متواترة إجمالاً يقتضي حصول العلم الإجمالي بصدور واحد من الأخبار على الأقلّ ، فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن منها ، وهو أخصّها مضموناً ، ومن المعلوم أنّ أخصّها مضموناً هو المخالف للكتاب والسنّة ( سنّة محمّد صلىاللهعليهوآله ) معاً فيختصّ عدم الحجّية بذلك بنحو قضيّة السالبة الجزئيّة ، وهذا لا يضرّ بمدّعى المثبتين ، أي اعتبار خبر الواحد في الجملة لأنّ السالبة الجزئيّة لا تنافي الموجبة الجزئيّة.
ثمّ إنّ المراد من المخالفة هل هي المخالفة على نحو التباين ، أو العموم من وجه؟
الصحيح هو الأوّل ، لأنّه لا إشكال في صدور مخصّصات خصّصت بها عمومات الكتاب ويستلزم من طرحها رفع اليد عن كثير من الأحكام الشرعيّة ، نظير ما ورد في قبال عموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ويدلّ على شرطيّة عدم الجهل في المبيع وغير ذلك من الشرائط الشرعيّة المجعولة في العقود ، وهي كثيرة جدّاً ، ونظير ما ورد في قبال إطلاق قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ) ممّا يدلّ على النصاب والمقدار والحول وغيرها.
إن قلت : المخالفة على نحو التباين الكلّي لا يوجد لها مصداق في جوامع الحديث التي بأيدينا اليوم ، وهذا لا يناسب كثرة الرّوايات الدالّة على طرح الخبر المخالف للكتاب وشدّة إهتمام الأئمّة عليهمالسلام به.
قلنا : الأخبار الموجودة في كتب الحديث في يومنا هذا قد خرجت من مصافٍ عديدة تحت أيدي مؤلّفي هذه الكتب كالشيخ الطوسي رحمهالله والشيخ الصدوق والكليني رحمهالله فمن المسلّم صدور روايات متباينة مع الكتاب والسنّة قبل تأليف هذه الجوامع.
هذا مضافاً إلى وجود روايات متباينة بين الرّوايات الموجودة حاليّاً أيضاً مثل ما نسب إلى أمير المؤمنين علي عليهالسلام أنّه قال : أنّي خالق السموات والأرض ... الخ » ، لأنّ هذا مخالف لصريح آيات الكتاب ممّا ينسب الخلق إلى الله تعالى فقط ، ومثل رواية تدلّ على « أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله » (١) ، وهو مخالف لصريح قوله تعالى : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) إلاّ أن
__________________
التواتر الإجمالي : فهو أن يكون هناك جملة من الأخبار مع اختلافها بحسب اللفظ والمعنى والعلم إجمالاً بصدور بعضها بحيث يستحيل عادةً أن يكون كلّها كاذبة كالعلم بصدور طائفة من الرّوايات الموجودة في الكافي إجمالاً مع ورودها في أبواب مختلفة.
(١) يمكن أن يقال : إنّ هذه الرّواية ليست مخالفة لتلك الآية ، لأنّ وزر الأهل ليس وزراً اخرى للإنسان بل يعدّ وزراً لنفس الإنسان ووزر عمله بالنسبة إلى أهله.