ثانيهما
: ما مرّ من اجتماع
الضدّين ، وإن شئت فعبّر عنه بالتناقض.
إن
قلت : اجتماع الضدّين
ليس مستحيلاً في الامور الاعتباريّة.
قلت
: إنّه كذلك ،
ولكنّه قبيح عن الحكيم ، وبعبارة
اخرى : علم العبد بعدم
صدور القبيح من المولى يوجب إيجاد التناقض في ذهنه ، وحينئذٍ لا حاجة لتتميم
الإشكال إلى ارجاعه بالنسبة إلى ذهن المولى وإرادته كما فعل في تهذيب الاصول بل
بهذا البيان يتصوّر هو أيضاً بالنسبة إلى ذهن العبد.
بقي هنا أمران :
الأمر
الأوّل : أنّ هذا كلّه في
القطع الحقيقي ، أمّا القطع العادي العرفي وهو المسمّى بالاطمئنان والوارد في الآراء
العلميّة والنظرات الفلسفية ( غير البديهيات أو شبهها ) فلا يجري فيه هذا الكلام ،
فإن كلّ إنسان يحتمل خطأه في بعض آرائه العلميّة النظريّة مع كثرتها ، ولا يوجد
إنسان لا يحتمل الخطأ في شيء من آرائه النظريّة أبداً ، وحينئذٍ نقول : كيف يجتمع
العلم في كلّ واحد من هذه الآراء مع احتمال الخطأ في بعضها ، وهل تجتمع الموجبة
الكلّية مع السالبة الجزئيّة ، وهذا دليل على أنّ ما نسمّيه قطعاً في المسائل
العلميّة في الحقيقة من قبيل الاطمئنان لا القطع الحقيقي الذي لا تجتمع مع احتمال
الخطأ أبداً ، فلو تأمّلت في ما ذكرنا تعرف أنّ العلم الحاصل لنا في هذه المسائل
من قبيل العلم العرفي لا العلم الحقيقي ، فتدبّر جيّداً.
وفي مثل هذا النوع
من القطع يمكن أن تكون حجّيته قابلة للجعل لاستقرار بناء العقلاء على حجّيته ،
والشارع أيضاً أمضى ذلك إلاّبالنسبة إلى بعض الموارد ولعلّ من هذا البعض باب
الطهارة والنجاسة حيث إن الظاهر أنّه اعتبر فيه حصول القطع الحقيقي الحسّي أو
كالحسّي ولم يمض الشارع بناءهم هنا ، وإلاّ يشكل الأمر على كثير من الناس في هذا
الباب كما لا يخفى على الخبير.
الأمر
الثاني : أنّ ما تقدّم من
كون القطع منجزاً للتكليف أو معذّراً له إنّما هو فيما إذا كان التكليف المتعلّق
به القطع فعليّاً لا إنشائيّاً محضاً ، ولذلك ينبغي الإشارة هنا إلى مراتب الحكم فنقول : قد ذكروا للحكم مراتب أربع :
الاولى
: مرتبة الاقتضاء
وهي مرتبة الملاك والمصلحة.