الوجه الأوّل : ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله وحاصله : إنّ المقدّر لخبر « لا » هو لفظ « موجود » أي لا إله موجود إلاّ الله ، ولكن المراد من الإله هو واجب الوجود ، وحينئذٍ نفي وجود غيره في الخارج وإثبات فرد من الواجب في الخارج ممّا يدلّ على إمتناع غيره ، إذ لو لم يكن الغير ممتنعاً لوجد في الخارج ، لأنّ المفروض إنّه واجب لا ممكن.
الوجه الثاني : ما أفاده المحقّق الإصفهاني رحمهالله وحاصله : سواء كان المقدّر لفظ « موجود » أو لفظ « ممكن » كان وجود الغير وإمكانه معاً منتفيان ، إمّا بناءً على الأوّل فبنفس ما ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله ، وأمّا بناءً على الثاني فلأنّه يكون المراد من الإله في هذا الحال أيضاً هو واجب الوجود ، أي لا واجب ممكن إلاّ الله ، فينفي إمكان الغير بالمدلول المطابقي ووجود الغير بالمدلول الالتزامي ( على عكس الصورة الاولى ) لأنّ ما ليس بممكن لا يكون موجوداً بالملازمة كما لا يخفى ، كما أنّه يثبت إمكان وجود الباري تعالى بالمطابقة ووجوده في الخارج بالملازمة لأنّه إذا كان واجب الوجود ممكناً كان موجوداً لا محالة لوجوبه (١).
الوجه الثالث : ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله فإنّه قال : « يمكن أن يقال : إنّ كلمة لا الواقعة في كلمة التوحيد مستغنية عن الخبر كما هو الحال في كلمة لولا الامتناعيّة وفي كلمة ليس التامّة ، وأمّا ما ذكره النحويون من كون الخبر محذوفاً في هذه الموارد فلا يبعد أن يكون مرادهم به عدم الحاجة إلى الخبر فيها لا أنّه محذوف حقيقة ، فكلمة « لا » تدلّ على عدم تقرّر مدخولها في الوعاء المناسب له ، ففي الرّواية المعروفة ( لولا علي لهلك عمر ) يكون المراد ترتّب الهلاك على عدم تقرّر علي عليهالسلام في الخارج ، لأنّ هذا هو الوعاء المناسب لتقرّره عليهالسلام ، وإمّا في كلمة التوحيد فالمراد من التقرّر المنفي هو التقرّر مطلقاً ولو في مرحلة الإمكان ، فتدلّ الكلمة المباركة على نفي الوجود والإمكان عن غير الله وإثبات كليهما له تبارك وتعالى » (٢).
أقول : الإنصاف أنّ ما أفاده العلمان الأوّلان ( المحقّق الخراساني والمحقّق الإصفهاني رحمهما الله ) كلاهما لا يكفيان لدفع الإشكال لأنّهما مبنيان على دقّة عقليّة فلسفيّة لا يفهمها إلاّ الفيلسوف ، مع أنّ المفروض أنّ هذه الكلمة من أي شخص صدرت تدلّ على إسلامه ، وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله فإنّه أيضاً غير تامّ لجهة اخرى وهي أنّه لم يثبت استعمال كلمة « لا » تامّة نظير ليس
__________________
(١) راجع نهاية الدراية : ج ١ ، ص ٣٣٢ ، من الطبع القديم.
(٢) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٤٠.