إنّ الذي قتل عمّارا هو الذي أخرجه إلى حومة الحرب وآمن الغوغاء من أهل الشام بمقالته ، ونقل إلى الإمام عليهالسلام قوله فردّ عليه قائلا :
« إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله هو الّذي قتل حمزة وجعفرا لأنّه أخرجهما للحرب ».
وفنّد الإمام بذلك المنطق الرخيص لابن العاص.
ليلة الهرير :
أمّا ليلة الهرير فهي أقسى ليلة وأشدّها هولا وعنفا في جميع حروب صفّين ، وقد وصفها الرواة بأنّ الجيشين زحف بعضهما إلى بعض فتراموا بالنبل والحجارة حتى فنيت ، ثمّ تطاعنوا بالرماح حتى تكسّرت ، ثمّ مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيف وعمد الحديد فلم يسمع السامع إلاّ وقع الحديد بعضه على بعض ، وهو أشدّ هولا في صدور الرجال من الصواعق ومن جبال تهامة يدكّ بعضها بعضا ، وبقوا على هذا الصراع العنيف حتى انكشفت الشمس ، وثار القتام وظلّت الألوية والرايات قائمة والمعارك مستمرة ، ثمّ اجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل لم يصلّوا لله صلاة ، واستمر القتال حتى أصبحوا وكانت الضحايا سبعين ألف قتيل من الفريقين ، وكان الإمام في قلب الجيش والأشتر يزحف بجنده ، وهو يقول لهم :
ازحفوا قيد رمحي هذا ، فإذا فعلوا ذلك قال لهم : ازحفوا قاب هذا القوس (١) ولم يزل القتال مستمرّا حتى تفلّلت جميع قوى معاوية ، وبان عليه الانكسار وهمّ بالفرار إلاّ أنّه تذكّر قول ابن الأطنابة :
أبت لي همّتي
وأبى بلائي |
|
وإقدامي على
البطل المشيح |
__________________
(١) وقعة صفّين : ٣٩٠ ـ ٣٩١.