والمقصود بالقرية أهلها وهم أقوام الأنبياء السابقين ، وهي اسم كان. وقوله (آمَنَتْ) خبرها. وقوله (فَنَفَعَها إِيمانُها) معطوف على (آمَنَتْ).
والمعنى : فهلا عاد المكذبون إلى رشدهم وصوابهم ، فآمنوا بالحق الذي جاءتهم به رسلهم ، فنجوا بذلك من عذاب الاستئصال الذي حل بهم فقطع دابرهم ، كما نجا منه قوم يونس ـ عليهالسلام ـ فإنهم عند ما رأوا أمارات العذاب الذي أنذرهم به نبيهم آمنوا وصدقوا ، فكشف الله عنهم هذا العذاب الذي كاد ينزل بهم ، ومتعهم بالحياة المقدرة لهم ، إلى حين انقضاء آجالهم في هذه الدنيا.
قال الإمام الشوكانى : والاستثناء بقوله : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ ..) منقطع ، وهو استثناء من القرية لأن المراد أهلها.
والمعنى : فهلا قرية واحدة من القرى التي أهلكناها آمنت إيمانا معتدا به ـ وذلك بأن يكون خالصا لله ـ قبل معاينة العذاب ، ولم تؤخره كما أخره فرعون ، لكن قوم يونس «لما آمنوا» إيمانا معتدا به قبل معاينة العذاب ، أو عند أول المعاينة قبل حلوله بهم «كشفنا عنهم عذاب الخزي» أى : الذل والهوان.
وقيل يجوز أن يكون متصلا ، والجملة في معنى النفي ، كأنه قيل : ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس ..» (١).
وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه : «وما يرويه بعض المفسرين هنا من أن العذاب نزل عليهم ، وجعل يدور على رءوسهم .. ونحو هذا ، ليس له أصل لا في القرآن ولا في السنة ...
وفي الآية إشارة إلى أنه لم توجد قرية آمنت بأجمعها بنبيها المرسل إليها من سائر القرى ، سوى قوم يونس.
والبقية دأبهم التكذيب ، كلهم أو أكثرهم ، كما قال ـ تعالى ـ (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ).
وفي الحديث الصحيح : «عرض على الأنبياء ، فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس ـ أى العدد القليل ـ والنبي معه الرجل ، والنبي معه الرجلان ، والنبي ليس معه أحد» (٢).
وفي الآية الكريمة ـ أيضا ـ تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من حزن بسبب إعراض
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٢ ص ٤٧٣.
(٢) تفسير القاسمى ج ٦ ص ٣٤٠٠.