نقبا من مؤخّره فخرج منه ودخل ولم يخرج من الباب ، وإن كان من أهل الأخبية والفساطيط خرج من مؤخّره ودخل منه. فبينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو محرم ورجل محرم يراه ، دخل من باب حائط فاتّبعه ذلك الرجل ، فقال له : تنحّ عنى. قال : ولم؟ قال دخلت من الباب وأنت محرم. قال : إنى قد رضيت بسنّتك وهديك. قال له النبىّ صلىاللهعليهوسلم : (إنى أحمس) (١) قال : فإذا كنت أحمس فإنى أحمس. فوفّق الله الرجل ، فأنزل الله تبارك وتعالى (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وقوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ). (١٩١)
فهذا وجه قد قرأت به العامّة. وقرأ أصحاب عبد الله «ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه ، فإن قتلوكم فقتلوهم» والمعنى هاهنا : فإن بدءوكم بالقتل فاقتلوهم. والعرب تقول : قد قتل بنو فلان إذا قتل منهم الواحد. فعلى (٢) هذا قراءة أصحاب عبد الله. وكلّ حسن.
وقوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا) فلم يبدءوكم (فَلا عُدْوانَ) على الذين انتهوا ، إنما العدوان على من ظلم : على من بدأكم ولم ينته.
فإن قال قائل : أ رأيت قوله (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) أ عدوان هو وقد أباحه الله لهم؟ قلنا : ليس بعدوان فى المعنى ، إنما هو لفظ على مثل ما سبق (٣) قبله ؛
__________________
(١) هو وصف من الحماسة بمعنى التشدّد فى الدين والصلابة فيه. وجمعه الأحامس ، وقد غلب هذا الوصف على قريش ومن لحق بهم من خزاعة وغيرهم لأنهم كانوا يتشدّدون فى دينهم فى الجاهلية.
(٢) فمعنى «فإن قتلوكم» على هذه القراءة : فإن قتلوا واحدا منكم. وبهذا يندفع سؤال بعضهم :
إذا قتلوهم كيف يقتلونهم. وانظر تفسير الطبري ٢ / ١٢٢
(٣) فى أ : «نسق».