تنظيم قواهم ، ولمّا تمّت عدّتهم زحف بهم الإمام عليهالسلام لحرب عدوّه وقد قدّم طلائع جيشه ، وأمرهم بملازمة الفرات ، فقال لهم : عليكم بملازمة هذا المكان ـ يعني الفرات ـ حتى يأتيكم أمري (١) ، كما أمرهم أن لا يبدءوا أهل الشام بقتال حتى يلحق بهم.
وزحفت كتائب الجيش العراقي كأنّها السيل ترفرف عليها ألوية العدل والحقّ ، وهي على يقين لا يخامره الشكّ أنّها إنّما تحارب القوى الباغية على الإسلام والمعادية لأهدافه ، وأخذت تجدّ في السير لا تلوي على شيء حتى انتهت إلى صفّين.
ولمّا استقرّت جيوش الإمام في صفّين لم يجدوا شريعة يستقون منها الماء إلاّ وهي محاطة بقوى مكثّفة من جيش معاوية ، وهم يمنعونهم أشدّ المنع من الارتواء منه ، والوصول إليه ، ولمّا رأى ذلك الإمام أوفد بعض أصحابه إلى معاوية يطلب منه أن يخلّي بينهم وبين الماء ليشربوا منه ، وعرض معاوية ذلك على خاصّته من الأمويّين والشاميّين ، فأبوا أن يسمحوا لهم بشرب الماء ، وأصرّوا على حرمانهم منه كما حرموا عثمان بن عفّان منه ، ورجع رسول الإمام فأخبره بإصرار القوم على منع الماء عنهم ، وأضرّ العطش بأصحاب الإمام فانبرى إليه الأشعث بن قيس يطلب منه الإذن بفتح باب الحرب عليهم لرفع الحصار عن حوض الفرات ، ولم يجد الإمام بدّا من إجابته ، وكان ذلك في آخر النهار ، وانتظر الأشعث طلوع الفجر ليحمل على جيش معاوية ، ولمّا انبثق نور الصبح خرج الأشعث رافعا صوته :
من كان يريد الماء أو الموت فميعاده الصبح فإنّي ناهض إلى الماء ، فاستجاب
__________________
(١) لسان العرب ٧ : ٤٠٨.