وحسن الأشياء أو المفاسد وقبحها لما مرّ من حكمه بحسن الإحسان وإعانة المظلومين وقبح الظلم وقتل النفس المحترمة ، والمنكر ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان.
هذا كلّه هو المقام الأوّل ، وهو إنكارهم الملازمة بين حكم العقل والشرع.
أمّا المقام الثاني : وهو عدم حصول القطع من المقدّمات العقليّة النظريّة فنسب إلى بعض الأخباريين أنّه لا يحصل القطع من المقدّمات العقليّة لكثرة وقوع الخطأ فيها.
والجواب عنه :
أوّلاً : أنّ ما ذهبوا إليه بنفسه دليل وبرهان عقلي اقيم على نفي العقل.
ثانياً : أنّه ينتقض بوقوع الخطأ والاختلاف الكثير بين الذين لا يعتمدون إلاّعلى الأدلّة النقليّة ، وحيث إن بعضهم تفطّن لذلك ـ أجاب عنه بأنّه إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدّمة عقليّة باطلة بالمقدّمة النقليّة الظنّية أو القطعيّة ، ولكنّه خلاف الإنصاف لانتقاضه بوقوع الاختلاف بين الأخباريين المنكرين لحجّية العقل أيضاً فإنّهم كثيراً ما يختلفون في ظهورات الأدلّة النقليّة واستظهاراتهم منها.
ثالثاً : أنّ هذا أيضاً خروج عن المفروض في محلّ النزاع لأنّ البحث هنا في حجّية القطع على فرض حصوله من المقدّمات العقليّة.
رابعاً : أنّ عزل العقل عن الإدراك والحجّية بالمرّة يوجب سدّ باب إثبات الصانع وسائر الاصول الاعتقاديّة ، وإثباتها بالأدلّة النقليّة دور واضح.
ثمّ إنّ للمحدّث الاسترابادي رحمهالله في المقام كلاماً لإثبات عدم حصول القطع من المقدّمات العقليّة ، ونقله شيخنا الأعظم رحمهالله في رسائله ، وحاصله ببيان منّا : أنّ العلوم مطلقاً على ثلاثة أقسام :
الأوّل : ما ينتهي إلى الحسّ كالعلوم التجربيّة.
الثاني : ما ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس ، ومن هذا القسم علم الهندسة والحساب وأكثر أبواب المنطق.
الثالث : ما ينتهي إلى مادّة بعيدة عن الإحساس ومن هذا القسم الحكمة الإلهية والطبيعية وعلم الكلام وعلم اصول الفقه والمسائل النظريّة الفقهيّة وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق.