تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-65-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

١٥٢٨. الثاني : قال السيّد المرتضى : من انتسب إلى هاشم بالأمومة استحقّ الخمس ، وحرمت عليه الزكاة (١) وفيه نظر.

١٥٢٩. الثالث : يعتبر في أخذ الخمس الإيمان ، ويجوز إعطاء الفاسق.

١٥٣٠. الرابع : لا يحمل الخمس عن بلد المال مع وجود المستحقّ فيه ، فإن حمله ضمن ، ولو لم يوجد المستحقّ جاز النقل ، ولا ضمان ، ويعطى من حضر البلد ، ولا يتتبّع من غاب.

١٥٣١. الخامس : المراد بذي القربى هنا الإمام خاصّة ، وهو يأخذ سهم ذي القربى بالنص (٢) وسهم الله وسهم رسوله بالوراثة عن الرسول عليه‌السلام ، ويأخذ الإمام هذه الأسهم مع الحاجة وعدمها.

أمّا اليتيم فهو الّذي لا أب له (٣) ممّن لم يبلغ الحلم ، ولا بدّ أن يكون هاشميّا ، وهل يشترط فقره؟ قال الشيخ : لا ، للعموم (٤) وعندي فيه نظر ، إذ يحرم لمن له أب موسر ، ووجود المال له أنفع من وجود الأب ، فيكون أولى بالحرمان.

أمّا المسكين فالمراد به المعنى المشترك (٥) بينه وبين الفقير.

وابن السبيل لا يشترط فيه الفقر ، بل الحاجة في بلد السفر.

١٥٣٢. السادس : الأحوط قسمة الخمس في الأصناف من غير تخصيص ، وهل يجوز التخصيص؟ الظاهر من كلام الشيخ المنع (٦) ، وفيه إشكال ، ولا يجب

__________________

(١) حكى عنه المحقّق في المعتبر : ٢ / ٦٣١ ، والمصنف في المختلف : ٣ / ٣٣٢.

(٢) الأنفال : ٤١.

(٣) في «ب» : فهو من لا أب له.

(٤) المبسوط : ١ / ٢٦٢.

(٥) في «أ» : فالمعنى المراد به المشترك.

(٦) المبسوط : ١ / ٢٦٣.

٤٤١

استيعاب كلّ طائفة ، بل لو اقتصر من كلّ طائفة على واحد جاز.

١٥٣٣. السابع : مستحقّ الخمس من الركاز والمعادن ، هو المستحقّ له من الغنائم ، ولا يجوز صرف حقّ المعدن إلى من وجب عليه ، لانتفاء تحقّق الإخراج حينئذ.

١٥٣٤. الثامن : الأسهم الثلاثة الّتي للإمام ملكه يصنع بها ما شاء ، من نفقة ، وصدقة ، ونقل ، وغير ذلك ، والثلاثة الباقية لأربابها ، لا يخصّ القريب ولا الذكر ولا الكبير على أضدادهم ، بل يفرّقهم الإمام بحسب ما يراه من تسوية وتفضيل ، ولا يتبع الغائب.

فإن فضل عن قدر كفاية الحاضرين شي‌ء ، جاز حمله إلى الأباعد ، ولا ضمان.

الفصل الثالث : في الأنفال

وفيه تسعة مباحث :

١٥٣٥. الأوّل : الأنفال هاهنا كلّ ما يخصّ الإمام ، وهو كلّ أرض انجلى عنها أهلها ، أو سلموها طوعا بغير قتال ، وكلّ أرض خربة باد أهلها ، سواء جرى عليها ملك أحد أو لم يجر ، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، ورءوس الجبال ، وبطون الأودية ، والآجام ، والأرضون الموات الّتي لا أرباب لها ،

٤٤٢

والمعادن ، وصفايا الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم على غير جهة الغصب ، وما يصطفيه من الغنيمة في الحرب ، مثل الفرس الفاره ، والثوب المرتفع ، والجارية الحسناء ، والسيف الفاخر ، وما أشبه ذلك ، وميراث من لا وارث له ، سواء كان الميّت ذميّا ، أو مسلما إذا لم يخلف وارثا ، وإذا قاتل قوم من غير إذن الإمام فغنموا ، كانت الغنيمة للإمام خاصّة.

١٥٣٦. الثاني : قال ابن إدريس : اختصاصه عليه‌السلام برءوس الجبال وبطون الأودية والمعادن إنّما هو فيما يكون في أرضه المختصّة به ، أمّا ما كان في أرض المسلمين المشتركة ، أو لمالك معروف ، فلا اختصاص له عليه‌السلام به (١) وهو قويّ.

١٥٣٧. الثالث : يحرم التصرّف فيما يخصّ الإمام حال ظهوره إلّا باذن منه ، فإن تصرّف فيه متصرّف كان غاصبا ، والنماء إن حصل للإمام.

ويصرف إليه الخمس بأجمعه ، فيأخذ نصفه يعمل به ما شاء ، والنصف الآخر يضعه في أربابه على قدر حاجتهم وضرورتهم ، قال الشيخان : فإن فضل كان الفاضل له ، وإن اعوز كان عليه (٢) ومنعه ابن إدريس (٣) وعندي في ذلك تردّد.

١٥٣٨. الرابع : الأقرب جواز صرف حصص الأصناف الثلاثة إليهم بنفسه فيما يكتسبه غير غنائم الحرب مع وجود الإمام على إشكال.

١٥٣٩. الخامس : أباح الأئمّة عليهم‌السلام لشيعتهم المناكح في حال ظهور الإمام وفي غيبته ، وألحق الشيخ رحمه‌الله المساكن والمتاجر (٤) وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو

__________________

(١) السرائر : ١ / ٤٩٧.

(٢) المقنعة : ٢٧٨ ، والمبسوط : ١ / ٢٦٢.

(٣) السرائر : ١ / ٤٩٢ و ٤٩٣.

(٤) المبسوط : ١ / ٢٦٣.

٤٤٣

بعضه ، ولا يجب إخراج حصّة الموجودين من أرباب الخمس منه.

قال ابن إدريس : المراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان ممّا فيه حقوقهم عليهم‌السلام ، ويتّجر في ذلك ، قال : ولا يتوهّم متوهّم أنّه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس (١).

١٥٤٠. السادس : كما يسوغ للإمام أن يحلّ في زمانه ، فكذلك يسوغ له أن يحلّ بعده ، ومنع ابن الجنيد (٢) ضعيف.

١٥٤١. السابع : اختلف علماؤنا في الخمس في حال غيبة الإمام.

فاسقطه قوم.

ومنهم من أوجب دفنه.

ومنهم من يرى صلة الذرّية وفقراء الشيعة على وجه الاستحباب.

ومنهم من يرى عزله ، فإن خشي من الموت وصّى به إلى من يثق بدينه وعقله ليسلمه إلى الإمام إن أدركه ، وإلّا وصّى به كذلك إلى أن يظهر.

ومنهم من يرى صرف حصّته إلى الأصناف الموجودين أيضا ، لأنّ عليه الإتمام عند عدم الكفاية ، وهو حكم يجب مع الحضور والغيبة (٣) وهو أقوى.

__________________

(١) السرائر : ١ / ٤٩٨.

(٢) حكى عنه المحقّق في المعتبر : ٢ / ٦٣٧.

(٣) الأقوال في المسألة كثيرة وقد أنهاها صاحب الحدائق إلى أربعة عشر قولا ، ومن أراد الاطلاع على وجه البسط والتفصيل والتصريح بأسامي قائليها فليرجع إلى الحدائق : ١٢ / ٤٣٧ ، ولاحظ الأقوال في المقنعة : ٢٨٥ ، والمختلف : ٣ / ٣٤٧.

٤٤٤

١٥٤٢. الثامن : يجب أن يتولّى صرف حصة الإمام في الأصناف الموجودين من إليه الحكم بحقّ النيابة ، كما يتولّى أداء ما يجب على الغائب.

١٥٤٣. التاسع : إذا قاطع الإمام على شي‌ء من حقوقه ، حلّ ما فضل عن القطيعة ، ووجب عليه الوفاء.

٤٤٥
٤٤٦

كتاب الصّوم

٤٤٧
٤٤٨

وفيه مقدّمة ومقاصد

أمّا المقدّمة

ففيها أربعة مباحث :

١٥٤٤. الأوّل : الصوم لغة الإمساك ، وفي الشرع عبارة عن الإمساك عن أشياء مخصوصة ، في زمان مخصوص ، على وجه مخصوص.

١٥٤٥. الثاني : الصوم ينقسم إلى واجب ، ومندوب ، ومكروه ، ومحظور.

فالواجب ستّة : شهر رمضان ، والكفّارات ، ودم المتعة ، والنذر وما في معناه من يمين أو عهد ، وصوم الاعتكاف الواجب ، وقضاء الواجب.

فالندب : جميع أيّام السنّة إلّا العيدين ، وأيام التشريق ، لمن كان بمنى ، ويتأكّد منه أربعة عشر صوما : ثلاثة أيّام في كل شهر هي : أوّل خميس وآخره ، وأوّل أربعاء في العشر الثاني ، وأيام البيض ، ويوم الغدير ، ومولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومبعثه ، ودحو الأرض ، وعرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء مع تحقّق الهلال ، وعاشوراء على وجه الحزن والمصيبة ، ويوم المباهلة ، وكلّ خميس ، وكلّ جمعة ، وأوّل ذي الحجّة وهو مولد إبراهيم ، وباقي العشرة إلّا العيد ، ورجب ، وشعبان.

والمكروه : يوم عرفة لمن يضعف عن الدعاء أو يشك في الهلال ،

٤٤٩

والنافلة سفرا عدا ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة ، والضيف نافلة من دون إذن مضيفه ، وبالعكس ، وكذا الولد من غير إذن الوالد ، والمدعوّ إلى طعام.

والمحظور تسعة : صوم العيدين مطلقا ، وأيّام التشريق لمن كان بمنى ، ويوم الشك بنيّة الفرض ، وصوم نذر المعصية ، وصوم الصمت ، وصوم الوصال ، والنفل للمرأة والعبد من دون إذن الزوج أو المولى ، وصوم الواجب سفرا عدا ما استثني.

١٥٤٦. الثالث : صوم شهر رمضان واجب بالنص والإجماع.

والصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات من أوّل طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس الّذي تجب معه الصلاتان.

١٥٤٧. الرابع : الصوم من أفضل العبادات وأكملها تقرّبا.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«الصوم جنّة من النار» (١).

وقال عليه‌السلام : «الصائم في عبادة ، وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما» (٢).

وقال عليه‌السلام : «إنّ الله تعالى وكلّ ملائكة بالدعاء للصائمين ، وأخبرني جبرئيل عن ربه سبحانه انّه قال : ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد

__________________

(١) الوسائل : ٧ / ٢٨٩ ، الباب ١ من أبواب الصوم المندوب ، الحديث ١ ؛ وبحار الأنوار : ٩٣ / ٢٥١.

(٢) الوسائل : ٧ / ٢٩١ ، الباب ١ من أبواب الصوم المندوب ، الحديث ١٢ ، وبحار الأنوار : ٩٣ / ٢٤٧.

٤٥٠

من خلقي إلّا استجبت لهم فيه» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : «نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبّل ، ودعاؤه مستجاب» (٢).

وعن الحسن بن علي (٣) عليهما‌السلام قال :

«جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان ممّا سأله انّه قال : لأيّ شي‌ء فرض الله سبحانه الصوم على أمّتك بالنهار ثلاثين يوما ، وفرض على الأمم أكثر من ذلك؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ آدم عليه‌السلام لمّا أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ، ففرض الله سبحانه على أمّته ثلاثين يوما الجوع والعطش ، والّذي يأكلونه بالليل تفضّل من الله عزّ وعلا عليهم ، وكذلك كان على آدم ففرض الله ذلك على أمّتي ، ثمّ تلا هذه الآية : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيّاماً مَعْدُوداتٍ» (٤).

قال اليهودي : صدقت يا محمّد. فما جزاء من صامها؟

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) بحار الأنوار : ٩٣ / ٢٥٣ ، الحديث ٢٦.

(٢) الوسائل : ٧ / ٢٩٤ ، الباب ١ من أبواب الصوم المندوب ، الحديث ٢٤ ؛ وبحار الأنوار : ٩٣ / ٢٥٣.

(٣) في «أ» : «وعن الحسين بن عليّ عليهما‌السلام» وما في المتن موافق للوسائل.

(٤) البقرة : آية ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

٤٥١

ما من مؤمن يصوم في شهر رمضان احتسابا إلّا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال : أوّلها يذوب الحرام في جسده ، والثانية يقرب من رحمة الله عزوجل ، والثالثة يكون قد كفّر خطيئة أبيه آدم ، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت ، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة ، والسادسة يعطيه الله تعالى براءة من النار ، والسابعة يطعمه الله من طيّبات الجنة.

قال [اليهود] : صدقت يا محمد» (١).

والأخبار كثيرة في ذلك (٢).

__________________

(١) الوسائل : ٧ / ٢٧٢ ، الباب ١ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ٤.

(٢) لاحظ الوسائل : ٧ / ١٧١ ، وبحار الأنوار : ٩٣ كتاب الصوم.

٤٥٢

المقصد الأوّل : في النيّة

وفيه خمسة وعشرون بحثا :

١٥٤٨. الأوّل : النيّة شرط في الصوم ، فلا يصحّ بدونها ، واجبا كان أو ندبا ، رمضان كان أو غيره.

ويكفي في شهر رمضان القربة ، وهي أن ينوي الصوم متقرّبا إلى الله تعالى لا غير ، ولا يفتقر إلى نيّة التعيين ، أعني أن ينوي وجه ذلك الصوم كرمضان أو غيره متقرّبا.

أمّا غير رمضان فإن لم يتعيّن صومه ، كالنّذر المطلق ، والكفّارات والقضاء ، والصوم النفل ، فلا بدّ فيه من نيّة التعيين إجماعا.

وما يتعيّن صومه غير رمضان كالنذر المعيّن زمانه ، قال الشيخ : لا يكفي فيه نيّة القربة ، بل لا بدّ فيها من نيّة التعيين (١) ، وقال السيّد المرتضى : تكفي (٢) ، والأوّل أقوى.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٧٨ ؛ والخلاف : ٢ / ١٦٤ ، المسألة ٤ من كتاب الصوم.

(٢) جمل العلم والعمل في ضمن رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٥٣.

٤٥٣

١٥٤٩. الثاني : نيّة القربة لا تكفي عن نيّة التعيين في كلّ موضع يشترط فيه التعيين ، ولو ترك التعيين نسيانا فكذلك ، ونيّة التعيين لا تكفي عن نيّة القربة.

١٥٥٠. الثالث : ليس للمسافر أن يصوم رمضان بنيّة أنّه منه إذا كان (١) سفر التقصير.

وهل يجوز صومه بنيّة النفل أو الواجب غيره؟ الوجه عدمه ، وتردّد الشيخ (٢) هاهنا ضعيف.

١٥٥١. الرابع : لو نوى الحاضر في شهر رمضان صيام غيره مع الجهل ، وقع عن رمضان ، أمّا مع العلم ، فقيل : انّه كذلك (٣) ، وقيل : لا يجزئ عن أحدهما (٤) ، ونحن في هذا من المتوقّفين.

١٥٥٢. الخامس : وقت النيّة في الصوم المعيّن ، كرمضان ، والنذر المعيّن ، من أوّل الليل حتّى يطلع الفجر ، فتضيّق قبل طلوعه بمقدار إيقاعها ، فلو أخّرها مع العلم حتّى طلع الفجر ، فسد صوم ذلك اليوم ، ووجب قضاؤه.

ولو تركها ناسيا أو لعذر ، جاز تجديدها إلى الزوال ، ولو نوى أيّ وقت كان من الليل أجزأه ، ويجوز مقارنتها لطلوع الفجر.

ولا يشترط في النيّة من الليل الاستمرار على حكم الصوم ، بل يجوز أن ينوي ليلا ويفعل بعدها ما ينافي الصوم إلى قبل الفجر ، وأن ينام بعد النيّة ، نعم يشترط الاستمرار على النية.

__________________

(١) اسم كان محذوف أي كان سفره ، سفر التقصير.

(٢) المبسوط : ١ / ٢٧٧.

(٣) القائل هو الشيخ في المبسوط : ١ / ٢٧٦ ؛ والخلاف : ٢ / ١٦٤ ، المسألة ٤ من كتاب الصوم.

(٤) القائل هو الحلّي في السرائر : ١ / ٣٧٢ ؛ ولاحظ المختلف : ٣ / ٣٧٦.

٤٥٤

أمّا غير المعيّن ، كالقضاء ، والنذر المطلق ، فوقته من الليل مستمرّ إلى الزوال ، ويجوز إيقاعها في أيّ جزء كان من هذا الزمان ، إذا لم يفعل المنافي نهارا.

١٥٥٣. السادس : وقت نيّة النفل من الليل إلى الزوال ، أيّ وقت نوى من هذه المدة أجزأه عند جماعة من علمائنا (١) ، وعند الآخرين (٢) يمتدّ وقتها بامتداد النهار ، فيجوز النيّة بعد الزوال إلى أن يبقى من النهار ما يصحّ صومه ، أمّا لو انتهى النهار بانتهاء النيّة لم يقع الصوم ، وهو عندي حسن.

١٥٥٤. السابع : هل يحكم بالصوم الشرعيّ المثاب عليه من وقت النيّة ، أو من ابتداء النهار؟ ، قال الشيخ في الخلاف (٣) بالثاني ، وهو المعتمد.

١٥٥٥. الثامن : قال الشيخ في الخلاف : جوّز أصحابنا في رمضان أن تتقدّم نيّته عليه بيوم أو أيّام (٤). وفي المبسوط : لو نوى قبل الهلال صوم الشهر أجزأه النيّة السابقة إن عرض له ليلة الصيام سهو ، أو نوم أو إغماء ، وإن كان ذاكرا فلا بدّ من تجديدها (٥) ، وكلاهما عندي مشكل.

١٥٥٦. التاسع : ادّعى الشيخ رحمه‌الله (٦) والسيّد المرتضى قدس‌سره (٧) الإجماع على أنّه

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف : ٢ / ١٦٧ ، المسألة ٦ من كتاب الصوم ؛ والمبسوط : ١ / ٢٧٧.

(٢) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ٢٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١ / ٣٧٣.

(٣) الخلاف : ٢ / ١٦٩ ، المسألة ٧ من كتاب الصوم.

(٤) الخلاف : ٢ / ١٦٦ ، المسألة ٥ من كتاب الصوم.

(٥) المبسوط : ١ / ٢٧٦.

(٦) الخلاف : ٢ / ١٦٣ ، المسألة ٣ من كتاب الصوم.

(٧) الانتصار : ٦١ ـ ٦٢.

٤٥٥

يكفي في رمضان نيّة واحدة من أوّل الشهر عن الشهر كلّه ، ولا يحتاج إلى تجديد نيّة كلّ ليلة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الأولى تجديدها كلّ ليلة إن قلنا بما ذهبا إليه ، ولا يتعدّى الحكم في النذر المعين ، وعلى قولهما لو فاتته النيّة من أوّل الشهر لعذر وغيره ، هل يكتفي بالواحدة في ثاني ليلة أو ثالث ليلة عن باقي الشهر؟ الأقرب عدم الاكتفاء.

١٥٥٧. العاشر : لا يكره صوم الثلاثين من شعبان ، بل يستحبّ على أنّه من شعبان ، سواء كان هنا مانع من الرؤية أو لا ، وسواء كان صائما قبله أو لا ، وكره المفيد صومه مع الصّحو إلّا لمن كان صائما قبله (١).

١٥٥٨. الحادي عشر : لو لم تحصل الرؤية ، ونوى صومه من رمضان ، كان حراما ، ولم يجزئه لو خرج من رمضان ، وتردّد الشيخ في الخلاف (٢) فلو ثبت الهلال قبل الزوال جدّد النيّة وأجزأه.

ولو نواه من شعبان ، ثمّ بان من رمضان ، والنهار باق ، جدّد نيّة الوجوب ، وأجزأه ، ولو لم يعلم حتّى فات النهار أجزأه.

ولو نوى أنّه واجب أو ندب ، ولم يعيّن (٣) ، لم يصحّ صومه ولا يجزئه لو خرج من رمضان ، إلّا أن يجدّد النيّة قبل الزوال.

ولو نوى أنّه إن كان من رمضان فهو واجب ، وإن كان من شعبان فهو

__________________

(١) حكى عنه المحقّق في المعتبر : ٢ / ٦٥٠.

(٢) الخلاف : ٢ / ١٨٠ ، المسألة ٢٣ من كتاب الصوم.

(٣) في «أ» : ولم يتعيّن.

٤٥٦

ندب ، ثمّ بان أنّه من رمضان ، فللشيخ قولان : أحدهما الإجزاء (١) ، والثاني عدمه (٢).

١٥٥٩. الثاني عشر : لو نوى الإفطار ، لاعتقاد أنّه من شعبان ، فبان من رمضان قبل الزوال ، ولم يتناول المفطر ، نوى الصوم الواجب وأجزأه ، ولو ظهر بعد الزوال ، أمسك بقيّة نهاره ، ووجب القضاء.

١٥٦٠. الثالث عشر : لو نوى الصوم في رمضان ، ثمّ نوى الخروج منه بعد انعقاده ، قال الشيخ : لا يبطل صومه (٣) ، وعندي فيه نظر ، وكذا لو شك هل يخرج أم لا على تردّد ضعيف.

ولو نوى أنّه يصوم غدا من رمضان لسنة تسعين مثلا ، وكانت سنة إحدى وتسعين ، صحّت نيّته.

أمّا لو كان عليه قضاء اليوم الأوّل من رمضان ، فنوى قضاء اليوم الثاني ، أو كان عليه صوم من سنة أربع ، فنواه من سنة خمس ، فالوجه عدم الإجزاء.

١٥٦١. الرابع عشر : لو أخبره عدل واحد بالهلال ، وقلنا بعدم الاكتفاء ، فأقرب الوجهين أنّه لا يجوز أن ينويه (٤) عن رمضان واجبا ، وكذا لو كان عارفا بحساب المنازل والتسيير ، أو أخبره العارف بذلك بالهلال من غير مشاهدة.

١٥٦٢. الخامس عشر : لو نوى أنّه صائم غدا إن شاء الله ، فإن قصد الشك

__________________

(١) الخلاف : ٢ / ١٧٩ ، المسألة ٢٢ من كتاب الصوم ؛ والمبسوط : ١ / ٢٧٧.

(٢) لاحظ النهاية : ١٥١. قال المصنّف في المختلف : ٣ / ٣٨٣ : لو نوى ليلة الشك أنّه إن كان غدا من شهر رمضان فهو صائم فرضا ، وإن كان من شعبان فهو صائم نفلا ، للشيخ قولان : أحدهما الإجزاء ذكره في المبسوط والخلاف ، والثاني العدم ذكره في باقي كتبه.

(٣) المبسوط : ١ / ٢٧٨.

(٤) في «ب» : أن ينوي به.

٤٥٧

والتردّد لم يصحّ صومه ، وإن قصد التبرّك وأنّه موقوف على المشيئة والتوفيق ، صحّ صومه.

١٥٦٣. السادس عشر : لو نوى قضاء رمضان ، أو تطوّعا ولم يعيّن ، لم يصحّ.

١٥٦٤. السابع عشر : لو نوى ليلة الثلاثين من رمضان أنّه إن كان غدا منه فهو صائم ، وإن كان من شوال فهو مفطر ، ففي صحّة الصوم نظر.

١٥٦٥. الثامن عشر : لو ترك النيّة عامدا حتّى زالت الشمس ، وجب عليه الإمساك ، والقضاء ، وهل يثاب على الإمساك؟ الوجه عندي انّه يثاب ثواب الإمساك لا ثواب الصوم.

١٥٦٦. التاسع عشر : لو أصبح بنيّة الإفطار مع علمه بأنّه من الشهر ووجوبه عليه ، ثمّ جدّد النيّة لم يجزئه ، سواء كان قبل الزوال أو بعده ، ووجب عليه الإمساك ، سواء أفطر أو لا ، ثمّ يقضي واجبا.

١٥٦٧. العشرون : قال الشيخ في المبسوط : النيّة إرادة ، فلا تتعلّق بالعدم ، بل بتوطين النفس على الامتناع ، أو فعل كراهيّة لحدوث (١) المفطرات (٢).

وتحقيقه أنّ العزم لاستمراره غير مقدور ، والصوم عبارة عن نفي المفطرات ، فلا تتعلّق النيّة به ، بل متعلّق الإرادة توطين النفس على الامتناع

__________________

(١) في «أ» : بحدوث.

(٢) المبسوط : ١ / ٢٧٨ ، وقد نقل عبارة المبسوط بإيجاز وإليك نصّه : والنية وإن كانت إرادة لا تتعلّق إلّا بالحدوث بأن لا يكون الشي‌ء قائما ، وانّما تتعلّق بالصوم بإحداث توطين النفس وقهرها على الامتناع بتجديد الخوف من عقاب الله وغير ذلك ، أو بفعل كراهية لحدوث هذه الأشياء ، فتكون متعلقة على هذا الوجه ، فلا تنافي الأصول.

٤٥٨

وقهرها عليه ، بتخويفها من العقاب ، وهو وجوديّ ، أو بحدث (١) كراهيّة يتعلّق بإحداث المفطرات.

١٥٦٨. الحادي والعشرون : صوم الصبيّ المميّز شرعيّ ، ونيّته معتبرة ، ولو بلغ قبل الزوال بغير المبطل ، وجب عليه تجديد نيّة الفرض ، وإلّا فلا.

١٥٦٩. الثاني والعشرون : لو نوى صوم يوم الشكّ عن فرض عليه ، أجزأه إذا استمرّ الشك ، أو بان أنّه من شعبان ، ولو بان أنّه من رمضان أجزأه عنه ، ووجب عليه قضاء ما نواه.

١٥٧٠. الثالث والعشرون : لو صام أحد الأيّام المكروهة عن فرض عليه ، أجزأه.

١٥٧١. الرابع والعشرون : لو أمسكه غيره عمّا يجب الإمساك عنه ، فإن نوى مع ذلك صحّ وكان بحكم الصائم ، وإن لم ينو ، وجب القضاء.

١٥٧٢. الخامس والعشرون : الكافر يجب عليه الصوم ، ولا يصحّ منه ، لامتناع نيّة التقرّب منه ما دام كافرا ، فإذا أسلم سقط القضاء.

أمّا المرتدّ ، فيجب عليه ، ولا يصحّ منه ، ويقضي بعد عوده.

ولو نوى الصوم ثمّ ارتدّ في أثنائه ، ثمّ عاد قبل تناول المفطر ، قال الشيخ رضى الله عنه : صحّ صومه (٢) ، وعندي فيه نظر.

__________________

(١) أي تتعلّق الإرادة بإحداث كراهيّة في النفس بالنسبة إلى المفطرات فيكون متعلّقها أمرا وجوديا.

(٢) المبسوط : ١ / ٢٦٦.

٤٥٩
٤٦٠