تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-65-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

٥١٦. السادس : لا يجزي الفرك في المنيّ ، سواء كان يابسا أو رطبا ، منيّ آدميّ (١) أو حيوان ، ذكر أو أنثى.

٥١٧. السابع : يستحبّ قرص الثوب وحتّه ، ثمّ غسله بالماء في دم الحيض ، والواجب الغسل خاصّة.

٥١٨. الثامن : يغسل الثوب من البول مرّتين ، والنجاسة السخينة أولى بتعداد الغسل ، أمّا ما لا يشاهد من النجاسات فإنّها تطهر بالمرة.

٥١٩. التاسع : لا بدّ من عصر الثوب ودلك الجسد.

ويكفي الدق والتقليب فيما يعسر عصره. ولو أخلّ بالعصر لم يطهر الثوب.

٥٢٠. العاشر : لو غسل بعض الثوب النجس ، طهر المغسول خاصة ، ويكفي في بول الرضيع صبّ الماء عليه وحده ، ما لم يغتذ بالطعام ، وتحديد ابن إدريس بالحولين (٢) ضعيف.

٥٢١. الحادي عشر : المرأة المربّية للصبي إذا لم يكن لها سوى ثوب واحد وتصيبه النجاسة دائما ، ولا تتمكّن عن غسله في كلّ وقت ، تجتزى بغسله مرّة واحدة في اليوم ، ويستحب أن تجعل الغسلة آخر النهار لتقع الفرائض الأربع في طاهر ، واليوم اسم للنهار والليل.

٥٢٢. الثاني عشر : الكلب والخنزير إذا أصابا الثوب ، وأحدهما رطب ، وجب غسل موضع الملاقاة ، ولو اشتبه وجب تعميم الغسل. ولو كانا يابسين استحبّ رشّ الثوب بالماء ، ولو كان في البدن غسل موضع الملاقاة رطبا ، ومسحه بالتراب يابسا.

__________________

(١) في «ب» : من آدميّ.

(٢) السرائر : ١ / ١٨٧.

١٦١

٥٢٣. الثالث عشر : البول إذا أصاب الأرض أو الحصير أو البارية ، وجفّ بالشمس ، طهر محله ، وقول الراوندي (١) وابن حمزة (٢) بجواز الصلاة عليه مع نجاسته باطل ، لقول الباقر عليه‌السلام في رواية صحيحة من زرارة ، وقد سئل عن البول يكون على السطح ، أو في المكان الّذي يصلّى فيه؟ : إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه ، فهو طاهر (٣) وهو نص في الباب. ولو جفّ بغير الشمس لم يطهر إجماعا ، وللشيخ قول آخر في الخلاف (٤) ضعيف.

٥٢٤. الرابع عشر : غير البول من النجاسات المائعة كالخمر وشبهه لا يطهر بتجفيف الشمس على أحد قولي الشيخ (٥).

٥٢٥. الخامس عشر : انّما يطهر بتجفيف الشمس ما تقدم من الأرض والحصر والبواري والنباتات وشبهها.

٥٢٦. السادس عشر : لا يطهر بالشمس ما يبقى فيه أجزاء النجاسة بعد التجفيف.

٥٢٧. السابع عشر : قال الشيخ : الأرض إذا أصابها بول ، فألقي عليها ذنوب (٦) من ماء ، بحيث يقهر لونه وريحه ، تطهر ، ويبقى الماء على طهارته (٧) وعندي

__________________

(١) نقله عنه المحقق في المعتبر : ١ / ٤٤٦.

(٢) الوسيلة : ٧٩.

(٣) الوسائل : ٢ / ١٠٤٢ ، الباب ٢٩ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.

(٤) الخلاف : ١ / ٢١٨ ، المسألة ١٦٦ من كتاب الطهارة وفيه «وهبّت عليها الريح» ؛ وفي المنتهى : ٣ / ٢٧٩ «أو هبّت عليها الريح» والظاهر هو الصحيح. فلاحظ.

(٥) المبسوط : ٩٣.

(٦) الذنوب ـ وزان رسول ـ الدلو العظيمة. المصباح المنير.

(٧) المبسوط : ١ / ٩٢ ، والخلاف : ١ / ٤٩٤ ، المسألة ٢٣٥ من كتاب الصلاة.

١٦٢

فيه نظر. ورواية الأعرابي (١) ضعيفة عندنا ، ومعارضة بما روى عنه عليه‌السلام من قوله فيها :

«خذوا ما بال عليه من التراب ، وأريقوا على مكانه ماء (٢)».

٥٢٨. الثامن عشر : انّما تطهر الأرض بإجراء الماء الكثير عليها ، أو وقوع المطر أو السيل ، بحيث يذهب أثر النجاسة ، أو بوقوع الشمس حتى يجفّ في البول وشبهه على إشكال ، قال الشيخ : أو بزوال الأجزاء النجسة ، أو تطيين الأرض بالطّاهر (٣) وليسا في الحقيقة مطهّرين.

ولا فرق في التطهير بين قليل المطر وكثيره إذا زال العين والأثر ، ولو لم يزل الرائحة واللون لم يطهر ، ولو كانت النّجاسة جامدة أزيلت عينها ، ولو خالطت أجزاء التراب أزيل الجميع.

٥٢٩. التاسع عشر : يطهّر التراب باطن الخفّ وأسفل النعل ، وفي القدم إشكال ، والصحيح طهارتها ، والنار تطهّر ما أحالته.

٥٣٠. العشرون : قال علم الهدى : الصقيل كالسيف ، إذا لاقته نجاسة طهر بالمسح (٤) وفيه إشكال.

٥٣١. الحادي والعشرون : إذا استحالت الأعيان النجسة ، فقد طهرت كالخمر

__________________

(١) وهي ما رواه أنس قال : جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه. لاحظ صحيح البخاري : ١ / ٦٥ ؛ والمغني : ١ / ٧٧٤.

(٢) سنن أبي داود : ١ / ١٠٤ برقم ٣٨١.

(٣) المبسوط : ١ / ٩٣ و ٩٤.

(٤) نقل عنه الشيخ في الخلاف : ١ / ٤٧٩ المسألة ٢٢٢ من كتاب الصلاة ، ونقل عنه المحقّق في المعتبر : ١ / ٤٥٠.

١٦٣

إذا انقلبت ، وكالنطفة والعلقة إذا تكوّنتا إنسانا ، وكالدم إذا صار قيحا أو صديدا. أمّا الخنزير وشبهه إذا وقع في ملاحة ، فاستحال ملحا فإنّه لا يطهر.

وحكم الشيخ بتطهير اللّبن المضروب بماء نجس ، مع صيرورته أجرا أو خزفا (١) ولا يطهر الدبس النجس إذا انقلب خلًّا ، ولو انقلبت الأعيان النجسة ترابا ، ففي طهارتها إشكال.

والكافر إذا أسلم طهر بدنه دون ما لاقاه برطوبة من ثيابه وغيرها قبل الإسلام ، ولو تاب المرتدّ عن غير فطرة فكذلك ، أمّا المرتدّ عن فطرة فالوجه أنّه كذلك أيضا.

٥٣٢. الثاني والعشرون : إذا علم بالنجاسة في موضع معيّن من ثوبه أو بدنه ، غسله وجوبا ، وإن اشتبه وجب غسل كلّ ما يحتمل إصابة النجاسة له ، ولو علم حصولها في أحد الثوبين وجهل التعيين ، غسلهما معا ، ولو لم يجد الماء نزعهما وصلّى في غيرهما إن وجد ، وإلّا صلّى عريانا ، ولا يتحرّى ، وقال أكثر علمائنا : يصلّي في كلّ واحد منهما مرة ، وهو الحق عندي ، وقول ابن إدريس : إنّ الواجب افتتاح الصلاة مع العلم بوجوبها لا مع الشك (٢) خطاء ، لأنّهما عندنا واجبتان ، إحداهما بالاشتباه ، والأخرى بالأصالة.

ولو تعدّدت الثياب النجسة ، صلّى بعددها ، وزاد صلاة على ذلك العدد ، ولو صلّى الظهرين في أحدهما ، ثم كرّرهما في الآخر ، صحّتا معا. ولو صلّى الظهر في ثوب ، ثم العصر في آخر ، ثمّ الظهر فيه ، ثم العصر في الأوّل ، صحّت الظهر.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٩٤ ؛ والخلاف : ١ / ٤٩٩ ، المسألة ٢٣٩ من كتاب الصلاة.

(٢) السرائر : ١ / ١٨٥.

١٦٤

ولو غسل أحد الثوبين المشتبهين ، وصلّى فيه ، صحّت الصلاة إجماعا ، ولا يجوز أن يصلّي في الآخر ، ولو جمعهما وصلّى فيهما ، لم تصحّ صلاته ، سواء غسل أحدهما أو لا. ومع وجود الطاهر بيقين ، لا يجوز أن يصلّي في المشتبه مع الأفراد أو التعدّد.

٥٣٣. الثالث والعشرون : لو كان معه ثوب نجس لا غير ، نزعه وصلّى عريانا ، بالإيماء ، ولا إعادة عليه ؛ قاله الشيخ (١). وفي رواية علي بن جعفر الصحيحة عن أخيه موسى عليه‌السلام :

«يصلّي فيه» (٢).

والوجه عندي التخيير.

٥٣٤. الرابع والعشرون : من صلّى في ثوب نجس مع العلم ، أعاد الصلاة مطلقا ؛ ولو نسى حالة الصلاة فالوجه الإعادة في الوقت لا خارجه ، خلافا للشيخ (٣) ؛ ولو لم يسبقه العلم ، ثمّ علم بعد الصلاة لم يعد ، لا في الوقت ولا خارجه ، على خلاف في الأوّل.

٥٣٥. الخامس والعشرون : لو دخل في الصلاة ولم يعلم ، ثمّ تجدّد له العلم بسبق النجاسة ، نزعه وإن لم يكن غيره ، وأخذ ساترا ، ولو احتاج إلى فعل كثير قطع الصلاة ، وستر عورته ، ولو لم يملك الساتر نزعه ، وأتمّ من جلوس إيماء.

ولو حمل حيوانا طاهرا مأكول اللحم ، صحّت صلاته ، وكذا غير المأكول ،

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٣٨ ، والنهاية : ٥٥.

(٢) الوسائل : ٢ / ١٠٦٧ ، الباب ٤٥ من أبواب النجاسات ، الحديث ٥.

(٣) المبسوط : ١ / ٩٠.

١٦٥

ولو حمل قارورة مضمومة فيها نجاسة ، فقد تردّد الشيخ في الخلاف (١) ، وأفتى في المبسوط بالبطلان (٢).

ويكره للمرأة أن تصل شعرها بشعر آدميّ ، رجلا أو امرأة ، ولا بأس بالحيوان الطاهر ، ولو شرب خمرا ، أو أكل ميتة فالأقوى وجوب القي‌ء. ولو أدخل دما تحت جلده ، فنبت اللحم نزعه مع المكنة.

ولو كان وسطه مشدودا بطرف حبل ، وطرفه الآخر مشدودا في نجاسة كالكلب ، لم يبطل صلاته ، سواء كان واقفا على الحبل أو حاملا له ، وسواء كان الكلب كبيرا لا يتحرك بحركته أو يتحرك ، وكذا لو كان مشدودا في سفينة فيها نجاسة ، سواء كان الشد في النجس أو الطاهر.

ويجوز الصلاة في ثياب الصبيان ، ويكره في ثياب شارب الخمر وغيره من المحرمات ، ما لم يعلم إصابتها لها.

٥٣٦. السادس والعشرون : يحرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضّة إجماعا ، وكذا يحرم عندنا استعمالها في غير الأكل والشرب ، ونصّ الشيخ على تحريم اتّخاذها (٣) سواء الرجل أو المرأة في ذلك ، أمّا المفضّض ففيه قولان ، أقربهما الكراهيّة.

ويعزل الفم عن موضع الفضّة وجوبا ؛ قاله الشيخ (٤) ، ويجوز اتخاذ الأواني من غير الجوهرين ، وإن غلت أثمانها.

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٥٠٣ ، المسألة ٢٤٤ من كتاب الصلاة.

(٢) المبسوط : ١ / ٩٤.

(٣) المبسوط : ١ / ١٣.

(٤) المبسوط : ١ / ١٣ ، والنهاية : ٥٨٩ ، كتاب الأطعمة والأشربة.

١٦٦

وأواني المشركين طاهرة حتى يعلم نجاستها ، ولو تطهّر من آنية الذهب والفضة ، فالأقرب صحّة طهارته ، بخلاف ما لو توضّأ في الدار المغصوبة ، وكذا لو جعل آنية الذهب أو الفضة مصبّا لماء الطهارة.

٥٣٧. السابع والعشرون : تغسل الآنية من ولوغ الكلب ثلاث مرات ، أولاهنّ بالتراب ، خلافا لابن الجنيد في العدد (١) وللمفيد في الترتيب (٢). وإذا غسلت طهرت ، ولم يجب تجفيفها.

ولو لم يجد التراب ، قال الشيخ : اقتصر على الماء (٣) والأقرب حينئذ الاكتفاء بالمرتين ، (٤) ولو وجد ما يشبهه كالاشنان والصابون أجزأ استعماله ، وهل يجزي مع وجود التراب؟ إشكال.

ولو خيف فساد المحلّ باستعمال التراب ، فهو كالفاقد ، ولو غسله بالماء مع وجود التراب لم يجزه.

وهل يمزج التراب بالماء؟ قال ابن إدريس : نعم (٥) ، ولم يثبت. ولو تكرّر الولوغ اتّحد الغسل ، تعدّد الكلب أو اتّحد ، ولا يغسل بالتراب إلّا من الولوغ خاصّة ، ويلحق بالكلب ما تبعه في الاسم ، وجزم في المبسوط (٦) والخلاف (٧) على

__________________

(١) نقله عنه المحقق في المعتبر : ١ / ٤٥٨.

(٢) المقنعة : ٩.

(٣) المبسوط : ١ / ١٤.

(٤) في «أ» : «عدم الاكتفاء بالمرتين» والصحيح ما في المتن ، قال في المنتهى : ٣ / ٣٣٧ : «فوجب القول بطهارته بالغسل مرتين ، وهو قويّ».

(٥) السرائر : ١ / ٩١.

(٦) المبسوط : ١ / ١٥.

(٧) الخلاف : ١ / ١٨٦ ، المسألة ١٤٣ من كتاب الطهارة.

١٦٧

مساواة الخنزير له ، ولم يثبت. والحقّ عندي انّه يغسل من ولوغ الخنزير سبع مرات ، لرواية علي بن جعفر الصحيحة عن أخيه الكاظم عليه‌السلام. (١)

٥٣٨. الثامن والعشرون : إذا وقع فيه نجاسة بعد غسله بعض العدد تداخلا ، ولو غسله بالتراب ثمّ بالماء مرّة ، ثمّ ولغ استأنف ، ولا يجب الإكمال ثمّ الاستئناف.

ولو وقع إناء الولوغ في ماء قليل ، نجس الماء ، ولو كان في كثير لم يحصل للمغسول غسلة إلّا مع القول بعدم الترتيب (٢) أو يكون الوقوع بعد التراب.

٥٣٩. التاسع والعشرون : يغسل الإناء من الخمر والجرذ سبعا استحبابا على خلاف ، ويغسل من غير الولوغ من النجاسات ثلاثا استحبابا ، والواجب الانقاء ، ونصّ في الخلاف (٣) والمبسوط (٤) على الثلاث.

٥٤٠. الثلاثون : يطهر بالغسل من الخمر ما كان من الجواهر الصلبة

التي لا تتشرّب أجزاؤها الخمر ، كالرصاص ، والخزف المطليّ. أمّا القرع والخشب والخزف غير المغضور (٥) ، فالأقرب زوال النجاسة عنه ، خلافا لابن الجنيد (٦).

__________________

(١) الوسائل : ٢ / ١٠١٧ ، الباب ١٣ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.

(٢) قال المصنف في المنتهى : ٣ / ٣٤٢ : ولو وقع في كثير لم ينجس ، وهل يحصل له غسلة أم لا؟

الأقرب انّه لا يحصل ، لوجوب تقديم التراب ، هذا على قولنا ، أمّا على قول المفيد والجمهور فانّ الوجه الاحتساب بغسلة.

(٣) الخلاف : ١ / ١٨٢ ، المسألة ١٣٨ من كتاب الطهارة.

(٤) المبسوط : ١ / ١٥.

(٥) الغضار : الطين الحر ، والغضراء : طينة خضراء علكة.

(٦) نقله عنه المحقق في المعتبر : ١ / ٤٦٧.

١٦٨

٥٤١. الحادي والثلاثون : جلد الميتة لا يطهر بالدباغ ، سواء كان طاهرا في الحياة أو لم يكن ، خلافا لابن الجنيد (١).

٥٤٢. الثاني والثلاثون : لا يجوز استعمال شي‌ء من الجلود إلّا ما كان طاهرا في حال الحياة ذكيّا ، فإن كان مأكولا لم يفتقر إلى الدباغ ؛ وهل يفتقر ما لا يؤكل لحمه مع التذكية إلى الدباغ؟ نصّ الشيخ (٢) وعلم الهدى (٣) عليه ، ومع الدباغ لا يفتقر إلى الغسل ، ولا يفتقر الدبغ إلى فعل ، بل لو وقع المدبوغ في المدبغة فاندبغ طهر.

[تمّ كتاب الطهارة]

__________________

(١) نقله عنه المحقق في المعتبر : ١ / ٤٦٣ ، والعلامة في المختلف : ١ / ٥٠١.

(٢) المبسوط : ١ / ١٥.

(٣) الانتصار : ١٣.

١٦٩
١٧٠

كتاب الصلاة

١٧١
١٧٢

و [الصلاة] هي في اللغة الدعاء ، وفي الشرع أذكار معهودة مقترنة لحركات وسكنات مخصوصة يتقرّب بها إلى الله تعالى ، وهي من أكمل العبادات ، وأهمّها (١) في نظر الشرع.

قال الصادق عليه‌السلام :

«أوّل ما يحاسب به العبد [عن] الصلاة ، فإذا قبلت قبل [منه] سائر عمله ، واذا ردّت عليه ردّ عليه سائر عمله» (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليس منّي من استخفّ بصلاته ، لا يرد عليّ الحوض لا والله ، ليس منّي من شرب مسكرا ، لا يرد عليّ الحوض لا والله» (٣). وقال الصادق عليه‌السلام : «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصلاة» (٤).

وسأله معاوية بن وهب عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم ، وأحبّ ذلك إلى الله عزوجل ما هو؟ فقال عليه‌السلام :

«ما أعلم شيئا بعد المعرفة ، أفضل من هذه الصلاة ، ألا ترى انّ العبد

__________________

(١) في «ب» : وأتمّها.

(٢) الفقيه : ١ / ١٣٤ برقم ٦٢٦ ، وما بين المعقوفتين أخذناه من المصدر.

(٣) الوسائل : ٣ / ١٦ ، الباب ٦ من أبواب أعداد الفرائض ، الحديث ٥.

(٤) نفس المصدر ، الحديث ٦.

١٧٣

الصالح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، قال (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا)» (١) (٢).

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

وهي واجبة بالنص والإجماع ، ومعرفتها واجبة ، لأنّ التكليف يستدعي العلم بالفعل الّذي وقع التكليف به ، لاستحالة تكليف ما لا يطاق ، فيجب معرفتها إمّا بالدليل أو بالتقليد لمن يصحّ تقليده من المجتهدين ، فلو صلّى بتقليد العامي لم يعتدّ بها.

والصلاة فعل يشتمل على أشياء ، ويشترط له أشياء ، ويبطله أمور ، إمّا عمدا أو سهوا ، وينقسم إلى أنواع كثيرة ، وأنا أسوق إليك لبّ الفتاوى المتعلّقة بذلك كلّه ، وأهذّب لك فروعه ، وأحيلك بالبراهين وذكر الخلاف على كتابنا الموسوم بـ «منتهى المطلب» بعون الله تعالى.

وهذا الكتاب يشتمل على مقاصد

__________________

(١) مريم : ٣٢.

(٢) الوسائل : ٣ / ٢٥ ، الباب ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ، الحديث ١.

١٧٤

المقصد الأوّل : في المقدمات

وفيه فصول

الفصل الأوّل : في أعدادها

وفيه ستة مباحث :

الأوّل : الصلاة قسمان : واجب ، ونفل. فالواجب أمران :

٥٤٣ احدهما ما وجب (١) بأصل الشرع ، وهو خمس صلوات في كل يوم وليلة : الظهر أربع ركعات ، والعصر مثلها ، وكذلك العشاء الآخرة ، والمغرب ثلاث ركعات ، والغداة ركعتان.

وترتيبها الظهر ، ثمّ العصر ، ثمّ المغرب ، ثمّ العشاء ، ثمّ الصبح ، هذا في الحضر ؛ أمّا في السفر ، فيسقط من الرباعيات شطرها ، وتستقر الباقيتان على حالهما (٢).

ويجب أيضا صلاة الجمعة والعيدين والكسوف والآيات

__________________

(١) في «أ» : أحدهما واجب.

(٢) في «ب» : ويستقر الباقيات على حالهما.

١٧٥

والزلزلة والطواف والأموات.

٥٤٤ والثاني ما وجب بالنذر واليمين والعهد.

وأمّا النفل فقسمان : مؤقّت وغير مؤقّت.

فالمؤقّت أقسام :

٥٤٥ أحدها : النوافل اليومية. وهي أربع وثلاثون ركعة : أمام الظهر ثمان ، وبعدها كذلك للعصر ، وبعد المغرب أربع ، وبعد العشاء ركعتان من جلوس يحسبان بركعة ، وثمان صلاة الليل ، وركعتا الشفع ، والوتر ، وركعتان للفجر.

وتسقط نوافل النهار عدا ركعتي الفجر في السفر ، وفي الوتيرة خلاف (١).

والباقي من النوافل يأتي.

٥٤٦ الثاني : النوافل يصلّى كلّ ركعتين منها بتشهّد وتسليم ، إلّا صلاة الأعرابي (٢) والوتر ، وسيأتي بيانهما ، فلو زاد على اثنتين لم يجز ، قاله في المبسوط (٣).

٥٤٧. الثالث : ركعتا الفجر أفضل من الوتر.

٥٤٨. الرابع : يستحبّ تقديم نافلة المغرب على سجدة الشكر فيها.

وروي عن الكاظم عليه‌السلام التعفير عقيب المغرب ، وقال :

«إنّ الدعاء فيها مستجاب» (٤).

__________________

(١) لاحظ المختلف : ٢ / ٣٢٦.

(٢) لاحظ الوسائل : ٥ / ٥٧ ، الباب ٣٩ من أبواب صلاة الجمعة ، الحديث ٣.

(٣) المبسوط : ١ / ٧١.

(٤) الوسائل : ٥ / ١٠٥٨ ، الباب ٣١ من أبواب التعقيب ، الحديث ٢.

١٧٦

٥٤٩. الخامس : صلاة الضحى بدعة عندنا.(١)

٥٥٠. السادس : يستحب التطوع قائما ، ولو تطوّع جالسا جاز ، وينبغي أن يتربّع ، فإذا أراد الركوع قام وركع.

الفصل الثاني : في المواقيت

والنظر يتعلق بأمور

النظر الأوّل : في وقت الرفاهية

وفيه ثلاثة مباحث :

٥٥١. الأوّل : لكلّ صلاة وقتان : أوّل وآخر ، فالأوّل وقت الفضيلة ، والآخر وقت الإجزاء ، ولا يمكن أن يكون الوقت قاصرا عن الفعل ، إلّا إذا كان القصد وجوب القضاء ، لاستحالة تكليف ما لا يطاق ، وقد وقع الإجماع على جواز التكليف مع التوافق ، أمّا مع فضل الوقت ، فالصحيح جوازه ، خلافا لمن منع الواجب الموسّع ، وقد ذكرناه في علم الأصول.

ثم الواجب الموسّع لا يختص زمان منه بالوجوب دون آخر ، ويتضيق الوجوب عند آخره ، ووجوب العزم عند التأخير إلى ثاني الحال من أحكام

__________________

(١) قال المصنّف : وصلاة الضّحى عند العامة ركعتان ، وأكثرها ثمان ركعات ، وفعلها وقت اشتداد الحرّ. المنتهى : ٤ / ٣٢.

١٧٧

الإيمان ، لا لتحقّق البدلية.

٥٥٢. الثاني : يدخل وقت الظهر بزوال الشمس وانحرافها عن دائرة نصف النهار المعلوم بزيادة ظلّ كلّ شخص في جانب المشرق بعد نقصانه ، أو ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن (١) لمن يستقبل القبلة ، إلى أن يمضي مقدار أربع ركعات ، ثمّ يشترك الوقت بينها وبين العصر إلى أن يبقى لغروب الشمس مقدار أربع ركعات ، فيختصّ بالعصر. روى ذلك داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، وهي مناسبة للدلائل العقلية.

فإذا غربت الشمس دخل وقت المغرب ، ويعرف غروبها بغيبوبة الحمرة المشرقيّة ، ولا يكفي استتار القرص على أصحّ القولين ، إلى أن يمضي مقدار ثلاث ركعات ، ثمّ يشترك الوقت بينها وبين العشاء إلى أن يصير لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات ، فيختصّ العشاء الآخرة.

ووقت الصبح طلوع الفجر الثاني المستطير (٣) ضوؤه ، الصادق ، لا الفجر الأوّل الكاذب الّذي هو يبدأ مستطيلا (٤) ، ثم يمحى أثره (٥) ويمتدّ الوقت إلى طلوع الشمس.

٥٥٣. الثالث : وقت الفضيلة للظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء مثله ، وللعصر عند الفراغ من فريضة الظهر إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء

__________________

(١) في «ب» : إلى الجانب الأيمن.

(٢) الوسائل : ٣ / ٩٢ ، الباب ٤ من أبواب المواقيت ، الحديث ٧.

(٣) أي المنتشر ضوؤه.

(٤) مستدقّا كالعمود.

(٥) في «أ» : ينمحي أثره.

١٧٨

مثليه ، وللمغرب من غروب الشمس إلى غيبوبة الشفق ، وهو الحمرة من جانب المغرب ، وللعشاء الآخرة إلى ثلث الليل ، وللصبح من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الحمرة المشرقيّة. والله أعلم.

النظر الثاني : في أوقات النوافل

وفيه ستة مباحث :

٥٥٤. الأوّل : وقت نافلة الظهر من الزوال إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء مثله ، وفي النهاية : إلى أن يبلغ زيادة الظلّ قدمين (١).

٥٥٥. الثاني : وقت نافلة العصر من عند الفراغ من فريضة الظهر إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء مثليه ، وفي النهاية إلى أربعة أقدام (٢).

٥٥٦. الثالث : وقت نافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربيّة.

٥٥٧. الرابع : وقت الوتيرة عند الفراغ من العشاء ، ويمتدّ بامتداد وقتها ، قال الشيخ : ويستحبّ أن يجعلها بعد كلّ صلاة يريد أن يصلّيها (٣).

٥٥٨. الخامس : وقت صلاة الليل بعد انتصافه ، وكلّما قرب من الفجر كان أفضل.

٥٥٩. السادس : وقت ركعتي الفجر عقيب صلاة الليل إلى طلوع الحمرة ، وتأخيرها إلى الفجر الأوّل أولى.

__________________

(١) النهاية : ٦٠.

(٢) النهاية : ٦٠.

(٣) المبسوط : ١ / ٧٦ ، والنهاية : ٦٠.

١٧٩

النظر الثالث : في أوقات المعذورين

ونعني بالعذر ما يسقط القضاء ، كالجنون والصبي والحيض والكفر.

وله أحوال ثلاثة :

٥٦٠. [الحالة] الأولى : أن يخلو عنها آخر الوقت بقدر الطهارة وأداء ركعة ، كما لو طهرت الحائض قبل الغروب ، فيلزمها العصر ، ولو طهرت قبله بمقدار الطهارة وخمس ركعات ، وجبت الظهر أيضا ، والأربع في مقابلة الظهر لا العصر على إشكال ، وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء.

وكذا لو طهرت قبل انتصاف الليل بمقدار الطهارة وركعة وجبت العشاء ، ولو كان بمقدار خمس وجبت الفريضتان ، ويكون مؤدّيا لكمال الفريضة على رأي ، ولو اهمل حينئذ وجب القضاء ، ولو قصر الوقت عن ركعة لم يجب.

٥٦١. الحالة الثانية : أن يخلو أوّل الوقت ، فإذا دخل الوقت ومضى مقدار الطهارة وما يتّسع للصلاة بكمالها ، وجبت الصلاة. ولو حصل العذر وجب القضاء عند زواله. ولو لم يتّسع لكمال الفريضة لم يجب القضاء.

٥٦٢. الحالة الثالثة : أن يعمّ العذر جميع الوقت فتسقط الصلاة أداء وقضاء.

النظر الرابع : في الأوقات المكروهة للنوافل

يكره ابتداء النوافل في خمسة أوقات :

ثلاثة منها للوقت : عند طلوع الشمس ، وغروبها ، وقيامها نصف النهار

١٨٠