من هدى القرآن - ج ٨

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-11-4
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٩٥

وانما يقصد الإسلام من هذا التشدد في مسألة الشهادة على الزنا ، المحافظة على الحياة الاسرية في المجتمع من التفتت ، والانهيار. وكما ان الزنا من أشد عوامل انهيار الاسرة فان الاتهام به يؤدي الى ذات النتيجة تقريبا ، إذ أنه من الجرائم التي يمكن الاتهام بها سريعا ، وهي تدغدغ غرائز الناس خصوصا المعقدين جنسيا ، وليست مثل جريمة القتل وغيرها ، لذلك شدد الإسلام على العقوبة من جهة ، وعلى الشهادة من جهة أخرى ، وكلا الأمرين يهدفان الى شيء واحد هو صيانة الاسرة ، والمحافظة على العفة والشرف في الحياة الاجتماعية.

وقد اعتبر القرآن من يقذفون المحصنات بالزنا ، دون الإتيان بأربعة شهود بأنهم فاسقون ، لأنهم بعملهم هذا يوجهون أكبر ضربة لشرف المجتمع ، الذي جاءت الأديان السماوية لإصلاحه ، واحكام بنائه.

[٥] إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

ليس جديدا على من يقرأ القرآن ، ان يلحظ لحوق كلمة الإصلاح بالتوبة ، فكثيرا ما تكرر ذلك في مواضع مختلفة من القرآن الكريم ذاته ، ذلك لان شرط قبول التوبة ان يصلح الإنسان ما أفسده بذنوبه ، والله سبحانه يؤكد لفئة التائبين ، بأن مغفرته ورحمته سوف تشملهم ان هم رجعوا الى طريق الحق بعد الانحراف ، وتداركوا ما فاتهم بالجهد المخلص والعمل البناء ، وإصلاح ما أفسدوه بذنوبهم ، فاذا اتهموا المحصنات بالفاحشة وسقط شرفهن بذلك ، وجب عليهم الإعلان عن كذبهم ، والاستعداد لإجراء الحد عليهم ، لإعادة الاعتبار إليهن ، فقد قال سماعة : سألته عن شهود الزور؟ قال : فقال : يجلدون حدا ليس له وقت ، وذلك الى الامام ، ويطاف بهم حتى يعرفهم الناس ، واما قول الله عز وجل : وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً إِلَّا الَّذِينَ تابُوا قال : قلت : كيف تعرف توبته؟ قال : يكذب نفسه

٢٦١

على رؤوس الخلائق حتى يضرب و يستغفر ربه ، وإذا فعل ذلك فقد ظهرت توبته.(١)

فمن يتوب بعد الزنا يوفر الله له أسباب الزواج ، كما يرزق من تاب عن السرقة وأعاد الحقوق للناس رزقا حلالا ، وكذلك من تاب بعد ان استسلم لضغوط السلطة التي تعرض لها ، يوفر له مكانا آمنا يأوي اليه ويرفع عنه الضغوط.

وهكذا يشجع الله عباده على التوبة ، والرجوع اليه ، حينما يعدهم بالمغفرة والرحمة إذا ما تابوا وأصلحوا.

__________________

(١) المصدر / ص ٥٧٥.

٢٦٢

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١) لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ

___________________

٨ [يدرأ عنها] أي يدفع عنها.

١١ [الافك] : الكذب العظيم.

[تولى كبره] : الذي يتحمل معظمه.

٢٦٣

وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥)

٢٦٤

كيف يواجه المسلمون إفك المنافقين؟

هدى من الآيات :

في اطار فرض قانون الاسرة في المجتمع ـ وهو ما بينه القرآن في الدرس السابق ـ بعد ما مرّ من بيان للعلاقة بين الروح الايمانية ، وبين الاسرة المؤمنة في جانب عقوبة الزنا ، وعقوبة القذف به ، تبين الآيات الكريمة العلاقة السليمة بين الزوج وزوجته في هذه المسألة الحساسة ، حيث شرع الإسلام اللعان حلا للذين يقذفون أزواجهم بتهمة الزنا ، كبديل للشهود ، واللعان هو ان يشهد الزوج اربع شهادات بزنا زوجته ، تحتسب كل واحدة منها بمثابة شاهد ، ثم يستنزل في المرة الخامسة لعنة الله عليه ان كان كاذبا هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى تشهد الزوجة أربع شهادات بالبراءة ، وفي المرة الخامسة تقول ان غضب الله عليها ان كان زوجها صادقا في اتهامه لها بالزنا.

ولماذا تختلف تهمة الزوجة بالزنا عن تهمة غيرها؟ انما للعلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته. فقد يكتشف الزوج من زوجته ما لا يمكن اكتشافه من قبل الآخرين ، ولو

٢٦٥

لم يضع الإسلام قانونا خاصا لهذه العلاقة ، لانهارت أسر بكاملها ، لعدم وجود ما ينظم علاقة الزوج بزوجته في حالة التهمة والقذف.

بعدئذ يتعرض السياق القرآني لقضية هامة وهي مسألة (الافك) ومع ان مورد النزول في هذا المقطع القرآني ، يختص بتهمة الزنا التي ألصقها البعض بزوجة الرسول (ص) (مارية القبطية) على أحد الأقوال ، الا ان السياق يؤكد على ضرورة وقف أمثال هذه التهمة ، التي تشيع في المجتمع ، والوقوف في وجه من يختلقونها أو يروجون لها ، وتوحي الآيات هذه ، بالحقائق التالية :

أولا : ان انطلاق التهم ، عادة ما يكون ، من مجموعة يلتفون حول بعضهم ، ويسمي القرآن هؤلاء (بالعصبة).

وتشكل هذه العصبة تجمعا طاغوتيا ، لا يعتمد على القيم الاسلامية في علاقاتهم ، لأنهم يختلقون التهم الباطلة ، ويفترون الاخبار الكاذبة ، ويبثونها في المجتمع ، كما تنفث الأفعى السم في ضحيتها.

ثانيا : ان المجتمع الصالح هو المجتمع المحصن ضد التهم والقادر على اكتشاف كذب التهمة ، وردها الى صاحبها بسرعة فائقة ، اما المجتمع الهزيل الذي تتلاقف أبناءه التهم الباطلة ، لنشرها دون العلم بما ورائها من هدف خبيث ، يهدد سلامة المجتمع فانه يتحطم سريعا. إنّ حرمات أبناء المجتمع واعراضهم مهددة بعبث المعتدين.

وهكذا يعرف المجتمع الفاضل الرشيد منذ البدء خطورة التهم الباطلة ، فيسعى لردها حفاظا على سلامة كل فرد من ابنائه.

ثالثا : يؤكد القرآن الحكيم على نفع هذه الشائعات بالنسبة الى المجتمع المؤمن

٢٦٦

لأنها تكشف طبيعة بعض افراد المجتمع ، إذ يكشف مثيري التهم ، ومدى ضحالة انتمائهم للمجتمع الايماني ، كما يكشف المسرعين لاستماعها منهم ، مما يعطي فرصة كبيرة لإصلاحهم من قبل الموجهين.

بينات من الآيات :

حكمة اللعان في الإسلام :

[٦] وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ

من الصعب جدا ان يعيش شخص يتهم زوجته بتهمة كالزنا بسعادة واطمئنان ، ولكي لا تكون الاسرة محلا للصراع بين الزوجين فتفرز أبناء معقدين ، حاقدين على المجتمع ، لنشأتهم في جو موبوء ، بل تكون الاسرة بيتا للوداعة ، ودارا للأمان ، لذلك شرع الإسلام اللعان الذي ينهي العلاقة بين الزوجين ابديا ويذكر الرواة قصة طريفة لنزول هذه الآية تبين بعض أحكام اللعان.

كما تعكس كيفية معالجة الإسلام للمشاكل الاجتماعية. تقول الرواية التي ينقلها المفسر المعروف علي بن إبراهيم ان الآية نزلت في اللعان ، وكان سبب ذلك أنه لما رجع رسول الله (ص) من غزوة تبوك جاء اليه عويمر بن ساعدة العجلاني وكان من الأنصار ، فقال : يا رسول الله ان امرأتي زنى بها شريك بن السمحاء وهي منه حامل ، فأعرض عنه رسول الله (ص) فأعاد عليه القول ، فاعرض عنه ، حتى فعل ذلك أربع مرات ، فدخل رسول الله (ص) منزله ، فنزل عليه آية اللعان ، فخرج رسول الله (ص) بالناس العصر وقال لعويمر : ايتني بأهلك فقد أنزل الله عز وجل فيكما قرآنا ، فجاء إليها فقال لها : رسول الله يدعوك ، وكانت في شرف من قومها فجاء معها جماعة ، فلما دخلت المسجد قال رسول الله (ص) لعويمر : تقدم الى المنبر والتعنا فقال : كيف اصنع؟ فقال : تقدم وقل : اشهد بالله اني لمن الصادقين فيما

٢٦٧

رميتها به ، فتقدم وقالها ، فقال رسول الله (ص) : أعدها ، فأعادها حتى فعل ذلك أربع مرات ، فقال له في الخامسة : عليك لعنة الله ان كنت من الكاذبين فيما رميتها به ، فقال له في الخامسة : أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ فيما رماها به (١) ثم قال رسول الله (ص) : ان اللعنة موجبة ان كنت كاذبا.

ثم قال له : تنح ، ثم قال لزوجته : تشهدين كما شهد وإلا أقمت عليك حد الله ، فنظرت في وجوه قومها فقالت : لا اسوّد هذه الوجوه في هذه العشية ، فتقدمت الى المنبر وقالت : اشهد بالله ان عويمر بن ساعدة من الكاذبين فيما رماني : فقال لها رسول الله : أعيديها ، فاعادتها حتى إعادتها أربع مرات فقال لها رسول الله (ص): العني نفسك في الخامسة ان كان من الصادقين فيما رماك به. فقالت في الخامسة أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيما رماني به ، فقال رسول الله (ص) : ويلك انها موجبة ان كنت كاذبة ، ثم قال رسول الله (ص) لزوجها : اذهب فلا تحل لك أبدا. قال : يا رسول الله فمالي الذي أعطيتها؟ قال : ان كنت كاذبا فهو أبعد لك منه ، وان كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها. (٢)

ومعنى الآية ان من يتهم زوجته ولم يستطيع إحضار الشهود الشرعيين في مثل هذا المورد ، فعليه ان يحلف بالله أربعة أيمان ، بأنه صادق في نسبة الزنا الى زوجته.

فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ

[٧] وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ

عند اللعان يقول الشخص : لعنة الله عليّ ان كنت من الكاذبين ، ولكن الله

__________________

(١) المصدر / ص ٥٨٠.

(٢) المصدر / ص ٥٨٠.

٢٦٨

سبحانه وتعالى يقول : أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ بضمير هو لكي لا تظهر وكأن اللعنة على من يقرأ القرآن.

[٨] وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ

فاذا أقسمت بالله أربع مرات على كذب زوجها أرتفع عنها الحد ، فلا جلد ولا رجم ، وان لم تفعل ذلك فكأنما صادقت على تهمة زوجها لها بالزنا.

[٩] وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ

في الذي يدعيه في حقها ، وهكذا تلعن نفسها ان هي ارتكبت الزنا ، وكان بالتالي اتهام زوجها لها صحيحا.

[١٠] وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ

إذ لو لا فضل الله وتوبته لعذب من يقذفون أزواجهم ، لان القذف تهمة عظيمة عند الله ، ولا يجوز لأحد اتهام الآخرين لمجرد الظن أو حب الانتقام ، وجواب «لو لا» معروف من خلال السياق ، ولعل الآية (١٤) تشير اليه أيضا حيث يقول ربنا سبحانه : «وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ».

الحلف في القانون الاسلامي :

ومما يثير التفكير هنا ، مدى اعتماد الإسلام على روح «الايمان» في الانظمة الاجتماعية التي يشرعها ، إذ يشكل الحلف مثلا أحد أعمدة النظام الاسلامي في القضاء ، وعند ما يفقد المجتمع روح الايمان ، ويفقد الالتزام بما يقول ، وما يحلف به

٢٦٩

اذن لا يقدر على تنفيذ قيم الرسالة ، ولا يمكن ان يكون بالتالي نظامه نظاما اسلاميا باي حال.

وبالرغم من ان المجتمعات البشرية اليوم ، وصلت الى حد من التقدم التكنولوجي يبهر الإنسان ، الا انها ما زالت فاشلة في الانظمة الاجتماعية والانسانية ، فلا يجد الفرد في المجتمع غير المؤمن وازعا من الحلف بالله كذبا من أجل بضع دنانير ، بينما ميزة المجتمع المؤمن تحرج أبناءه من الحلف كاذبا.

ولو راجعنا تاريخ الرعيل الأول من المسلمين ، لعرفنا الى اي حد كان النظام القضائي ناجحا آنذاك ، فلقد كان المجتمع الاسلامي يسيّر من قبل الحكومة الاسلامية ، وتحل جميع مشاكله دونما اي صعوبة ، وذلك لان المؤمنين يتحرجون من جعل الله عرضة لايمانهم حتى ولو كانوا صادقين ، وكان البعض منهم مستعدا للتنازل عن حقه ، ودفع مبلغ كبير من المال ، ولم يكن مستعدا للحلف بالله العظيم.

و ننقل قصة الامام زين العابدين ، كشاهد على ذلك ، فلقد رفعت احدى مطلّقاته دعوى ضده عند القاضي ، مطالبة إياه بالمهر الذي كان يبلغ اربعمائة دينار ذهبا ، فلما ترافعا عند القاضي ، وأنكر الامام انها تطلبه شيئا ، طالبه القاضي بالحلف فرفض فحكم عليه ، ودفع الامام المهر كاملا فلما خرج من عند القاضي سأله ابنه الامام الباقر (ع) قائلا : لماذا لم تحلف بالله يا أبتاه؟ أو لم تكن على الحق؟!

فقال الامام (ع) بلى. ولكن الله أكبر من ان احلف به على اربعمائة دينار.

هكذا كانوا يتحرجون ، وعلى هذا قامت قواعد المجتمع الاسلامي.

٢٧٠

الأفاكون ومسئولية المجتمع المسلم :

[١١] إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ

من الذين اتهموا زوجة الرسول؟

سؤال لا تهمنا الاجابة عليه بالأسماء ، بل تهمنا طبيعة هذه العصبة وهدفهم من التهمة ، فقد كان هدفها التنقيص من كرامة الرسول (ص) والعصبة هم الذين يتعصبون لبعضهم ، على أساس المصالح المادية ، لا على أساس القيم ، ولاحتمال ان يعتري المؤمنين تصور خاطئ حول الأمر ، فان القرآن يوجههم قائلا :

لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

لان العاقبة سوف تنتهي الى خير ، باعتبارها امتحان للمجتمع المؤمن ، فاذا تغلب المؤمنون على هذا الأمر وأمثاله ، فانه سيكون مجتمعهم فاضلا وقادرا على مقاومة الضغوط والمشاكل المختلفة.

لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ

كما يكون الإنسان مسئولا عن سلوكياته وتصرفاته ، فان مختلقي التهمة ضد الرسول (ص) سوف يتحملون مسئولية كلامهم في الدار الدنيا ، بكشفهم وتعرية اشاعاتهم الباطلة ، وفي الآخرة بالعذاب الأليم.

وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ

ويبدو ان السياق يشير الى امام هذه العصبة ، الذي يتحمل وزرها ، بان له عذابا عظيما ، فالعادة تقضي بوجود كبير لهذه العصبة ، يكون مصدر تلفيق التهمة ، أو لا أقل يعطي الشرعية لها ، ويبدو ان كبار السن الذين تنزوي عنهم الحياة ،

٢٧١

ويشعرون بان شمس عمرهم تجنح للأفول ، هم المبادرون لبث هذه التهم ، لأنهم أكثر سلبية وحسدا ، ولعل المراد منه هنا هو شيخ المنافقين في عهد الرسول (ص).

الى هنا يكون الأمر مقتصرا على (التهمة) اما الحديث الآتي فانه ينتقل الى جانب آخر ، حيث يحدد الله فيه المسؤولية ، التي تقع على كاهل المجتمع ، تجاه مثل هذا الأمر فيقول :

[١٢] لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ

يجب على المجتمع المؤمن قبل اتخاذ اي موقف ، ان يعرف خلفيات التهمة بالإفك ، حيث انها لا تقتصر على شخص الرسول فحسب ، بل تعنيهم أيضا ، وتهدد سلامة مجتمعهم ، فهؤلاء لا يهدفون التنقيص من كرامة الرسول فحسب ، بل يريدون أيضا التنقيص من شرف الامة الاسلامية ، عن طريق بث التهم الباطلة ضد قيادتها ، وعند ما يتجاوب المؤمنون مع ما يصبو اليه هؤلاء ، فيظنون بزوجة الرسول (ص) سوءا. فهل يبقى بعد ذلك شرف سليم في الامة ، لا تناله ألسنة هؤلاء المنافقين؟!

اذن لا بد للذين يستمعون هذه التهم من التعرف على طبيعتها ، وكشف الدوائر التي تقف وراءها ، وعلى المجتمع ان يكون رشيدا فاضلا ، يقيّم الأفكار والشخصيات.

فما يدور من صراع جاد اليوم بين الاستعمار والحركات الرسالية ـ التي تهدف تقويض الكيان الاستعماري الجاهلي ، واقامة حكومة اسلامية عادلة ـ صورة حية لما دار بالأمس بين المنافقين الذين كانوا يختلقون التهم ، وبين المجتمع المؤمن بقيادة الرسول.

٢٧٢

إذ يسعى الاستعمار بكل ما يملك من قوى شيطانية ، للمس من كرامة الامة الاسلامية عبر بث التهم ضد الحركات الرسالية ، وواجب الامة الاسلامية اليوم هو بالذات مسئولية المؤمنين بالأمس ، بأن تعتبر نفسها طرفا في الصراع ، وان تكشف الدوائر الاستعمارية الواقفة خلف الأباطيل والتهم المختلفة ضد البررة من ابنائهما.

فالله سبحانه وتعالى يقول : ان هذه التهم تستهدف قبل كل شيء سلامة المجتمع المعنوية ، وعلى المجتمع ان يظن بنفسه خير ، ويتوجه جديا لمواجهة هذه التهم «لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ» ويطالب المتهمين بالأدلة الدامغة ، فلو أتهم شخص آخر بأنه جاسوس دون أدلة ، فان المتهم هو الجاسوس حقا ، لأن الجاسوس هو الذي يخدم المصالح الاستعمارية التي تستهدف الحركات التحررية الرسالية ، والإسلام يأمرنا بمواجهة هؤلاء الأشخاص أمرا وجوبيا معتبرا كفريضة إسلامية حيث يقول :

[١٣] لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ

لاثبات ما اختلقوه ضد سلامة المجتمع وقيادته.

فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ

لأن كلامهم في الواقع عار عن أيّ دليل حتى ولو كانوا صادقين ، وان نشر الفكرة التي لا دليل عليها ولو كان عن سذاجة أو حسن ظن خطأ كبير.

«و كفى بالمرء جهلا ان يقول مالا يعلم ، بل كفى به جهلا ان يقول كل ما يعلم» (١)

__________________

(١) هذا محتوى حديث مأثور عن الامام الحسن بن علي عليهما السّلام.

٢٧٣

فنشر تهمة لا دليل عليها يؤدي الى نفس العاقبة التي يسعى إليها الكاذب.

ان الدوائر الاستعمارية اليوم تختلق التهم المختلفة ، وتقذف بها في المجتمع لتتلقفها الألسن ، وتنتشر كما ينتشر الوباء ، وان المجتمع الفاضل هو الذي يتهم المتهمين ، ويعتقد انهم كاذبون ولو كانوا صادقين ، لان الكذب كله في مجمل نقل القضية ، فالحط من قيمة الإنسان الفاضل ـ الذي خلقه الله كريما ، وأراد له العيش بكرامة ، وأن يخلف وراءه سمعة حسنة ـ هو الكذب بعينه.

فقد يكون الإنسان صادقا فيما يقول ، ولكنه يصبح كاذبا ، حينما يخطئ في تحديد موقع الكلمة التي يلفظها ، و قد جاء في محتوى حديث مأثور :

«الكذب في الإصلاح صدق عند الله» وكلمة «عند الله» في الآية تدل على انهم ولو كانوا صادقين في قرارة أنفسهم ، فأنهم كاذبون عند الله ينالون جزاء الكاذب ، ولعل ذلك لأنهم لم يراعوا الظروف المحيطة بكلامهم.

[١٤] ويؤكد القرآن ضخامة هذا الخطأ ، فالكلمة البسيطة التي تطلقها أفواه الكثير من الناس دون علم أو تثبت تكون وراءها مخاطر كبيرة جدا ، ولو لا ان الله رحيم بهم لاخذهم بعذاب عظيم.

وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ

بسبب ما تورطتم فيه من الكلام السيء.

[١٥] إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ

٢٧٤

 وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ

لأن الإنسان يصبح خادما وبوقا للاستعمار دونما شعور ، وكم تمسنا هذه الآية الكريمة في الصميم ، فأكثرنا يقول ما يسمع ، ولا يعلم انه ضد نفسه أو دينه أو مجتمعة أم لا ، فيجب ان يكون الإنسان ناطقا عن علمه وتثبته ، لا عن نقله من الآخرين كل ما يقولون.

وإذا اتخذنا مقياس التجمع الايماني من طبيعة تعاملهم مع التهم ، فان كثيرا من المجتمعات القائمة اليوم تخرج عن حد التجمع الايماني ، لأنها تتلقف التهم كما يتلقف الصبيان الكرة ، وينشرونها بينهم ، كما ينشر المجذوم وباء المرض.

٢٧٥

وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)

٢٧٦

البعد الاجتماعي للاشاعة الباطلة

هدى من الآيات :

ان من خصائص القرآن الكريم في تناول الموضوعات المختلفة انه لا ينكفئ عن أحدها دونما بيان لشتى أبعاده ، وما يرتبط به من قضايا أخرى.

فبالرغم من ان مناسبة الحديث عن الافك والاشاعة الباطلة في المجتمع كانت موضوع الاسرة ، التي يجب ان تحاط بسور منيع من السلامة المعنوية ، فان القرآن الحكيم يشبع هذا الحديث بحثا ليعطينا علما بأكثر أبعاده ، ومن بين الأبعاد المختلفة الذي تبحثه السورة في هذا الدرس البعد الاجتماعي للاشاعة الباطلة ، وكيف يجب ان يكون موقف المجتمع الفاضل من الاشاعات ، وممن يبثها.

نقاط مضيئة :

أولا : من الضروري ان يمتلك المجتمع مواقف ثابتة ومحدودة سلفا من الشائعات ، فقد أودع الله في كل إنسان عقلا يستطيع من خلاله التعرف على صحة

٢٧٧

أو خطأ الأفكار التي تنتشر في المجتمع ، إذ لكل صواب نورا ، فيدرك اهداف الشائعة ومصدرها.

ثانيا : على المؤمنين الصادقين الالتفاف أكثر فأكثر حول القيادة الرشيدة ، ليعرفوا الاساليب الصحيحة والصالحة ، لمقاومة الشائعات حينما تنتشر في المجتمع.

ثالثا : على أبناء المجتمع المؤمن ان لا يتبعوا خطوات الشيطان ، لان الخطوة الاولى تجرهم الى آخر خطوة حتى ينهار المجتمع تماما.

وكمثال على ذلك عند ما يسمع الفرد كلاما باطلا وينشره ، فانه يدافع عنه بسبب العزة بالإثم ، مما يدفعه الى الانتماء للمجموعة التي اشاعت هذا الكلام ، وهكذا يقع في شرك العدو ، من هنا يؤكد الإسلام بأنّ على الإنسان المؤمن ان لا يتبع خطوات الشيطان ، وان يكون واعيا ، فيتجنب الخطوة الاولى الخاطئة حتى لا يصل الى آخر خطوة.

رابعا : ان الغاية لا تبرر الوسيلة في منطق الإسلام ، فليس سليما ان يتبع المؤمنون السبل الملتوبة في الوصول الى اهدافهم ، لأنها ليس لا تؤدي الى الاهداف فحسب ، بل تصل بصاحبها الى الفحشاء والمنكر أيضا.

فلا يمكن ان يكون الباطل طريق الحق ، كما لا يمكن ان تنتصر الحركة الايمانية عن طريق بث الأكاذيب ، ومحاولة التأثير على الناس بالخداع والتضليل وليس ذلك من صفات الحركة الرسالية ، لان الدجل لا يولد الا دجلا مثله ، و الفحشاء انما هي وليدة مجموعة انحرافات بسيطة تتكاثف عند الإنسان وفي واقع المجتمع.

خامسا : ان الهدف من وراء الافك وبث الشائعات الكاذبة هو النيل من وحدة المجتمع المؤمن ، لذا فان على افراده ان لا يسمحوا للشخص الذي يسبب نشر

٢٧٨

الشائعات بالتوسع ، وذلك عن طريق الصفح والإحسان ، وبالتالي المبادرة للملمة أطراف المجتمع التي تناثرت بسبب الافك والافتراء.

بينات من الآيات :

[١٦] وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا

كموقف ثابت للمؤمنين ، يوجب الله عليهم ان لا يتناقلوا الشائعات ، أو يساعدوا على انتشارها بين صفوف المجتمع ، وان لا يصدقوا اي كلام دونما تثبت ، ومن دون توفر الاثباتات والشواهد الكافية ، وقوله تعالى : «وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ» يعني : فهلا انكم حين تسمعون كلاما فيه طعن واتهام للآخرين تواجهونه بالصمت؟

ثم يبين القرآن ضرورة تقييم الشائعات تقييما نابعا من العقل لا الهوى.

سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ

ليس بسيطا ان ينسب الإنسان للآخرين تهمة الافك ، فهذا بهتان ما لم يقم عليه دليل ، بلى. ان المتهم برىء حتى تثبت ادانته ، وكذلك القذف متهم حتى تثبت صحته.

ونتوقف قليلا عند كلمة «سبحانك» فاننا لا ننطقها الا حينما نرى شيئا كبيرا يبهرنا ، فلأننا نخشى الخضوع لشيء من دون الله ، يسلبنا فكرنا واستقلالنا وارادتنا نقول : سبحان الله ، لكي نقاوم حالة الانبهار التي قد تؤدي الى الشرك الخفي ، فالله هو المنزه وهو الكبير ... إلخ ، لا ما نراه أو من نراه انى بدى عظيما في أعيننا ، فلما ذا التسبيح هنا؟

٢٧٩

الواقع ان الآية الكريمة تشير الى ضرورة التوجه الى الله في حالة الخوف من التأثر بالاعلام المضاد ، لان النفس نزّاعة الى تصديق كل كلام يشيع في المجتمع ، خصوصا إذا صدر من الكبار في العمر أو في الرتب الاجتماعية ، وعلينا ان نقاوم هذه النزعة بذكر الله ، ذلك أن ذكر الله يزيد من مناعة المؤمن عن التأثر بالضغوط ، والانبهار بالآخرين ، والخضوع للتضليل ، أو بالتالي يعيد الإنسان الى عقله ، ويعطيه فرصة للتفكر المنهجي ، وهو بالتالي يعطي الإنسان استقلالا وقوة واطمئنانا ، كما المرساة التي تبقي على استقرار السفينة بين يدي الموج.

[١٧] يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

اي لا تعودوا تتأثروا بالاعلام ان كنتم مؤمنين حقا ، وكأنه يخاطب الجميع مع ان الذي جاء بالإفك مجموعة صغيرة منهم ، وهذا ما يدل عليه قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ وذلك ليشعر المجتمع المؤمن بأكمله انه المسؤول ، لأنه سمح لهذه العصبة ، بالانتشار في وسطه ولم يردها من حيث أتت.

[١٨] وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

انه يعلم بمصالحكم ، فيرشدكم لما فيه سعادتكم بحكمته البالغة.

[١٩] ويبين السياق جزاء من ينشر الشائعات في المجتمع ، وهم عادة من ذوي النفوس المريضة ، كما تؤكد هذا البحوث العلمية الحديثة ، ذلك أن المبتلين بالعقد الجنسية ، هم الذين يسعون لبث الشائعات المختلقة عنها ، فلأنهم يعانون من الإحباط الجنسي مثلا يثيرون الشائعات لينتقموا من المجتمع ، وكأنه المتسبب في إحباط هذه الغريزة في ذواتهم ، أو لا أقل يتسلون بهذه الكلمات ليعوضوا بها عما فقدوه ، وعما يشعرون به من عقدة الجنس ، قال تعالى :

٢٨٠