فحسن الإضمار لمّا عرف. ومثله فى سورة الواقعة : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) (١) ثم قال : (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ) فخفض بعض القراء ، ورفع بعضهم الحور العين. (٢) قال الذين رفعوا : الحور العين لا يطاف بهنّ ؛ فرفعوا على معنى قولهم : وعندهم حور عين ، أو مع ذلك حور عين ؛ فقيل (٣) : الفاكهة واللحم لا يطاف بهما إنما يطاف بالخمر وحدها ـ والله أعلم ـ ثم أتبع آخر الكلام أوّله. وهو كثير فى كلام العرب وأشعارهم ، وأنشدنى بعض بنى أسد يصف فرسه :
علفتها تبنا وماء باردا |
|
حتى شتت همّالة عيناها (٤) |
والكتاب أعرب وأقوى فى الحجة من الشعر. وأمّا ما لا يحسن فيه الضمير (٥) لقلّة اجتماعه ، فقولك : قد أعتقت مباركا أمس وآخر اليوم يا هذا ؛ وأنت تريد : واشتريت آخر اليوم ؛ لأن هذا مختلف لا يعرف أنك أردت ابتعت. ولا يجوز أن تقول : ضربت فلانا وفلانا ؛ وأنت تريد بالآخر : وقتلت فلانا ؛ لأنه ليس هاهنا دليل. ففى هذين الوجهين ما تعرف به ما ورد عليك إن شاء الله.
وقوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ...) (١٦)
ربما قال القائل : كيف تربح التجارة وإنما يربح الرجل التاجر؟ وذلك من كلام العرب : ربح بيعك وخسر بيعك ، فحسن (٦) القول بذلك ؛ لأن الربح والخسران إنما يكونان فى التجارة ، فعلم معناه. ومثله من كلام العرب : هذا ليل نائم. ومثله من كتاب الله : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) (٧) وإنما العزيمة للرجال ، ولا يجوز الضمير (٨)
__________________
(١) آية ٢٢ من السورة المذكورة.
(٢) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «وقال».
(٣) هذا توجيه الخفض فى «حور عين» بالحمل على الفاكهة واللحم ، فقد خفضا مع أنهما لا يشتركان مع الأكواب فى الطواف بهما ، وإنما هو إتباع الآخر الأوّل على تقدير عامل مناسب ، فليكن هذا هنا.
(٤) انظر الخزانة ١ / ٤٩٩.
(٥ ، ٨) يريد بالضمير المحذوف.
(٦) كذا فى أ ، ب. وفى ش ، ج : «وحسن».
(٧) آية ٢١ سورة محمد.