في كلمة « من » فإنّها وردت في الاولى لا الثانية ).
وهاتان الآيتان بشهادة صدرهما نزلتا في من كانوا يعترضون على النبي صلىاللهعليهوآله بأنّه لِمَ خلق بشراً أو لا يكون معه ملك ، فأجابتا عن هذا الإشكال بأنّ هذا ليس أمراً جديداً بل كان الأمر كذلك في الأنبياء السلف ، وإن أردتم شاهداً على هذا فاسألوا أهل الذكر ، فمورد الآية مسألة من مسائل أصل النبوّة ( الذي هو من جملة اصول الدين ) وهي أنّه هل يمكن أن يكون النبي صلىاللهعليهوآله بشراً أو لا؟
والاستدلال بهذه الآية لحجّية خبر الواحد يرجع أيضاً إلى برهان اللغويّة ، وتقريبه : أنّ ظاهر الأمر بالسؤال هو وجوبه ، ووجوبه ملازم لوجوب القبول ، وإلاّ يكون وجوب السؤال لغواً ، وإطلاقه يشمل السؤال الذي يحصل من جوابه العلم وما يحصل من جوابه الظنّ ، أي يجب القبول سواء حصل العلم أم لا؟
ولكن يرد عليه :
أوّلاً : ما أورده كثير من الأعلام وهو أنّه يمكن أن تكون فائدة وجوب السؤال هي حصول العلم بالسؤال فيخرج عن اللغويّة.
ويمكن دفع هذا الإشكال بإطلاق وجوب السؤال ، لأنّ لازمه إطلاق وجوب القبول.
وثانياً : أنّ مفادها أخصّ من المدّعى ، لأنّها تدلّ على وجوب القبول في خصوص مورد السؤال ، بينما محلّ النزاع مطلق أخبار الثقة سواء كان في قبال سؤال أم لم يكن.
والجواب عنه واضح وهو أنّ الفهم العرفي يوجب إلغاء الخصوصيّة عن مورد السؤال.
وثالثاً : أنّ قوله تعالى « أهل الذكر » ظاهر في أهل الخبرة ، فيدلّ على حجّية قول أهل الخبرة لوجود تفاسير مختلفة لأهل الذكر في كلمات المفسّرين فبعضهم فسّره بالقرآن لأنّ من أسامي القرآن الذكر كما ورد في قوله تعالى : ( وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ) (١) وبعضهم فسّره بأهل الكتاب من علماء اليهود والنصارى ، والمقصود من السؤال منهم حينئذٍ هو السؤال عن علائم النبوّة الموجودة في التوراة والإنجيل ، وثالث فسّره بأهل العلم بأخبار الماضين ، ورابع فسّره بالأئمّة صلوات الله عليهم لأنّ من أسامي الرسول أيضاً الذكر كما ورد في قوله تعالى :
__________________
(١) سورة الأنبياء : الآية ٥٠.