وإنما ينصب على خروجه من المقدار الذي تراه قد ذكر قبله ، مثل ملء الأرض ، أو عدل ذلك ، فالعدل مقدار معروف ، وملء الأرض مقدار معروف ، فانصب ما أتاك على هذا المثال ما أضيف إلى شىء له قدر ؛ كقولك : عندى قدر قفيز (١) دقيقا ، وقدر حملة تبنا ، وقدر رطلين عسلا ، فهذه مقادير معروفة يخرج الذي بعدها مفسّرا ؛ لأنك ترى التفسير خارجا من الوصف يدلّ على جنس المقدار من أىّ شىء هو ؛ كما أنك إذا قلت : عندى عشرون فقد أخبرت عن عدد مجهول قد تمّ خبره ، وجهل جنسه وبقي تفسيره ، فصار هذا مفسّرا عنه ، فلذلك نصب. ولو رفعته على الائتناف لجاز ؛ كما تقول : عندى عشرون ، ثم تقول بعد : رجال ، كذلك لو قلت : ملء الأرض ، ثم قلت : ذهب ، تخبر على غير اتّصال.
وقوله : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) الواو هاهنا قد يستغنى عنها ، فلو قيل ملء الأرض ذهبا لو افتدى به كان صوابا. وهو بمنزلة قوله : (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٢) فالواو هاهنا كأن لها فعلا مضمرا (٣) بعدها.
وقوله : (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ ...) (٩٣)
يذكر فى التفسير أنه أصابه عرق النسا فجعل على نفسه إن برأ أن يحرّم أحبّ الطعام والشراب إليه ، فلمّا برأ حرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها ، وكان (٤) أحبّ الطعام والشراب إليه.
__________________
(١) القفيز : مكيال للحبوب.
(٢) آية ٧٥ سورة الأنعام.
(٣) أي كأنّ الأصل : ولو افتدى به فلن يقبل منه ؛ فحذف الجواب للدليل عليه من الكلام السابق. وكذلك قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) : فالتقدير وليكون من الموقنين أريناه ملكوت السموات والأرض.
(٤) كذا فى ش ، ج. يريد : كان كل منهما. وقد يكون الأصل : «كانا».