تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-65-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

عصر التخريج والتفريع :

لقد تألّق نجم المذاهب الأربعة منذ منتصف القرن الرابع ، فسرت روح التقليد للأئمة الأربعة سريانا عاما اشترك فيه العلماء وجمهور الناس.

لقد تلقّى الجمهور تلك المذاهب تراثا إسلاميا بلغ من القداسة كأنّها وحي من الله لا يمكن النقاش فيها ولا يجوز الخروج عن إطارها ، فأصبحت نصوص الأئمة الأربعة كالوحي المنزل يجب استفراغ الوسع في فهم كلامهم ومؤدّى لفظهم ، وقد خلّف ذلك مضاعفات حالت دون تكامل الفقه ، منها :

أ ـ نشوء روح التقليد بين فقهاء تلك الأعصار والتعصّب لمذهب الأسلاف.

ب ـ كثرة التخريج والتفريع والترجيح بين فقهاء المذاهب ، فانّهم بدل أن يبذلوا جهودهم في فهم الكتاب والسنّة ، انصبت جهودهم في استنباط الفروع من الأصول الثابتة عند أئمة المذاهب ، ولأجل ذلك كثر التأليف والتصنيف في هذه العصور وأكثرها يحمل طابع التخريج والتفريع.

انّ باب الاجتهاد وان اقفل في هذه الفترة لكن نشط الاجتهاد في إطار مذهب معين. فلذلك بدأ التخريج والتفريع في مسائل كثيرة فلم يكن لأئمتهم فيها نص ، وبذلك ألفت كتب في هذا المضمار ، أي استنتاج الفروع من الأصول وما لا نص فيه من أئمتهم عما فيه نص منهم.

وهذا نوع من الاجتهاد المحدّد بمذهب خاص ، وقد نشأ العلّامة في هذه الأجواء التي تطلب لنفسها التخريج والتفريع ، فشمّر عن ساعد الجد وألّف كتاب «تحرير الأحكام الشرعيّة» لتلك الغاية ، ولو صح ما نقله شيخنا المجيز عن بلوغ

٢١

مسائله إلى أربعين ألف ، فقد تحمل عبئا ثقيلا في جمع تلك الفروع في الأبواب الفقهية المختلفة وعرضها على الأدلّة واستخراج حكمها منها وليست تلك المحاولة جديدة من نوعها ، فقد سبقه فيها الشيخ الطوسي بتأليفه كتاب «المبسوط» وكانت الغاية من تأليفه هو الإجابة على الفروع التي لا نص فيها مستخرجا أحكامها مما نص فيه ، يقول :

فإنّي لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقّه والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية ويستنزرونه وينسبونهم إلى قلّة الفروع وقلّة المسائل ، وانّ من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الأصول ، لأنّ جلّ ذلك مأخوذ من هذين الطريقين.

ثم ردّ على وجهة النظر تلك بقوله : إنّ جلّ ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه تلويحا عن أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمّا خصوصا أو عموما أو تصريحا أو تلويحا (١).

والتخريج في الفقه الإمامي يختلف عن التخريج في فقه المذاهب الأربعة ، فإنّ التخريج هناك على ضوء النصوص الموروثة عن أئمتهم التي لا تتجاوز عن كونها فتاوى فقهية لهم مستنبطة غالبا من الأساليب الظنية.

وأمّا التخريج في الفقه الإمامي فهو تابع لضوابط معينة ، إذ يستخرج حكم الفروع من الأصول المنصوصة إمّا خصوصا أو عموما أو تصريحا أو تلويحا كما صرّح به الشيخ.

فالاجتهاد عند السنّة في هذا المجال ، اجتهاد شخصي في فهم كلام إمام

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢.

٢٢

المذهب ، ولكن الاجتهاد في الفقه الإمامي اجتهاد في فهم النصوص الشرعية الواردة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله المعصومين الذين تجري أقوالهم مجرى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحديث الثقلين.

هذه هي الكتب الفقهية الثمانية المعروفة للعلّامة الحلّي المنتشرة على نطاق واسع ، وله كتب فقهية أخرى غير مشهورة ، وانّ قسما منها لم ير النور.

مشكلة الاختلاف في آرائه :

من استعرض فتاوى العلّامة الحلّي في كتبه الفقهية ربما يقف على آراء مختلفة له في مسألة واحدة في مختلف الكتب ، وقد أثارت هذه المسألة العديد من التساؤلات.

فربما يفسر اختلاف فتاواه بحرصه على التأليف واستعجاله في التصنيف ، وانّه كان يكتب كل ما يرتسم في ذهنه بلا مراجعة إلى أقواله المتقدمة ، أو انّه كان لا يفحص في الأحاديث والأدلّة حق الفحص. فبدا له التجدّد في الرأي والتلوّن في الاجتهاد (١).

وقريب منه ما ذكره المحدّث البحراني في لؤلؤة البحرين (٢).

وربما يجاب عن الإشكال :

بأنّ فتاوى العلّامة كانت في متناول فقهاء عصره الذين بلغ عددهم في الحلّة إلى ٤٤٠ مجتهدا (٣).

__________________

(١) لاحظ تنقيح المقال : ١ / ٣١٥ ، نقله عن السماهيجي.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٢٢٦.

(٣) رياض العلماء : ١ / ٣٦١ ، قال : ومن الغرائب ما نقل انّه كان في الحلّة في عصر العلّامة أو غيره ٤٠٠ مجتهدا وأربعين.

٢٣

فقد كانت تنهال عليه مناقشات العلماء والمجتهدين فيما أفتى به وذهب إليه فكان رضى الله عنه ينظر فيها ويبحثها معهم ، فإن لم يقتنع بها ردّها ، وإن رآها سديدة قبلها برحابة صدر ، وغيّر فتواه (١).

وهذا النوع من الدفاع وإن كان صحيحا إجمالا ولا يختص هذا بالعلّامة وعصره ، فانّ تغيير الفتاوى لأجل مناقشات المعاصرين ليس أمرا جديدا ، لكن تبرير هذا النوع من الاختلاف الشاسع عن هذا الطريق غير كاف ، إذ لو كان هذا هو السبب الرئيسي لأشار إليه العلّامة في طيات كتبه ، وانّه رجع عمّا كان يراه فيما سبق لأجل هذه المناقشة ، ولكن صياغة كتبه تأبى عن ذلك التبرير فيجب التماس وجه آخر.

وهو انّ العلّامة الحلّي قد عاش في عصر ازدهرت فيه عملية التخريج والتفريع ، وكانت له صلة وثيقة بفقهاء كلا الفريقين طوال ستين سنة ، وكان ذا ذكاء خارق وذهن ثاقب ، وآية في الدقة والتحقيق ، فمثل هذا الفقيه الذي هو في خضمّ الاحتكاكات الفقهية من جانب وكثرة أسفاره ولقائه بعلماء كلا الفريقين أتاح له الفرصة في خلق أفكار فقهية جديدة حسب ما يوحي إليه فهمه الخلاق ، وليس هذا بعزيز.

فهذا هو محمد بن إدريس الشافعي (١٥٠ ـ ٢٠٤ ه‍) قد خلف فتاوى قديمة وفتاوى جديدة ، فلما غادر من الحجاز إلى العراق ومكث فيه سنين طوال كانت له آراء ، فلما هبط مصر بدت له فتاوى أخرى غير تلك الفتاوى القديمة ، وصارت معروفة بالفتاوى الجديدة.

فمثير هذه الشبه انطلق من جمود فكري وعدم معرفة كاملة بواقع الفقه ، ولو

__________________

(١) إرشاد الأذهان : ١٦٠ ، قسم المقدمة.

٢٤

كان من فرسان هذه الحلبة لسهل له هذا الأمر ولم ينقم على العلّامة كثرة فتاواه.

إلى هنا تم ما كنّا نرمي إليه من التقديم :

وقد آن لنا تثمين جهود محقّق الكتاب اعني العلّامة «الشيخ إبراهيم البهادري» على ما بذله من جهود مضنية في تقويم نص الكتاب واستخراج مراجع الأقوال ومصادر الروايات بأمانة ودقة كما هو دأبه في تحقيقاته السابقة التي أثرى بها المكتبة الإسلامية من خلال إحياء التراث الإسلامي ، وقد صدر له تحقيق الكتب التالية :

١. الاحتجاج : لشيخنا أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي.

٢. إصباح الشيعة : للفقيه الأقدم قطب الدين البيهقي الكيدري.

٣. إشارة السبق : تأليف الشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل ، المعروف بالحلبي.

٤. جواهر الفقه : للقاضي ابن البراج.

٥. الرسائل الاعتقادية : للشيخ الطوسي.

٦. عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار علي بن أبي طالب عليه‌السلام :

لابن البطريق.

٧. غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع : لابن زهرة الحلبي في جزءين.

٨. المسائل الميافارقية : للسيد الشريف المرتضى.

مضافا إلى هذا الكتاب الماثل بين يديك والذي يزفّه الطبع إلى القرّاء

٢٥

الكرام ، والكتاب بإذنه سبحانه يخرج في ستة أجزاء ، ويأتي في نهاية الجزء السادس فهرس الآيات والروايات والأعلام والأماكن ... وها نحن نحيل عنان القلم إلى المحقّق كي يوضح لنا منهجية التحقيق وكيفيته.

منهج التحقيق :

١. قد قمنا بتقويم النص وتصحيحه بمقابلة الكتاب على نسختين : إحداهما مطبوعة ، والأخرى مخطوطة.

أمّا المطبوعة فهي النسخة الرائجة التي طبعت عام ١٣١٤ ه‍ ق في جزءين وطبعت في مجلد واحد ، وهي نسخة كاملة ورمزنا إليها بحرف «أ».

وأمّا المخطوطة فهي النسخة الموجودة في مكتبة السيد المرعشي العامة والظاهر انّ النسخة استنسخت عن خط المؤلف كما استظهره المحقّق السيد الاشكوري (حفظه الله). وحكى الكاتب في الصفحة الأولى إجازة العلّامة لجمال الدين مظفر بن منصور المخلص الأنباري.

تقع النسخة في ٤٣١ صفحة في ٢٩ سطرا ، طولها ٢٣ سم وعرضها ١٥ سم.

وهي نسخة كاملة مصححة. ورمزنا إليها بحرف «ب». وأثبتنا ما هو الصحيح ولم نذكر من اختلاف النسختين إلّا المهمّ. وقد سجّلت خصوصيات النسخة في فهرس المكتبة.

٢. لم نقتصر في تقويم النص على النسختين ، بل رجعنا إلى التذكرة والمنتهى للمؤلّف ، فإنّ مادة الكتاب تستقي من هذين الكتابين في أكثر المواضع ، كما رجعنا

٢٦

إلى الخلاف والمبسوط للشيخ الطوسي ، وإلى المغني لابن قدامة وغيرها.

٣. تخريج الآيات والروايات والأقوال المنقولة من المصادر الأصلية.

٤. تفسير اللغات المشكلة وإيضاح المراد من العبارة فيما احتاج إليه.

٥. تبديل الترتيب الأبجدي للمسائل التي وضعها المؤلف بالترتيب العددي لسهولته ، وهذا النوع من التصرف قد حدت الضرورة إليه لأجل عدم استيناس الجيل الحاضر به.

كما لا يفوتني أن أعبر عن شكري وامتناني الجزيل إلى سماحة آية الله جعفر السبحاني لما هيّأ لي من أسباب التحقيق كما هو دأبه مع أكثر المحققين في مؤسسة الإمام الصادق عليه‌السلام ، وقد أشرف على عملي وتحقيقي وأفادني في هذا المضمار.

هذا كلام محققنا ، فهاك نسخة صحيحة لا تجد فيها أمتا ولا عوجا ، وهي حصيلة جهود سنين طوال.

فها نحن نثمن الجهود التي بذلها شيخنا المحقّق في إحياء هذا السفر الجليل الذي كان رهين محبس رداءة الطبعة التي كانت تعيق مطالعته ومدارسته في أحيان كثيرة ، فحيا الله شيخنا المحقّق وبيّاه وجعله خادما لفقه آل البيت عليهم‌السلام طيلة عمره ، وجزاه الله في الدنيا والآخرة خير الجزاء وأدام عمره بفضل منه.

جعفر السبحاني

قم المشرّفة

٢٧
٢٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله المتقدّس بكماله عن مشابهة المخلوقات ، المتنزّه بعلوّه عن مشاركة الممكنات ، القادر على إيجاد الموجودات ، العالم بكل المعلومات ، المتفرّد بوجوب الوجود في ذاته ، المتوحّد بالاستغناء عن غيره في ماهيّته وصفاته ، المنعم على عباده بإرسال الأنبياء لتعليم الشرائع والأديان ، المكمّل إنعامه بالتكليف الباقي ببقاء نوع الإنسان ، ليرتقي بطاعته إلى أعلى الدرجات ، ولينال بامتثال أوامره ما أعدّ له من الحسنات.

وصلّى الله على أشرف البشر محمد المشفع في يوم المحشر (١) ، وعلى آله الأبرار ، صلاة تتعاقب عليهم تعاقب الأعصار.

أمّا بعد : فانّ هذا الكتاب الموسوم بـ «تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية» ، قد جمعنا فيه معظم المسائل الفقهيّة ، وأوردنا فيه أكثر المطالب

__________________

(١) في «ب» : في المحشر.

٢٩

التكليفية الشرعيّة الفرعيّة ، من غير تطويل بذكر حجّة ودليل ، إذ جعلنا ذلك موكولا إلى كتابنا الموسوم بـ «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» فانّه قد شمل المسائل أصولها وفروعها ، وذكر الخلاف الواقع بين المسلمين ـ إلّا ما شذّ ـ واستدلال كل فريق على مذهبه مع تصحيح الحقّ وإبطال الباطل.

وانّما اقتصرنا في هذا الكتاب على مجرّد الفتاوى لا غير ، مستعينين بالله تعالى فانّه الموفّق لكلّ خير ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ورتّبناه على مقدمة وقواعد.

٣٠

أمّا المقدّمة

ففيها مباحث : (١)

١. الأوّل : الفقه لغة الفهم. واصطلاحا العلم بالأحكام الشرعية الفرعيّة ، المستدلّ على أعيانها ، بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة ، فخرج العلم بالذوات والأحكام العقلية (والنقلية) (٢) والتقليديّة وعلم واجب الوجود والملائكة وأصول الشريعة.

ولا يرد إطلاق الفقيه على العالم بالبعض ، وكون الفقه مظنونا ، لأنّ المراد بالعلم الاستعداد التام المستند إلى أصول معلومة ، وظنّيّة الطريق لا تنافي علميّة الحكم.

٢. الثاني : ثبت في علم الكلام وجوب التكليف ، ولا يتمّ الامتثال إلّا بمعرفة الأحكام الشرعية الحاصلة بالفقه ، فيجب العلم به ، والسمع (٣).

ووجوبه على الكفاية ، عملا بالآية (٤).

__________________

(١) في «أ» : ففيها أبحاث.

(٢) ما بين القوسين موجود في «أ».

(٣) في «ب» : «وللسمع» والصحيح «أو السمع» بمعنى انّه يجب تحصيل العلم أو الدليل السمعي على التكليف.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة : ١٢٢).

٣١

ومرتبته بعد علم الكلام واللغة والنحو والتصريف والأصول.

وفائدته نيل السعادة الأخرويّة ، وتعليم العامة نظام المعاش (١) في المنافع الدنيويّة.

وموضوعه أفعال المكلّفين من حيث الاقتضاء أو التخيير.

ومباديه من الكلام والأصول واللغة والنحو والقرآن والسنّة.

ومسائله المطالب المستدلّ عليها فيه.

٣. الثالث : في فضيلته

وهو معلوم بالضرورة ، قال تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢) وقال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي نوم العالم أفضل من عبادة العابد ، يا علي ركعتين يصلّيهما العالم أفضل من ألف ركعة يصلّيها العابد» (٤).

«يا علي لا فقر أشدّ من الجهل ، ولا عبادة مثل التفكر» (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام انّه قال : «إذا كان يوم القيامة جمع الله النّاس في صعيد واحد ، ووضعت الموازين ، فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء ، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء» (٦).

__________________

(١) في «أ» : ونظام المعاش.

(٢) الزمر : ٩.

(٣) فاطر : ٢٨.

(٤) الفقيه : ٤ / ٢٦٥ و ٢٦٦.

(٥) الفقيه : ٤ / ٢٦٩ و ٢٧٠.

(٦) الفقيه : ٤ / ٢٨٤.

٣٢

وقال عليه‌السلام : «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ، لا يزيده سرعة السير من الطريق إلّا بعدا» (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الأنبياء قادة ، والعلماء سادة ، ومجالستهم عبادة» (٢).

وقال : «النظر إلى وجه العالم عبادة» (٣).

وقال : «اللهم ارحم خلفائي ، قيل : يا رسول الله! ومن خلفاؤك؟ قال : الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي (٤) ، ومن أكرم فقيها مسلما لقى الله يوم القيامة وهو عنه راض» (٥).

الفصل الأوّل(٦)

ويحرم كتمان العلم والفقه ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ) (٧).

وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً

__________________

(١) الفقيه : ٤ / ٢٨٧.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ / ٧٣ ؛ بحار الأنوار : ١ / ٢٠١ ، الحديث ٩.

(٣) الفقيه : ٢ / ٢٠٥ ، الحديث ٢١٤٤ ؛ وسائل الشيعة : ٨ / ٦٢١.

(٤) الفقيه : ٤ / ٣٠٢.

(٥) بحار الأنوار : ٢ / ٤٤.

(٦) تعريف الفصول وترقيمها فيما اذا تجاوزت فصلا واحدا منّا.

(٧) البقرة : ١٥٩.

٣٣

أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النّارَ) (١).

وقال عليه‌السلام : «من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (٢).

وقال عليه‌السلام : «إذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله» (٣).

الفصل الثاني

وروي عن زين العابدين عليه‌السلام أنّه قال : «حقّ العالم التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، وان لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحدا يسأله عن شي‌ء حتّى يكون هو الّذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه أحدا ، ولا تغتاب عنده أحدا ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، وان تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوّا ، ولا تعادي له وليّا ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته ، وتعلّمت علمه لله جل اسمه ، لا للناس.

وأمّا حقّ رعيتك بالعلم ، بأن تعلم أنّ الله عزّ وعلا انّما جعلك قيّما لهم فيما أتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم الناس ، ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ، زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت الناس علمك ، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك ، كان حقّا على الله عزوجل أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلّك». (٤)

__________________

(١) البقرة : ١٧٤.

(٢) بحار الأنوار : ٢ / ٧٨.

(٣) الكافي : ١ / ٥٤ باب البدع والرأي والمقاييس ، الحديث ٢.

(٤) الفقيه : ٢ / ٦٢٠ ؛ وسائل الشيعة : ١١ / ١٣٤ ؛ الخصال : ٥٦٧ ؛ تحف العقول : ٢٦٠.

٣٤

الفصل الثالث

ويستحب طلب العلم، ويجب على الكفاية، لقولهعليه‌السلام: «طلب العلم فريضة» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم ألا إنّ الله يحب بغاة العلم»(٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا خير في العيش إلّا لرجلين : عالم مطاع أو مستمع واع» (٣).

وقال عليه‌السلام : «من سلك طريقا يطلب فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وانّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب

العلم رضا به ، وانّه يستغفر لطالب العلم من في السماوات (٤) ومن في الأرض حتى الحوت في البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وانّ العلماء ورثة الأنبياء ، لأنّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر» (٥).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نعم وزير الإيمان العلم ، ونعم وزير العلم الحلم ، ونعم وزير الحلم الرفق ، ونعم وزير الرفق العزة» (٦).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «طالب العلم يستغفر له حيتان البحر وطيور الهواء» (٧).

__________________

(١) الكافي : ١ / ٣٠ ، باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه ، الحديث ٢.

(٢) الكافي : ١ / ٣٠ ، باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه ، الحديث ١.

(٣) الكافي : ١ / ٣٣ ، باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ، الحديث ٧.

(٤) في المصدر : من في السماء.

(٥) الكافي : ١ / ٣٤ ، باب ثواب العالم والمتعلم ، الحديث ١ ؛ وبحار الأنوار : ١ / ١٦٤ ، الحديث ٢.

(٦) الكافي : ١ / ٤٨ ، باب النوادر ، الحديث ٣ وفيه : نعم وزير الرفق الصبر.

(٧) بحار الأنوار : ١ / ١٧٢.

٣٥

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اغد عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبّا لهم ولا تكن الخامس فتهلك» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من خرج من بيته يلتمس بابا من العلم لينتفع قلبه ويعلمه غيره ، كتب الله له بكل خطوة عبادة ألف سنة صيامها وقيامها ، وحفّته الملائكة بأجنحتها ، وصلّى عليه طيور السماء وحيتان البحر ودوابّ البرّ ، وأنزله الله بمنزلة سبعين صدّيقا ، وكان خيرا له ان لو كانت الدنيا كلها له ، فجعلها في الآخرة» (٢).

الفصل الرابع

يحرم الإفتاء بغير علم ، وكذا الحكم ، قال تعالى : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣).

قال تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (٤).

وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٥).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك ، ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك» (٦).

__________________

(١) الكافي : ١ / ٣٤ ، الحديث ٣.

(٢) بحار الأنوار : ١ / ١٧٧.

(٣) البقرة : ١٦٩ ؛ الأعراف : ٣٣.

(٤) الإسراء : ٣٦.

(٥) المائدة : ٤٤.

(٦) الكافي : ١ / ٤٣ ، باب النهي عن القول بغير علم ، الحديث ٩.

٣٦

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح» (١).

الفصل الخامس

ويجب على العالم العمل ، كما يجب على غيره ، لكنّه في حقّ العالم آكد ، ولهذا جعل الله ثواب المطيعات وعقاب العاصيات من نساء النبي عليه‌السلام ضعف ما جعل لغيرهن (٢) لقربهن من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستفادتهن العلم.

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انّه حدث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «العلماء رجلان : رجل عالم أخذ بعلمه فهذا ناج ، ورجل تارك لعلمه فهذا هالك ، وانّ أهل النار ليتأذّون من ريح العالم التارك لعلمه ، وانّ أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله سبحانه فاستجاب له، وقبل منه فأطاع الله، فأدخله الجنة ، وأدخل الداعي إلى النار بتركه علمه»(٣).

وقال عليه‌السلام : «انّ أخوف ما أخاف خصلتان : اتّباع الهوى وطول الأمل ؛ أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة» (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل : يا رسول الله

__________________

(١) الكافي : ١ / ٤٤ ، باب من عمل بغير علم ، الحديث ٢.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى :

(يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ... وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ ...) (الأحزاب : ٣٠ ـ ٣١).

(٣) البحار : ٢ / ٣٤ ، الحديث ٣١.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ٦٥١ ، الباب ٢٤ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٦.

٣٧

وما دخولهم في الدنيا؟ قال : اتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم» (١).

الفصل السادس

والعلم من أشرف الكيفيات النفسانية وأعظمها ، به يتميز الإنسان عن غيره (٢) من الحيوانات ، وبه يشارك الله تعالى في أكمل صفاته ، وطلبه واجب على الكفاية. ومستحب على الأعيان على ما بيّنّاه. وهو أفضل من العبادة ، فيجب على طالبه أن يخلص لله تعالى في طلبه ، ويتقرب به إليه ، لا يطلب به الرياء والدنيا ، بل وجه الله تعالى.

فقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «منهومان لا يشبعان : طالب دنيا وطالب علم ، فمن اقتصر من الدّنيا على ما أحلّ الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلّها هلك ، إلّا أن يتوب أو يراجع ، ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا ، ومن أراد به الدنيا فهو حظه» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل» (٤).

__________________

(١) البحار : ٢ / ٣٦ ، الحديث ٣٨.

(٢) في «ب» : من غيره.

(٣) الكافي : ١ / ٤٦ ، باب المستأكل بعلمه والمباهي به ، الحديث ١.

(٤) البحار : ٢ / ٢٢ ، الحديث ٦٧.

٣٨

الفصل السابع

ولكلّ علم أسرار لا يطلع عليها من الكتب ، فيجب أخذه من العلماء ، ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خذ العلم من أفواه الرجال» ونهى عن الأخذ ممّن أخذ علمه من الدفاتر ، فقال (١) : «لا يغرّنكم الصحفيون» (٢) وأمر عليه‌السلام بالمحادثة في العلم والمباحثة فأنها تفيد النفس استعدادا تامّا لتحصيل المطالب واستخراج المجهولات.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تذاكروا وتلاقوا وتحدّثوا ، فانّ الحديث جلاء القلوب ، لأنّ القلوب (٣) لترين كما يرين السيف وجلاؤه (٤) الحديث» (٥).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله عزّ وعلا يقول تذاكر العلم بين عبادي ممّا تحيى عليه القلوب الميتة ، ان هم انتهوا فيه إلى امرئ» (٦).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قال الحواريّون لعيسى عليه‌السلام : يا روح الله! من نجالس؟ قال : من يذكّركم الله رؤيته ، ويزيد في علمكم منطقه ، ويرغبكم في الآخرة عمله» (٧).

__________________

(١) في «أ» : وقال.

(٢) مستدرك الوسائل : ١٧ / ٣١١.

(٣) في «أ» : انّ القلوب.

(٤) في «ب» : كما يرين السيف جلاؤه ....

(٥) الكافي : ١ / ٤١ ، باب سؤال العلم وتذاكره ، الحديث ٨.

(٦) الكافي : ١ / ٤٠ ، سؤال العلم وتذاكره ، الحديث ٦.

(٧) الكافي : ١ / ٣٩ ، باب مجالسة العلماء ، الحديث ٣.

٣٩

الفصل الثامن

وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره.

وروي عن الكاظم عليه‌السلام قال : «دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد ، فإذا جماعة قد طافوا برجل ، فقال : ما هذا؟ فقيل : علّامة. قال (١) : وما العلّامة؟ فقالوا : إنّه أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والأشعار العربية قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذاك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه ، ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما العلم ثلاثة : علم آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنّة قائمة ، وما خلاهنّ فهو فضل» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أراد الله به خيرا يفقّهه في الدين» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من حفظ من أمّتي أربعين حديثا ينتفعون به بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما» (٤)

ولنقتصر من المقدمة على هذا.

__________________

(١) في «ب» : فقال.

(٢) بحار الأنوار : ١ / ٢١١ ، الحديث ٥.

(٣) بحار الأنوار : ١ / ١٧٧ و ١ / ٢١٦.

(٤) الكافي : ١ / ٤٩ ، باب النوادر ، الحديث ٧.

٤٠