لأنّ المفروض عدم وجود تقدير في الآية ، فالواجب على الجميع النفر للتفقّه هناك.
الوجه الثالث : أن يكون المراد من النفر النفر إلى محضر الرسول صلىاللهعليهوآله لتحصيل الدين ، ومعنى الآية : لا يجوز لمؤمني البلاد أن يخرجوا كافّة من أوطانهم إلى المدينة للتفقّه للزوم اختلال النظام.
وهذا الوجه وإن يوجب التخلّص من إشكال التقدير ولكن يرد عليه :
أوّلاً : أنّ النهي عن شيء إنّما يصحّ فيما إذا كان الشخص في معرض إرتكاب ذلك الشيء ، وهو ممنوع في مورد الآية ، لأنّا لا نرى من نفر جميع المسلمين إلى محضر الرسول للتفقّه أثراً في الأخبار والتاريخ.
ثانياً : أنّه خلاف اتّحاد سياق هذه الآية مع الآية السابقة واللاحقة لأنّ موردها هو الجهاد.
الوجه الرابع : أن تكون الآية ناظرة إلى جماعة من الصحابة كانوا يتوجّهون من المدينة إلى القبائل لتبليغ الأحكام والناس يهدون إليهم هدايا وعطايا ، وصار هذا الأمر سبباً لإتّهامهم بعدم الخلوص في نيّاتهم فتركوا هذه الرسالة ، فنزلت الآية.
ويرد على هذا الوجه أيضاً أنّه لا يساعد صدر الآية الظاهر في أنّ جميع المؤمنون كانوا يخرجون من المدينة ، بينما المفروض في هذا الوجه خروج جماعة منهم ، هذا أوّلاً.
وثانياً : لازم هذا الوجه أن يكون النفر للتعليم لا للتفقّه.
الوجه الخامس : أن نلتزم بالتفكيك بين النفر الأوّل وبين النفر الثاني ، فيكون الأوّل بمعنى النفر إلى الجهاد ،
والثاني بمعنى النفر إلى التفقّه ، فمعنى الآية : أيّها المؤمنون لا يخرج جميعكم إلى الجهاد بل تخرج طائفة إليه وطائفة إلى التعلّم والتفقّه.
وفيه : أنّه خلاف وحدة السياق فإنّها تقتضي أن يكون النفر في الآية بمعنى واحد.
فقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنّه يلزم إرتكاب خلاف الظاهر على كلّ حال.
لكن الإنصاف أنّ أخفّها مؤونة وأقلّها محذوراً هو التفسير الأوّل كما يؤيّده ما ورد في ذيل الآية من شأن النزول فإنّها وردت بعد نزول آيات الجهاد وذمّ المنافقين لأجل تركهم الجهاد ، فكان المؤمنون يخرجون إلى الجهاد جميعاً لئلا يعمّهم ذمّ الآيات ، فنزلت الآية ونهت عن خروج الجميع ، هذا أوّلاً.
ويؤيّده ثانياً : ما رواه الشيخ الطبرسي رحمهالله في مجمع البيان ( وأسنده إلى الإمام الباقر عليهالسلام