بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ورجونا ان لا نظلم عندك أيها الملك.
قالت : فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ قالت : فقال له جعفر : نعم ، فقال له النجاشي : فاقرأه عليّ. قالت : فقرأ عليه صدراً من ( كهيعص ). قالت : فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكت أساقفته حتى اخضلوا (١) مصاحفهم ، حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال لهم النجاشي : إن هذا الدين ، والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة (٢) انطلقا ، فلا والله لا اسلمهم إليكما ، ولا يُكادون.
قالت : فلما خرجا من عنده ، قال عمرو بن العاص : والله لآتينه غداً عنهم بما أستأصل به خضرائهم (٣). قالت : فقال له عبد الله بن ابي ربيعة وكان أتقى الرجلين : لا نفعل ، فإن لهم ارحاماً وإن كانوا قد خالفونا.
قال : والله لاخبرنه انهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد. قالت : ثم غدا عليه من الغد ، فقال له : أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً ، فأرسل إليهم ، فسلهم عما يقولون فيه.
قالت : ولم ينزل بنا مثلها قط : فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه ...؟ قالوا : نقول والله ما قال الله ، وما جاءنا به نبينا ، كائناً في ذلك ما هو كائن.
__________________
(١) اخضل : ابل ـ واخضلت لحيته : ابتلت.
(٢) المشكاة : قال في لسان العرب : « وفي حديث النجاشي : إنما يخرجوا من مشكاة واحدة. المشكاة : الكوة غير النافذة ؛ وقيل هي الحديدة التي يعلق عليها القنديل ». اراد القرآن ـ والأنجيل كلام الله تعالى ـ وأنهما من شيء واحد.
(٣) خضراءهم ـ معناه : شجرتهم التي منها تفرعوا.