باطلة بحق واضح ذا تفسير حسن بليغ.

__________________

(١) النساء / ١٣٥.

(٢) فصّلت / ٤٤.

٤٣٠

الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ

___________________

٤٠ [نشورا] : من النشر وهو الحياة بعد الموت (البعث).

٤٣١

لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤)

٤٣٢

 أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ

هدى من الآيات :

لا يزال السياق ينسف عن طريق الإيمان بالوحي العقبات التي يضعها الشيطان ، وذلك بالإنذار الشديد بعاقبة المكذّبين ، وضرب الأمثال من واقع الغابرين ، ويهدينا الذكر هنا إلى أنّ واقع الإنسان الذي لا يتمسّك بالوحي في الدنيا يشبه واقعه الذي يتجسّد له في الآخرة ، فهو يمشي ووجهه إلى الأرض لا يبصر الطريق ، فإن وقف وقف موقف شرّ ، وإن سار كان طريقه ضلالا.

ويؤكّد القرآن أنّ من لا يؤمن بالوحي ولا يتمسّك بالرسالة ، ليس فقط لا يحقّق تطلّعاته ، بل ويفقد بالإضافة إلى ذلك نعم الله عليه من عقل وعلم.

إنّ الله منح البشر قدرا من العقل والعلم ، لو استثمره عن طريق تمسّكه بالوحي الذي يثير في قلبه دفائن العقل ، لازداد عقلا وعلما ، ولكن إذا رفض الرسالة فإنّه يفقد العقل ، حيث يسلبه الله ما أوتي ، فيمشي مكبّا على وجهه يتخبّط خبط عشواء ، كالأنعام بل أضلّ سبيلا.

٤٣٣

وبعدها ينذر القرآن من يسمعه دون أن يتّعظوا بمصير السابقين كقوم نوح وعاد ، وثمود وآل فرعون ، إذ كذّب آل فرعون موسى وأخاه فدمرهم ، لأنّهم لا يعترفون بشرعيّة القيم ، فلا يشكّل البشر بما يملكون من قوى وطاقات وأسماء وشعارات وزنا عند الله لولا القيم ، لأنّ الأهم لديه هو الإيمان والعمل الصالح ، وتفقد كلّ أمّة مبرّر وجودها عند ما تفقد هذين الأساسين ، وما تدمير الله لأصحاب الرّسّ إلّا لأنهم أمّة كفرت بالحقّ ، وهذه سنّته في الحياة.

ومن الناس من أشرب قلبه حبّ الدنيا ، ويتجاهل قيمة العلم والتقوى ، وينظر إلى رسول ربّه من منطلق قيمه المادية ، فهو يكفر بالرسالة قائلا : أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً ؟! ويرى أنّ صبره أمام تأثير الرسالة فضيلة ، ولا يتذكر أن كفره بها يكلّفه كثيرا ، لأنّه يرديه إلى مهوى الضلالة.

ولكنّ منطلق هذه النظرة الخاطئة إلى الرسول ومن ثمّ الوحي نابع من عبادة الهوى ، فيدعه الرسول لشأنه لأنّه ليس وكيلا عنه ، ولأنه أفقد نفسه نعمة العلم والعقل ، فهو أضلّ سبيلا من الأنعام والبهائم.

هكذا يبيّن القرآن هنا الحقائق التي تمسّ الوحي :

أولا : الذي يكفر بالوحي يكفر بالنور ، فهو يمشي على وجهه.

ثانيا : إنّ نهايته ستكون كما الذين كفروا من قبل فدمّرهم الله في الدنيا ، وأعدّ لهم عذابا أليما في الآخرة.

ثالثا : من استهزأ بالرسول فكفر لذلك برسالته فقد اختار الضلال ، وأضحى كالأنعام وأضل سبيلا.

بينات من الآيات :

[٣٤] إن الله يسلب العقول والأبصار من الذين يكفرون بالقرآن في الدار الدنيا

٤٣٤

بصورة معنوية ، أما في الآخرة فإنهم يفقدون كل ذلك بالصورتين المعنوية والظاهرية ، فاذا بهم يمشون مكبين على وجوههم.

الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ

قال بعض المفسرين : أنهم يمشون بعكس الآخرين ، فتكون رؤوسهم إلى الأرض. وأرجلهم إلى السماء ، ولعلّ التفسير الأحسن للآية : انهم لا يرون أمامهم ، فهم مكبون على وجوههم.

أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً

إذا توقفوا.

وَأَضَلُّ سَبِيلاً

إذا تحركوا وساروا ، ويبدو أن الآيات التالية شواهد تاريخيّة على حقيقة هؤلاء ، ولعلّ هذه الكلمة لا تخص الآخرة بل تشمل الدنيا أيضا ، فإنّ للكفار بالوحي عقبى الشرّ في الدنيا كما في الآخرة.

[٣٥ ـ ٣٦] ثم تتعرض الآيات إلى قصة قوم فرعون الذين كذبوا موسى (ع) كمثال على عاقبة السوء التي تنتظر المكذبين بالرسالات ، ويلاحظ الاختصار الشديد في القصة ، وذلك من أجل الاعتبار بالنهاية. إذ هي الهدف من بيان هذه القصص هنا.

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً* فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً

ويوحي هذا التصوير القرآني البليغ بفكرة هامة ، وهي أن المقياس عند الله هو

٤٣٥

الايمان بآياته ، أما السلطة والثروة وغيرهما فلا قيمة لكل ذلك عنده تعالى.

[٣٧] وتستمر الآيات تضرب لنا الأمثال من واقع الذين هلكوا بكفرهم ، وكيف أنهم دمّروا بسبب تكذيبهم لرسل الله وآياته. أو ليس خلق الله الخلق لعبادته؟! بلى. إذن فاذا كذّبوا بالوحي فقدوا مبرر وجودهم ، فلا ضير أن يهلكهم الله.

وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ

بالطوفان.

وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً

علامة وشاهدا على مصير المكذبين برسل الله ورسالاته.

وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً

ويبين هذا الشطر من الآية أن العذاب لا ينحصر في الماضين فقط ، بل يطال كل من يسير في خطهم ، وذلك حتى لا نتصور أنفسنا فوق سنن الله ، أو قادرين على الفرار منها.

ولكن لماذا يقول القرآن عذابا أليما وليس عظيما مثلا؟

ربما لان الذي يكذب بآيات الله بهدف التمتع بحرام الدنيا ومن يفعل ذلك لا بد وأن يؤلم بالعذاب في الآخرة ، وهذه الفكرة تتجلى في مواقع كثيرة من القرآن ، فغالبا ما يتطرق الذكر للعذاب الأليم بعد استعراض لذة حرام مباشرة ، ليبين ان الله يؤلم الإنسان في مقابل تلك اللذة.

٤٣٦

[٣٨] وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِ

الرّس : تعني البئر ، وأصحاب الرّس قوم كانت لهم بئر يعيشون عليها ، فأنذرهم رسولهم ، فلم يؤمنوا ، فهدم الله عليهم بئرهم وأهلكهم ومواشيهم.

ويظهر من حديث مفصّل يرويه الامام الرضا (ع) عمّن سأل جدّه الإمام علي (ع) ونختصره هنا :

إنّ أصحاب الرّس كانوا يعبدون اثنتي عشرة شجرة صنوبر ، سمّوا أشهر العام باسمها (وهي الأسماء الفارسية المتداولة للأشهر) وزعموا أن نوحا (ع) قد زرعها ، وأنهم حرّموا على أنفسهم مياه نهر لهم ، وجعلوها خاصة بتلك الأشجار المقدسة في زعمهم!

وإن الله بعث إليهم نبيّا من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب ، فدعاهم إلى التوحيد فرفضوا ، فدعا ربّه أن يهلك معبودهم فيبست كبري الأشجار ، فزعموا أنّها غضبت عليهم لدعوة الرسول بنبذها ، وقالوا : دعنا ندفن نبيّنا تحتها حيا فلعلّها ترضى ، فحفروا حفيرة في وسط النهر ، وألقوا نبيّهم فيها ، ووضعوا عليها حجرا كبيرا ، فغضب الله عليهم وعمّهم بعذاب شديد ، حيث هبّت عليهم ريح عاصف ، شديدة الحمرة ، ثمّ صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد ، وأظلّتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب ، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص (١)

ويبين حديث آخر أنّ من أفعالهم القبيحة فعل السحاق ، وهو الشذوذ الجنسي عند النساء ، وذكر الإمام الصادق (ع) أنّ حدّها حدّ الزانية. (٢)

__________________

(١) راجع تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ١٦ ـ ١٩.

(٢) المصدر ص ١٩.

٤٣٧

وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً

فكلّ هؤلاء جرت عليهم سنة الله ، حيث دمرهم لتكذيبهم بآياته ، ورفضهم لما أتى به رسله.

ويبدو ان المقصود من كلمة القرن في القرآن الحكيم هو الجيل حسب تعبيرنا اليوم ، وهم الذين يقارن بعضهم بعضا. وقيل ان القرن مائة عام أو سبعون سنة ، وقيل خمسون خريفا ، ولعله أربعون عاما لأنّ الجيل من الناس يتبدلون كلّ أربعين عاما ، وسبق ان فصّلنا القول في قصّة تيه بني إسرائيل.

[٣٩] وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ

ويبدو ان المراد من المثل هنا إنذارهم ببيان مصير المكذبين من قبلهم.

وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً

التبر هو : القطعات المفتتة من الذهب ، ويسمى بالتبر لأنه ينقطع ، والتتبير يعني التقطيع الكامل ، فالله قطع هؤلاء القوم تقطيعا.

والملاحظ تحول القرآن من أسلوب لآخر ، فمرة يقول «دمرنا» وأخرى «عَذاباً أَلِيماً» وثالثة «تَبَّرْنا تَتْبِيراً» ورابعة «يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ» فهل في ذلك ما يزجرنا عن التكذيب بآيات الله؟

وكم يجب أن يكون قلب الإنسان قاسيا حتى يمنعه من الهداية أو للتأثر بهذه التهديدات المتتالية.

[٤٠] وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً

٤٣٨

لقد كانت القرية هذه آية من آيات الله التي يجب على الإنسان الاتعاظ بها ، وهي كما يذكره الحديث قرية سدوم لقوم لوط ، ولكن هؤلاء لم يعتبروا بما يرون من آثارها ، ليس لأنهم لم يروها وانما لأنهم يعتقدون ان الدنيا آخر المطاف ، فلا حساب ولا نشور.

ولا تشمل هذه السنة من يكفرون بالوحي جملة وتفصيلا فحسب ، بل كل واحد يتخذ القرآن مهجورا تشمله هذه السنة ، ونذكّر بهذه الحقيقة لان مشكلة الكثير منا اعتقاده باقتصار الإنذار والتبشير على الآخرين.

فنرتل القرآن ليستمعه غيرنا ، وكأننا أنهينا واجبنا بمجرد لقلقة لسان اعترفنا عبرها بالشهادتين. كلا .. لا بدّ أن يعرف كلّ فرد منا أنه لا يمكنه الوصول إلى درجة الايمان إلّا بالجهد الكبير والعمل الجاد ، ويعتقد كلّ منا ان القرآن حديث الله إليه.

فالذي لا يقرأ القرآن أو يقرأه دون تدبر ، أو يتدبره دون عمل ، أو يعمل ببعضه دون بعض ، أو يعمل به كله دون استمرار وتحمل للصعاب ، كل أولئك يشملهم قوله تعالى : إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً لان من كفر بالقرآن سابقا ليس لأنه من طينة تختلف عن طينتنا ، بل مثله كأي بشر وجد صعوبة الايمان بالقرآن ، وتطبيق آياته و مناهجه ، فتركه ولذلك تشمله سنة العذاب.

ونحن عند ما نتبع ذات الخطوات فنحن مثله. بلى. اننا عشنا في بيئة مسلمة تشهد بالشهادتين ، وتقول بنزول القرآن من الله ، فآمنا بذلك إيمان التقليد والوراثة ، وتتضح حقيقتنا عند ساعات الحرج التي يسميها القرآن بالعقبة ، والتي من واجبنا اقتحامها ، وفي الآية إشارة إلى إن الكفر بالنشور سبب سائر مفردات الكفر.

[٤١] وبعد أن ذكرنا الوحي بمصير المكذبين بالوحي. لعلّ القلوب تلين

٤٣٩

فتستقبل الرسالة. أخذ يداوي أمراض القلوب الجاحدة.

ذلك أن مرض الاستهزاء بصاحب الرسالة. يقف حاجزا دون استقبال نور الوحي. أرأيت لو استصغرت أحدا. واستهنت بكلامه أيضا ، ولكن لماذا استهزءوا بالرسول الكريم؟ لأن قلوبهم أشربت بحب المادة ، فلم تعد تعترف إلا بالثروة والقوة والجاه العريض ، وبهذه المقاييس وزنوا العلم والفضيلة ، وأرادوا أن تكون موازين الرب تابعة لأحداثهم الشاذة ، ونظراتهم الضيّقة.

وقد بيّن القرآن في مطلع السورة هذه سخف تلك المقاييس المادية ، ولكنه ـ كما يبدو لي ـ عاد هنا إلى ذات الحديث ليذكرهم بخطإ منهجهم العلمي ، فهل من الصحيح أن نرفض إنذارا وراءه التدمير والتتبير عبر الاستهزاء بمن يحمله. هب إنه كما يحسبون ـ حاشا لله ـ فهل من العقل أن نقع في البئر لمجرد اننا لا نكرم من أنذرنا؟

وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً

من هذا حتى نتبعه ، أو نستجيب لإنذاره.

[٤٢] وكم هؤلاء غارقون في الغباء والضلال فلقد كاد الوحي يصل قلوبهم ، وكادت أنوار الهداية تخترق حجب العناد في أنفسهم ، ولكنهم صبروا على آلهتهم ، واستقاموا على الضلال بعناد وجحود ، فرأوا الهداية ضلالا ، والإصرار على الضلال صبرا على الحق. يا ويلهم ما أكفرهم قالوا :

إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً

[٤٣] وان هذه العقبة النفسية منشؤها عقبة أخرى تحصل بتغيير محور الإنسان من القيم

٤٤٠