وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ ...) (١٩)
مردود على قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً). (أَوْ كَصَيِّبٍ) : أو كمثل صيّب ، فاستغنى بذكر (الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) فطرح ما كان ينبغى أن يكون مع الصيّب من الأسماء ، ودلّ عليه المعنى ؛ لأن المثل ضرب للنفاق ، فقال : (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) فشبّه الظلمات (١) بكفرهم ، والبرق (٢) إذا أضاء لهم فمشوا فيه بإيمانهم ، والرعد ما أتى فى القرآن من التخويف. وقد قيل فيه وجه آخر ؛ قيل : إن الرعد إنما ذكر مثلا لخوفهم من القتال إذا دعوا إليه. ألا ترى أنه قد قال فى موضع آخر : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) (٣) أي يظنّون أنهم أبدا مغلوبون. ثم قال : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) فنصب (حَذَرَ) على غير وقوع من الفعل عليه ؛ لم ترد يجعلونها حذرا ، إنما هو كقولك : أعطيتك خوفا وفرقا. فأنت لا تعطيه الخوف ، وإنما تعطيه من أجل الخوف ؛ فنصبه على التفسير ليس بالفعل ، كقوله جل وعز : (يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) (٤). وكقوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (٥) والمعرفة والنكرة تفسّران فى هذا الموضع ، وليس نصبه على طرح (مِنَ). وهو (٦) مما قد يستدل به المبتدئ للتعليم.
وقوله : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ ...) (٢٠)
والقرّاء تقرأ (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) بنصب الياء والخاء والتشديد. وبعضهم ينصب الياء ويخفض الخاء ويشدد الطاء فيقول : (يَخْطَفُ). وبعضهم يكسر
__________________
(١ ، ٢) الأولى عكس التشبيه ، فالكفر مشبه بالظلمات ، والإيمان مشبه بالبرق.
(٣) آية ٤ سورة المنافقون.
(٤) آية ٩٠ سورة الأنبياء.
(٥) آية ٥٥ سورة الأعراف.
(٦) يريد أنه قد يقرب المفعول لأجله للمبتدىء بما يصلح فيه تقدير من.