فالحرف بعد حتّى مخفوض فى الوجهين ؛ من ذلك قول الله تبارك وتعالى (تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) (١) و (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (٢) لا يكونان إلا خفضا ؛ لأنه ليس قبلهما اسم يعطف عليه ما بعد حتى ، فذهب بحتى إلى معنى «إلى». والعرب تقول : أضمنه حتى الأربعاء أو الخميس ، خفضا لا غير ، وأضمن القوم حتى الأربعاء. والمعنى : أن أضمن القوم فى الأربعاء ؛ لأنّ الأربعاء يوم من الأيام ، وليس بمشاكل للقوم فيعطف عليهم.
والوجه الثاني أن يكون ما قبل حتى من الأسماء عددا يكثر ثم يأتى بعد ذلك الاسم الواحد أو القليل من الأسماء. فإذا كان كذلك فانظر إلى ما بعد حتى ؛ فإن كانت الأسماء التي بعدها قد وقع عليها من الخفض والرفع والنصب ما قد وقع على ما قبل حتى ففيها وجهان : الخفض والإتباع لما قبل حتى ؛ من ذلك : قد ضرب القوم حتى كبيرهم ، وحتى كبيرهم ، وهو مفعول به ، فى الوجهين قد أصابه الضرب. وذلك أنّ إلى قد تحسن فيما قد أصابه الفعل ، وفيما لم يصبه ؛ من ذلك أن تقول : أعتق عبيدك حتى أكرمهم عليك. تريد : وأعتق أكرمهم عليك ، فهذا مما يحسن فيه إلى ، وقد أصابه الفعل. وتقول فيما لا يحسن فيه أن يصيب الفعل ما بعد حتى : الأيام تصام كلها حتى يوم الفطر وأيام التشريق. معناه يمسك عن هذه الأيام فلا تصام. وقد حسنت فيها إلى.
والوجه الثالث أن يكون ما بعد حتى لم يصبه شىء مما أصاب ما قبل حتّى ؛ فذلك خفض لا يجوز غيره ؛ كقولك : هو يصوم النهار حتى الليل ، لا (٣) يكون الليل إلا خفضا ، وأكلت السمكة حتى رأسها ، إذا لم يؤكل الرأس لم يكن إلا خفضا.
__________________
(١) آية ٤٣ سورة الذاريات.
(٢) آية ٥ سورة القدر.
(٣) فى ش ، ج : «ولا».