ثالثها : أنّه لا ريب في أنّ الملاك ربّما يكون في بعض الأفراد دون بعض ، ومع ذلك يجعل الحكم على كلّي يشملهما ، وهذا كما في باب العدّة ، فإنّ مصلحة حفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه اقتضت تشريع حكم العدّة مطلقاً حتّى فيما لا يلزم فيه من عدم العدّة اختلاط المياه فقد تخلّف الحكم في تلك الموارد عن الملاك.
وجوابه : أنّ المصلحة على قسمين : مصلحة نفس الحكم التي يمكن أن يكون نوعيّة غالبية ولا تكون موجودة في جميع الأفراد والمصاديق ، ومصلحة كلّية الحكم ، فيمكن أن لا يوجد في فرد مصلحة نفس الحكم ، وفي نفس الحال لا يستثنى ولا يخصّص ذلك الفرد لوجود المصلحة الثانية ، أي مصلحة كلّية الحكم فيه ، وذلك مثل حرمة الخمر الجارية في جميع مصاديقها مع أنّ مفسدتها وهي السكر لا يوجد في قطرة واحدة منها مثلاً ، ومع ذلك يكون شربها حراماً حفظاً لكلّية الحكم ، وأين ذلك من الالتزام بعدم تبعية الحكم للملاك كما هو المدّعى؟
رابعها : أنّه لا ريب في أنّ الملاك والمصلحة في العبادات إنّما يترتّب على إتيانها بقصد قربى لا على مجرّد وجوداتها في الخارج ، ومن المعلوم أنّ الأوامر فيها لا تتعلّق إلاّبأنفسها لما ذكر في محلّه من عدم جواز قصد القربة في متعلّق الأمر ، فما فيه الملاك يستحيل تعلّق الأمر به ، وما تعلّق به الأمر لا يكون واجداً للملاك على الفرض.
وجوابه : أنّه قد مرّ في محلّه إمكان أخذ قصد القربة في المأمور به بلا إشكال فراجع.
خامسها : أنّه ثبت لنا في الشريعة موارد لم يحكم الشارع فيها على طبق الملاكات الموجودة فيها كما هو مقتضى قوله صلىاللهعليهوآله « لولا أن أشقّ على امّتي لأمرتهم بالسواك » بل أمرنا بالسكوت فيما سكت الله عنه في قوله صلىاللهعليهوآله « اسكتوا عمّا سكت الله عنه فإنّ الله لم يسكت عنها نسياناً الخ » فإذا أمكن تخلّف الحكم الشرعي عن الملاك ولو في مورد واحد فبمجرّد إدراك العقل لحسن شيء أو قبحه لا يمكن استكشاف الحكم الشرعي في ذلك المورد بل لابدّ من السكوت فيه.
وجوابه واضح : لأنّ المقصود في هاتين الروايتين أنّ عدم الحكم الشرعي مع وجود الملاك يكون لوجود مصلحة أهمّ التي تمنع عن الحكم ، وإن شئت قلت : إنّ مصلحة الحكم هنا معارضة مع مفسدة العسر والحرج وأشباهه ، وبعبارة اخرى : أنّ محلّ الكلام إنّما هو في مورد لا يتطرّق فيه احتمال المزاحم مثل المشقّة ونحوها ، إذ معه لا يمكن استقلال العقل حتّى يستكشف منه الحكم الشرعي.