إنّ الزبير لم يخرج على بصيرة من أمره ـ كما يقول ولده ـ وإنّما خرج محاربا لله ورسوله ، من أجل الملك والسلطان ، فهو على علم لا يخامره شكّ أنّ عليّا مع الحقّ ، والحقّ معه ، كما قال النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فكيف يكون خروج الزبير لحرب الإمام عليّ على بصيرة؟
وعلى أي حال فقد التاع الزبير من تعيير ابنه له بالجبن ، وهي من أبغض الصفات وأمقتها عند الزبير (١) والتفت إلى ولده فقال له :
ويحك! إنّي قد حلفت له ـ أي للإمام ـ أن لا اقاتله ...
فقال له ولده :
كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس ...
فأعتق الزبير غلامه ، وراح يجول في ساحة الحرب ليرى ولده شجاعته ...
وأخذت تراوده الأفكار ، واستبان له أنّه على ضلال فانصرف عن ساحة القتال ، وأخذ يجدّ في السير حتّى انتهى إلى وادي السباع ، فلقيه عمرو بن جرموز ، فقال له :
يا أبا عبد الله ، أحييت حربا ظالما أو مظلوما ، ثمّ تنصرف ، أتائب أنت أم عاجز؟
فسكت الزبير ولم يجبه ، وأعاد ابن جرموز عليه الحديث فقال له : حدّثني عن خصال خمس : أسألك عنها؟
هات.
خذلك عثمان ، وبيعتك عليّا ، وإخراجك أمّ المؤمنين ، وصلاتك خلف ابنك ، ورجوعك عن الحرب ...
نعم ، اخبرك .. أمّا خذلي عثمان فأمر قدّم الله لي الخطيئة وأخّر لي فيه التوبة ،
__________________
(١) مروج الذهب ٢ : ٢٤٧.