الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-65-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٥٨
المقصد الأوّل : في بيان حجة الإسلام
وفيه فصلان
[الفصل] الأوّل : في الشرائط
وهي ستة : البلوغ ، وكمال العقل ، والحريّة ، والزاد والراحلة ، وإمكان المسير ، وأن يكون له ما يمون عياله فاضلا عما يحتاج إليه.
الأوّل : البلوغ
وفيه سبعة مباحث :
١٨٥٢. الأوّل : لا يجب على الصبيّ الحجّ إجماعا ، فإن كان مميّزا صحّ إحرامه وحجّه ، وإن كان غير مميّز جاز لوليّه الإحرام عنه بمعنى أنّه يحرم للصبيّ ، فيصحّ له دون الوليّ.
١٨٥٣. الثاني : يشترط إذن الوليّ في إحرام الصبيّ وحجّه وإن كان مميّزا. والولي من له ولاية المال ، كالأب ، والجدّ للأب ، والوصيّ ، دون غيرهم.
ولو أحرمت أمّه عنه صحّ وإن انتفت الولاية ، لرواية ابن سنان الصحيحة عن الصادق عليهالسلام (١).
١٨٥٤. الثالث : ما يحتاج إليه الصبيّ من حمولة وغيرها ممّا يزيد على نفقته الواجبة يثبت على الوليّ.
١٨٥٥. الرابع : إذا عقد الصبيّ الإحرام ، تولّى بنفسه ما يتمكّن منه ، وما يعجز عنه ينوبه الوليّ.
ويجرّد الصبيّ كما يجرّد البالغ من فخّ (٢) ، والوجه انّ إنشاء إحرامه من الميقات.
والرمي إذا لم يقدر عليه ، رمى عنه الوليّ ، ويستحبّ وضع الحصى في يده ، ثمّ أخذها والرمي عنه.
والطواف إذا لم يتمكّن من المشي ، حمله أو غيره ، وطاف به ، وينوي الطواف عن الصبيّ.
١٨٥٦. الخامس : كلّ ما يحرم على البالغ فعله يمنع منه الصبي ، ولا يجوز أن يعقد له عقد نكاح ، وكلّ ما يلزم المحرم من كفّارة في فعله ، لو فعله الصبيّ ، وجبت الكفّارة على الوليّ إذا كان ممّا يلزم عمدا أو سهوا كالصيد.
أما ما يلزم بالعمد لا بالسهو ، فللشيخ وجهان : أحدهما لا يلزمه ، لأنّ عمد الصبيّ خطأ ، والثاني يلزمه (٣).
__________________
(١) الوسائل : ٨ / ٣٧ ، الباب ٢٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ، الحديث ١.
(٢) قال في مجمع البحرين : في الحديث «تجرّد الصبيان من فخّ» هو بفتح اوله وتشديد ثانيه : بئر قريبة من مكة على نحو من فرسخ.
(٣) المبسوط : ١ / ٣٢٩ ، والخلاف : ٢ / ٣٦١ ، المسألة ١٩٧ من كتاب الحجّ.
والأوّل أقرب ، والهدي يلزمه الوليّ.
١٨٥٧. السادس : لو بلغ بعد إكمال الحجّ لم يجزئه عن حجّة الإسلام ، ولو كان في الأثناء ، فإن كان بعد الموقفين فقد فاته الحج ، وأتمّ تطوعا ، ووجب عليه حجّة الإسلام مع الشرائط ، وان أدرك أحد الموقفين بالغا ، ففي الإجزاء نظر ، والوجه الإجزاء.
ولو بلغ بعد الوقوف بالمشعر قبل مضيّ وقته ، فإن عاد أجزأ عنه ، وإن لم يعد لم يجزئ عن حجّة الإسلام.
١٨٥٨. السابع : لو وطأ الصبيّ قبل الوقوف في الفرج ، فإن كان ناسيا ، فلا شيء عليه كالبالغ ، ولا يفسد حجّه ، وإن كان عامدا ، قال الشيخ رحمهالله : عمده وخطأه واحد ، فلا يتعلق به إفساد الحج ، قال : وإن قلنا بفساد الحج ولزوم القضاء أمكن ، والأوّل أقوى (١).
فإن قلنا بوجوب القضاء فالوجه انّه إنّما يجب بعد البلوغ ، فإذا قضى أجزأه عن حجّة الإسلام إن كان قد أدرك في الفاسدة شيئا من الوقوف بعد بلوغه ، وإلّا فالأقرب عدم الإجزاء.
الثاني : العقل
فلا يجب على المجنون المطبق ولا من يعتوره الجنون غالبا ، أمّا من يعاوده أحيانا بحيث يتمكّن من أفعال الحجّ عاقلا ، فإنّه يجب عليه مع الشرائط.
__________________
(١) المبسوط : ١ / ٣٢٩.
وحكم المجنون حكم الصبيّ غير المميّز ، فللوليّ أن يحرم عنه ويأتي بباقي أفعال الحج.
ولو زال عذره بعد الحجّ لم يجزئه عن حجّة الإسلام ، ولو كان في الأثناء فكالصبيّ.
الثالث : الحرية
وفيه عشرة مباحث :
١٨٥٩. الأوّل : الحريّة شرط في وجوب الحجّ بالإجماع ، فلا يجب على العبد القنّ ولا المكاتب وإن تحرّر بعضه ، ولا المدبّر ولا أمّ الولد.
١٨٦٠. الثاني : العبد إذا حجّ بإذن مولاه صحّ حجّه ، ولو كان بغير إذنه لم يصحّ ، ولو أحرم بغير إذن مولاه لم ينعقد ، وللمولى فسخ إحرامه.
١٨٦١. الثالث : لو أذن له مولاه في الإحرام فتلبّس ، لم يكن للمولى فسخه ، ولو أذن له في الحجّ لم يجزئه عن حجّة الإسلام لو اعتق وحصلت الشرائط ، بل وجب عليه الحجّ ثانيا.
ولو أدركه العتق قبل الموقفين أجزأه الحجّ ، ويدرك الحجّ بإدراك أحد الموقفين معتقا ، أمّا لو أعتق بعد الموقفين معا ، فإنه لا يجزئه عن حجّة الإسلام.
ولو اعتق قبل الوقوف أو فى وقته ، وأمكنه الإتيان بالحجّ وجب عليه ذلك.
وكلّ موضع قلنا يجزئه الحجّ لا يجب عليه الدم ، وكذا في ما لا يجزئه.
١٨٦٢. الرابع : لو أذن له مولاه ثمّ رجع ، فإن كان قبل التلبّس وعلم العبد بذلك بطل الإذن ، ولا يجوز للعبد الحجّ حينئذ ، وإن كان رجوعه بعد التلبس لم يجز الرجوع.
ولو رجع قبل التلبس ولم يعلم العبد ، ثمّ أحرم بجهالة ، قال الشيخ رحمهالله :
الأولى انّه يصحّ إحرامه وللسيّد فسخ حجّه (١).
١٨٦٣. الخامس : لو أحرم بإذن مولاه ثمّ باعه ، صحّ البيع ، ولا خيار للمشتري مع علمه ، وإلّا فله الخيار ، ولو كان أحرم بغير إذن سيّده صحّ البيع ولا خيار للمشتري.
١٨٦٤. السادس : الأمة المزوّجة ليس لها أن تحجّ إلّا بإذن المولى والزوج ، وكذا المكاتب يشترط فيه إذن المولى ، ولو عتق بعضه وهاياه مولاه ، ففي جواز إحرامه في أيّامه من غير إذن المولى نظر.
١٨٦٥. السابع : لو أحرم بغير إذن مولاه بطل ، فلو أعتق قبل فوات الموقفين ، فإن أمكنه إنشاء إحرام آخر صحّ وأجزأ عن حجّة الإسلام وإلّا فلا.
١٨٦٦. الثامن : لو أذن له مولاه فأحرم ، ثم أفسد حجّه ، وجب عليه تمام الفاسد كالحيّ ، ويجب عليه القضاء وإن كان رقيقا ، ولا يجب إجابة المولى في طلب الصبر إلى حين العتق.
ولو أحرم بغير إذن سيّده ثم أفسده ، لم يتعلّق به حكم ، ولو أعتقه مولاه بعد إفساده ، فإن كان قبل فوات أحد الموقفين أتمّ حجّه ، وقضاه في القابل ،
__________________
(١) المبسوط : ١ / ٣٢٧.
وأجزأه عن حجّة الإسلام ، ولو كان بعد الموقفين أتمّ حجّه وقضاه في القابل ، وعليه حجّة الإسلام ولا يجزئ القضاء عنها.
قال الشيخ : ويبدأ بحجّة الإسلام قبل القضاء (١) ، ولو بدأ بالقضاء انعقد عن حجّة الإسلام ، وكان القضاء في ذمّته.
قال : ولو أعتق قبل الوقوف أتمّ حجّه ، وقضاه في القابل ، وأجزأه عن حجّة الإسلام ٢.
١٨٦٧. التاسع : لو جنى العبد في إحرامه بما يلزمه الدم ، كاللباس والطيب ، وحلق الشعر وقتل الصيد وأكله ، وغير ذلك ، قال الشيخ : يلزم العبد ، ويسقط الدم إلى الصوم ، ولسيّده منعه منه ٣ ، وقال المفيد : على السيّد الفداء في الصيد ٤.
والوجه عندي التفصيل : فإن كانت الجناية بإذنه ، كما لو أذن له في الصيد في إحرامه أو اللباس ، لزم المولى الفداء عنه ، ومع العجز يأمره بالصيام ، وإن لم يأذن ، لزم العبد الصوم وسقط الدم.
١٨٦٨. العاشر : لو ملكه مولاه الفداء أجزأ الصدقة به ، ولو مات قبل الصيام جاز أن يطعم المولى عنه.
وأمّا دم المتعة ، فالخيار إلى سيّده بين أن يهدي عنه ، أو يأمره بالصيام ، وليس له منعه من الصوم بغير هدي.
__________________
(١) ١ و ٢. المبسوط : ١ / ٣٢٧.
(٢) ٣. المبسوط : ١ / ٣٢٨.
(٣) ٤. المقنعة : ٤٣٩.
الرابع : الاستطاعة
وفيه واحد وعشرون بحثا :
١٨٦٩. الأوّل : الاستطاعة شرط في وجوب حجّة الإسلام بالنصّ والإجماع ، وهي الزاد والراحلة وإمكان المسير ، فلو فقد الزاد والراحلة ، أو أحدهما مع بعد المسافة ، سقط الحجّ وإن تمكّن من المشي ، سواء كان عادته سؤال الناس أو لا.
وتحصل المكنة بملك عين الزاد والراحلة ، أو الثمن ، أو العوض مع وجود البائع والموجد.
١٨٧٠. الثاني : لو فقدهما وتمكّن من المشي ، لم يجب عليه ، فلو حجّ حينئذ ماشيا لم يجزئه عن حجّة الإسلام ، ووجب عليه الإعادة.
١٨٧١. الثالث : لو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله ، وجب عليه الحجّ مع استكمال الشرائط الباقية ، وكذا لو حجّ به بعض إخوانه.
وللشيخ قول بوجوب الإعادة مع اليسار (١) ، وفيه ضعف ، أمّا لو وهب له مال فانّه لا يجب عليه القبول ، سواء كان الواهب قريبا أو بعيدا.
١٨٧٢. الرابع : لا يباع دار السكنى في ثمن الزاد والراحلة ، ولا خادمه ولا ثياب بدنه ، ويجب بيع ما زاد على ذلك من ضياع ، أو عقار ، أو غيرهما من الذخائر.
ولو كان له دين حالّ على موسر باذل بقدر الاستطاعة ، وجب الحجّ ، ولو
__________________
(١) لاحظ الاقتصاد : ٢٩٧. وقال في النهاية : ٢٠٤ : باستحباب الإعادة عند اليسار. وفي «أ» : مع الإيسار.
كان معسرا ، أو مانعا ، أو كان الدين مؤجّلا ، سقط الوجوب.
ولو كان له مال وعليه دين بقدره ، لم يجب الحجّ ، سواء كان الدين مؤجّلا عليه أو حالّا.
١٨٧٣. الخامس : لا يجب عليه الاستدانة للحجّ إذا لم يكن له مال غير الدين ، وما روي من الحجّ بمال الولد فعلى سبيل الاستحباب (١) ، ولا يجب على الولد بذل المال لوالده ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون له من يقضي عنه أو لا ، إذا كان فاقدا.
١٨٧٤. السادس : لو كان له ما يحجّ به وتاقت نفسه إلى النكاح ، لزمه الحج ، ولا يجوز صرف المال في النكاح وإن حصل العنت ، أمّا لو حصلت المشقّة العظيمة ، فالوجه عندي تقديم النكاح.
١٨٧٥. السابع : لو كان له مال فباعه قبل وقت الحجّ مؤجّلا إلى بعد فواته ، سقط الحج ، وكذا لو وهب ماله قبل الوقت أو أتلفه.
١٨٧٦. الثامن : لو غصب مالا فحجّ به ، أو غصب حمولة فركبها حتّى أوصلته ، أثم بذلك ، وعليه الأجرة وضمان المال ، ولم يجزئه الحجّ وإن كان مستطيعا ، وعندي فيه نظر.
١٨٧٧. التاسع : القريب من مكّة يعتبر الراحلة في حقّه بنسبة حاجته ، ولو لم يحتج لم يعتبر الراحلة ، وكذا المكي ، ويعتبر الزاد فيهما ، ولو عجز كالزّمن والمريض ، اعتبرت الراحلة أيضا.
__________________
(١) الوسائل : ٨ / ٦٣ ، الباب ٣٦ من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، الحديث ١.
١٨٧٨. العاشر : لو حجّ عنه غيره وهو مستطيع ، لم يجزئه عن حجّة الإسلام ، سواء كان النائب مستطيعا أو لا.
١٨٧٩. الحادي عشر : لا بدّ من فاضل عن الزاد (١) والراحلة قدر ما يموّن عياله الذين تجب نفقتهم عليه حتّى يرجع إليهم بقدر الكفاية على جاري عادتهم من غير تقتير (٢) ولا تبذير ، ولا يحتسب من يستحب نفقته.
١٨٨٠. الثاني عشر : يشترط أيضا أن يكون له ما يفضل عن قضاء ديونه ، سواء كانت حالّة أو مؤجّلة ، وسواء كانت لله تعالى كالزكاة ، أو للآدميّ.
١٨٨١. الثالث عشر : الزاد المشترط هو ما يحتاج من مأكول أو مشروب وكسوة ، فإن كان يجد الزاد في كلّ منزل ، لم يلزمه حمله ، وإلّا لزمه حمله.
أمّا الماء وعلف الدوابّ ، فإن كان يوجد في المنازل الّتي ينزلها على العادة ، لم يجب حملها ، وإلّا وجب مع المكنة ، ومع عدمها يسقط.
١٨٨٢. الرابع عشر : الراحلة المشترطة يجب أن تكون راحلة مثله أمّا بالتملّك أو الأجرة لذهابه ورجوعه ، فإن كان لا يشقّ عليه ركوب القتب أو الزاملة ، اعتبر ذلك في حقه ، وإن كان يلحقه مشقّة عظيمة ، اعتبر وجود المحمل.
١٨٨٣. الخامس عشر : لو كان وحيدا اعتبر نفقته لذهابه وعوده. ولو احتاج إلى خادم اعتبر وجوده إمّا بالملك أو الاستيجار.
١٨٨٤. السادس عشر : يعتبر في الاستطاعة وجود ما يحتاج إليه في السفر ،
__________________
(١) في «أ» : غير الزاد.
(٢) في «ب» : إقتار.
من الآلات والأوعية كالغرائر (١) وأوعية الماء. فلو فقدها مع الحاجة سقط الفرض.
١٨٨٥. السابع عشر : لو كان له بضاعة يكفيه ربحها ، أو ضيعة يكفيه غلّتها ، فالأقرب وجوب بيعها للحجّ ، أو صرف البضاعة إليه ، إذا كان بقدر الكفاية ذهابا وعودا ، وقدر نفقة عياله كذلك.
١٨٨٦. الثامن عشر : لو كان واجدا للزاد والراحلة ، فخرج في حمولة غيره أو نفقه غيره ، أو كان مستأجرا للخدمة أو غيرها ، أو كان ماشيا ، فحجّ أجزأه ، ولو لم يكن واجدا لم يجب إلّا مع بذل الغير.
ولا يجب أن يؤجّر نفسه بالزاد والراحلة والنفقة لعياله مع العجز ، فإن فعل وجب الحجّ.
وكذا لو وجد بعض الزاد والراحلة ولم يوجد الباذل للباقي ، لم يجب أن يؤجّر نفسه بالباقي ، فإن فعل وجب الحجّ.
ويستحبّ لفاقد الاستطاعة الحجّ ، إذا تمكّن من المشي ، ثمّ يعيد واجبا مع الوجدان.
١٨٨٧. التاسع عشر : لا يعتبر وجود الزاد في المراحل مع وجوده في البلدان التي جرت العادة بحمل الزاد منها.
وأمّا الماء فإن كان موجودا في المصانع التي جرت العادة بكونه فيها وجب الحجّ ، وإن كان لا يوجد لم يجب الحجّ ، وإن وجد في البلاد الّتي يؤخذ منها الزاد.
__________________
(١) في لسان العرب : الغرارة واحدة الغرائر الّتي للتبن.
١٨٨٨. العشرون : لو وجد ثمن الزاد والراحلة وجب شراؤهما مع وجود البائع ، ولو احتاج إلى الثمن لم يجب الشراء.
ولو وجده بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر من أجرة المثل ، فإن تضرّر به ، لم يجب الشراء إجماعا ، وإن لم يتضرّر ، فالأقرب وجوب الشراء.
١٨٨٩. الواحد والعشرون : لو عجز عن الزاد والراحلة ، جاز أن يحجّ عن غيره ، ولا يجزئه عن حجّة الإسلام لو أيسر ، بل يجب عليه مع الاستطاعة.
الخامس : إمكان المسير
وفيه تسعة عشر بحثا :
١٨٩٠. الأوّل : يدخل تحت هذا الشرط : الصحة ، وإمكان الركوب ، وتخلية السرب ، واتّساع الزمان.
فالمريض لا يجب عليه الحجّ مع الضرر ، وإن وجد الزاد والراحلة بالإجماع. ولو لم يتضرّر بالركوب ، وجب عليه الحجّ مع باقي الشرائط ، ولو منعه المرض عن الركوب ، سقط عنه الفرض.
وكذا المعضوب (١) الذي لا يقدر على الركوب ، ولا يستمسك على الراحلة ، من كبر ، أو ضعف في البنية ، أو إقعاد.
ولو وجد هؤلاء الاستطاعة ، ففي وجوب الاستنابة قولان : أحدهما :
__________________
(١) قال في مجمع البحرين : الأعضب من الرجال : الزمن الذي لا حراك فيه ، كأنّ الزمانة عضبه ومنعه الحركة.
الوجوب ، اختاره الشيخ (١) ؛ والثاني عدمه ، اختاره ابن إدريس (٢) والأقرب الأوّل.
١٨٩١. الثاني : المريض إن كان يرجى برؤه ، ووجد الاستطاعة ، وتعذّر عليه الحجّ ، استحب له أن يستنيب رجلا يحجّ عنه ، فإذا استناب ، ثمّ برئ وهو مستطيع ، وجب عليه إعادة الحجّ بنفسه ، ولو مات سقط عنه فرض الحجّ مع الاستنابة وبدونها.
ولو كان المرض لا يرجى برؤه ، أو كان العذر لا يزول ، كالإقعاد ، وضعف البدن خلقة ، وكبر السن ، وجب أن يحجّ عنه رجل مع الاستطاعة فإن مات سقط عنه فرض الحجّ ، ولو زال عذره وجب الحجّ.
١٨٩٢. الثالث : لو وجد المعضوب المال ، ولم يجد الأجير ، سقط عنه فرض الاستيجار إلى العام المقبل ، ولو وجد من يستأجره بأكثر من أجرة المثل ، فإن أمكنه التحمّل من غير ضرر ، فالوجه الوجوب ، وإلّا فلا.
١٨٩٣. الرابع : المعضوب إذا لم يكن له مال ، سقط عنه فرض الحجّ مباشرة واستنابة ، ولو وجد من يطيعه لأداء الحجّ لم يجب ، سواء وثق منه بفعله أو لم يثق ، وسواء كان ولدا أو أجنبيّا ، ولو بذل له المال ، ولم يبذل له الفعل ، فالوجه عدم الوجوب.
١٨٩٤. الخامس : لو كان على المعضوب حجّتان كحجّة الإسلام ومنذورة ، جاز أن يستنيب اثنين في سنة.
١٨٩٥. السادس : يجوز للصحيح أن يستنيب في التطوّع ، ويجوز استنابة
__________________
(١) المبسوط : ١ / ٢٩٩.
(٢) السرائر : ١ / ٥١٦.
الصرورة وغيره في الواجب والندب.
١٨٩٦. السابع : قال الشيخ : المعضوب إذا وجب عليه حجّة بالنذر أو بإفساد حجّه ، وجب عليه أن يحجّ عن نفسه رجلا ، فإذا فعل ذلك فقد أجزأه ، وإن برئ في ما بعد تولّاها بنفسه (١) وعندي فيه تردّد.
١٨٩٧. الثامن : تخلية السرب شرط في الوجوب وهو أن يكون الطريق أمنا ، أو يجد رفقة يأمن معهم علما أو ظنا ، فلو وجد مانع من عذر وغيره سقط فرض الحج ، وهل يجب أن يستنيب؟ البحث فيه كالمريض.
ولو كان هناك طريقان ، أحدهما آمن ، سلكه (٢) وإن طال ، إذا لم يقصر نفقته عنه واتّسع الزمان ، ولو قصرت نفقته عنه ، أو قصر الزمان عن سلوكه ، أو لم يكن له إلّا طريق واحد ، وهو مخوف أو بعيد يضعف قوته عن قطعه لمشقة ، لم يجب عليه.
ولو كان في الطريق عدوّ ، وأمكن محاربته بحيث لا يلحقه خوف ولا ضرر ، فهو مستطيع ، ولو خاف على نفسه من قتل ، أو جرح ، أو على ماله أو بعضه ممّا يتضرّر به ، لم يجب.
١٨٩٨. التاسع : لو لم يندفع العدوّ إلّا بمال أو خفارة (٣) قال الشيخ : لم يجب (٤) ، ولو قيل : إن أمكن دفع المال من غير إجحاف ولا ضرر وجب ، وإلّا فلا ، كان وجها.
__________________
(١) المبسوط : ١ / ٢٩٩.
(٢) جواب : «لو» الشرطيّة.
(٣) الخفارة ـ بالكسر والضم ـ : الذمام والعهد. مجمع البحرين.
(٤) المبسوط : ١ / ٣٠١.
ولو بذل له باذل المطلوب منه ، فانكشف العدوّ ، وجب الحجّ ، وليس له منع الباذل.
١٨٩٩. العاشر : طريق البحر كطريق البرّ ، فلو غلب على ظنّه السلامة فيهما ، تخيّر في سلوك أيّهما شاء ، ولو غلب على ظنّه العطب فيهما ، سقط الفرض ، ولو غلب على ظنّه السلامة في أحدهما ، تعيّن وإن كان في البحر.
١٩٠٠. الحادي عشر : اتّساع الزمان شرط ، فلو ضاق الوقت عن قطع المسافة ، سقط الفرض ، ولو لم يجد الرفقة ، أو ضاق الوقت عليه حتّى لا يلحقهم إلّا بمشقة ، كطيّ المنازل ، أو الحثّ الشديد ، سقط تلك السّنة.
١٩٠١. الثاني عشر : اشترط الشيخ رحمهالله الرجوع إلى كفاية (١) فلو ملك الزاد والراحلة والنفقة له ولعياله ذهابا وعودا ، ولم يكن له كفاية يرجع إليها من مال أو حرفة أو صناعة أو عقار ، لم يجب الحجّ ، واختاره المفيد (٢) وابن البراج (٣) وأبو الصلاح (٤) ولم يشترط المرتضى ذلك (٥) واختاره ابن أبي عقيل (٦) وهو الأقوى.
١٩٠٢. الثالث عشر : الإسلام ليس شرطا في الوجوب ، وهو شرط في الصحة ، ولو أحرم وهو كافر لم يصحّ إحرامه ، فإن أسلم قبل فوات الوقوف بالمشعر ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات ، وإنشاء الإحرام منه ، فإن لم يتمكّن أحرم من موضعه ، ولا يعتدّ بالأوّل.
__________________
(١) المبسوط : ١ / ٢٩٧ ، والخلاف : ٢ / ٢٤٥ ، المسألة ٢ من كتاب الحجّ.
(٢) المقنعة : ٣٨٤.
(٣) المهذب : ١ / ٢٠٨.
(٤) الكافي في الفقه : ١٩٢.
(٥) الناصريات : ٣٠٣.
(٦) حكى عنه المصنّف في المختلف : ٤ / ٦.
١٩٠٣. الرابع عشر : لو ارتدّ بعد أداء الحجّ مسلما ، لم يجب عليه إعادته ، وقوّى في المبسوط (١) الإعادة ، ولو أحرم ، ثمّ ارتدّ ، ثمّ عاد إلى الإسلام ، كان إحرامه باقيا ، وبنى عليه.
١٩٠٤. الخامس عشر : الأعمى يجب عليه الحجّ مع الشرائط ، ووجود قائد يهديه مع الحاجة.
١٩٠٥. السادس عشر : شرائط الوجوب في الرجل هي شرائطه في المرأة ، فإذا اجتمعت الشرائط وجب عليها الحجّ ، وإن لم يكن لها محرم.
ولو لم تجد الثقة ، وخافت من المرافق ، اشترط المحرم ، وهو الزوج ، أو من تحرم عليه على التأبيد نسبا ورضاعا.
ومن تحرم عليه في وقت دون آخر كزوج الأخت ، والعبد ، فليس بمحرم.
فلو كان الأب يهوديّا أو نصرانيّا فالوجه أنّه محرم ، أمّا المجوسي فالوجه أنّه ليس بمحرم ، والأقرب اشتراط البلوغ والعقل في المحرم.
١٩٠٦. السابع عشر : نفقة المحرم في محلّ الحاجة إليه عليها ، فيشترط في استطاعتها ملك زاده وراحلته زيادة على ما تقدّم ، ولو امتنع المحرم من الحجّ مع بذلها له النفقة ، فهي كالفاقدة المحرم.
ولو احتاجت إليه لعدم النفقة (٢) والحاجة إلى الرفيق ، فالوجه أنّه لا يجب عليه إجابتها.
__________________
(١) المبسوط : ١ / ٣٠٥.
(٢) هكذا في النسختين والظاهر وقوع تحريف في الكلام والصحيح «ولو احتاجت إليه مع عدم النفقة» وعليه يكون قوله : «والحاجة إلى الرفيق» ، جملة توضيحية لانفهامها من قوله : «ولو احتاجت».
١٩٠٧. الثامن عشر : إذن الزوج ليس بمعتبر في الواجب ، فلو كان عليها حجّة الإسلام ، أو منذورة بإذنه ، أو قبل تعلّقه بها ، وجب عليها الخروج ، وليس له منعها عنه.
ويستحب لها أن تستأذنه ، فإن أذن ، وإلّا خرجت بغير إذنه.
أمّا التطوّع فليس لها الخروج فيه إلا بإذنه ، ولو نذرت الحجّ وهي زوجته ، فإن أذن لها في النذر صحّ ، وإلّا فلا.
وحكم المعتدّة رجعيّة حكم الزوجة ، أمّا البائن فإنّها تخرج أين شاءت ، وليس للزوج منعها ، وكذا المتوفّى عنها زوجها.
١٩٠٨. التاسع عشر : الشرائط التي ذكرناها ، منها ما هي شرط في الصحّة والوجوب معا ، وهو العقل ؛ ومنها ما هو شرط في الصّحة خاصّة ، وهو الإسلام ؛ ومنها ما هو شرط في الوجوب خاصّة ، وهو البلوغ ، والحريّة ، والاستطاعة ، وإمكان المسير.
الفصل الثاني : في أنواع الحج
وفيه أربعة عشر بحثا :
١٩٠٩. الأوّل : الحجّ على ثلاثة أنواع : تمتّع ، وقران ، وإفراد.
فصورة التمتّع : أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ
ثمّ يدخل مكّة فيطوف سبعة أشواط بالبيت ، ويصلّي ركعتي الطواف بالمقام ، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، ثمّ يقصّر ، وقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه.
ثم ينشئ إحراما آخر للحجّ من مكّة يوم التروية ، وإلّا فيما يعلم معه إدراك الوقوف ، ثمّ يمضي إلى عرفات ، فيقف بها إلى الغروب ، ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام ، فيقف به بعد طلوع الفجر ، ثمّ يفيض إلى منى ويرمي جمرة العقبة ، ثم يذبح هديه ، ثمّ يحلق رأسه ، ثمّ يأتي مكّة ليومه أو من غده ، فيطوف للحجّ ويصلّي ركعتين ، ثمّ يسعى سعي الحج ، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه ، ثم يعود إلى منى ليرمي ما تخلّف عليه من الجمار الثلاث ، يوم الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر.
وصورة الإفراد : أن يحرم من الميقات أو من حيث يصحّ له الإحرام منه بالحجّ ، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها ، ثم يقف بالمشعر الحرام ، ثمّ يأتي منى فيقضي مناسكه بها ، ثمّ يطوف بالبيت للحج ، ويصلّي ركعتيه ، ويسعى للحج ويطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه ، ثم يأتي بعمرة مفردة من أدنى الحلّ.
وصورة القران كذلك ، إلّا أنّه يضيف إلى إحرامه سياق الهدي.
١٩١٠. الثاني : التمتّع فرض من نأى عن المسجد الحرام ، وليس من حاضريه ، ولا يجزئهم غيره مع الاختيار.
وأمّا القران والإفراد فهو فرض أهل مكة وحاضريها ، فلو عدلوا إلى التمتّع ، ففي الإجزاء قولان للشيخ : أحدهما انّه يجزئ ولا دم ، والثاني : أنّه لا
يجزئ (١) وهو الأقوى عندي.
١٩١١. الثالث : حدّ حاضري المسجد الحرام الذين لا متعة عليهم ، من كان بين منزله وبين المسجد اثنا عشر ميلا من كلّ جانب.
وللشيخ قول آخر : إنّه ثمانية وأربعون ميلا (٢) وهو اختيار ابن بابويه (٣) وهو الأقوى عندي.
١٩١٢. الرابع : لا يجوز إدخال الحجّ على العمرة ولا بالعكس.
١٩١٣. الخامس : لا يجوز القران بين الحجّ والعمرة في إحرام واحد ، قال الشيخ في الخلاف : ولو فعل لم ينعقد إحرامه إلّا بالحجّ ، فإن أتي بأفعال الحجّ لم يلزمه دم ، وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويجعلها متعة جاز ، ولزمه الدم (٤).
١٩١٤. السادس : ولا يجوز نيّة حجّتين ولا عمرتين ، ولو فعل قيل : تنعقد إحداهما وتلغو الأخرى (٥).
١٩١٥. السابع : لو أراد التطوّع بالحجّ ، فالتمتّع أفضل أنواعه.
١٩١٦. الثامن : المفرد إذا أحرم بالحجّ ، ثمّ دخل مكّة ، جاز له فسخ حجّه وجعله عمرة يتمتّع بها ، ولا يلبّ بعد طوافه ولا بعد سعيه ، لئلّا ينعقد إحرامه بالتلبية ، أمّا القارن فليس له ذلك.
__________________
(١) قال بالإجزاء في المبسوط : ١ / ٣٠٦ ، وبعدمه في النهاية : ٢٠٦.
(٢) النهاية : ٢٠٦.
(٣) المقنع : ٢١٥ ، والفقيه : ٢ / ٢٠٣ في ذيل الحديث ٩٢٦.
(٤) الخلاف : ٢ / ٢٦٤ ، المسألة ٣٠ من كتاب الحجّ.
(٥) قال ابن قدامة في المغني : ٣ / ٢٥٤ : وإن أحرم بحجّتين أو عمرتين انعقد بإحداهما ولغت الأخرى ، وبه قال مالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة : ينعقد بهما وعليه قضاء إحداهما.
وكذا يجوز لمن أحرم بعمرة التمتّع مع الضرورة المانعة عن إتمامها العدول إلى الإفراد ، إمّا بأن يضيق الوقت أو يحصل حيض أو مرض.
١٩١٧. التاسع : لو بعد المكّي عن أهله ، ثم عاد وحجّ على ميقات ، أحرم منه ، وجاز له التمتّع.
١٩١٨. العاشر : من كان من أهل الأمصار ، فجاور بمكّة ، ثمّ أراد حجّة الإسلام ، خرج إلى ميقات أهله وأحرم منه ، فإن تعذّر ، خرج إلى أدنى الحلّ ، ولو تعذّر أحرم من مكّة ، هذا إذا لم يجاور سنتين ، فإن مضت عليه سنتان ، وهو مقيم بمكّة ، صار من أهل مكّة وحاضريها ، ليس له أن يتمتّع.
وللشيخ قول آخر : إنّه لا ينتقل فرضه حتّى يقيم ثلاثا (١) ، والمعتمد الأوّل.
ولو كان له منزلان : أحدهما بمكّة والآخر ناء عنها ، اعتبر الأغلب إقامة ، فأحرم بفرض أهله ، فإن تساويا تخيّر في التمتّع وغيره.
ولو لم يمض هذه المدة ، كان فرضه التمتّع لا غير ، فيحرم من الميقات وجوبا مع المكنة.
١٩١٩. الحادي عشر : للشيخ قول في أشهر الحجّ : ففي النهاية : شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجة (٢) وفي المبسوط : شوّال ، وذو القعدة وإلى قبل الفجر من عاشر ذي الحجة (٣) ، وفي الخلاف : إلى طلوع الفجر (٤) ، وفي الجمل : وتسعة من
__________________
(١) النهاية : ٢٠٦.
(٢) النهاية : ٢٠٧.
(٣) المبسوط : ١ / ٣٠٨.
(٤) الخلاف : ٢ / ٢٥٨ ، المسألة ٢٣ من كتاب الحجّ.
ذي الحجة (١). والأقرب الأوّل.
ولا يتعلّق بهذا الاختلاف حكم ، للإجماع على فوات الحجّ بفوات الموقفين ، وصحّة بعض أفعال الحجّ فيما بعد العاشر.
١٩٢٠. الثاني عشر : لا يجوز الإحرام بالحجّ قبل أشهره ، فلو أحرم به قبلها ، لم ينعقد للحجّ ، وانعقد للعمرة ، رواه ابن بابويه (٢) وعندي فيه نظر.
١٩٢١. الثالث عشر : لا ينعقد إحرام العمرة المتمتّع بها إلّا في أشهر الحجّ ، فأن أحرم في غيرها انعقد للمبتولة على إشكال ، أمّا العمرة المبتولة ، فيجوز في جميع أيّام السنة.
١٩٢٢. الرابع عشر : لو دخل المتمتّع مكّة وخشي فوات الوقت ، نقل نيّته إلى الإفراد ، ثمّ يعتمر عمرة مفردة بعد الحجّ ، وكذا الحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلّل وإنشاء الحج.
__________________
(١) الجمل والعقود في ضمن الرسائل العشر : ٢٢٦.
(٢) الوسائل : ٨ / ١٩٧ ، الباب ١١ من أبواب أقسام الحجّ ، الحديث ٧.