وقوله (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَ) وقد قرأها بعضهم (١) : (ثم أفضوا إلىّ) بالفاء. فأما قوله (اقضوا إلىّ) فمعناه : امضوا إلىّ ، كما يقال قد قضى فلان ، يراد : قد مات ومضى. وأما الإفضاء فكأنه قال : ثم توجّهوا إلىّ حتى تصلوا (٢) ، كما تقول : قد أفضت إلىّ الخلافة والوجع ، وما أشبهه.
وقوله : (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ) (٧٤)
يقول : لم يكونوا ليؤمنوا لك يا محمد بما كذّبوا به فى الكتاب الأوّل ، يعنى اللوح المحفوظ.
وقوله : (قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) (٧٧)
يقول القائل : كيف أدخل ألف الاستفهام فى قوله (أسحر هذا) وهم قد قالوا (هذا سحر) بغير استفهام؟
قلت : قد يكون هذا من قولهم على أنه سحر عندهم وإن استفهموا ؛ كما ترى الرجل تأتيه الجائزة فيقول : أحقّ هذا؟ وهو يعلم أنه حقّ لا شكّ فيه. فهذا وجه. ويكون أن تزيد الألف فى قولهم وإن كانوا لم يقولوها ، فيخرج الكلام على لفظه وإن كانوا لم يتكلّموا به ؛ كما يقول الرجل : فلان أعلم منك ، فيقول المتكلم : أقلت أحد أعلم بذا منّى؟ فكأنه هو القائل : أأحد أعلم بهذا منى. ويكون على أن تجعل القول بمنزلة الصلة لأنه فضل فى الكلام ؛ ألا ترى أنك تقول للرجل : أتقول عندك مال؟ فيكفيك من قوله أن تقول : ألك مال؟ فالمعنى قائم ظهر القول أو لم يظهر.
__________________
(١) نسبها ابن خالويه فى البديع إلى أبى حيوة.
(٢) فى ا : «تضلوا» ويبدو أنها مصحفة عما أثبتنا. وفى ش ، ج : «تملوا».