نصبت خالصة على القطع (١) وجعلت الخبر فى اللام التي فى الذين ، والخالصة ليست بقطع من اللام (٢) ، ولكنها قطع من لام أخرى مضمرة. والمعنى ـ والله أعلم ـ : قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا ؛ يقول : مشتركة ، وهى لهم فى الآخرة خالصة. ولو رفعتها كان صوابا ، تردّها (٣) على موضع الصفة التي رفعت لأن تلك فى موضع رفع. ومثله فى الكلام قوله : إنا بخير كثير (٤) صيدنا. ومثله قول الله عزوجل : (إِنَ) (٥) (الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً.). المعنى : خلق هلوعا ، ثم فسر حال الهلوع بلا نصب ؛ لأنه نصب فى أوّل الكلام. ولو رفع لجاز ؛ إلا أن رفعه على الاستئناف لأنه ليس معه صفة ترفعه. وإنما نزلت هذه الآية أن قبائل من العرب فى الجاهلية كانوا لا يأكلون أيام حجهم إلا القوت ، ولا يأكلون اللحم والدسم ، فكانوا يطوفون بالبيت عراة ، الرجال نهارا والنساء ليلا ، وكانت المرأة تلبس شيئا شبيها بالحوف (٦) ليواريها بعض المواراة ؛ ولذلك قالت العامرية :
اليوم يبدو بعضه أو كله |
|
وما بدا منه فلا أحله |
قال المسلمون : يا رسول الله ، نحن أحق بالاجتهاد لربنا ، فأرادوا أن يفعلوا كفعل أهل الجاهلية ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) يعنى اللباس. (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) حتى يبلغ بكم ذلكم تحريم ما أحللت لكم ، والإسراف هاهنا الغلوّ فى الدين.
__________________
(١) أي على الحال.
(٢) يريد أنها ليست حالا من الجار والمجرور فى «للذين آمنوا فى الحياة الدنيا» بل يقدر جار ومجرور آخر هو خبر بعد خبر أي لهم خالصة يوم القيامة ، إذ كان هذا حكما لهم فى حال غير الحال الأولى.
(٣) يريد أن تكون خبرا ثانيا.
(٤) كذا فى ش. وفى ج : «وكثير». وعلى النسخة الأخيرة يحتمل أن يكون شطر رجز.
(٥) آيات ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ سورة المعارج.
(٦) هو جلد يشقق كهيئة الإزار يلبسه الصبيان والحائض.