تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-65-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

١
٢

٣

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ، لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)

التوبة : ١٢٢

٤

بقلم : آية الله جعفر السبحاني

مع العلّامة الحلّي

في موسوعاته الفقهية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله على سوابغ النعم وضوافي الآلاء ، حمد معترف بالقصور عن إدراك أقلّ مراتب الثناء ، وصلّى الله على محمد عبده ورسوله ، أفضل الأنبياء وأكرم الأصفياء وعلى آله السادة النجباء.

أمّا بعد :

فإنّ الإمام الهمام علّامة العلماء ، وأستاذ الفقهاء ، جمال الدين أبا منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر غني عن التعريف والإطراء ، فقد سارت بذكره الركبان في حياته ، فعطّروا كتبهم بذكره الجميل ، وسطّرت أقلامهم له أنصع الصفحات.

وبما انّي بصدد التقديم لواحد من كتبه الفقهية ، ممّا جاد به يراعه نقتصر في ترجمته على ذكر لمحة خاطفة عن حياته وسيرته ، ثم نعطف عنان القلم إلى

٥

الإشادة بما هو المقصود بالذات من هذا التقديم ، فنقول :

ولد قدس‌سره في شهر رمضان سنة ٦٤٨ ه‍ في بيت عريق في العلم والتقوى ، أخذ عن والده الفقيه المتكلم سديد الدين يوسف بن المطهّر ، وعن خاله شيخ الإمامية المحقّق الحلّي (٦٠٢ ـ ٦٧٦ ه‍) الّذي كان له بمنزلة الأب الشفيق ، فحظا باهتمامه ورعايته ، وأخذ عنه الفقه والأصول وسائر علوم الشريعة ، ولازم الفيلسوف نصير الدين الطوسي (٥٩٧ ـ ٦٧٣ ه‍) واشتغل عليه في العلوم العقلية ومهر فيها ، وقد برع وتقدّم في العلوم الإسلامية في مقتبل عمره على العلماء الفحول ، وفرغ من تصنيفاته الحكمية والكلامية قبل أن يكمل له ٢٦ سنة.

يعرّفه معاصره ابن داود الحلّي ، ويقول : شيخ الطائفة ، وعلّامة وقته ، وصاحب التحقيق والتدقيق ، كثير التصانيف ، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول (١).

وعرّفه ابن حجر في لسان الميزان بقوله : عالم الشيعة وإمامهم ومصنّفهم ، وكان آية في الذكاء وكان مشتهر الذكر ، حسن الأخلاق (٢).

إلى غير ذلك من كلمات الإطراء في حقه التي لا مجال لذكر معشارها ، ولنعطف عنان القلم إلى ما نحن بصدد بيانه :

قد قدّمت منذ زمن ليس ببعيد مقدّمة لأحد كتبه الكلامية ألا وهو كتاب «نهاية المرام في علم الكلام». وحينما سرحت النظر فيه ازداد إعجابي به ، فأدركت انّي أمام بحر لجيٍّ بعيد الأغوار ، لا يدرك ساحله ، كيف ، وهو في الكلام فارس

__________________

(١) رجال ابن داود : ١١٩ برقم ٤٦١.

(٢) لسان الميزان : ٢ / ١٧ برقم ١٢٩٥.

٦

حلبته ، وخبير خباياه وعويصات مسائله ، وحلّال عقده وغوامضه ، فقد أورد في كل مسألة آراء الأوائل والملّيين والإسلاميين من الأشاعرة والمعتزلة والإمامية وسائر الفرق وقارن بين المناهج الكلامية وحسم الموقف برأيه الصائب وعقله الثاقب ، وقد تبلورت في هذا الكتاب شخصيته الكلامية وعقليته الفلسفية ، فالكتاب عديم النظير بين سائر الموسوعات الكلامية في تبويب المواضيع ومقارنة الآراء ، والقضاء الحاسم بينها ، وعدم الحياد عن جادة الحق ، وانصاف الخصم من نفسه وقد طبع وانتشر (١) في ثلاثة أجزاء ضخام.

وأمّا في الفقه واستنباط الأحكام الشرعية عن أدلّتها التفصيلية فواسطة عقده ومرتكز لوائه ، وهو ـ بحق ـ ممّن لا يقف على ساحله أو يكتفي بظاهره ، بل خاض غماره واقتحم لجته فسبر أغواره ووقف على حقيقته.

وها نحن الآن بصدد التقديم لكتاب فقهي له قدس‌سره وهو كتاب «تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية» الّذي يصفه المؤلف في خلاصته بأنّه حسن جيد استخرجنا فيه فروعا لم نسبق إليها مع اختصاره. وقد حقّق الكتاب بتحقيق رائع يجاوب روح العصر ، وهو على عتبة النشر.

والكتاب واحد من مؤلفاته الكثيرة في الفقه ، إذ له وراء ذلك موسوعات فقهية وكتب جامعة لعامة أبواب الفقه ، منها :

١. تبصرة المتعلمين في أحكام الدين.

٢. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان.

٣. قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام.

__________________

(١) نشرته مؤسسة الإمام الصادق عليه‌السلام في قم المشرّفة.

٧

٤. مختلف الشيعة في أحكام الشريعة.

٥. تذكرة الفقهاء على تلخيص فتاوى العلماء ، وذكر قواعد الفقهاء.

٦. منتهى المطلب في تحقيق المذهب.

٧. نهاية الأحكام في معرفة الاحكام.

إلى غير ذلك من الكتب أو الرسائل الفقهية التي خلّفها مضافا إلى ما ألّفه في مجال أصول الفقه بين مقتضب كتهذيب الأصول ، إلى مسهب كنهاية الوصول إلى علم الأصول.

ومن تمعّن في هذه الكتب يجد أمامه دورات فقهية وموسوعات ضخمة قلّما يتفق لأحد أن يقوم ببعضها.

وثمة سؤال يطرح نفسه ، وهو لما ذا قام العلّامة بهذا العب‌ء الثقيل وألّف كتبا فقهية مختلفة المنحى والمنهج أسفر عن اختلاف فتاواه وآرائه في كتاب بعد كتاب ، فما هو السر وراء ذلك؟

والإجابة على هذا رهن الوقوف على الغايات التي كانت وراء تأليف تلك الكتب.

فقد تكرر منه تأليف تلو تأليف في علم واحد لأجل غايات مختلفة ، وإليك دراسة هذه الكتب على وجه الإيجاز ، لتعلم الغايات المتوخاة منها ، وربما يعرب أسماؤها عن الغرض المطلوب.

الأوّل : تبصرة المتعلمين :

هذا الكتاب دورة فقهية كاملة موجزة بدون شرح واستدلال طرح فيها

٨

العلّامة آراءه الفقهية وفتاواه في جميع الأبواب.

يقول في مقدمته : وضعناها لإرشاد المبتدءين وإفادة الطالبين مستمدين من الله المعونة والتوفيق ، فانّه أكرم المعطين ، وأجود المسئولين ، ونبدأ بالأهم فالأهم.

والكتاب لو جازته وسلاسة ألفاظه صار موضع اهتمام الفقهاء منذ عصر مؤلفه إلى يومنا هذا وتولّوه بالشرح والتعليق ، وقد كان في سالف الزمان كتابا دراسيا ، وذكر شيخنا المجيز في الذريعة ما يقارب ٣٥ شرحا وتعليقا عليه ، ومن أحسن الشروح إيضاحا شرح استاذنا الكبير الشيخ محمد علي التبريزي المعروف بالمدرس ، وقد طبع الجزء الأوّل منه والجزء الثاني لم ير النور ، عسى الله أن يشحذ الهمم بغية نشر الباقي.

الثاني : إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان :

وهي دورة فقهية كاملة غير استدلالية للفقه الإمامي من الطهارة إلى الديات ، ويعد من الكتب الفقهية المعتمد عليها.

يعرفه مؤلفه في خلاصته بأنّه حسن الترتيب (١).

وقال شيخنا الطهراني : هو من أجل كتب الفقه وأعظمها عند الشيعة ، ولذلك تلقّاها علماؤهم بالشرح والتعليق عبر القرون من عصر مؤلفه إلى يومنا هذا ، وقد أحصى مجموع مسائله في خمس عشرة ألف مسألة ، فرغ منه سنة ٦٧٦ ه‍ أو ٦٩٦. (٢)

والكتاب بالنسبة إلى ما سبقه أشبه بالمفصل إلى المجمل ، فقد بسط القول

__________________

(١) كما في أمل الأمل : ٢ / ٨٤ ، ولم ترد هذه الكلمة في الخلاصة المطبوعة.

(٢) الذريعة : ١٣ / ٧٣ و ١ / ٥١٠.

٩

فيه أكثر مما ورد في الأوّل ، ألّف الأوّل للمتعلمين المبتدءين ثم ألّف هذا لمن ارتقى مرتبة من العلم.

وقد ذكر شيخنا الطهراني في موسوعته أسماء ٣٦ شرحا وتعليقة على الكتاب (١) ، وأنهاها محقّق كتاب إرشاد الأذهان في تقديمه إلى ٥١ شرحا وتعليقة (٢).

الثالث : قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام :

وهو من الكتب المتداولة المشهورة ، وقد ذكر فيه من القواعد ما يناهز ٦٦٠ قاعدة في الفقه ، لخص فيه فتاواه وبيّن قواعد الأحكام ، ألّفه بالتماس ولده فخر المحققين ، وفرغ منه عام ٦٩٣ ه‍ أو ٦٩٢ ه‍ (٣).

وذكره في خلاصته باسمه ولم يصفه بشي‌ء. لكن وصفه في أوّله بقوله : هذا قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام لخصت فيه لب الفتاوى خاصة ، وبيّنت فيه قواعد أحكام خاصة ، إجابة لالتماس أحب الناس إليّ وأعزّهم عليّ ، وهو الولد العزيز محمد الّذي أرجو من الله طول عمره بعدي وأن يوسدني في لحدي (٤).

وفي آخر الكتاب وصية قيّمة للعلّامة يوصي بها ولده بقوله :

اعلم يا بني أعانك الله تعالى على طاعته ... قد لخّصت لك في هذا الكتاب لب فتاوى الأحكام ، وبيّنت لك قواعد شرائع الإسلام بألفاظ مختصرة وعبارات محرّرة ، وأوضحت لك فيه نهج الرشاد وطريق السداد ، وذلك بعد ان بلغت من

__________________

(١) الذريعة : ١ / ٥١٠ برقم ٢٥٠٩.

(٢) إرشاد الأذهان : ١٨٥ ـ ١٩٣ ، قسم المقدمة.

(٣) الذريعة : ١٧ / ١٧٦ برقم ٩٣٠.

(٤) قواعد الأحكام : ٢.

١٠

العمر ، الخمسين ودخلت في عشرة الستين ، وقد حكم سيد البرايا بأنّها مبدأ اعتراك المنايا ... (١).

وبما انّ العلّامة من مواليد عام ٦٤٨ ه‍ ، فقد بلغ الخمسين عام ٦٩٨ ه‍ ، وتجاوز عنه عام ٦٩٩ أو ٧٠٠ ه‍ ، وبذلك يعلم ان ما ذكره شيخنا المجيز من انّه ألّف القواعد عام ٦٩٣ أو ٦٩٢ ه‍ ليس بتام.

ومما يجدر ذكره هو ان براعة العلّامة ونبوغه لم يتلخّص في الفقه والأصول والكلام ، بل تعدّاها إلى علوم أخرى ، كالرياضيات العالية التي تتجلّى مقدرته فيها بوضوح في كتابه هذا ، وأخص بالذكر «كتاب الوقوف والعطايا ، المطلب الثالث في الأحكام المتعلقة في الحساب» ، فقد نجح إلى حد كبير في حل غوامض المسائل الرياضية الجبرية المعقدة.

واستغرقت بحوثه الرياضية أكثر من ٥٠ صفحة بالقطع الرحلي.

وإذا عطفت النظر إلى كتاب الفرائض ، فترى نظير تلك البحوث فيها.

فسبحان الله معطي المواهب ومفيض النعم.

ليس من الله بمستنكر

أن يجمع العالم في واحد

الرابع : مختلف الشيعة في أحكام الشريعة :

ذكره في الخلاصة وقال : ذكرنا فيه خلاف علمائنا خاصة وحجة كل شخص والترجيح لما يصير إليه (٢).

__________________

(١) قواعد الأحكام : ٢ / ٣٤٦.

(٢) الخلاصة : ٤٥.

١١

وقال في مقدمته : إنّي لما وقفت على كتب أصحابنا المتقدمين رضوان الله عليهم ، ومقالات علمائنا السابقين في علم الفقه وجدت بينهم خلافا في مسائل كثيرة متعددة ، فأحببت إيراد تلك المسائل في دستور يحتوي على ما وصل إلينا من اختلافهم في الأحكام الشرعية ، والمسائل الفقهية دون ما اتفقوا عليه ، إذ جعلنا ذلك موكولا إلى كتابنا الكبير المسمى بـ «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» فانه مجمع بين مسائل الخلاف والوفاق.

ومن محاسن ذلك الكتاب انه إذا لم يجد للمخالف دليلا يحاول ان يلتمس دليلا له.

قال : ثم ان عثرنا في كل مسألة على دليل لصاحبها نقلناه وإلّا حصّلناه بالتفكّر وأثبتناه ، ثم حكمنا بينهم على طريقة الإنصاف ، متجنبي البغي والاعتساف ووسمنا كتابنا هذا بمختلف الشيعة (١).

والكتاب دورة فقهية استدلالية من الطهارة إلى الديات ، ومن مزاياه انّه حفظ آثار علمائنا السابقين ، أمثال : ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل ، والصدوق الأوّل وغيرهم ولولاه لاندثرت آثارهم.

وقد شرع في تأليفه قبل سنة ٦٩٩ ه‍ ، وانتهى منه في الخامس عشر من ذي القعدة في ثمان وسبعمائة ، أي قبل وفاته بثمانية عشر سنة.

ومن فوائد هذا الكتاب العلم بالمسائل الخلافية وتميزها عن المجمع عليها ، فربما يدعى الإجماع في مسألة ، ولها مخالف أو مخالفان يعلم من الرجوع إلى ذلك الكتاب.

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١ / ١٧٣.

١٢

الخامس : تذكرة الفقهاء على تلخيص فتاوى العلماء وذكر قواعد الفقهاء :

وهي موسوعة فقهية استدلالية كبيرة يذكر فيها أقوال الفقهاء من الشيعة والسنة ، ويذكر دليل كل قول ويناقشه ، وربما يحاول ان يذكر للمخالف دليلا من جانبه ثم يجيب عنه ، وهو تراث علمي قيم.

وإليك بعض ميزاته

أ ـ أثبت في تأليفه هذا انّ الفقه الإمامي الذي يرفض العمل بالقياس والاستحسان قادر على الإجابة على المسائل الفقهية عامة مستمدا من الأدلّة الأربعة : الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والعقل.

يقول العلّامة في مقدمة الكتاب : وقد عزمنا على تلخيص فتاوى العلماء وذكر قواعد الفقهاء على أحق الطرائق وأوثقها برهانا وأصدق الأقاويل وأوضحها بيانا ، وهي طريقة الإمامية الآخذين دينهم من الوحي والعلم الرباني ، لا بالرأي والقياس ، ولا باجتهاد الناس ، على سبيل الإيجاز والاختصار وترك الإطالة والإكثار.

ب ـ انّه يقارن الأقوال بعضها ببعض ويحاكم بينها باسلوب متين ، ويشير إلى ذلك في مقدمة الكتاب بقوله : أشرنا في كل مسألة إلى الخلاف ، واعتمدنا في المحاكمة بينهم طريق الإنصاف. (١)

ج ـ انّه ألّف بصورة الفقه المقارن ، والمراد منه جمع الآراء الفقهية المختلفة وتقييمها والموازنة بينها بالتماس أدلّتها وترجيح بعضها على بعض ، وهذا هو

__________________

(١) التذكرة : ١ / ٣ و ٤.

١٣

المسمّى عند القدماء بعلم الخلاف.

فالمؤلف في هذا الصدد يجعل نفسه مسئولا عن فحص جميع الأدلّة والقضاء بينها واختيار أتقنها وأوثقها بالقواعد وهو ليس أمرا سهلا ، وللفقه المقارن فوائد جمة يذكرها السيد محمد تقي الحكيم حيث يقول :

أ ـ محاولة البلوغ إلى واقع الفقه الإسلامي من أيسر طرقه وأسلمها ، وهي لا تتضح عادة إلّا بعد عرض مختلف وجهات النظر فيها وتقييمها على أساس موضوعي.

ب ـ العمل على تطوير الدراسات الفقهية والأصولية والاستفادة من نتائج التلاقح الفكري في أوسع نطاق لتحقيق هذا الهدف.

ج ـ ثماره في إشاعة الروح الرياضية بين الباحثين ، ومحاولة القضاء على مختلف النزعات العاطفية وإبعادها عن مجالات البحث العلمي.

د ـ تقريب شقة الخلاف بين المسلمين ، والحد من تأثير العوامل المفرّقة التي كان من أهمها وأقواها جهل علماء بعض المذاهب بأسس وركائز البعض الآخر ، ممّا ترك المجال مفتوحا أمام تسرّب الدعوات المغرضة في تشويه مفاهيم بعضهم والتقوّل عليهم بما لا يؤمنون به. (١)

والموجود بين أيدينا من الكتاب ينتهي إلى أواخر كتاب النكاح ، إلّا أنّ ثمة شواهد تشير إلى أنّ المؤلف انتهى في كتابته إلى أكثر من ذلك :

أوّلا : إنّ ولده فخر المحقّقين يقول في كتابه «إيضاح الفوائد في شرح القواعد»

__________________

(١) الأصول العامة للفقه المقارن : ١٠.

١٤

في آخر شرحه لإرث الزوج: قد حقّق والدي هذه المسألة وأقوالها وأدلّتها في كتاب التذكرة(١).

وثانيا : انّه فرغ من كتاب النكاح سنة ٧٢٠ ه‍ بالحلة ، فقد عاش بعده حوالي ست سنين ، ومن البعيد ان يهمل إنهاء ذلك الكتاب الّذي يعد من ثمرات عمره اليانعة (٢).

وفي الختام أود أن أشير إلى ما جاء في مجلة رسالة الإسلام لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة حول هذا الكتاب والإشادة به حيث يقول :

من ذخائر الفكر الإسلامي كتاب تذكرة الفقهاء للشيخ العلّامة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلّي ، هذا كتاب من أنفس كتب الفقه الاستدلالي المقارن ، وقد جرت عادة المؤلّفين في الفقه المقارن من علماء السنة أن يعرضوا للمذاهب الأربعة متحدّثين عن آراء علمائها ، وعن أدلّتهم دون أن يخرجوا عن نطاقها فيعرضوا للمذاهب الأخرى لا سيما مذهب الشيعة الإمامية.

وقد أوحى ذلك إلى كثير من طلاب العلم وأساتذة الفقه بمعنى فيه ظلم كثير للفقه الإمامي ، وهو ان هذا الفقه ليس كفقه السنة استيعابا واستنباطا ودقة نظر ، وانّه لا يستند إلى أدلّة يمكن مناقشتها ومقارنتها.

ولما اتسع نطاق الفقه المقارن في كلية الشريعة وأصبح حتما على الأساتذة والطلاب ان يعرفوا رأي الإمامية في مسائل المقارنة وان يوازنوا بين أدلّتهم وأدلّة غيرهم من أهل المذاهب الفقهية ، كانوا يجدون كثيرا من الصعوبات في الرجوع

__________________

(١) إيضاح الفوائد : ٤ / ٢٤٢.

(٢) لاحظ الذريعة : ٤ / ٤٣.

١٥

إلى مصادر هذا الفقه الإمامي ، وإذا عثروا على مرجع من هذه المراجع وجدوه مطبوعا طبعا حجريا على نحو غير مألوف عندنا في مصر ، فلم يستطيعوا الإفادة منه على الوجه الذي ينبغي.

إلى أن قال : وكنت أعرف كتاب تذكرة الفقهاء للشيخ الحلّي وهو المعروف بالشيخ العلّامة ، وله مؤلّفات كثيرة غير هذا المؤلّف ، ولكن تذكرة الفقهاء بين أيدينا ، ولكنه رهين محبسين : محبس من عدم معرفة علماء السنة به وعدم اطّلاعهم عليه إلّا قليلا منهم ، ومحبس من هذه الطبعة الحجرية الضيقة التي تجعله بعيدا عن متناول الذين يهتمون بالفقه ودراسته وأصوله المحررة.

ولذلك تمنيت لو انّ هذا الكتاب طبع طبعة حديثة حتّى يمكن لعلماء الأزهر وغيرهم أن يقرؤه ، اذا لوجدوا فيه علما غزيرا ، وخيرا كثيرا ، ولاستطاعوا ان يملئوا جو المقارنة الفقهية بما يذكره من آراء وأدلة ، ولعرفوا انّ هناك فقها لا يقل في مستواه العلمي والفكري عن فقههم ، ولما بقي في بعضهم أثر من الرغبة عن هذا الفقه استهانة به أو تعصبا عليه.

ثم إنّ صاحب المقال أخذ شيئا من كتاب النكاح فطبعه في آخر مقاله ، يبلغ عدد صفحاته قرابة ٣١ صفحة ، وبذلك حاول أن يلفت نظر الفقهاء في الأزهر وغيره إلى هذا الكتاب الثمين وما فيه من مادة فقهية قلّما يتفق في غيره (١).

ونحن نزفّ البشرى إلى صاحب المقال ، وهي انّ الكتاب قد طبع طبعة أنيقة رشيقة محققة مع تخريج مصادر الروايات والأقوال بشكل مثير للإعجاب ، وقد قام بهذا العب‌ء الثقيل مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، وقد خرج منه

__________________

(١) مجلة رسالة اسلام : العدد ٥١ و ٥٢ ، المؤرخة عام ١٣٨٢ ه‍.

١٦

لحد الآن ثمانية أجزاء والباقي قيد الطبع.

والحق انّ أغلب التراث الفقهي للشيعة الإمامية رهين محبسين : عدم اطّلاع علماء السنة عليه ، ورداءة طبعه بل لم يزل الكثير منها مخبوءا لم ير النور.

السادس : منتهى المطلب في تحقيق المذهب :

وهو كتاب ضخم يتسم بطابعين : «الاستدلال» و «المقارنة» وهو نظير «التذكرة» ولكن اوسع وأشمل منه ، ولذلك يصفه العلّامة في بعض الموارد بقوله ينتهي بانتهاء عمرنا.

ويصفه في الخلاصة : بقوله : لم يعمل مثله ، ذكرنا فيه جميع مذاهب المسلمين في الفقه ، رجحنا ما نعتقده ، بعد إبطال حجج من خالفنا فيه ، يتم ان شاء الله تعالى عملنا منه إلى هذا التاريخ ، وهو شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وستمائة سبع مجلدات (١).

ويصفه في مقدمة الكتاب بقوله : أحببنا أن نكتب دستورا في هذا الفن (الفقه) يحتوي على مقاصده ، ويشتمل على فوائده على وجه الإيجاز والاختصار ، مجتنبين الإطالة والإكثار مع ذكر الخلاف الواقع بين أصحابنا ، والإشارة إلى مذاهب المخالفين المشهورين ، مع ذكر ما يمكن ان يكون حجة لكل فريق على وجه التحقيق ، وقد وسمناه بـ «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» ونرجو من لطف الله تعالى أن يكون هذا الكتاب بعد التوفيق لإكماله أنفع من غيره (٢).

وعلى ضوء ذلك فقد حاز العلّامة الحلّي قصب السبق على غيره في تطوير

__________________

(١) الخلاصة : ٤٥.

(٢) منتهى المطلب : ٤.

١٧

الفقه المقارن ، فتارة ألّف كتابا لبيان الخلافات في الفقه الإمامي وقارن الأقوال بعضها ببعض مثل المختلف ، وأخرى لبيان الخلافات بين المذاهب الإسلامية سنّية وشيعية ، بين مقتضب كالتذكرة ، ومسهب كالمنتهى.

وهذا النوع من الفقه المقارن من خصائصه ولم يسبقه أحد قبله.

نعم ، قام غير واحد من مشايخ الشيعة بتصنيف كتب في الفقه المقارن على النمط الثاني كالانتصار للسيد المرتضى (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه‍) والخلاف للشيخ الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه‍) والكتاب يعدّ من ذخائر التراث الفقهي الإسلامي ، وقد طبع في جزءين كبيرين بالطبعة الحجرية ينتهي الجزء الأوّل إلى آخر الصلاة ، والجزء الثاني إلى آخر الحج.

وقال في إجازته للسيد مهنا بن سنان بن عبد الوهاب الإمامي المدني قاضي المدينة المتوفّى عام ٧٥٤ ه‍ ، قال : كتاب منتهى المطلب خرج منه العبادات سبع مجلدات (١).

إنّه قدس‌سره يشير إلى الفرق بين التذكرة والمنتهى في نهاية كتاب تحرير الأحكام الذي سيأتي الكلام فيه.

يقول في نهاية هذا الكتاب : «هذا آخر ما أفدناه في هذا الكتاب ، وهو قيّم يعرض طالب التوسط في هذا الفن ، ومن أراد الإطالة فعليه بكتابنا الموسوم بـ «تذكرة الفقهاء» الجامع لأصول المسائل وفروعها مع إشارة وجيزة إلى وجوهها وذكر الخلاف الواقع بين العلماء وإيراد ما بلغنا من كلام الفضلاء.

__________________

(١) أجوبة المسائل المهنائية : ١٥٥ ؛ البحار : ١٠٤ / ١٤٧.

١٨

ومن أراد الغاية وقصد النهاية فعليه بكتابنا الموسوم بـ «منتهى المطلب في تحقيق المذهب «والله الموفق للصواب منه المبدأ وإليه المعاد» (١).

وقد قام بتحقيقه وإخراجه في حلة قشيبة قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية بمشهد الرضا عليه‌السلام وخرج منه إلى الآن خمسة أجزاء.

السابع : نهاية الإحكام في معرفة الأحكام :

كتاب يحتوي على جلّ المسائل الفرعية الفقهية مع الإشارة إلى الدلائل بعبارة موجزة.

يعرّفه العلّامة في مقدمة الكتاب بقوله : لخصت فيه فتاوى الإمامية على وجه الإيجاز وأشرت فيه إلى العلل مع حذف الإطالة والإكثار.

وخرج منه كتاب : الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، البيع إلى آخر الصرف.

وقد فرغ من كتاب الصلاة في شهر شعبان من شهور سنة ٧٠٥ ه‍ وقد طبع في جزءين بتحقيق السيد مهدي الرجائي (حفظه الله) وهو ممّن وقف عمره في إحياء التراث ونشر مآثر الشيعة.

والفرق بينها وبين التحرير طفيف جدا ، فالإشارة إلى الدليل فيه أكثر من التحرير لكن الثاني يفوق عليه بجودة الترتيب والتخريج. واشتماله على تمام الكتب الفقهيّة.

__________________

(١) تحرير الأحكام : ٢ / ٢٨١ ـ الطبعة الحجريّة ـ.

١٩

الثامن : تحرير الأحكام :

وها نحن الآن بصدد استعراض كتاب فقهي آخر وهو كتاب تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الامامية.

وقد عرّفه العلّامة في مقدمة الكتاب بقوله : جمعنا فيه معظم المسائل الفقهية وأوردنا فيه أكثر المطالب الشرعية الفرعية من غير تطويل بذكر حجة ودليل ، إذ جعلنا ذلك موكولا إلى كتابنا الموسوم بـ «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» فانّه قد شمل المسائل أصولها وفروعها وذكر الخلاف الواقع بين المسلمين إلّا ما شذ ، واستدلال كل فريق على مذهبه مع تصحيح الحق وإبطال الباطل وانّما اقتصرنا في هذا الكتاب على مجرد الفتاوى لا غير (١).

وعرّفه في الخلاصة بقوله : حسن جيد ، استخرجنا فيه فروعا لم نسبق إليها مع اختصاره (٢).

وقال شيخنا المجيز : اقتصر فيه على مجرد الفتوى وترك الاستدلال ، لكنه استوعب الفروع والجزئيات حتّى أنّه أحصيت مسائله فبلغت أربعين ألف مسألة (٣) رتّبها على ترتيب كتب الفقه في أربع قواعد : العبادات ، والمعاملات ، والإيقاعات ، والأحكام ؛ باديا بمقدمة ذات مباحث في معنى الفقه وفضله وآدابه ومعرفته وعدم كتمانه. ثم ذكر النسخ الموجودة منه في المكتبات. (٤)

__________________

(١) تحرير الأحكام : ١ / ٢.

(٢) الخلاصة : ٤٥ برقم ٥٢.

(٣) ولعل المراد هي الفروع لا المسائل ، لان الأولى تقارب هذا المقدار دون الثانية.

(٤) الذريعة : ٣ / ٣٧٨.

٢٠