ثم قال تصديقا لنفاقهم (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا) فنصب (فئتين) بالفعل (١) ، تقول : مالك قائما ، كما قال الله تبارك وتعالى (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) (٢) فلا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة ؛ يجوز فى الكلام أن تقول : مالك الناظر فى أمرنا ، لأنه كالفعل الذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما. وكل موضع صلحت فيه فعل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة ؛ كما تنصب كان وأظنّ ؛ لأنهن نواقص فى المعنى وإن ظننت أنهن تامّات. ومثل مال ، ما بالك ، وما شأنك. والعمل فى هذه الأحرف بما ذكرت لك سهل كثير. ولا تقل : ما أمرك القائم ، ولا ما خطبك القائم ، قياسا عليهن ؛ لأنهن قد كثرن ، فلا يقاس الذي لم يستعمل على ما قد استعمل ؛ ألا ترى أنهم قالوا : أيش عندك؟ ولا يجوز القياس على هذه فى شىء من الكلام.
وقوله : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) يقول : ردّهم إلى الكفر. وهى (٣) فى قراءة عبد الله وأبىّ والله ركسهم.
وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ...) (٩٠)
يقول : إذا واثق القوم النبىّ صلىاللهعليهوسلم ألّا يقاتلوه ولا يعينوا عليه ، فكتبوا صلحا لم يحلّ قتالهم ولا من اتّصل بهم ، فكان رأيه فى قتال رسول الله صلىاللهعليهوسلم كرأيهم فلا يحلّ قتاله. فذلك قوله (يصلون) معناه : يتصلون بهم.
__________________
(١) يريد به متعلق الجارّ والمجرور.
(٢) آية ٣٦ سورة المعارج.
(٣) يريد أن الثلاثىّ لغة فيه.