وقوله : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ ...) (٣٩)
يقرأ بالتذكير والتأنيث (١). وكذلك فعل الملائكة وما أشبههم من الجمع : يؤنّث ويذكّر. وقرأت القراء يعرج الملائكة (٢) ، و (تَعْرُجُ) و (تَتَوَفَّاهُمُ) (٣) ـ و ـ يتوفاهم الملائكة» وكلّ صواب. فمن ذكّر ذهب إلى معنى التذكير ، ومن أنّث فلتأنيث الاسم ، وأن الجماعة من الرجال والنساء وغيرهم يقع عليه (٤) التأنيث. والملائكة فى هذا الموضع جبريل صلىاللهعليهوسلم وحده. وذلك جائز فى العربيّة : أن يخبر عن الواحد بمذهب الجمع ؛ كما تقول فى الكلام : خرج فلان فى السفن ، وإنما خرج فى سفينة واحدة ، وخرج على البغال ، وإنما ركب بغلا واحدا. وتقول : ممّن سمعت هذا الخبر؟ فيقول : من الناس ، وإنما سمعه من رجل واحد. وقد قال الله تبارك وتعالى : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) (٥) ، (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) (٦) ومعناهما والله أعلم واحد : وذلك جائز فيما لم يقصد فيه قصد واحد بعينه.
وقوله (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ) تقرأ بالكسر. والنصب فيها أجود فى العربيّة. فمن فتح (أنّ) أوقع النداء عليها ؛ كأنه قال : نادوه بذلك أن الله يبشرك. ومن كسر قال : النداء (٧) فى مذهب القول ، والقول حكاية. فاكسر إنّ بمعنى الحكاية. وفى قراءة عبد الله فناداه الملائكة وهو قائم يصلّى فى المحراب يا زكريا إن الله يبشرك فإذا أوقع النداء على منادى ظاهر مثل (يا زَكَرِيَّا) وأشباهه كسرت (إن) لأن الحكاية تخلص ، إذا كان ما فيه (يا) ينادى بها ، لا يخلص إليها رفع ولا نصب ؛ ألا ترى أنك تقول : يا زيد إنك قائم ، ولا يجوز يا زيد أنك قائم. وإذا قلت :
__________________
(١) قرأ العامة : «فنادته الملائكة» ، بالتأنيث ، وقرأ حمزة والكسائي : «فناداه الملائكة».
(٢) آية ٤ سورة المعارج.
(٣) آية ٢٨ سورة النحل.
(٤) الضمير يعود على الجماعة ، بتأويلها بالجمع. وهذا إن لم يكن الأصل : «عليها».
(٥) آية ٣٣ سورة الروم.
(٦) آية ٨ سورة الزمر.
(٧) فى ج ، ش : «فى النداء» والوجه ما أثبت.