ذلك ممّا تعلّق النفي فيه بنفس الفعل.
ثانيهما : آيات التحريم نحو ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ) و ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) و ( حُرِّمَتْ عَلَيكُم الخَمرِ ) و ( حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ) ونظائرها من التحريم المضاف إلى الأعيان.
فلا يخفى أنّ البحث عن هذين الموردين من شأن الاصولي لأنّ في كلّ منهما يمكن أن توجد قاعدة كلّية تقع كبرى لاستنباط الحكم الشرعي.
فنقول : أمّا الجمل المشتملة على « لا » النافيّة للجنس فاختلف في أنّها هل هي من المبيّن أو المجمل؟ فعدّها بعض من المجمل ، مستدلاً بأنّ العرف في مثلها يفهم نفي الصحّة تارةً ونفي الكمال ، اخرى وذلك يوجب التردّد الموجب للإجمال ، والأكثر على أنّها مبيّنة فيحمل النفي على نفي الماهيّة إن قلنا بمذهب الصحيحي ، وإن قلنا بمذهب الأعمّي فيحمل على نفي أقرب المجازات بالنسبة إلى الحقيقة المتعذّرة وهو الصحّة ، وإلاّ فإن تعذّر الحمل على نفي الصحّة أيضاً لقيام قرينة عليه مثلاً ، يحمل على نفي الكمال ، كما أنّه من هذا الباب قوله عليهالسلام « لا صلاة لجار المسجد إلاّفي المسجد ».
أقول : إنّا نوافقهم عليه في أصل المدّعى ، أي كون المورد المذكور من المبيّن لكن لا بالطريق الذي مشى عليه المشهور من كون المستعمل فيه في كلّ مرتبة من المراتب الثلاثة المذكورة في كلامهم غيره في الآخرين ، بل نقول : أنّ المستعمل فيه في جميع المراتب إنّما هو نفي وجود الماهيّة ، إلاّ أنّه في المرتبة الثانية والثالثة يكون بعد تحقّق إدّعاء ، وهو ادّعاء أنّ عدم الصحّة أو عدم الكمال بمنزلة عدم وجود الماهيّة.
وبهذا يظهر الجواب عمّا اورد على مذهب المشهور وذكره في الفصول من أنّ اللغة لا تثبت بالتراجيح العقليّة لأنّا لم نتجاوز عن المعنى اللغوي لكلمة « لا » ( أي نفي وجود الماهيّة والجنس ) بل حملناها عليه في جميع المراتب ، وعليه فلا تصل النوبة إلى ما ذكره صاحب الفصول في مقام الجواب ، هذا كلّه في المورد الأوّل.
أمّا المورد الثاني : وهو التحريم المضاف إلى الأعيان فعدّه بعضهم من المجمل نظراً إلى أنّ إضافة التحريم إلى العين غير معقولة فلا بدّ من إضمار فعل يصلح أن يكون متعلّقاً له ، وحيث إن الأفعال كثيرة ففي مثل صيد البر يحتمل أن يكون المحرّم اصطياده أو أكله فيصير الكلام مجملاً.