وأمّا قول الشاعر :
فيا عجبا حتى كليب تسبّنى |
|
كأنّ أباها نهشل أو مجاشع (١) |
فإنّ الرفع فيه جيّد وإن لم يكن قبله اسم ؛ لأنّ الأسماء التي تصلح بعد حتى منفردة إنما تأتى من المواقيت ؛ كقولك : أقم حتى الليل. ولا تقول أضرب حتى زيد ؛ لأنه ليس بوقت ؛ فلذلك لم يحسن إفراد زيد وأشباهه ، فرفع بفعله ، فكأنه قال : يا عجبا أ تسبّنى اللئام حتى يسبنى كليبىّ (٢). فكأنه عطفه على نيّة أسماء قبله. والذين خفضوا توهموا فى كليب ما توهموا فى المواقيت ، وجعلوا الفعل كأنه مستأنف بعد كليب ؛ كأنه قال : قد انتهى بي (٣) الأمر إلى كليب ، فسكت ، ثم قال : تسبنى.
وقوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ ...) (٢٠٥)
تجعل «ما» فى موضع نصب وتوقع عليها (يُنْفِقُونَ) ، ولا تنصبها ب (يسألونك) لأنّ المعنى : يسألونك أىّ شىء ينفقون. وإن شئت رفعتها من وجهين ؛ أحدهما أن تجعل «ذا» اسما يرفع ما ، كأنك قلت : ما الذي ينفقون.
والعرب قد تذهب بهذا وذا إلى معنى الذي ؛ فيقولون : ومن ذا يقول ذاك؟
فى معنى : من الذي يقول ذاك؟ وأنشدوا (٤) :
عدس(٥) ما لعبّاد عليك إمارة |
|
أمنت وهذا تحملين طليق |
__________________
(١) من قصيدة للفرزدق هجا بها جريرا. وكليب رهط جرير. ونهشل ومجاشع ابنا دارم بن مالك ابن حنظلة. ومجاشع قبيلة الفرزدق ، وانظر الخزانة ٣ / ١٦٩
(٢) كذا فى ش ، ج. والأنسب : «كليب».
(٣) فى ش ، ج : «فى».
(٤) فى أ : «أنشدونا».
(٥) عدس : اسم صوت لزجر البغل. وعباد هو ابن زياد. وهذا من شعر قاله يزيد بن مفرّغ الحميرى فى عباد. وكان يزيد قد أكثر من هجوه ، حتى حبسه وضيق عليه ، حتى خوطب فى أمره معاوية فأمر بإطلاق سراحه ، فلما خرج من السجن قدّمت له بغلة فركبها فنفرت ، فقال هذا الشعر. وانظر الخزانة ٢ / ٥١٤.