وقوله : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا) (٥٤)
(أنهم) فى موضع رفع لأنه اسم للمنع ؛ كأنك قلت : ما منعهم أن تقبل منهم إلا ذاك. و (أن) الأولى فى موضع (١) نصب. وليست بمنزلة قوله : (وَما أَرْسَلْنا) (٢) (قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ) هذه فيها واو مضمرة ، وهى مستأنفة (٣) ليس لها موضع. ولو لم يكن فى جوابها اللام لكانت أيضا مكسورة ؛ كما تقول : ما رأيت منهم رجلا إلا إنه ليحسن ، وإلّا إنه يحسن. يعرّف أنها مستأنفة أن تضع (هو) فى موضعها فتصلح ؛ وذلك قولك : ما رأيت منهم رجلا إلا هو يفعل ذلك. فدلّت (هو) على استئناف إنّ.
وقوله : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٥٥)
معناه : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فى الحياة الدنيا. هذا معناه ، ولكنه أخّر ومعناه التقديم ـ والله أعلم ـ لأنه إنما أراد : لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فى الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها فى الآخرة. وقوله (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) أي تخرج أنفسهم وهم كفّار. ولو جعلت الحياة الدنيا مؤخّرة (٤) وأردت : إنما يريد الله ليعذبهم بالإنفاق كرها ليعذبهم بذلك فى الدنيا ، لكان وجها حسنا.
__________________
(١) إذ المصدر المؤول فيها مفعول ثان لمنع.
(٢) آية ٢٠ سورة الفرقان.
(٣) يريد أنها فى صدر جملة وليست فى موضع المفرد. وجملتها فى موضع النصب لأنها حال.
(٤) أي غير منوىّ تقديمها ، كما فى الرأى السابق.