من هدى القرآن - ج ٨

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-11-4
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٩٥

فاي نعمة كبيرة أسبغها الإسلام على البشر بحرمة النظر ، ونظافة الأجواء العامة من سهام إبليس؟!

جاء في حديث مأثور عن الامام أمير المؤمنين عليه السّلام :

«ليس في البدن شيء أقل شكرا من العين ، فلا تعطوها سؤلها ، فتشغلكم عن ذكر الله ، ثم قال لكم أول نظرة الى المرأة ، فلا تتبعوها بنظرة أخرى ، واحذروا الفتنة. إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليأت أهله ، فان عند أهله مثل ما رأى» (١)

وقد استخدم الله كلمة «من أبصارهم» في التعبير القرآني دلالة على التبعيض ، فليس كل نظرة حرام ، وانما يحرم منها المريب ، والنظر الى مالا يحله الله.

والغض في اللغة ، بمعنى الخفض ، ومقصود الآية ان يحفظوا من أبصارهم ، فالإنسان لا يمكنه ان يغير العالم ، ولكنه يستطيع ان يكيف نفسه حسب حكم الشرع ، فاذا لحظ منظرا حراما يستطيع اجتنابه عبر طريقين : فأما أن يزيل هذا الواقع الفاسد ، وأما ان يشيح ببصره عنه ، ولم يأمر الله بإغماض العين لما في ذلك من احتمال للضرر كالسقوط في حفرة.

إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ

فاذا التف أحد على القانون ، أو عجز الحاكم عن متابعته ، فانه لن يلتف على الله الخبير الذي يعلم المطبق للقانون من المخالف له ، ظاهرا أو باطنا ، فمن الأصلح للإنسان ان يجعل ضميره حارسا عليه ، ومراقبا لأعماله ، حتى لا يسخط الله ،

__________________

(١) المصدر / ص ٥٨٩.

٣٠١

فيستحق العذاب.

[٣١] وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ

لأن المسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة ، ولكنا نلاحظ ان الله حينما فرض الحجاب فرضه على المرأة ، وحينما أمر بغض النظر أمر الرجل أولا ، لان نظر الرجل للمرأة أكثر اثارة للفتنة من نظر المرأة له. ولعل عيون المرأة ، ونظراتها الفاتنة ، تفسد الرجال قبل ان تفسدها. وذلك يعود لاختلاف التركيب الفسيولوجي ، فاحتمال تجاوبه معها لو نظر لها أكبر من احتمال تجاوبها معه لو نظرت اليه.

ويربط القرآن بين غض البصر وحفظ الفرج ، ذلك لأن هذين الأمرين يتظافران معا في حفظ الرجل أو المرأة عن الفاحشة ، أو ليست بداية الفاحشة نظرة خائنة؟!

الحدود الشرعية للحجاب :

وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ

يبين هذا المقطع من الآية الحجاب الشرعي الذي يجب أن تأخذ به المرأة المسلمة. وهو كما فسره بعض الفقهاء ، وجاء في الأحاديث ان تستر المرأة كامل بدنها وجوبا عدا الوجه ، والكفين والقدمين وكحل العين والحناء ولبس الخاتم ، فان إظهارها جائز ، ثم ان على المرأة ان تلبس خمارا يستر الصدر والعنق.

جاء في الحديث عن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام : وقد سأله بعض أصحابه ، قال : قلت له : ما للرجل ان يرى من المرأة إذا لم تكن له بمحرم؟ قال : «الوجه والكفين والقدمين» (١)

__________________

(١) المصدر / ص ٥٨٩.

٣٠٢

ولقد كانت المرأة في الجاهلية تختمر ، الا انها تبدي زينتها للرجال ، حيث تجعل خمارها خلف اذنها ، لتبدو اقراطها وكانت تحسر عن نحرها وبعض من صدرها ، وتكشف بالتالي عن مفاتنها ، فجاءت الآية تأمر نساء المؤمنين بشد الخمار ، بحيث لا يبدو شعرهن ولا آذانهن ولا نحورهن وصدورهن ، و قد جاء في رواية مأثورة عن الامام أبي جعفر الباقر عليه السّلام .. انّ سبب نزول هذه الآية كالتالي :

استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة ، وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن ، فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه ـ يعني فلان ـ فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فاذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره ، فقال والله لآتين رسول الله ، ولأخبرنه ، قال : فأتاه فلما رآه رسول الله قال له : ما هذا؟ فأخبره ، فهبط جبرئيل بهذه الآية : «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ». (١)

اما الزينة فظاهرة : فلا يجب سترها ، و جاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق (ع): «انها الكحل والخاتم». (٢)

وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَ

ويستوحى من هذه الآية انه لا يجوز إظهار المفاتن لغير النساء المؤمنات ، و قد

__________________

(١) المصدر / ص ٥٨٨.

(٢) المصدر / ص ٥٩٢.

٣٠٣

جاء في الحديث الشريف عن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام :

«لا ينبغي للمرأة ان تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن» (١).

أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ

وهم البلة ، والمجانين والمصابين بموت الغريزة الجنسية كالشيوخ الطاعنين في السن وغيرهم ، ممن فقدوا الشهوة الجنسية ، أما ما يدعيه البعض من جواز إظهار المرأة زينتها للخادم والحارس ، سواء في البيت أو المدرسة أو الدائرة خطأ كبير يخالف التعاليم القرآنية. اذن فلا يجوز للمرأة ان تظهر زينتها الا لمن ذكرته الآية آنفا.

أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ

فاذا بلغ الطفل مبلغ الرجال أو صار مميزا في هذا الجانب ، حرم على النساء إظهار زينتهن امامه.

وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ

فتستثير شهوة الرجل الجنسية ، لذلك لا ينبغي للمرأة الخروج بعطر فوّاح بين الرجال الأجانب ، مما يدل على ان الإسلام يلتفت للجوهر لا للقشور. إذ يفرض على المرأة الحجاب الباطني أيضا.

من هنا حرم بعض الفقهاء الاستماع لصوت المرأة الاجنبية ، أو ان تخضع المرأة في حديثها فان ذلك مما يستثير الرجل ، و لعله من مضامين الآية أن تلبس المرأة حذاء

__________________

(١) المصدر / ص ٥٩٣.

٣٠٤

أو نعلا ، يفتعل صوتا عند مشيها ، مما يلفت الانتباه لها ، بينما لولاه لم يعلم بها أحد أو يلتفت إليها وهي تمر.

وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

فلم يخلق الإنسان معصوما ، اذن لا غرابة ان يسقط سقطات عصيان ، ولكن الغريب هو ان لا يعالجها بالتوبة. ولقد كان الرسول (ص) يستغفر ربه كل يوم مائة مرة.

[٣٢] وحرّض الإسلام على الزواج ليكون القناة النظيفة لأقوى غريزة عند البشر ، فقال سبحانه :

وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ

لأنهم بشر يمتلكون نفس الغرائز ولديهم نفس الحاجات ، والايّم مفرد أيامي وهي كلمة تطلق على غير المتزوج ، مرأة كان أو رجلا ، اما توفير الوسائل والتسهيلات اللازمة للزواج فهي مسئولية اجتماعية كسائر المسؤوليات الأخرى.

وهذه الآية تشمل الشاب الأعزب رقا كان أم حرا ، إذ يجب على المجتمع تزويجهم جميعا.

ولأن أكبر العقبات النفسية امام الزواج هي خشية العيلة ، فان ربنا سبحانه يزيح هذه العقبة بقوله :

إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ

فقدرته واسعة ، وفضله واسع ، وعلمه محيط بكل شيء فلا يعجزه شيء ، وإذا تدبرنا في هذه الآية ، ومن خلالها في سنن الله في الحياة ، عرفنا ان عجلة الحياة لم

٣٠٥

نكن لتدور من دون الزواج ، الذي هو أبرز مظاهر التعاون عند الجنس البشري أوليست الحاجة أمّ الاختراع ، أو ليس الاحساس بالمسؤولية صاعق القوى الكامنة عند الإنسان؟! ان رزق الله كامن في الأرض ، وقدرات الإنسان كامنة في نفسه ، انما تتفجر تلك القدرات فتستخرج رزق الله بالأمل والحاجة والسعي.

ومن هنا جاء في رواية مأثورة عن النبي صلّى الله عليه وآله :

«من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء ظنه بالله عز وجل ، ان الله عز وجل يقول : إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ » (١)

بل ان النبي كان يوصي الفقراء بالزواج لكي يوسع الله عليهم.

يروي الامام الصادق (ع) انه أتى رسول الله شاب من الأنصار ، فشكا اليه الحاجة ، فقال له : «تزوج» فقال الشاب : اني لأستحي ان أعود الى رسول الله ، فلحقه رجل من الأنصار فقال : ان لي بنتا وسيمة ، فزوجها إياه ، فقال : فوسع عليه ، فأتى الشاب النبي فأخبره ، فقال رسول الله : يا معشر الشباب عليكم بالباه (اي بالنكاح).

(٢) ولقد بلغ من تحريض الإسلام على الزواج : ان يقول الامام الصادق عليه السّلام :

«ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليهما الأعزب» (٣)

و يروى عن رسول الله قوله :

__________________

(١) المصدر / ص ٥٩٥.

(٢) المصدر / ص ٥٩٦.

(٣) المصدر.

٣٠٦

«من تزوج أحرز نصف دينه» (١)

و قال :

«رذّال موتاكم العزاب» (٢)

[٣٣] عند ما لا يوفق الإنسان للزواج ، أو يكون عاجزا عن ذلك فعليه ان يتعفف ، ويتحصن بالايمان ، لا ان يفسد في الأرض أو يكون سببا لانتشار الفاحشة في المجتمع.

وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ

قال الرسول (ص) :

«من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فان الصوم له وجاء».

وبمناسبة الحديث عن مسئولية الزواج ، أخذ السياق يعالج مشكلة اجتماعية كانت حادة ذات يوم ، هي مشكلة الرقيق ، حيث كان الذكور منهم يبقون بلا زواج ، ويعيشون عناء العزوبة ، ويشكلون بؤرة الفساد ، فأمر الله بمكاتبتهم ، ليتحرروا ، ولينكحوا مثل غيرهم.

وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً

المكاتبة هي ان يأتي العبد الى سيده ليشتري نفسه منه بمقدار مقسّط من المال ،

__________________

(١ ، ٢) المصدر.

٣٠٧

وينبغي لكل من يملك عبدا ان يطرح عليه هذا المشروع ، فان تجاوب معه ، واستطاع كان حرا ، وهذه ما تسمى بالمكاتبة المشروطة ، وهناك مكاتبة اخرى تسمى بالمطلقة : يدفع فيها العبد حسب استطاعته المبلغ الذي يفك رقبته به.

وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ

من سهم «وفي الرقاب» الذين هم أحد مستحقي الزكاة. وفي الأحاديث يضع عنهم المولى الخمس أو الربع.

أما الإماء فكن في الجاهلية يتاجر بأجسادهن ، وجاء النهي الصريح عن ذلك.

وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا

ولهذه الآية تفسيرا ظاهر وباطن ، أما الظاهر فهو ان عبد الله بن أبي كان يجبر فتياته على الزنا ، ليكسب مالا من وراء بغائهن ، فاشتكين امره لدى الرسول (ص) فنزلت الآية الكريمة «ولا تكرهوا ...» ، ولهذا فانه لا يجوز ان يفسح المجتمع لمثل هؤلاء ان يمارسوا أبشع أنواع التجارة وهي (التجارة بأجساد النساء).

وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ

ان المجتمع الفاسد ، والاقتصاد المنحرف ، وبالتالي الفقر المدقع ، كانت عوامل ألجأت النساء الشريفات بفطرتهن لممارسة الانحراف ، وامتهان البغاء ، ولذلك فان الله يقبل توبتهن اليه. جاء في الحديث في تفسير هذه الآية الكريمة :

«كانت العرب وقريش يشترون الإماء ، ويضعون عليهم الضريبة الثقيلة

٣٠٨

و يقولون : اذهبوا وازنوا واكتسبوا ، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك» (١)

ولعل الآية تشير أيضا الى ضرورة رفع العقبات الاجتماعية التي تكره الفتيات على البغاء ، مثل غلاء المهور ، ووضع شروط للتزويج ـ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ـ ولقد واجه الإسلام هذه العقبات بقوة ، فقد جاء في السيرة : ان رسول الله صلّى الله عليه وآله زوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، وانما زوجه لتتضع المناكح ، وليتأسوا برسول الله ، وليعلموا ان أكرمهم عند الله أتقاهم. (٢)

وشجع الإسلام على المساعدة في أمر الزواج لتسهيل أمر هذا المشروع الحضاري ، فقد جاء في الحديث المأثور عن الامام الباقر عليه السّلام :

«ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة ، يوم لا ظل الّا ظلّه ، رجل زوّج أخاه المسلم أو أخدمه ، أو كتم له سرا» (٣)

__________________

(١) المصدر / ص ٦٠٢.

(٢) المصدر / ص ٥٩٧.

(٣) المصدر / ص ٥٩٩.

٣٠٩

وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤) اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ

٣١٠

بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)

___________________

٣٩ [بقيعة] : القيعة جمع قاع وهي الواسع من الأرض المنبسطة وفيه يكون السراب.

٤٠ [بحر لجّي] : لجة البحر معظمه الذي يتراكب أمواجه فلا يرى ساحله.

٣١١

 بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ

هدى من الآيات :

ان النور الذي يتجلى في الطبيعة هو النور الذي يشع في قلب البشر ، لان الينبوع واحد ، وهو الله الذي يمسك السماء والأرض بيد من القدرة ، ولو لا هيمنته تعالى لما استقر حجر على حجر ، ولو لا فيض رحمته لم يبق شيء من الوجود ، فهو ليس قائما بذاته وانما بما يمده به الله من نور البقاء.

وكمثل على ذلك ـ وتعالى الله عن الأمثال ـ لو توقف المصباح عن اشعاع النور لحل الظلام على الفور ، ولا يعني ذلك ان خلق الله للأشياء هو كما يفيض النور من المصباح ، كلا .. وانما بالإرادة التي لا تحتاج الى زمان ، أو شيء من المعاناة ، انما هي لحظة الارادة المخلوقة ونفحة الرحمة المعطاة.

وما الإسلام الا حكمة قائمة على أساس هذه الفكرة : «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها» ولعلنا نسميها ببصائر النور ، ولا مجال للحديث عن أبعادها الاسلامية العميقة ، وانما بيّنا ذلك ، لكي نعرف الجانب الآخر وهو : ان النور في القلب

٣١٢

والمجتمع هو نفس النور في حياة الإنسان التشريعية ـ وهو نفس النور في الحياة التكوينية ، فلو أمسك الله تعالى فيض نوره عن السماوات والأرض لانعدمتا في أقل من لحظة ، كذلك لو أمسك فيض نور رسالته عن البشر في حياتهم التشريعية والاجتماعية لساد الظلم والظلام.

لذا فان نور الله في التشريع كمصباح في مشكاة (والمشكاة حفرة شق في الجدار يضعون المصباح فيها بعد ان يحيطوه بزجاجة تزيد من اضائته) ووظيفة المشكاة هي العمل على تركيز النور ، وأفضل الزيوت التي كانت تستخدم للاضائة في ذلك الوقت هو زيت الزيتون الذي يزرع فوق الجبال ، فلا يظلها يسار الجبل عن الشمس حين الشروق ، ولا يمينه حين الغروب ، فهي لا شرقية ولا غربية ، وكلما كان الزيت أصفى كان ضوؤه أبهى .. وكم تكون الاضاءة نيّرة حينما يكون وقودها زيت الزيتون ، ويكون المصباح في مشكاة عبر زجاجة؟!

كذلك نور الله الذي يهبط وحيا فيستقر في قلب الرسول (ص) الزكي ، الطاهر كما المصباح يشع نورا من زيت نقي ، ورسول الله يحيط هذا المصباح بزجاجة السنة الشريفة ، ليضع الجميع في اطار أهل بيته الطاهرين ـ عليهم الصلاة والسّلام ـ الذين هم أشبه شيء بمشكاة نظيفة تحفظ النور وتنمّيه نورا على نور.

ان بيوتهم التي أذن الله ان ترفع ، كانت مشكاة للرسالة لأنها ضمّت ذكر الله ، المنبعث من قلوب أولياء الله ، المتّقد بوقود مبارك هو الصلاة والزكاة وخشية المنقلب ، وهذا البيت هو المثل الأعلى للاسرة المباركة حيث يجري السياق في سورة النور لبيان صفاتها المثلى.

وهكذا نستوحي من هذه الآية ضرورة جعل نور الايمان في مشكاة الاسرة ، وذلك من أجل تربية النفس البشرية وتنمية العوامل الخيّرة فيها لتتضاعف خيراتها

٣١٣

وبركاتها ، كالزيتونة اللاشرقية واللاغربية ، تمتص من اشعة شمس الرسالة أزكاها ، وأنماها ، وهكذا نتذكر بالآيات ان هناك سورين للاسرة الفاضلة : سور مادي وهو البيت الذي يحرم على الاجنبي اقتحامه ، وسور معنوي يعلو بالقيم السامية ، والبيت الذي اذن الله له ان يرفع انما هو الذي يحصّنه ذكر الله وتسبيحه ، والذي يشتغل أبناؤه بمعايشهم ولكن دون ان تشغلهم عن ذكر ربهم ، وهكذا تحافظ الاسرة على مهمة الإنسان ، الذي خلقه الله مصباحا للحياة ، يتفجر من جوانبه النور ـ ارادة وعقلا وعواطف ـ فلو ترك هذا النور تلفحه رياح الشهوة لانطفأ أو لا أقل لقلت اضاءته ، ولكنك تجد من الناس من لا نور لهم أساسا ، وهم يجعلون أنفسهم في قبور من ظلمات الكفر والجحود ، كالليل المظلم تلفّه أمواج الشهوة ، وتكتنفه سحب الغفلة ، فلا يجد السبيل الى فهم الحقيقة أبدا.

بينات من الآيات :

الله نور السموات والأرض :

[٣٤] وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ

ان الآيات المبينات هي التي توضح الطريق للناس ، وتجعلهم قريبين من الحقائق ، وأسلوب القرآن في تفهيم الحقيقة هو أسلوب التذكرة ، واثارة العقل ، بتوجيهه لها ، فالحقائق موجودة والإنسان يمتلك ما يكشفها ، ولكنه بحاجة الى من يدله عليها ، ويذكره بها ، وذلك عن طريق الآيات التي تشير إليها ، كالعبر التاريخية.

وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ

لتتعظوا بتجارب الآخرين ، وتزدادوا معرفة ورشدا.

٣١٤

وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ

الذين يخافون عقاب الله ، اما من لا يخاف عقابه ، فانه لا يستفيد من القرآن ، فهو كالأعمى لا يستفيد من نور الشمس ، وهكذا القرآن علم وحكمة وموعظة ، ففيه آيات تبيّن سنن الله ، مما يزيد البشر علما ، ثم يضرب الأمثال من الأمم الغابرة ، مما يزيد البشر حكمة ، ثم يوصل ذلك العلم وتلك الحكمة بحياة القارئ مباشرة فيكون موعظة لمن يتعظ.

[٣٥] اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ

يفيض من نوره بمشيئته المطلقة على السماوات والأرض خلقا بعد خلق ، ولحظة بلحظة ، وكما يفعل ذلك في عالم التكوين (الطبيعة) فانه يفعل ذلك في عالم التشريع (الأحكام) إذ يفيض علينا برسله ورسالاته ، فيعطي الإنسان النور (العقل) لحظة بلحظة ، ليفهم الرسالة به.

ان نور الله يتجلى في الطبيعة كما يتجلى في التشريع. وربما تبين هذه الآية المثال الثاني ، فلقد جاء في بعض التفاسير ان المقصود من المشكاة هو قلب الرسول (ص) اما المصباح فانه رسالات الله التي أنزلها على ذلك القلب الطاهر.

الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ

يمكننا تأويل الزجاجة بالعقل الذي يستقبل نور الرسالة ، أو ليس هو الرسول الباطن ، أو ليس هو الحجة الباطنة ، وعنده تصديق ما أنزل الله؟! كما يمكن تأويله بالرجال الصالحين ممن يحفظون رسالات الله ، وهذا هو المأثور.

الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ

في نقائها وتلألئها ، فعند ما تتلوث هذه الزجاجة فان النور يخبو ، وهكذا الأمر

٣١٥

بالنسبة للعقل عند ما يتلوث بالأهواء. لا يرى الحقيقة بعينه ، ولا يسمعها بأذنه ، ولذا فان مصباح الوحي لا ينفعه الا قليلا ، وانما يؤيد الرسالة من ذكّر نفسه ، وتلألأ عقله ، ولم يلهه عن رسالات ربه شيء.

يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ

لأنه يحتاج الى زيت يتّقد به ، وإذا أردنا ان نؤوّل الشجرة المباركة نقول أنها شجرة العلم أو التقوى. إذ ان المعرفة تمد مصباح الوحي بالوقود فيزداد بهاء ونورا في مشكاة القلب ، وبهذا جاءت الرواية المأثورة.

لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ

بل في مكان تنشر بركاتها على العالم أجمع ، دون ان تختص بها ارض دون أخرى ، ولعل هذه الكلمة تشير الى الاستقامة في التقوى ، حيث ان المتقين لا تميل بهم ضغوط الحياة يمينا أو شمالا ، وقد تعددت النصوص التي فسرت هذه الآية الكريمة ، ونذكر فيما يلي ما جاء عن الامام علي بن الحسين (ع) في تفسيرها :

في قوله عز وجل «كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ» قال : المشكاة نور العلم في صدر النبي (ص).

«الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ» : الزجاجة صدر علي ، صار علم النبي الى صدر علي ، علّم النبي عليا.

«الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ» قال : نور العلم.

«لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ» قال : لا يهودية ولا نصرانية.

«يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ» قال : يكاد العالم من آل محمد

٣١٦

يتكلم بالعلم قبل ان يسأل.

«نُورٌ عَلى نُورٍ» : يعني إماما مؤيدا بنور العلم والحكمة في أثر إمام من آل محمد (ص) وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة ، فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله عز وجل خلفاء في أرضه ، وحججه على خلقه ، لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم.(١)

يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ

فالإنسان السوي ـ صاحب العقل النظيف ـ يمتلك علما نقيا ، بعيدا عن الأهواء والخرافات ، فنفسه الشفافة تنتظر ادنى اشارة لتستوعب الحقائق ، والآية تشير ـ فيما يبدو لي ـ الى ان التقوى ـ وهي زيت مصباح الوحي الزلال النظيف ـ هي طريق الهدى وسبيل المعرفة ، ومهد الحكمة والسّداد ، فانها تكاد تضيء الحقائق للبشر ولو لم تمسسه نار الوحي ونوره ، لذلك قال ربنا بعدئذ :

نُورٌ عَلى نُورٍ

فنور الوحي يتقد بنور التقوى ، والوحي يتألّق بنور العقل ، الا ان التوفيق للهداية لا بد ان يأتي من الله سبحانه.

يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ

فالله هو الذي يهدي من يشاء من عباده للنور الذي أرسله ، وهو نور الوحي ونور محمد (ص) وسنته الرشيدة ، ونور أهل بيته الطاهرين (عليهم السّلام).

وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

__________________

(١) المصدر / ص ٦٠٤.

٣١٧

فبعلمه أضاف نور الرسالة الى نور العقل ، ولا يمكن لأحد ان يستفيد من هذا النور دون مشيئته ، فلا بد من التوجه له حتى يفيض على الإنسان من نوره ، ولا يكون ذلك الا عند ما يخلص الإنسان العبودية له.

ولعله انما قال تعالى : «لنوره» ولم يقل : (بنوره) لأنه يهدي الإنسان بنور رسالته ، لنور رحمته.

بيوت الله :

[٣٦] ان نور الرسالة لا بد ان يوضع في البيت الرفيع والاسرة الفاضلة كي يزداد اتّقادا ، أما الاسرة المليئة بالعقد النفسية ، والصفات الرذيلة ، فان النور ليس لا يتقد فيها فحسب ، بل ويخفت حتى ينتهي الى الظلام.

ففي تلك البيوت الرفيعة تنمو النفوس الطيبة ، ينمو العقل النيّر ، لأنها البيوت التي يذكر فيها اسم الله كثيرا ، فيأذن الله لها بالارتفاع الى سماء الوحي ، فهي محل للعبادة والتسبيح في بدايات النهار واخرياته ، من رجال جعلوا ذكر الله فوق كل ذكر ، وفوق التجارة التي لا تمنعهم عن ربهم ، ولا تلهيهم عن اقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة.

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ

تلك هي بيوت الأنبياء والصديقين والصالحين ، ولو لا ان الله أذن لها ان ترفع ، ويكون رجالها خير الرجال ، ونساؤها خير النساء ، منهم الائمة والولاة ، وفيهم سيدة النساء ، وقدوة الصالحات وهم أهل بيت الرسالة .. لو لا هذا لما حق لها ذلك ، ان الناس عبيد الله ، وهو الذي يختار لهم الائمة والسادة ، ولا ينبغي ان تكون للناس الخيرة من أمرهم ، وحتى طاعة الناس لرسل الله لا تكون الا بإذن الله ، فقد قال ربنا عز وجل «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ» و جاء في حديث مأثور

٣١٨

عن الامام الباقر (ع) في تفسير البيوت هنا :

«انها بيوت الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى» (١)

ولكن لماذا رفعت هذه البيوت؟ انما بذكر الله.

وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ

ان ذكر الله ينبعث من قلوب طاهرة هي المشكاة لنور الله.

يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ

فعند ما يستقبلون النهار يسبحون ربهم ، ويحيون صباحهم بتقديسه حتى لا يقدسوا ما سواه ، وإذا مالت الشمس الى المغيب ، واستقبلوا سواد الليل سبحوا ربهم ليغسلوا عن قلوبهم أدران الحياة ويأووا الى فراشهم بأفئدة طاهرة.

[٣٧] ان نور الله يتجلى في ضمير هؤلاء المسبّحين لأنهم تعالوا عن ملهيات الحياة ، فلا خشية الخسارة في التجارة ، ولا تبادل المصالح بالبيع يمكن لهما ان يلهياهم عن ذكر الله ، وأداء واجباتهم.

رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ

فلذلك تراهم يبصرون الحياة من خلال نافذة الوحي ، ويجرون عليها شرائع الدين ، فلا تمنعهم ضغوط المعيشة عن تنفيذ الأحكام.

وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ

لان خشية المعاد تفوق عندهم خشية الخسارة في التجارة والبيع.

__________________

(١) المصدر / ص ٦٠٨.

٣١٩

يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ

فهم حذرون أبدا لأنهم يخشون ان يبعثوا على غير دين الله ، وألّا تقبل حسناتهم ولا تغفر سيئاتهم.

[٣٨] لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ

فلا يكتفي بأن يجزيهم على أحسن أعمالهم ، بل يزيدهم من فضله لأنه الغني الذي لا تزيده كثرة العطاء الا جودا وكرما.

[٣٩] وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ

فبغضّ النظر عن ايمان الإنسان أو كفره ، واستقامته أو انحرافه ، فانه يسعى دؤوبا لتكون اعماله مثمرة تصل به الى اهدافه وطموحاته ، ولكن الإنسان المؤمن الذي يتبع تعاليم السماء هو وحده الذي يصل الى نهاية سعيدة ، اما الكافر فانه لا يحقق من اهدافه شيئا بالرغم من إجهاده لنفسه.

وليت الأمر يقف عند هذا الحد ، فبالاضافة الى الفشل في الوصول الى السعادة ، فانه يجد نفسه امام رب رقيب قد احصى أعماله ، وأعد له عذابا شديدا جزاء كفره.

ولا يظن المرء ان حساب الله مختص بيوم الآخرة فقط ، بل قد يرى نتيجة عمله في حياته الدنيوية ان خيرا فخير ، وان شرا فشر ، والله سريع الحساب.

[٤٠] أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها

٣٢٠