تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-65-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

المقصد السادس : في إحرام الحجّ

وفيه خمسة مباحث :

٢٠٧٠. الأوّل : إذا أحلّ المتمتّع من عمرته ، أحرم بالحجّ واجبا ، ويستحبّ أن يكون يوم التروية عند الزوال بعد أن يصلّي الفرضين. ويجوز أن يحرم قبل ذلك وبعده إذا علم أنّه يقدر على عرفات.

٢٠٧١. الثاني : يجب أن يوقع هذا الإحرام من مكّة أيّ موضع شاء ، والأفضل أن يكون من تحت الميزاب أو المقام.

ويستحبّ أن يفعل هنا كما فعل في إحرام العمرة من الإطلاء والاغتسال والتنظيف بإزالة الشعر وتقليم الأظفار والدعاء والاشتراط وغير ذلك ، ثمّ يلبس ثوبي إحرامه ، ويدخل المسجد حافيا بسكينة ووقار ، ويصلّي ركعتين له عند المقام أو في الحجر ، وإن صلّى ستّ ركعات كان أفضل ، وإن صلّى الظهر وأحرم عقيبها ، كان أفضل.

فإذا صلّى أحرم بالحج مفردا ، ويدعو بالمأثور ، غير أنّه يذكر الحجّ مفردا ، ويلبّي إن كان ماشيا من موضعه الذي صلّى فيه ، وإن كان راكبا فإذا نهض به

٦٠١

بعيره ، فإذا انتهى إلى الردم وأشرف على الأبطح ، رفع صوته بالتلبية ، حتّى يأتي منى.

٢٠٧٢. الثالث : الواجب في إحرام الحج ثلاثة : النيّة ، والتلبيات الأربع ، ولبس الثوبين ، كما قلنا في إحرام العمرة سواء.

٢٠٧٣. الرابع : لا يسنّ الطواف بعد إحرامه ، ولو فعله لغير عذر ، لم يجزئه عن طواف الحجّ وكذا السعي ، ولو فعله لعذر جاز.

٢٠٧٤. الخامس : يجب أن يحرم بالحجّ ، لأنّ عمرته انقضت ، فلو نسي فأحرم بالعمرة وهو يريد الحجّ ، لم يكن عليه شي‌ء ، ولو نسي الإحرام بالحجّ يوم التروية حتّى حصل بعرفات ولم يمكنه الرجوع ، أحرم من هناك. فإن لم يذكر حتّى يرجع إلى بلده ، قال الشيخ : تمّ حجّه ولا شي‌ء عليه (١).

__________________

(١) التهذيب : ٥ / ١٧٤ في ذيل الحديث ٥٨٥.

٦٠٢

المقصد السابع : في الوقوف بعرفات

وفيه ثمانية عشر بحثا :

٢٠٧٥. الأوّل : يستحبّ لمن أراد الخروج إلى منى أن لا يخرج من مكّة حتى يصلّي الظهر يوم التروية بها ثم يخرج إلى منى إلّا الإمام ، فانّه يستحبّ له أن يصلّي الظهر والعصر بمنى ويقيم إلى طلوع الشمس.

ويجوز للشيخ الكبير والمريض والمرأة وخائف الزحام الخروج من مكّة قبل الظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة.

٢٠٧٦. الثاني : إذا أحرم بالحج خرج إلى منى

كما بيّناه ، ويستحبّ له أن يدعو عند التوجّه بالمأثور ، ويدعو إذا نزل إلى منى ، ثمّ يبيت بها مستحبّا ليلة عرفة إلى طلوع الفجر ، ويكره الخروج قبله إلّا لعذر كالمرض والخوف والمشي ، ويصلّي الفجر في الطريق ، والأفضل أن يقيم حتّى تطلع الشمس ، ولو خرج قبل طلوعها جاز لكن لا يجوز وادي محسّر حتّى تطلع الشمس.

والإمام لا يخرج من منى حتى تطلع الشمس.

٢٠٧٧. الثالث : لو صادف يوم التروية الجمعة ، فمن أقام بمكّة حتّى تزول

٦٠٣

الشمس ممّن يجب عليه الجمعة ، لم يجز له الخروج حتّى يصلي الجمعة ، ويجوز الخروج قبل الزوال.

٢٠٧٨. الرابع : يستحبّ للإمام أن يخطب أربعة أيّام من ذي الحجة : يوم السابع منه ويوم عرفة ، ويوم النحر بمنى ، ويوم النفر الأوّل ، يعلّم الناس ما يجب عليهم فعله من المناسك.

٢٠٧٩. الخامس : الخطبة بعرفة يوم عرفة قبل الأذان.

٢٠٨٠. السادس : المبيت ليلة عرفة بمنى للاستراحة ليس بنسك ، ولا يجب بتركه شي‌ء.

٢٠٨١. السابع : يستحبّ له أن يدعو عند الخروج إلى عرفات بالمأثور ، فإذا انتهى إلى عرفات ، ضرب خباءه بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة.

فإذا زالت الشمس يوم عرفة ، اغتسل وصلّى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ويقف للدعاء.

وحدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر.

٢٠٨٢. الثامن : يجب في الوقوف بعرفات النيّة ، والواجب نيّة الوجوب والتقرّب إلى الله.

ويجب الكون بعرفة إلى غروب الشمس من يوم عرفة ، وكيف ما حصل بعرفة أجزأه ، قائما وجالسا ، وراكبا ، ونائما ، إذا كان قد سبق منه النيّة في وقتها.

٦٠٤

٢٠٨٣. التاسع : الوقوف قائما أفضل منه راكبا.

٢٠٨٤. العاشر : لو مرّ بعرفة مجتازا ، وهو لا يعلم أنّه بعرفة ، فالوجه عدم الاجتزاء ، ولو دخلها نائما ، واستمرّ النوم إلى بعد الفوات ، ففي الإجزاء نظر ، أقربه عدم الإجزاء خلافا للشيخ (١).

والمغمى عليه والمجنون إذا لم يفق حتّى خرج منها لم يجزئه الوقوف ، والسكران إذا زال عقله ، لم يصحّ وقوفه ، وإلّا جاز.

٢٠٨٥. الحادي عشر : لا يشترط فيه الطهارة ، ولا ستر العورة ، ولا استقبال القبلة بالإجماع لكن الطهارة أفضل.

٢٠٨٦. الثاني عشر : يستحبّ أن يضرب خباءه بنمرة وهي بطن عرنة ، فإذا أذّن المؤذّن ، قام الإمام فصلّى بالناس الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، والمأموم يجمع كالإمام ، وكذا المنفرد والمكّي ، ويتمّ من كان منزله دون المسافة وإن قصّر إمامه.

ويستحبّ تعجيل الصلاة حين تزول الشمس ، وأن يقصّر الخطبة ويقف في أوّل وقته.

ويستحبّ له الاغتسال ، للوقوف ، ويقطع التلبية عند زوال الشمس من يوم عرفة ، فإذا جاء إلى الموقف بسكينة ووقار ، حمد الله وأثنى عليه ، وكبّره ، وهلّله ، ودعا ، واجتهد في الإكثار من الدعاء لإخوانه المؤمنين ، ويؤثرهم على نفسه ، ويستحبّ أن يدعو بدعاء الموقف لزين العابدين عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٣٨٤.

(٢) انظر مصباح المتهجّد للشيخ.

٦٠٥

٢٠٨٧. الثالث عشر : الوقوف بعرفة ركن. من تركه عمدا بطل حجّه بالإجماع. ولو تركه ناسيا أو لعذر تداركه. فإن لم يمكنه ولحق الوقوف بالمشعر في وقته فقد أدرك الحج ، وإلّا فقد فاته.

٢٠٨٨. الرابع عشر : للوقوف بعرفة وقتان : اختياريّ ، وأوّله زوال الشمس من يوم عرفة ، وآخره غروبها ، واضطراريّ إلى طلوع الفجر من يوم النحر.

فلو لم يتمكّن من عرفات نهارا ، وتمكّن من الوقوف بها ليلا ، وجب ، وأجزأه إذا أدرك المشعر قبل طلوع الشمس.

ولو فاته الوقوف نهارا ، وخاف إن مضى إليها ليلا فوات المشعر ، يسقط الوقوف بعرفة ، وأجزأه المشعر.

٢٠٨٩. الخامس عشر : لا يجوز أن يخرج من عرفة قبل غروب الشمس ، فإن فعله عامدا. صحّ حجّه ، ووجب عليه بدنة ، فإن لم يتمكّن ، صام ثمانية عشر يوما.

ولو كان ناسيا ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا لو عاد قبل غروب الشمس فوقف حتّى غربت ، ولو كان عوده بعد الغروب لم يسقط الدم.

ولو لم يأت عرفات نهارا لعذر ، وحضر بعد غروب الشمس ، ووقف بها ، صحّ حجّه ولا شي‌ء عليه ، ويجوز له أن يخرج منها أيّ وقت شاء من الليل.

٢٠٩٠. السادس عشر : لو غمّ الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة ، فوقف الناس يوم التاسع من ذي الحجة ، ثمّ قامت البيّنة أنّه يوم العاشر ، ففي الإجزاء نظر ، وكذا لو غلطوا في العدد فوقفوا يوم التروية.

ولو شهد واحد أو اثنان برؤية هلال ذي الحجة ، وردّ الحاكم

٦٠٦

شهادتهما ، وقفوا يوم التاسع على وفق رؤيتهم وإن وقف الناس يوم العاشر عندهما.

٢٠٩١. السابع عشر : عرفة كلّها موقف يصحّ الوقوف في أيّ حدّ شاء منها بالإجماع.

وحدّ عرفة من بطن عرنة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز ، فلا يجوز الوقوف في هذه الحدود ولا تحت الأراك ، فلو وقف بها بطل حجّه.

وينبغي أن يقف على السفح على ميسرة الجبل ، ولا يرتفع إلى الجبل إلّا عند الضرورة إلى ذلك.

٢٠٩٢. الثامن عشر : يجوز النزول تحت الأراك إلى أن تزول الشمس ، ثمّ يمضي إلى الموقف.

ويستحبّ له إن وجد خللا أن يسدّه بنفسه ورحله ، وأن يقرب من الجبل ، وأن يصلّي مائة ركعة بالتوحيد ويختمها بآية الكرسي ، واجتماع الناس في الأمصار للتعريف يوم عرفة.

٦٠٧
٦٠٨

المقصد الثامن : في الوقوف بالمشعر

وفيه عشرة مباحث :

٢٠٩٣. الأوّل : إذا غربت الشمس في عرفات ، فليفض منها قبل الصلاة إلى المشعر داعيا بالمنقول ، مقتصدا في سيره ، وعليه السكينة والوقار ، ويكثر من الاستغفار ومن ذكر الله تعالى ، ولا ينبغي أن يلبّي في سيره.

ويستحبّ أن يمضي على طريق المأزمين ، وأن يصلّي المغرب والعشاء بالمزدلفة ، وإن ذهب ربع الليل أو ثلثه ، ويجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين ، ولا يصلّي بينهما شيئا من النوافل ، بل يؤخّر نوافل المغرب إلى بعد العشاء ، ولا يفصل بين الصلاتين ، ولو فعل لم يأثم.

ولو لم يجمع بينهما ، بل صلّى كل واحدة منهما في أوّل وقتها ، أجزأه ، ولو فاته الجمع مع الإمام ، جمع هو.

ولو منعه عائق في الطريق وخشي ذهاب أكثر الليل ، صلّى في الطريق.

٢٠٩٤. الثاني : إذا وصل إلى جمع ) بات بها ، ذاكرا الله تعالى داعيا (٢) متضرّعا

__________________

(١) جمع ـ بالفتح فالسكون ـ : المشعر الحرام ، قيل سمّي به ، لأنّ الناس يجتمعون فيه ويزدلفون إلى الله تعالى ، أي يتقربون إليه بالعبادة والخير والطاعة. مجمع البحرين.

(٢) في «أ» : ذاكرا لله تعالى ثم داعيا.

٦٠٩

مبتهلا ، والمبيت بها ليس بركن ، وإن كان الوقوف ركنا.

٢٠٩٥. الثالث : يجب فيه النيّة ، والواجب نيّة الوجوب ، والتقرب إلى الله تعالى.

٢٠٩٦. الرابع : يجب الوقوف بعد طلوع الفجر الثاني ، ويستحبّ أن يقف بعد أن يصلّي الفجر ، ولو وقف قبل الصلاة جاز ، إذا كان الفجر طالعا.

ويدعو بالمنقول ، ويحمد الله ، ويثني عليه ، ويذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع به ، ما قدر عليه. ويصلّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويدعو ، ثمّ يقف إلى أن يشرق ثبير (١) وترى الإبل مواضع أخفافها.

ويستحبّ فيه الطهارة ، ولو وقف على غير طهر ، أو كان جنبا أجزأه ، وأن يطأ الصرورة المشعر برجله أو ببعيره.

قال الشيخ : وبالمشعر الحرام جبل هنا يسمى قزح ، يستحبّ الصعود عليه وذكر الله تعالى عنده (٢).

٢٠٩٧. الخامس : الوقوف بالمشعر ركن ، من تركه عمدا بطل حجّه ، ويجب بعد طلوع الفجر الثاني ، ولا يجوز الإفاضة قبل طلوعه اختيارا ، فلو أفاض قبل طلوعه عامدا بعد أن يكون قد وقف ليلا ، وجب عليه دم شاة ، وصحّ حجّه.

وقال ابن إدريس : بطل حجّه (٣).

ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي‌ء.

__________________

(١) ثبير ـ كأمير ـ جبل بمكّة ، كأنّه من الثبرة ، وهي الأرض السهلة. مجمع البحرين.

(٢) المبسوط : ١ / ٣٦٨.

(٣) السرائر : ١ / ٥٨٩.

٦١٠

ويجوز للخائف والمرأة وغيرهما من ذوي الأعذار الإفاضة قبل طلوع الفجر ، ويستحبّ لغير الإمام الإفاضة من المزدلفة قبل طلوع الشمس بقليل بعد الإسفار ، وللإمام بعد طلوعها.

ولو دفع غير الإمام قبل الإسفار بعد الفجر ، أو بعد طلوع الشمس ، لم يكن مأثوما.

٢٠٩٨. السادس : جمع كلّها موقف ، وحدّه ما بين مأزمي (١) عرفة إلى الحياض إلى وادي محسّر ، يجوز الوقوف في أيّ موضع شاء منه ، ولو ضاق عليه الموقف جاز له أن يرتفع إلى الجبل.

٢٠٩٩. السابع : وقت الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس حال الاختيار ، ويمتدّ وقت الضرورة إلى الزوال من يوم النحر ، فيجب الإتيان به ، ويجزئ مع إدراك عرفات اختيارا ، وكذا لو أدرك عرفات اضطرارا والمشعر اختيارا.

أمّا لو أدرك الاضطراريّين ففي إدراك الحجّ إشكال ، ولو أدرك أحد الاضطراريّين خاصّة ، فاته الحجّ ، ويلوح من كلام السيّد رحمه‌الله أنّه إن كان عرفة فاته الحجّ ، وإن كان المشعر صحّ (٢) ، وعليه دلّت رواية عبد الله بن المغيرة الصحيحة عن الصادق عليه‌السلام (٣).

ولو أدرك أحد الاختياريّين ، وفاته الآخر اختيارا واضطرارا ، فإن كان

__________________

(١) المأزم : الطريق الضيق ، ويقال للموضع الّذي بين عرفة والمشعر : مأزمان. مجمع البحرين.

(٢) الانتصار : ٩٠.

(٣) الوسائل : ١٠ / ٥٨ ، الباب ٢٣ من أبواب الوقوف بالمشعر ، الحديث ٦ و ١١.

٦١١

الفائت هو عرفة ، صحّ الحج ، وإن كان هو المشعر ففي إدراك الحجّ إشكال.

ولا فرق في فوات الحجّ بترك الوقوف بالمشعر بين العامد والجاهل.

٢١٠٠. الثامن : قال الشيخ رضى الله عنه : من ترك الوقوف بالمشعر عمدا ، وجبت عليه بدنة (١). والحق بطلان الحج.

ولو ترك الموقفين معا ، بطل حجّه ، سواء كان عامدا أو ناسيا أو جاهلا.

ولو نسي الوقوف بعرفة ، رجع فوقف بها ولو إلى طلوع الفجر إذا علم أنّه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس ، ولو غلب على ظنّه الفوات ، اقتصر على المشعر قبل طلوع الشمس ، وقد تمّ حجّه ، وكذا لو نسي الوقوف بعرفات ولم يذكر بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس.

ولو نسي الوقوف بالمشعر ، فإن كان قد وقف بعرفة ، صحّ حجّه ، وإلّا بطل.

٢١٠١. التاسع : يستحبّ أخذ حصى الجمار من المزدلفة ، وهو سبعون حصاة. ويجوز أخذه من الطريق في الحرم ، ومن جميع مواضع الحرم عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف ، ومن حصى الجمار.

ومنع بعض علمائنا من أخذه من المساجد كلّها (٢) وهو حسن ، ولو أخذ الحصى من غير الحرم لم يجزئه.

٢١٠٢. العاشر : يستحبّ له الإفاضة من المشعر بعد إسفار الصبح قبل طلوع الشمس ، وعليه السكينة والوقار ، ذاكرا لله تعالى مستغفرا داعيا.

__________________

(١) التهذيب : ٥ / ٢٩٤ في ذيل الحديث ٩٩٥.

(٢) المحقّق في الشرائع : ١ / ٢٥٧.

٦١٢

فإذا بلغ وادي محسّر ـ وهو وادي عظيم بين جمع ومنى ، وهو إلى منى أقرب ـ أسرع في مشيه إن كان ماشيا ، وإن كان راكبا حرّك دابّته ، ولو نسي الهرولة استحبّ له أن يرجع ، ويهرول فيه ، ويدعو حالة السعي في وادي محسّر.

وروي ابن بابويه استحباب الهرولة فيه مائة خطوة (١).

وفي رواية أخرى مائة ذراع (٢).

وإذا أفاض قبل طلوع الشمس من المشعر ، فلا يجوز وادي محسّر حتّى تطلع الشمس ، وروي كراهة الإقامة بالمشعر بعد الإفاضة (٣).

__________________

(١) الوسائل : ١٠ / ٤٦ ، الباب ١٣ من أبواب الوقوف بالمشعر ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل : ١٠ / ٤٦ ، الباب ١٣ من أبواب الوقوف بالمشعر ، الحديث ٤.

(٣) الوسائل : ١٠ / ٤٦ ، الباب ١٢ من أبواب الوقوف بالمشعر ، الحديث ١.

٦١٣
٦١٤

المقصد التاسع : في نزول منى وقضاء المناسك بها

وفيه فصول

[الفصل] الأوّل : في الرمي

وفيه خمسة عشر بحثا :

٢١٠٣. الأوّل : إذا أفاض من المزدلفة فليأت إلى منى على سكينة ووقار ، داعيا بالمنقول ، ويقضي مناسكه بمنى يوم النحر ، وهي ثلاثة : الأوّل : رمي جمرة العقبة ، الثاني : الذبح ، الثالث : الحلق ، وترتيب هذه المناسك واجب.

٢١٠٤. الثاني : إذا نزل استحبّ له المسارعة برمي جمرة العقبة حال وصوله ، وهي آخر الجمرات ممّا يلي منى ، وأوّلها ممّا يلي مكّة عند العقبة ، ورمي هذه الجمرة يوم النحر واجب.

٢١٠٥. الثالث : يجب الرمي بالحجارة ولا يجوز بغيرها ، وإن كان من جنس الأرض كالكحل والزرنيخ والمدر.

٢١٠٦. الرابع : لا يجوز الرمي إلّا بالحصى ؛ قاله أكثر علمائنا.

٦١٥

وقال في الخلاف : لا يجوز إلّا بالحجر وما كان من جنسه من البرام (١) والجوهر وأنواع الحجارة ، ولا يجوز بغيره كالمدر ، والآجر ، والكحل ، والزرنيخ ، والملح ، والذهب ، والفضة (٢).

والوجه الأوّل ، لرواية زرارة الحسنة عن الصادق عليه‌السلام (٣).

٢١٠٧. الخامس : يجب أن يكون الحصى أبكارا ، فلو رمى بحصاة رمى بها هو أو غيره ، لم يجزئه وإن كانت واحدة.

ولو رمى بحصاة نجسة ، ففي الإجزاء نظر. ولو رمى بخاتم ، «فصّه» ممّا يجوز الرمي به ، فالأقرب الإجزاء.

٢١٠٨. السادس : يجب كون الحصى من الحرم ، فلا يجزئه لو أخذه من غيره.

٢١٠٩. السابع : يستحبّ أن تكون برشا ) كحليّة ملتقطة منقّطة غير مكسّرة رخوة ، وتكون صغارا قدر الأنملة ، فلو رمى بأكبر من هذا القدر (٥) أجزأه.

٢١١٠. الثامن : يكره أن تكون صمّاء ، أو سوداء ، أو حمراء ، أو بيضاء ، أو مكسّرة.

٢١١١. التاسع : يجب في الرمي النيّة بأن يقصد فيها الوجوب والقربة إلى الله تعالى ، والعدد وهو سبع حصيات في يوم النحر لرمي جمرة العقبة ، فلو أخلّ

__________________

(١) قال ابن الأثير : البرمة : القدر مطلق ، وجمعها برام ، وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن. النهاية مادة (برم).

(٢) الخلاف : ٢ / ٣٤٢ ، المسألة ١٦٣ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل : ١٠ / ٧١ ، الباب ٤ من أبواب رمي جمرة العقبة ، الحديث ١.

(٤) البرش والبرشة : لون مختلف ، نقطة حمراء وأخرى سوداء أو غبراء أو نحو ذلك. لسان العرب.

(٥) في «أ» : بأكثر من هذا المقدار.

٦١٦

بواحدة ، وجب عليه الإكمال ، وإيصال كلّ حصاة إلى الجمرة بما يسمّى رميا بفعله ، فلو وضعها بكفّه في الرمي لم يجزئه.

ولو طرحها طرحا ، ففي الإجزاء نظر ، ينشأ من صدق الرمي عليه وعدمه ، ولا يجزئه الرمي إلّا أن يقع الحصى في المرمى ، فلو وقع دونه لم يجزئه.

٢١١٢. العاشر : يجب إصابة الجمرة بفعله ، فلو رمى بحصاة فوقعت على الأرض ثم مرّت على سمتها ، أو أصابت شيئا صلبا كالمحمل وشبهه ، ثمّ وقعت في المرمى بعد ذلك أجزأه.

ولو وقعت على ثوب إنسان فنفضها أو على عنق بعير فنفضها فوقعت في المرمى لم يجزئه ، وكذا لو وقعت على الثوب أو العنق فيحرّك فوقعت في المرمى.

فلو رماها نحو المرمى ولم يعلم هل حصلت في المرمى أم لا ، فالوجه عدم الإجزاء ، ولو رمى حصاة فوقعت على أخرى ، فطفرت الثانية (١) فوقعت في المرمى لم يجزئه ، وكذا لو رمى إلى غير المرمى فوقع في المرمى.

ولو وقعت على مكان أعلى من الجمرة فتدحرجت فوقعت في المرمى ، فالأقرب الإجزاء.

ولو رمى بحصاة فالتقمها طائر قبل وصولها ، لم يجزئه ، سواء رماها الطائر في المرمى أو لا ، ولو أصابت الحصاة إنسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار أجزأه ، وكذا لو أعاد الرمي بحصاة ، وقلنا إنّه لم يجزئه الرمي بها أجزأه.

__________________

(١) في «ب» : قطعت الثانية.

٦١٧

٢١١٣. الحادي عشر : يرمي كلّ حصاة بانفرادها ، فلو رمى الحصيات (١) دفعة لم يجزئه ، ولو رمى أكثر من واحدة ، فرمية واحدة ولو اختلفا في الوقوع بأن تلاصقا فيه ، ولو اتبع الحجر الحجر ، فرميتان وإن تساويا في الوقوع.

٢١١٤. الثاني عشر : يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي من قبل وجهها لا من أعلاها استحبابا ، وينبغي أن يرميها مستقبلا لها مستدبرا للكعبة ، بخلاف غيرها من الجمار.

وكلّ أفعال الحجّ (٢) يستحبّ فيها استقبال الكعبة ، من الوقوف بالموقفين ورمي الجمار إلّا جمرة العقبة ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رماها مستقبلها مستدبرا للكعبة.

٢١١٥. الثالث عشر : يستحبّ أن يرميها خذفا بأن يضع كلّ حصاة على بطن إبهامه ويدفعها بظفر السبابة ، وأن يكون بينه وبين الجمرة قدر عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا ، وأن يكبّر مع كلّ حصاة ، ويدعو بالمنقول.

٢١١٦. الرابع عشر : يجوز الرمي للمحدث والجنب والحائض ، ـ والطهارة أفضل ـ وراكبا وراجلا ـ والراجل أفضل ـ ، ويستحبّ أن لا يقف عند جمرة العقبة.

٢١١٧. الخامس عشر : وقت الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها ، فإذا غربت فات الرمي ، وقضاه في الغد ، ويجوز تأخير رمي جمرة العقبة إلى قبل الغروب بمقدار أداء المناسك ، ووقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم النحر.

__________________

(١) في «أ» : الحصاة.

(٢) في «ب» : كلّ من أفعال الحجّ.

٦١٨

ووقت الإجزاء من طلوع الفجر اختيارا ، فإن رمى قبل ذلك لم يجزئه.

ويجوز للعليل والمريض وصاحب الضرورة والنساء الرمي في الليل قبل فجر النحر.

ويستحبّ إذا رمى جمرة العقبة ، أن يمضي ولا يقف عندها.

٢١١٨. السادس عشر : يستحبّ غسل حصى الجمار الثلاث ، وقدره سبعون حصاة : سبع منها لجمرة العقبة يرمي يوم النحر خاصّة ، ويرمي كلّ يوم من أيّام التشريق كلّ جمرة سبع حصيات ، يبدأ بالأولى ، ثمّ الوسطى ، ثمّ جمرة العقبة ، وسيأتي تتمّة الكلام في الرمي إن شاء الله تعالى.

الفصل الثاني : في الذبح

ومطالبه تسعة :

[المطلب] الأوّل : في من يجب عليه الهدي

وفيه تسعة مباحث :

٢١١٩. الأوّل : إذا فرغ من رمي جمرة العقبة ، ذبح هديه أو نحره إن كان من البدن.

والهدي واجب على المتمتّع بالنصّ والإجماع ، ولو تمتّع المكي

٦١٩

وجب الهدي ، خلافا للشيخ (١) وفي كلامه قوّة ، ولا يجب على المفرد والقارن ، ويستحبّ لها الأضحية.

٢١٢٠. الثاني : دم التمتّع نسك لا جبران ، فإذا أحرم بالحجّ من مكّة وجب الدم ، ولو أتى الميقات وأحرم منه ، لم يسقط عنه الدم.

ولو أحرم المفرد بالحجّ ودخل مكّة ، جاز أن يفسخه ، ويجعله عمرة ويتمتع بها ، ويجب عليه الدم.

٢١٢١. الثالث : إذا أحرم بالعمرة وأتى بأفعالها في غير أشهر الحجّ ثمّ أحرم بالحجّ ، لم يكن متمتّعا ، ولا يجب عليه الدم.

ولو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحجّ وأتى بأفعالها في أشهر الحجّ من الطواف والسعي والتقصير وحجّ من سنته لم يكن متمتّعا ، ولا يلزمه الدم.

ولو أحرم المتمتّع من مكّة بالحجّ ، ومضى إلى الميقات ، ثمّ منه إلى عرفات ، لم يسقط عنه الدم.

ولو أحرم المتمتّع للحجّ من غير مكّة ، وجب الرجوع إلى مكّة ، والإحرام منها ، سواء أحرم من الحلّ أو الحرم ، ولو لم يتمكّن ، مضى على إحرامه ولا دم عليه لهذه المخالفة.

ولو لم ينو التمتّع ، لم يصحّ له التمتّع ، ولا هدي عليه ، ولو أحرم المفرد والقارن بعمرتهما من الحرم لم يصحّ ، ولو طافا وسعيا ، لم يكونا معتمرين ، ولا يلزمهما دم.

__________________

(١) الخلاف : ٢ / ٢٧٢ ، المسألة ٤٢ من كتاب الحج.

٦٢٠