كما جمعوا مسيل الماء أمسلة ، شبّه بفعيل وهو مفعل. وقد همزت العرب المصائب وواحدتها مصيبة ؛ شبهت بفعيلة لكثرتها فى الكلام.
وقوله : (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) (١٢)
المعنى ـ والله أعلم ـ ما منعك أن تسجد. و (أن) فى هذا الموضع تصحبها لا ، وتكون (لا) صلة. كذلك تفعل بما كان فى أوّله جحد. و (١) ربما أعادوا على خبره جحدا للاستيثاق من الجحد والتوكيد له ؛ كما قالوا :
ما إن رأينا مثلهن لمعشر |
|
سود الرءوس فوالج وفيول (٢) |
و (ما) جحد و (إن) جحد فجمعتا للتوكيد. ومثله : (وَما (٣) يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ). ومثله : (وَحَرامٌ (٤) عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ). ومثله : (لِئَلَّا (٥) يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ) إلا أن معنى الجحد الساقط فى لئلا من أوّلها لا من آخرها ؛ المعنى : ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون. وقوله : (ما مَنَعَكَ) (ما) فى موضع رفع. ولو وضع لمثلها من الكلام جواب مصحح كان رفعا ، وقلت : منعنى منك أنك بخيل. وهو مما ذكر جوابه على غير بناء أوله ، فقال : (أنا خير منه) ولم يقل : منعنى من السجود أنى خير منه ؛ كما تقول فى الكلام : كيف بتّ البارحة؟ فيقول : صالح ، فيرفع ؛ أو تقول : أنا بخير ، فتستدلّ به على معنى الجواب ، ولو صحح الجواب لقال صالحا ، أي بتّ صالحا.
__________________
(١) الأظهر فى المعنى حذف الواو.
(٢) الفوالج جمع الفالج بكسر اللام ، وهو البعير ذو السنامين ، والفيول جمع الفيل للحيوان المعروف.
(٣) آية ١٠٩ سورة الأنعام.
(٤) آية ٩٥ سورة الأنبياء.
(٥) آية ٢٩ سورة الحديد.