« كيف لا أبكي وأنت تقول : إنّك تفارقنا ... »؟
وهدّأ الإمام روعتها وأخبرها بما سيصير إليه من المنزلة الرفيعة عند الله قائلا :
« يا بنيّة ، لا تبكي ، فو الله! لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت ... ».
وسارع حبيب قائلا :
ما الذي ترى يا أمير المؤمنين؟
« يا حبيب ، أرى ملائكة السّماء والنّبيّين بعضهم في إثر بعض وقوفا يتلقّونني ، وهذا أخي محمّد صلىاللهعليهوآله جالسا عندي يقول : أقدم فإنّ ما أمامك خير ممّا أنت فيه » (١).
وساد البكاء وعمّ الحزن وانتشر العويل عند السيّدات من بنات الإمام وعياله.
أمّا الأصبغ بن نباتة فهو من خواص أصحاب الإمام عليهالسلام وأحبّائه ، وقد أذهله الخطب ومزّق الأسى قلبه باغتيال الإمام فسارع مع جماعة من أصحابه إلى دار الإمام كان منهم الحارث ، وسويد بن غفلة ، فجلسوا خلف الإمام فسمعوا البكاء والعويل من داخل الدار فأجهشوا في البكاء ، فخرج إليهم الإمام الحسن فقال لهم :
« يقول لكم أمير المؤمنين : انصرفوا إلى منازلكم ».
فانصرف القوم سوى الأصبغ بن نباتة ، واشتدّ بكاء العلويّات وأبناء الإمام من داخل الدار ، حينما أيقنوا أنّ أباهم في الساعات الأخيرة من حياته ، وبكى الأصبغ بكاء عاليا ، فخرج إليه الإمام الحسن فقال له :
« ألم أقل انصرفوا ... »؟
__________________
(١) المجالس السنيّة ٢ : ٢٤١.