تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-65-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

نذر اعتكاف العشر الأواخر دخل قبل المغرب من يوم العشرين ، فإذا خرج الشهر خرج منه.

والعشر اسم لما بين العشرين ، فلو كان الشهر ناقصا أجزأ بالتسعة.

أمّا لو نذر اعتكاف عشرة أيّام ، فانّه يلزمه الدخول قبل طلوع الفجر ، ولو عيّنها بآخر الشهر فنقص وجب أن يأتي بيوم من الآخر.

ولو نذر اعتكاف شهر رمضان وجب ، فلو أخلّ به ، وجب أن يقضيه صائما وان صامه ولم يعتكف فيه.

١٨٠٢. الخامس عشر : لو نذر اعتكاف شهر معيّن ، أو صومه ، ففعل ذلك قبله ، لم يجزئه ، ولو عاش نصف شهر ، ثم مات ، لزمه فداء ما أدرك إن لم يفعله ، ولا يجب عنه اعتكاف شهر.

١٨٠٣. السادس عشر : لو نذر اعتكافا مطلقا صحّ ، ووجب ما يسمّى به معتكفا ، وأقلّه ثلاثة أيّام ، ولو نذر اعتكاف يوم لا غير لم ينعقد ، وكذا لو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد لا غير ، ولو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد وأطلق ، وجب وضمّ إليه آخرين.

١٨٠٤. السابع عشر : لو نذر اعتكاف أيّام معيّنة ، فمرض ، أو حبس ، سقط الأداء ، ووجب القضاء ، ولو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد أبدا ، فقدم ليلا لم يجب عليه شي‌ء ، ولو قدم نهارا سقط ذلك اليوم ، ووجب عليه اعتكاف باقي الأيّام ، لكن يحتاج في كلّ اعتكاف إلى أن يضمّ إليه آخرين.

١٨٠٥. الثامن عشر : المكان شرط في الاعتكاف ، وهو مسجد جمّع فيه

٥٢١

نبيّ أو وصيّ نبيّ ، وهي أربعة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة ، وجوّز ابن أبي عقيل الاعتكاف في كلّ مسجد (١).

١٨٠٦. التاسع عشر : اعتكاف المرأة كاعتكاف الرجل ، فلا يصحّ اعتكافها إلّا في أحد المساجد الأربعة ، وليس لها أن تعتكف في مسجد بيتها.

وهل يجوز الاعتكاف على سطح المسجد؟ الأقرب المنع.

١٨٠٧. العشرون : لو نذر اعتكافا في موضع معيّن تعيّن ، ولا يجزئه لو عدل وإن كان أفضل ، ولو انهدم ما نذر الاعتكاف فيه ، ولم يقدر على الاعتكاف في موضع منه ، خرج وأعاد الاعتكاف إذا بني المسجد.

١٨٠٨. الحادي والعشرون : استدامة اللبث شرط في الاعتكاف ، فلو خرج لغير الأسباب المبيحة ، بطل اعتكافه ، طوعا خرج أو كرها ، ثمّ إن لم يمض ثلاثة بطل الاعتكاف ، وإلّا فهي صحيحة إلى حين الخروج.

المطلب الثاني : في الأحكام

وفيه سبعة وعشرون بحثا :

١٨٠٩. الأوّل : لا يجوز للمعتكف الخروج من الموضع الذي اعتكف فيه ، إلّا لضرورة ، فلو خرج لغير عذر بطل اعتكافه وإن قصر الزمان ، فإن كان قد مضى

__________________

(١) حكى عنه المحقّق في المعتبر : ٢ / ٧٣١ ؛ والمصنّف في المختلف : ٣ / ٥٧٨ ، والتذكرة : ٦ / ٢٤٤.

٥٢٢

ثلاثة أيّام ، صحّ اعتكافه الماضي ، ويبطل من خروجه إن كان تطوّعا ، أو واجبا غير متتابع ، أو متتابعا من حيث الوقت ، بأن ينذر الشهر الفلاني ، فإذا عاد جدّد الاعتكاف من حين العود.

ولو كان النذر متتابعا من حيث الشرط بطل الأوّل ، واستأنف من حين عوده ، وقضى ما مضى من الأيّام.

ويجوز أن يخرج للبول ، والغائط ، والغسل من الاحتلام ، وأداء الجمعة لو أقيمت في غيره ، للضرورة عندنا أو مطلقا عند ابن أبي عقيل ، ولتشييع الجنازة ، وعيادة المريض ، وإقامة الشهادة ، تعيّن عليه التحمل والأداء أو لا.

١٨١٠. الثاني : لو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها إلّا أن يجد غضاضة ، بأن يكون من أهل الاحتشام ، ويجد المشقة بدخولها ، فيعدل إلى منزله ، وإن كان أبعد.

ولو بذل له صديق منزله ، وهو قريب من المسجد ، لقضاء حاجته ، لم يلزمه الإجابة ، لما فيه من المشقّة بالاحتشام ، بل يمضي إلى منزله ، ولا فرق بين أن يكون منزله قريبا أو بعيدا ما لم يخرج عن مسمّى الاعتكاف ، بأن يكون منزله خارج البلد مثلا.

ولو كان له منزلان ، أحدهما أقرب ، تعيّن ، ولو خرج للجمعة ، عجّل ولا يطيل المكث.

١٨١١. الثالث : قال الشيخ رحمه‌الله : يجوز أن يخرج ليؤذّن في منارة خارجة عن

٥٢٣

المسجد ، وإن كان بينه وبين المسجد فضاء (١) ، وهو جيّد إن كان هو المؤذّن ، وقد اعتاد صوته ، ويبلغ من الإسماع ما لا يبلغ لو أذّن في المسجد (٢).

ولو خرج إلى دار الوالي وقال : حيّ على الصلاة أيّها الأمير ، أو قال : الصلاة أيّها الأمير ، بطل اعتكافه.

١٨١٢. الرابع : يجوز للمعتكف الصعود إلى السطح في المسجد ، وأن يبيت فيه على إشكال ، ولو كان إلى جنب المسجد رحبة ليست داخلة فيه ، لم يجز الخروج إليها إلّا لضرورة.

١٨١٣. الخامس : قال الشيخ : إذا خرج لضرورة ممّا عدّدناه ، لا يمشي تحت الظّلال ولا يقف فيه إلّا لضرورة (٣).

١٨١٤. السادس : لا يجوز له أن يصلّي في غير المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة خاصّة ، فانّه يصلّي في أيّ بيوتها شاء.

ولو اعتكف في غير مكّة فخرج لضرورة فتطاول وقت الضرورة حتى ضاق وقت الصلاة عن عوده ، صلّى أين شاء ، ولم يبطل اعتكافه.

١٨١٥. السابع : إذا طلّقت المعتكفة ، أو مات زوجها ، فخرجت واعتدّت في بيتها ، استأنفت الاعتكاف ، وليس للمطلّقة رجعيّة إتمام الاعتكاف.

ولو أخرجه السّلطان ظلما ، لم يبطل اعتكافه ، إذا لم يطل ويبني ، وإلّا بطل اعتكافه ، واستأنف إن لم يمض ثلاثة.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٩٤ ؛ والخلاف : ٢ / ٢٣٥ ، المسألة ١٠٦ من كتاب الصوم.

(٢) في «ب» : لو اذن في المسجد غيره.

(٣) النهاية : ١٧٢.

٥٢٤

ولو خرج سهوا لم يبطل اعتكافه بل يرجع مع الذكر.

١٨١٦. الثامن : إذا مرض مرضا يحتاج معه إلى الخروج ، أو يزيد الصوم فيه خرج ، ثمّ يستأنف على إشكال إذا لم يمض ثلاثة بعد البرء ، وإن مضت ثلاثة أتمّ ، ولو كان الاعتكاف مندوبا لم يجب القضاء.

ولو حاضت المرأة خرجت من المسجد ، فإذا طهرت ، رجعت إلى الاعتكاف ، ولا تجلس في الرحبة المجاورة للمسجد إن كانت ، وكذا النفساء ، ومع العود تستأنف إن كانت اعتكفت أقلّ من ثلاثة ، وإلّا أتمّت.

١٨١٧. التاسع : لو أحرم في المسجد الحرام بحجّة أو عمرة ، وهو معتكف ، لزمه الإحرام ، ويقيم في اعتكافه إلى أن يتمّ ، ثمّ يمضي في إحرامه ، ولو خاف فوت الحج ، ترك الاعتكاف ، فإذا قضى المناسك رجع إليه واجبا مع وجوبه ، وإلّا فلا.

١٨١٨. العاشر : قال الشيخ رحمه‌الله : لو أغمي على المعتكف أيّاما ، ثمّ أفاق ، لم يلزمه القضاء لعدم الدليل (١) وفيه نظر ، والوجه عندي وجوبه مع وجوب الأصل ، وعدم تعيين زمانه.

١٨١٩. الحادي عشر : لو أخرج رأسه إلى بعض نسائه ليغسلنه لم يبطل اعتكافه ، وكذا بعض أعضائه.

١٨٢٠. الثاني عشر : لو نذر الاعتكاف في زمان بعينه ، تعيّن زمانه ، وكذا المكان ، ويسافر إليه إن كان بعيدا ، فإن كان المسجد الحرام دخل مكّة بحجّة أو عمرة.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٩٥.

٥٢٥

١٨٢١. الثالث عشر : لو وقعت فتنة خاف منها على نفسه أو ماله نهبا أو حريقا إن جلس في المسجد ، خرج ، ثمّ عاد عند انطفائها.

١٨٢٢. الرابع عشر : ينبغي للمرأة المعتكفة أن تستتر بشي‌ء بأن تضرب خباءها في ناحية المسجد لا وسطه، وروى ابن بابويه في الصحيح استحباب الاستتار للرجل أيضا (١).

١٨٢٣. الخامس عشر : الاعتكاف في أصله مندوب ، فإن أوجبه بنذر أو يمين أو عهد وجب ، وإلّا فلا.

ثم اختلف علماؤنا ففي المبسوط : يجب المندوب بالنيّة والدخول (٢) ، واختاره أبو الصلاح (٣) ، وفي النهاية : لا يجب إلّا إذا مضى يومان ، فيجب الثالث ، فيجدّد نيّة الوجوب ، وكذا لو اعتكف ثلاثة ، ثمّ يومين آخرين ، وجب السادس (٤) ؛ واختاره ابن الجنيد (٥) وابن البراج (٦). وقال السيّد المرتضى : لم يجب أصلا ، بل يرجع متى شاء (٧) ، وهو الوجه عندي.

١٨٢٤. السادس عشر : يستحبّ للمعتكف أن يشترط على ربّه أنّه إذا عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف ، قال الشيخ : فإذا شرط كان له أن يرجع متى

__________________

(١) لاحظ الوسائل : ٧ / ٤٠٥ ، الباب ٥ من كتاب الاعتكاف ، الحديث ٢.

(٢) المبسوط : ١ / ٢٨٩.

(٣) الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٤) النهاية : ١٧١.

(٥) حكى عنه المحقّق في المعتبر : ٢ / ٧٣٧ ، والمصنف في المختلف : ٣ / ٥٨١.

(٦) المهذب : ١ / ٢٠٤.

(٧) الناصريات : ٣٠٠ ، المسألة ١٣٥.

٥٢٦

شاء ، وان لم يشترط فكذلك ما لم يمض يومان (١) ؛ وعلى قول السيّد : إن كان مندوبا رجع متى شاء ، وإن لم يشترط ، وإن كان واجبا ، فإن كان معيّنا متتابعا وشرط الرجوع ، رجع عند العارض ، ولا يجب القضاء ، وكذا لو عيّن النذر ولم يشترط التتابع.

ولو عيّنه ، وشرط التتابع ، ولم يشترط على ربّه ، خرج مع العارض ، وقضى مع الزوال متتابعا ، ولو لم يشترط التتابع قضاه ، ولا يجب التتابع.

ولو لم يعيّن الزمان ، لكن شرط المتابعة ، واشترط على ربّه ، خرج عند العارض ، وأتى بالباقي إن كان اعتكف ثلاثة ، وإلّا استأنف ، ولو لم يشترط على ربّه استأنف متتابعا.

ولو لم يعيّن ، واشترط على ربّه ، ولم يشترط التتابع ، خرج مع العارض ، واستأنف إن كان أقلّ من ثلاثة ، وإلّا تمّم.

ولو لم يشترط التتابع ، ولا عيّن ، ولا اشترط على ربّه ، خرج واستأنف إن لم يحصل ثلاثة ، وإلّا أتمّ.

١٨٢٥. السابع عشر : الاشتراط إنّما صحّ في عقد النذر ، ولو أطلقه من الاشتراط ، لم يصحّ الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف.

ولو اشترط الفرجة في اعتكافه ، أو الوطء ، أو البيع للتجارة ، أو التكسب بالصناعة في المسجد ، لم يجز.

١٨٢٦. الثامن عشر : يحرم على المعتكف الجماع ، ويفسد به عامدا ، سواء

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٨٩.

٥٢٧

أنزل أو لا ، ولو وقع سهوا ، لم يبطل اعتكافه.

ويحرم عليه القبلة ، ويبطل بها الاعتكاف ، وكذا اللّمس بشهوة ، والجماع في غير الفرجين ، ويجوز الملامسة بغير شهوة ، ولا فرق في تحريم الوطء بين الليل والنهار.

١٨٢٧. التاسع عشر : يحرم عليه البيع والشراء ، فإن فعل ، لم يبطل البيع ، خلافا للشيخ (١) ، وكذا يحرم جميع التجارة والصنائع ، المشغلة عن العبادة.

ولو اضطرّ إلى شراء غذائه ، أو شراء قميص يستتر به ، أو يبيع شيئا ليشتري بثمنه قوته (٢) جاز.

١٨٢٨. العشرون : يحرم عليه المماراة والكلام الفحش ، وللشيخ رحمه‌الله قولان في تحريم الطيب (٣).

١٨٢٩. الحادي والعشرون : يستحبّ له دراسة العلم ، والمناظرة فيه ، وتعليمه وتعلمه ، بل هو أفضل من الصلاة المندوبة ، ويجوز المحادثة حال الاعتكاف ، ويحرم الصّمت ولو نذره في اعتكافه ، والأحسن عندي المنع من جعل القرآن بدلا من كلامه.

١٨٣٠. الثاني والعشرون : كل ما يفسد الصّوم يفسد الاعتكاف إذا وقع نهارا ، وكلّ ما يمنع الاعتكاف من فعله نهارا يمنع من فعله ليلا ، ولا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال ولا خصومة.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٩٥.

(٢) في «ب» : قوتا.

(٣) قول بالتحريم وقول بعدمه ، فالأوّل خيرته في النهاية : ١٧٢ ، والثاني اختاره في المبسوط : ١ / ٢٩٣.

٥٢٨

١٨٣١. الثالث والعشرون : تجب الكفارة بالجماع على المعتكف ، سواء جامع نهارا أو ليلا.

أمّا غير الجماع كالأكل والشرب وغيرهما من المفطرات ، ففي الكفّارة إشكال ، قال المفيد والسيّد المرتضى : يجب بذلك كلّه (١) ، والوجه عندي التفصيل ، وهو إيجاب الكفّارة في رمضان ، أو النذر المعيّن ، أمّا لو كان الاعتكاف مندوبا ، أو واجبا غير معيّن ، فالوجه عدم وجوب الكفّارة إلّا بالجماع خاصّة.

١٨٣٢. الرابع والعشرون : الكفّارة عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكينا ، مخيّرا في ذلك.

قال السيّد : إذا جامع نهارا ، كان عليه كفّارتان ، وإن جامع ليلا فكفارة واحدة (٢) وأطلق.

والأقرب عندي انّ الكفّارة تتعدّد إن كان الوطء في رمضان ، وإلّا فكفّارة واحدة.

ولو أكره المعتكفة بإذنه ، على الجماع ، فسد اعتكافه ، قال السيّد : وجب أربع كفّارات ، وإن أكرهها ليلا ، فكفّارتان ، ولا يفسد اعتكافها (٣) ، وإن طاوعته نهارا ، فعليها كفّارتان ، وليلا كفّارة وكذا عليه ، وفسد اعتكافهما معا (٤).

وفي تعدّد الكفّارة بالإكراه هنا نظر.

__________________

(١) المقنعة : ٣٦٣ ؛ وجمل العلم والعمل في ضمن رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٦١.

(٢) الانتصار : ٧٣.

(٣) في «ب» : «اعتكافه» والصحيح ما في المتن.

(٤) الانتصار : ٧٣.

٥٢٩

١٨٣٣. الخامس والعشرون : كلّ مباشرة يستلزم إنزال الماء ، فحكمها حكم الجماع ، قاله الشيخ (١) ، والوجه عندي وجوب القضاء بذلك دون الكفّارة.

١٨٣٤. السادس والعشرون : لو مات المعتكف قبل الانقضاء ، فإن كان واجبا ، وجب على الوليّ أن يقضي عنه ، أو يستنيب ، وإن كان ندبا فلا.

١٨٣٥. السابع والعشرون : قال الشيخ : قضاء الاعتكاف الواجب واجب على الفور (٢) وعندي فيه نظر ، ويستحبّ قضاء الندب.

__________________

(١) و (٢) المبسوط : ١ / ٢٩٤.

٥٣٠

كتاب الحج

٥٣١
٥٣٢

وفيه مقدّمة ومقاصد

أمّا المقدّمة ففيها ستّة عشر مبحثا :

١٨٣٦. الأوّل : الحجّ لغة : القصد ، يقال : بفتح الحاء وكسرها ، وكذا الحجّة.

وفي الشرع : عبارة عن قصد البيت الحرام لأداء المناسك في زمان معيّن.

وأمّا العمرة فهي لغة : الزيارة ، وفي الشرع : عبارة عن زيارة البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده.

١٨٣٧. الثاني : الحجّ من أعظم أركان الإسلام ، وهو أحد أركان الإسلام (١) الخمسة ، وهو واجب بالنصّ والإجماع ، وكذا العمرة.

١٨٣٨. الثالث : الحجّ والعمرة يجبان مع الشرائط الآتية على الفور في العمر مرّة واحدة.

١٨٣٩. الرابع : في الحجّ فضل كثير ، روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقيه أعرابيّ ، فقال : يا رسول الله! إنّي أريد الحجّ ففاتني ، وأنا رجل مموّل ، فمرني أصنع في

__________________

(١) في «أ» : أحد أصول الإسلام.

٥٣٣

مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاجّ ، قال : فالتفت إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال له : أنظر إلى أبي قبيس (١) فلو أنّ أبا قبيس لك ذهبا حمراء أنفقتها في سبيل الله ما بلغت مبلغ الحاج!

ثمّ قال : إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه إلّا كتب الله له عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات ، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّا ولم يضعه إلّا كتب له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه ، قال : فعدّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا وكذا موقفا إذا وقفها الحاجّ خرج من ذنوبه ، ثم قال: أنّى لك تبلغ ما بلغ الحاج؟» قال الصادق عليه‌السلام:

«ولا يكتب عليه الذنوب أربعة أشهر ، ويكتب الحسنات إلّا أن يأتي بكبيرة» (٢).

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام قال :

«الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف : صنف يعتقون من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، فذاك أدنى ما يرجع به الحاج» (٣).

__________________

(١) أبو قبيس : جبل بمكّة يقرب من الكعبة ، سمّي برجل من مذحج ، لأنّه أوّل من بنى فيه مجمع البحرين.

(٢) الوسائل : ٨ / ٧٩ ، الباب ٤٢ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ١ ، والتهذيب : ٥ / ١٩ و ٢٠ ، الحديث ٥٦.

(٣) الوسائل : ٨ / ٦٥ ، الباب ٣٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ٢.

٥٣٤

وروي (أنّه الذي لا يقبل منه الحج) (١).

وفي الصحيح عن الرضا عليه‌السلام :

«إن الحجّ والعمرة ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير (٢) الخبث من الحديد» (٣).

وقال الباقر عليه‌السلام : «الحاجّ والمعتمر وفد الله ، إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفعوا شفّعهم ، وإن سكتوا ابتدأهم ، ويعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم» (٤).

١٨٤٠. الخامس : الدعاء في تلك المواطن مستجاب ، قال الرضا عليه‌السلام :

«ما وقف أحد بتلك الجبال إلّا استجيب له ، فأمّا المؤمنون فيستجاب لهم في آخرتهم ، وأمّا الكفّار فيستجاب لهم في دنياهم» (٥).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أربعة لا يردّ لهم دعوة حتّى يفتح لها أبواب السماء وتصير إلى العرش : دعوة الوالد لولده ، والمظلوم على من ظلمه ، والمعتمر حتّى يرجع ، والصائم حتى يفطر» (٦).

١٨٤١. السادس : تكرار الحجّ مستحب ، قال الصادق عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل : ٨ / ٦٧ ، الباب ٣٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ١١.

(٢) الكير : كير الحداد ، وهو زق أو جلد غليظ ذو حافات ينفخ فيه. مجمع البحرين.

(٣) الوسائل : ٨ / ٧٤ ، الباب ٣٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ٤٥.

(٤) الوسائل : ٨ / ٦٨ ، الباب ٣٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ١٥.

وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٥) الوسائل : ٨ / ١١٣ ، الباب ٦٢ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ١.

(٦) بحار الأنوار : ٩٣ / ٢٥٦ ، الحديث ٣٩.

٥٣٥

«من حجّ حجّتين لم يزل في خير حتّى يموت ، ومن حجّ ثلاث حجج متوالية ، لم يصبه فقر أبدا» (١).

١٨٤٢. السابع : لا ينبغي له ترك الحجّ لأجل الدين ، فقد سئل الصادق عليه‌السلام عن رجل ذي دين يستدين ويحجّ؟ قال :

«نعم ، هو أقضى للدين» (٢).

١٨٤٣. الثامن : يكره الترغيب عن الحج ، قال الصادق عليه‌السلام :

«ليحذر أحدكم أن يعوّق أخاه عن الحجّ فيصيبه فتنة في دنياه مع ما يدّخر له في الآخرة» (٣).

١٨٤٤. التاسع : المشي مع المكنة أفضل من الركوب (كان زين العابدين عليه‌السلام يمشي وتساق معه المحامل والرحال) (٤).

وروي (أنّه ما تقرّب إلى الله عزوجل بشي‌ء أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين. وإنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجة) (٥).

١٨٤٥. العاشر : ينبغي له إذا عزم على الحجّ النظر في أمر نفسه ، وقطع العلائق بينه وبين معامليه ، وتوفية كلّ ذي حقّ حقّه ، وتدبير منزله ، وترك ما يحتاجون إليه من النفقة ، والوصية بالمعروف.

__________________

(١) الوسائل : ٨ / ٩٠ ، الباب ٤٥ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ١٣.

(٢) الوسائل : ٨ / ٩٩ ، الباب ٥٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ١.

(٣) الوسائل : ٨ / ٩٨ ، الباب ٤٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ٢.

(٤) وفي الوسائل : ٨ / ٥٩ نسبه إلى الحسن بن عليّ عليه‌السلام.

(٥) الوسائل : ٨ / ٥٥ ، الباب ٣٢ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ٥.

٥٣٦

ويتخيّر يوم السبت أو الثلاثاء ، ويتجنّب الجمعة والاثنين ، والسفر والقمر في برج العقرب.

١٨٤٦. الحادي عشر : إذا عزم على الخروج صلّى ركعتين ، ودعا واستفتح سفره بشي‌ء من الصدقة ، فإذا خرج من داره قام على الباب تلقاء وجهه ، وقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن يساره ، وكذا آية الكرسي ، ودعا بالمأثور.

وإذا وضع رجله في الركاب دعا ، ويدعو إذا استوى على الراحلة ، ويستحب حمل العصا في السفر.

١٨٤٧. الثاني عشر: يستحب تشييع المسافر وتوديعه والدعاء له ، قال الباقر عليه‌السلام:

«كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ودّع مسافرا أخذ بيده ثمّ قال : أحسن الله لك الصحابة ، وأكمل لك المعونة ، وسهّل لك الحزونة ، وقرّب لك البعيد ، وكفاك المهمّ ، وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، ووجّهك لكلّ خير ، عليك بتقوى الله ، استودع الله نفسك ، سر على بركة الله عزوجل» (١).

١٨٤٨. الثالث عشر : يكره السفر وحده ، قال الكاظم عليه‌السلام :

«لعن رسول الله ثلاثة ، آكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده ، والراكب في الفلاة وحده» (٢).

__________________

(١) الوسائل : ٨ / ٢٩٨ ، الباب ٢٩ من أبواب آداب السفر ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل : ٨ / ٣٠٠ الباب ٣٠ من أبواب آداب السفر ، الحديث ٧.

٥٣٧

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الرفيق ثم الطريق». (١)

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا تصحبنّ في سفر من لا يرى لك من الفضل عليه كما ترى له عليك» (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام : «إذا صحبت فاصحب نحوك ولا تصحب من يكفيك ، فإنّ ذلك مذلة المؤمن» (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من السنّة إذا خرج القوم في سفر أن يخرجوا نفقتهم ، فإنّ ذلك أطيب لأنفسهم وأحسن لأخلاقهم» (٤).

١٨٤٩. الرابع عشر : ينبغي إعانة المسافر ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«من أعان مؤمنا مسافرا نفّس الله عنه ثلاثا وسبعين كربة ، وأجاره في الدنيا من الغمّ والهمّ ، ونفّس عنه كربه العظيم يوم يغص الناس بأنفاسهم» (٥).

١٨٥٠. الخامس عشر : روى السكوني ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إيّاكم والتعريس على ظهر الطريق ، وبطون الأودية ، فإنّها مدارج السباع ومأوى الحيّات» (٦). وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعليّ عليه‌السلام : «يا عليّ

__________________

(١) الوسائل : ٨ / ٢٩٩ ، الباب ٣٠ من أبواب آداب السفر ، الحديث ١.

(٢) الوسائل : ٨ / ٣٠٢ ، الباب ٣١ من أبواب آداب السفر ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل : ٨ / ٣٠٣ ، الباب ٣٣ من أبواب آداب السفر ، الحديث ٣.

(٤) الوسائل : ٨ / ٣٠٢ ، الباب ٣٢ من أبواب آداب السفر ، الحديث ١.

(٥) الوسائل : ٨ / ٣١٤ ، الباب ٤٦ من أبواب آداب السفر ، الحديث ١.

(٦) الوسائل : ٨ / ٣١٦ ، الباب ٤٨ من أبواب آداب السفر ، الحديث ١.

٥٣٨

إذا نزلت منزلا ، فقل : اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين.

ترزق خيره ، ويدفع عنك شرّه» (١).

١٨٥١. السادس عشر : الحجّ قسمان : واجب وندب ، فالواجب حجّة الإسلام ، والمنذورة وشبهها ، وما وجب بالإفساد والاستيجار ، ويتكرّر بتكرّر السبب ، وما خرج عن ذلك مستحبّ.

وإنّما يجب حجّة الإسلام مع اجتماع الشرائط الآتية ، على الرجال والنساء والخناثي.

ويستحبّ لفاقد الشرائط كمن عدم الزاد والراحلة وامكنه التسكع (٢) ، ويستحبّ أيضا للعبد إذا أذن له مولاه.

__________________

(١) الوسائل : ٨ / ٣٢٦ ، الباب ٥٤ من أبواب آداب السفر ، الحديث ٢.

(٢) في مجمع البحرين : حجّ متسكّعا أي بغير زاد ولا راحلة.

٥٣٩
٥٤٠